مأساة

عبّارة الموت
إعداد: الرقيب سامر حميدو

 

غدّار البحر... وغدّار الحرمان

 

بعد طول معاناة، عاد إلى أرض الوطن 18 ناجيًا من «عبارة الموت الأندونيسية»، هؤلاء اقسموا اليمين على عدم ترك وطنهم، لكن، يبقى على الوطن أن يمنع تجدد المأساة.
ثمانية عشر لبنانيًا، رجالاً، نساءً، وأطفالاً، تركوا في أعماق المحيط أكثر من أربعين رفيقًا عاشوا معهم على أرض الجزيرة الأندونيسية حوالى الشهرين، بانتظار نقلهم إلى بر الأمان في القارة الأسترالية. عاشوا الرعب والجوع والعطش أربعة أيام على متن عبارة لا وسائل اتصال فيها. السماء من فوقهم، وارتفاع الأمواج من حولهم... عادوا إلى أرض الوطن، حاملين معهم كل أنواع المآسي والأسئلة.

 

سماسرة الموت ومافيات الهجرة

 

مافيات الهجرة غير الشرعية وراء المأساة، وهي تعمل منذ أكثر من ثماني سنوات على الإيقاع بالشباب الباحث عن فرصة تؤمن لقمة العيش الكريم. رأس المافيا وفق ما يتم تداوله في المنطقة رجل عراقي معروف باسم «أبو صالح»، وقد وقع في حبائله 45 شخصًا هاجروا من عكار وطرابلس. أما العدد الإجمالي للركاب على متن عبارة الموت فكان 72 شخصًا إضافة إلى القبطان ومساعده.

 

حرمان وهروب إلى المستحيل

 

بعض الناجيين روى معاناته تجربة الموت على متن العبّارة:
عمر المحمود الذي فقد عائلته، يقول: «لقد خسرنا كل شيء، كنا حوالى 80 شخصًا، العبارة كانت في حالة يرثى لها، لا طعام، لا وقود، والأولاد يبكون خوفًا».
أما أسعد علي أسعد الذي فقد زوجته وثلاثة من أبنائه، فيقول إنه غادر لبنان إلى أوستراليا على أمل ألا يعود، وقد بات اليوم وحيدًا. «عدت إلى بلدي وحيدًا بعد أن فقدت كل عائلتي وتركتهم ورائي ضحايا. أنصح الجميع بعدم تكرار هذه المغامرة القاتلة».
بدورها تروي أفراح حسن (22 سنة ): كنا على مسافة نحو 2 كيلومتر من إحدى الجزر الأندونيسية عندما ضربت موجة كبيرة العبّارة فقسمتها إلى نصفين وأصبحنا فجأة في المياه، تمسكت بلوحة من الخشب ساعدتني في الوصول إلى الشاطئ.
أما نديمة بكور وإبنها خليل، اللذان لا يزالان يعيشان الصدمة، فأشارت إلى أنها وبأعجوبة من السماء، تمسكت بحقيبة عائمة وتمكنت من الوصول إلى الجزيرة، حيث رأت ابنها خليل الذي لم يتجاوز الثماني سنوات وهو ينازع، فأنقذته.
الناجي أحمد كوجا ترك لبنان باحثًا عن أمل في حياة أفضل هو وزوجته الحامل في شهرها السادس. اليوم يستيقظ على مأساة أكبر من مأساة الحرمان وانسداد الأفق بعدما خسر الأحباب وجنى العمر...
غدّار البحر واللبنانيون يعرفون مآسيه، وغدّار الحرمان وعكار تعرف مرارته.
هل يغيّر البحر أطباعه؟ أم يغيّر الوطن وجهة تعاطيه مع القضايا الملحّة؟