عيد الجيش عيد الوطن

عرس الكلّية الحربية يعود بعد ثلاثة أعوام من الانقطاع
إعداد: تريز منصور

226 ضابطًا تسلّموا سيوفهم وأدّوا القسم
الرئيس عون:لا تراجع أمام الإرهاب والجيش على جهوزية لمواجهته ونأمل الكشف عن مصير المخطوفين

 

«لا تراجع أمام الإرهاب، الجيش على جهوزية لمواجهته، وكذلك مؤسساتنا الأمنية. فالجيش واجه الإرهابيين في محطات متتالية ونجح في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وتثبيت السلام على حدودنا الجنوبية، بفضل التفاف الشعب حوله، وتمسّك لبنان بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة. وعلينا أن نستثمر هذا الاستقرار، كمسؤولين سياسيين، في تحقيق نهضة اقتصادية يتوق إليها اللبنانيون...». هذا ما أكده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته خلال ترؤسه احتفال تقليد السيوف لضباط دورة «المقدم الشهيد صبحي العاقوري»، في مناسبة العيد الثاني والسبعين للجيش، وذلك في الملعب الأخضر في الكلية الحربية، وتلبيةً لدعوة قائد الجيش العماد جوزاف عون.

 

الحضور والوقائع
تقدّم الحضور إلى جانب رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة سعد الحريري، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، نائب رئيس الحكومة وزير الصحة العامة غسان حاصباني، وزير الدفاع الوطني يعقوب الصرّاف، وعدد من الوزراء والنواب والشخصيات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والروحية والقضائية والأكاديمية والبلدية... إلى جانب رئيس الأركان اللواء الركن حاتم ملّاك وكبار الضباط وعائلات المتخرجين.
الاحتفال، وهو الأول منذ ثلاث سنوات نتيجة الشغور الرئاسي، بدأ مع وصول علم الجيش، فرئيس الأركان في الجيش اللواء الركن حاتم ملّاك، فقائد الجيش العماد جوزاف عون، ومن ثم وزير الدفاع الوطني يعقوب الصرّاف، فرئيس الحكومة سعد الحريري، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وأُدّيت لكلّ منهم مراسم التكريم وفق البروتوكول.

عند التاسعة، وصل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فعَزفت ثُلّة من موسيقى الجيش بقيادة العقيد أبولو سكر لحن التعظيم، ثم النشيد الوطني اللبناني. وقد وضع الرئيس عون إكلـيلًا من الزهر على النصب التذكاري لشهداء ضبــاط الجيش داخل حـــرم الكلّية الحربيـــة، يحيط به وزير الدفاع وقائد الجيش ورئيس الأركان وقائد الكلية الحربية العميد فادي غريّب. وعزفت الموسيقى معزوفة الموتى، ولازمة النشيد الوطني، ونشيد الشهداء، فيما ردّد التلامذة الضباط عبارة «لن ننساهم أبدًا» ثلاث مرّات على إيقاع الطبول.
ثم توجّه الرئيس عون إلى المنصّة الرسمية بعد أن استعــرض الحضور وفي الوقت عينه القوى المشاركة في العرض والمنتشــرة في الملعب الأخضر في الجهة المقابلة، لتبدأ وقائع الاحتفال بتحليق تشكيلات جوّية من الطوافات والطائـرات من نوع Cessna-Caravan في السماء، وحملت بعض الطوافات الأعلام اللبنانية وأعلام الجيش.
أعقب ذلك، تسليم طليع الدورة الملازم علي حبّ اللـه (قوى الأمن الداخلي) بيرق الكلية الحربية إلى طلاب السنة الثانية، فتقدّمت الدورة المتخرجة وهي تنشد نشيد الكلية الحربية باتجاه منتصف الملعب، حيث تمركزت في المكان المخصّص وتقدم طليعها من رئيس الجمهورية، طالبًا منه تسمية الدورة باسم المقدم الشهيد صبحي العاقوري. وردّ الرئيس عون: «فلتسمّ دورتكم دورة المقدم الشهيد صبحي العاقوري».

