مقابلة

عدد الفقراء في العالم سيزداد ٥٠٠ مليون شخص
إعداد: إلهام نصر تابت

يرى الخبير الاقتصادي اللبناني الكندي البروفيسور في جامعة أوتاوا – كندا كمال ديب أنّ تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد العالمي ستكون كارثية، وستفوق تداعيات الانهيار المالي في العامَين ١٩٢٩ و٢٠٠٨، وهذا الواقع سيضيف نحو ٥٠٠ مليون شخص إلى عدد الفقراء في العالم.
شغل البروفيسور ديب سابقًا منصبَي خبير اقتصادي رئيسي في الحكومة الكندية ورئيس مركز الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والدراسات الثقافية في كندا، له العديد من المؤلفات ومن بينها ثلاثة كتب عن «حيتان المال في لبنان» فضلًا عن مئات الأبحاث والمقالات المنشورة في دوريات متخصصة، وهو يؤكد أنّ مكافحة الفساد هي أول مدخل لمعالجة الوضع في لبنان.
في ما يلي حوار أجرته «الجيش» مع البروفيسور ديب حول تداعيات وباء كوفيد - ١٩ في العالم والمنطقة ولبنان.


• أنت تتوقع انهيار التجارة العالمية بمعدل الثلث هذا العام، عمليًا ماذا يعني ذلك بالنسبة للدول الغنية وتلك الفقيرة؟ خسارة الوظائف، تراجع النمو، إلخ... أي اقتصاد نتحدث عنه في هذه الحالة؟
- هذا ليس توقعًا بل حقائق تنتشر يوميًا حول تداعيات جائحة كوفيد-١٩ على الاقتصاد العالمي. فقد شهد الفصل الأول من العام الحالي أسوأ وضع اقتصادي عالمي، وهو وضع غير مسبوق فاق في وقعه الانهيار المالي الذي حصل في العامَين ١٩٢٩ و٢٠٠٨، مع توقعات بأن ينكمش الاقتصاد الدولي بنسبة ١٢ في المئة. وفي ٩ نيسان الماضي، اعتبر صندوق النقد الدولي أنّ جائحة كوفيد-١٩ ستسبّب «أسوأ العواقب الاقتصادية منذ الكساد الكبير في العام ١٩٢٩»، وأكثر من ١٧٠ دولة من أصل ١٨٩ دولة عضو في الصندوق ستشهد انكماشًا اقتصاديًا وتراجعًا في دخل الفرد لديها. وتوقّع صندوق النقد أنّ الاقتصاد العالمي سيبقى في أزمة طوال العام، ثم يدخل في «انتعاش جزئي» في العام ٢٠٢١، شرط أن يتم احتواء الوباء ابتداء من حزيران المقبل لكي تتمكن الحكومات من رفع تدابير العزل التي فرضتها واستئناف النشاط الاقتصادي.
من ناحيتها أكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أونكتد) في ٢٣ آذار ٢٠٢٠ أنّ آثار الجائحة الاقتصادية السلبية ستتواصل لعدة سنوات، وعدد من الاقتصادات الكبرى سيعاني ركودًا قد يستمر لخمس سنوات، في حين ذكر بيان مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أنّ بطء الاقتصاد الدولي خلال أربعة شهور كلّف التجارة الدولية ما قيمته ١٠٠٠ مليار دولار (ترليون). كما توقّع تقرير البنك الآسيوي للتنمية أنّ التكلفة العالمية للوباء قد تصل إلى ٤.١ ترليون دولار خلال ٢٠٢٠، لأنّه يتمركز الآن في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وهذه الدول تسهم بأكثر من ٤٥ ترليون دولار من الناتج العالمي وقيمته ٨٣ مليار دولار، وهي ستنشر الانكماش على بقية العالم.
بالنسبة للدول النامية والفقيرة توقّعت وكالة FAO للزراعة العالمية، ومنظمة الإغاثة OXFAM في ٩ نيسان الماضي أن عدد الفقراء في العالم سيزيد بنحو ٥٠٠ مليون شخص، بسبب تدهور الاقتصاد العالمي نتيجة انتشار الفيروس.