 

قراءة المراسيم وتسليم السيوف
بعد ذلك، تلا وزير الدفاع الوطني يعقوب الصرّاف المرسوم 1143 لترقية تلامذة ضباط قوى الجيش وعددهم 159 ضابطًا، فيما تلا وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق المرسوم 1141 لترقية تلامذة ضباط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وعددهم 49 ضابطًا، والمديرية العامة للأمن العام وعددهم 11 ضابطًا، كما تلا المرسوم 1181 لترقية ضباط للمديرية العامة لأمن الدولة وعددهم خمسة ضباط. ثم تلا وزير المالية علي حسن خليل المرسوم 1182 لترقية ضباط في مديرية الجمارك العامة- سلك الضابطة الجمركية وعددهم أربعة.
وقبل أن يباشر الرئيس عون تسليم السيوف إلى الضباط المتخرجين في دورة المقدم الشهيد صبحي العاقوري، حرص على تسليم كل من طليع دورات 2014 و2015 و2016 سيوفهم في خطوة رمزية نظرًا لتعذّر ذلك خلال السنوات المذكورة نتيجة الشغور الرئاسي. فتسلّم طليع دورة 2014 الملازم أول محمد عكاري السيف باسم رفاق دورته التي حملت اسم الرائد الشهيد روجيه حرفوش، وتلاه طليع دورة 2015 الملازم أحمد السمروط الذي تسلّم السيف باسم رفاق دورته التي حملت اسم الرائد الشهيد ميشال مفلح، فيما تسلم طليع دورة 2016 الملازم أحمد نجار السيف باسم رفاق دورته التي حملت إسم العقيد الشهيد نور الدين الجمل.
وعلى الأثر، سلّم الرئيس عون الضباط المتخرجين للعام 2017 السيوف، تقدّم بعدها علم الجيش أمام رئيس الجمهورية، ثم تقدم طليع الدورة المتخرجة الملازم علي حب اللـه وأقسم اليمين الآتية: «أقسم باللـه العظيم أن أقوم بواجبي كاملًا حفاظًا على علم بلادي وذودًا عن وطني لبنان». وردّد الضباط المتخرّجون «واللـه العظيم».

 

كلمة رئيس الجمهورية: أنتم صخرة الأمان لشعبكم
وألقى الرئيس عون كلمته التي قال فيها: «ختمتم اليوم بنجاح مرحلة من حياتكم الدراسية لتبدأ حياتكم العملية، وقد شئتموها أن تكون في قلب المؤسسات العسكرية، وبذلك اخترتم أن تكونوا حماة سيادة الوطن واستقلاله، والعين الساهرة على أمنه وحرية شعبه وطمأنينته.
يكفيكم فخرًا يا ضباط دورة المقدّم الشهيد صبحي العاقوري، أنكم وسط التجاذبات السياسية، وخلافات الرأي، تشكّلون صخرة الأمان لوطنكم وشعبكم، وقلوب اللبنانيين من كل الأطراف، والأحزاب، والفئات تظلّلكم. فليس هناك إجماع لبناني أوسع وأكثر صلابة من الإجماع حول المؤسـسات العسكرية والأمنية. ولكم وللبنانيين أجمعين في مثال المقدم الشهيد الذي سميتم دورتكم على اسمه، خير دليل على تضحياتكم الجسام، وذودكم عن الوطن الذي ائتمنتم على أمانه وسلامه حتى الشهادة».
وأضاف الرئيس عون: «إن الجندية، كما تعرفون من عقيدتكم العسكرية، ليست وظيفة إنما هي رسالة؛ فعندما يستبسل الجندي على الجبهة ويواجه الخطر بصدره، فهو لا يفعل ذلك طمعًا براتب أو برتبة، بل إيمانًا برسالته وبدوره، وإدراكًا منه لكون مسؤولية حماية أرضه وأهله تقع على عاتقه، حتى ولو كلفه ذلك حياته.
ولكن، إذا كان الاستشهاد حاضرًا في وعينا دائمًا فهو ليس غايتنا، فنحن لا نقاتل لنستشهد، إنّما لنحيا بكرامة وبأمان نحن وأولادنا وكل شعبنا. وإذا سقط منّا شهداء في ساحات الشرف، فوعدنا لهم يكون دائمًا أن نكمّل المسيرة، من دون أن ننسى من هم على عاتقهم، آباء وأمهات وزوجات وأولادًا، فنؤمّن لهم العيش بكرامة في وطن حر آمن يطمئنون فيه إلى يومهم وغدهم».