• من ضمن توقعاتك تعطّل قيادة أميركا والغرب للعالم، هل تتوقع أن تستطيع الصين الإمساك بزمام المبادرة؟ وكيف يمكن أن ينعكس ذلك في الشرق الأوسط؟
- نعم، بعدما أصبحت أوروبا وأميركا بؤرة الوباء ومركز لثلاثة أرباع الإصابات والوفيات تعرّضت اقتصادياتها لانكماشٍ خطير، وتراجع موقعها الدولي القيادي عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، استعادة هذا الدور إذا افترضنا أنّ الجائحة تنتهي بحلول شهر حزيران قد يحتاج إلى ١٢ شهرًا. وهذه الفترة هي نافذة أو فرصة لصعود آسيا الذي طال انتظاره، وخصوصًا الصين ومشروعها الكبير طريق الحرير. ولكن الصين التي يرشّحها كثيرون لريادة اقتصاد العالم، قد دفعت ثمنًا باهظًا أيضًا في الفصل الأول من ٢٠٢٠ إذ تراجع نمو اقتصادها، وستتعرّض لواقعٍ مماثل في الفصل الثاني من ٢٠٢٠. فهي تمكّنت من التغلّب على انتشار الفيروس واستعادت العجلة الاقتصادية بسرعةٍ مدهشة، ولكن هذا لا يكفي لأنّ ثمّة هبوطًا حادًا في الطلب العالمي على بضائع الصين وخدماتها، ما فرض تدهورًا في إنتاج مصانعها وهو الأعمق منذ ٣٠ سنة. ومن البديهي أنّ الطلب العالمي ليس مقتصرًا على البضائع الاستهلاكية من الصين فقط، بل أيضًا على البضائع التي تدخل في عجلة الإنتاج الصناعي في عدد كبير من الدول حول العالم وحتى في الدول الصناعية الكبرى. وانقطاع مثل هذه السلع يعني توقّف عشرات آلاف المصانع حول العالم عن الإنتاج.
 

• هل من تقديرات لأثر انهيار سعر النفط بهذه الطريقة الكارثية؟ وما هي التداعيات في الدول المنتجة وتلك المستهلكة التي بدأت تميل إلى التعافي من كورونا؟
- إنّ انهيار سوق الطاقة هو جزء أساسي من الكارثة الاقتصادية على العالم، إذ إنّ ركود اقتصاديات العالم لعدة شهور بسبب الوباء قد خفّض الطلب على النفط والغاز وأوجد منافسة عالمية بين مصدّري النفط والغاز في العالم. وفاقم في الوضع خطوة السعودية في زيادة الإنتاج بكمياتٍ ضخمة في ٦ آذار الماضي ما دفع سعر البرميل للهبوط بنسبة ٣٠ في المئة في يوم واحد. إذ بعدما كان سعر برميل النفط يناهز ٧٠ دولارًا في نيسان ٢٠١٩، أتت خطوة السعودية لتدفع السعر إلى هاوية سحيقة إذ انتهى إلى ٢٠ دولارًا في نيسان ٢٠٢٠. وحتى اتفاق مجموعة أوبك + على تخفيض الكميات بنحو ١٠ ملايين برميل يوميًا، لم ينفع بسبب أزمة كوفيد-١٩ إذ واصلت أسعار العقود الآجلة هبوطها إلى الحضيض.
وبما أنّ معظم أعضاء أوبك هم دول عربية، فإنّ هبوط الأسعار شديد الأذية باقتصادياتها وبخاصةٍ السعودية وقطر والكويت، في ظل تداعيات الفيروس من إقفالات وتعطيل على الجميع. فبسبب أزمة كورونا وتراجع الطلب العالمي وعرقلة التجارة الدولية، ستشهد دول الخليج خسائر ناجمة عن تراجع أسعار النفط وانكماش الاقتصاد بسبب جائحة كوفيد-١٩ والإقفال الدولي، وقد يستمر تأثيرها إلى خريف ٢٠٢٠. إنّ هبوط أسعار النفط وأزمة الفيروس هما ضربة موجعة لاقتصاد السعودية التي خسرت أيضًا موسم الحاج والسياحة الدينية فضلًا عن تعطّل التجارة، إلخ... وغرقت في عجز موازنة غير مسبوق يعطّل خطة التنويع الاقتصادي لعدة سنوات.
أما الدول المستوردة للنفط فمعظمها في أوروبا بالإضافة إلى اليابان والصين والباقي في مناطق متفرقة، وهي لن تستفيد من تدهور أسعار النفط إلا مؤقتًا، إذ يمكنها تعزيز احتياطاتها بأسعارٍ رخيصة ليس أكثر، ولكنّها مضطرة بعد حين إلى تقبّل أسعار السوق.
 

• هبوط الإنتاج الصناعي الأميركي هل يمكن أن تكون له آثار إيجابية على الدول النامية والفقيرة؟ وبما أنّ التداعيات الاقتصادية والسياسية في العالم ستستمر ١٢ شهرًا وفق رأيك، كيف ترى أبرز ملامح العالم بعد سنة؟
- الإنتاج الصناعي الأميركي يمكن أن يهبط بنسبة الثلث، والبطالة أصابت ٥٠ مليون شخصٍ، فيما الجيوش الكبرى والأساطيل الأميركية متوقفة حاليًا. ويمكن أن يُكتب الكثير عن إيجابيات هذا الأمر، ولكن لا يمكن إهمال مسألة أنّ أميركا هي أيضًا ربع الاقتصاد العالمي ووجودها السياسي والعسكري يحقق نوعًا من التوازن والأمن الدوليَين، وهي قائدة لعددٍ كبير من الدول وعلّة استقرارها. ولذلك، فتأثير التراجع الأميركي على الدول النامية والفقيرة ليس محسومًا. أما تداعيات جائحة كوفيد-١٩ على العالم بعد ١٢ شهرًا فلا شك أنّها ستكون كبيرة: عالم أكثر تفككًا وفقرًا، فقدان ثقة الشعوب بحكوماتها وبخاصة في الدول الغربية حيث غلبت إدعاءات الطبقات الحاكمة وتبجحاتها سرعة انكشاف أنظمتها الصحية البائسة واختفاء صوتها على الساحة الدولية. ويمكن للدول الغنية وفي طليعاتها أميركا أن تشارك في عالم ما بعد الجائحة بضخ معونات مالية وعينية عاجلة إلى الدول الفقيرة أو التي يصيبها الإفقار. وتتضمن هذه المعونات إنقاذ الأُجراء الذين يخسرون وظائفهم وأصحاب الأعمال الذين أُقفلت أبوابهم، وكذلك تقليص ديون بعض الدول وتقديم حزمات دعم من صندوق النقد الدولي مع نصائح بفرض الضرائب على الأغنياء والأرباح الفاحشة والاستثمارات الريعية.
 

• برأيك ما هي أبرز العناوين التي يمكن أن يعتمدها لبنان للخروج من نفق الأزمة؟
- بالنسبة للدول العربية، حذّر الصليب الأحمر الدولي في ١٥ نيسان الماضي من أنّ تفشي فيروس كورونا في المنطقة العربية يهدّد بتدمير حياة ملايين الأشخاص أولًا في الدول التي تعاني من صراعات، ما قد يفجّر اضطرابات اجتماعية واقتصادية، وثانيًا في الدول التي تعاني أصلًا من وضع اقتصادي ومالي صعب مثل لبنان، ولكنّها اضطرت إلى فرض إجراءات حظر التجول والعزل في إطار تدابير الحفاظ على الصحة العامة وكبح انتشار الفيروس، ما يجعل من الصعب توفير سبل العيش أمام المواطنين. والدول العربية المعرّضة لأخطارٍ شديدة هي اليمن وسوريا والعراق وفلسطين (خاصة قطاع غزة) ولبنان والأردن. وعلى السلطات في هذه البلدان الاستعداد «لتداعيات مدمِّرة محتملة» و«زلزال اجتماعي واقتصادي»، وربما أعمال عنف قد تصل إلى تغييرات أساسية.
إنّ أزمة لبنان قائمة منذ ٣٠ سنة وبدأ انفجارها قبل جائحة كوفيد - ١٩، ووضعه الاقتصادي والمالي هشّ في أفضل الأحوال. ولكن بنيته التحتية لم تتأذ كثيرًا، وربّ ضارة نافعة في اقتناع المسؤولين بإعطاء الأولوية للزراعة الوطنية والصناعة الوطنية ولجم الاستيراد بدرجةٍ كبيرة. ولكن أي تحسّن حقيقي لن يحصل بسبب طغيان حيتان المال على الساحة، وبالتالي فساد الدولة يجب أن يكون أول مدخل للمعالجة.