 

قسم يرسم مسيرة حياة
واستذكر الرئيس عون في كلمته أنه في العام 1958، «وقفت وقفتكم هذه، تسلّمت سيف البطولة وأقسمت يمين القيام بالواجب حفاظًا على علم بلادي وذودًا عن وطني لبنان. هذا القسم لم يكن مجرد كلمات ردّدتها عند التخرّج وانتهى مفعولها بانتهاء الاحتفال، هذا القسم أصبح منذ ذاك اليوم جزءًا من ضميري ووجداني ورسم مسيرة حياتي. والوفاء به كلّفني الكثير الكثير من التعب والتضحيات، ولكنه منحني أغلى ما في الحياة، منحني راحة الضمير الحرّ. واليوم أنتم تقسمون اليمين إياه، فإن وفيتم به ستتعبون حتمًا، ولكنكم تنامون مرتاحي الضمير، وإن تجاهلتموه، قد ترتاحون جسدًا ولكن حتمًا ستتعبون ضميرًا. وكلّي ثقة بأنكم ستختارون نقاء الضمير وراحته».
وتابع مخاطبًا الضباط والعسكريين: «إنها ليست المرة الأولى الـتي أخاطبكم فيها، بل لطالما كنتم أسرتي ورفاقي حين كنت في مواقع القيادة والقرار. ولكن للمرة الأولى أتوجّه إليكم قائدًا أعلى للقوات المسلّحة. وتشاء الظروف أن يتزامن تخرّجكم اليوم مع تحدّيات كبيرة ملقاة على عاتق المؤسـسات العسكرية والأمنية لمواجهة أخطار الإرهاب والاعتداءات على لبنان. وقد نجحتم في تفكيك الكثير من الشبكات والخلايا الإرهابية، وتحقيق ضربات استباقية للإرهابيين، واعتقال العشرات منهم. وآخر نصر للبنان، كان تحرير منطقة غالية من الحدود الشرقية من براثن التنظيمات الظلامية، وتثبيت الطمأنينة والأمان فيها، فيما نتطلّع الآن إلى قواتنا المسلّحة المتأهّبة لتحقيق نصر جديد، وتحرير ما تبقى من أراضٍ استباحها الإرهاب لسنوات. وكلّنا أمل بأن تُسهم هذه التطورات في تسريع الكشف عن مصير رفاقكم المخطوفين منذ ثلاث سنوات ولا يزال مصيرهم مجهولًا، وفي تبريد قلوب أهلهم ومؤسستهم واللبنانيين أجمعين».
وأكد الرئيس عون أنه «لا تراجع أمام الإرهاب بجميع وجوهه وتنظيماته. والجيش على جهوزية دائمة لمواجهته، وكذلك مؤسساتنا الأمنية. وقد كان لبنان سبّاقًا في حربه على الإرهاب، فالجيش واجه الإرهابيين في محطّات متتالية ونجح في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وتثبيت السلام على حدودنا الجنوبية، بفضل التفاف الشعب حوله، وتمسّك لبنان بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة. وعلينا أن نستثمر هذا الاستقرار، كمسؤولين سياسيين، في تحقيق نهضة اقتصادية يتوق إليها اللبنانيون.
إن الأخطار التي تهدّد الوطن كثيرة، على الحدود وفي الداخل، وقد علّمتنا تجربة السبعينيات أن الوطن لا يبقى موحدًا إذا شلّ جيشه، فشلّ الجيش هو شلّ للوطن، شلّ للأمن والاستقرار، شلّ للكرامة الوطنية... فلا تسمحوا لحملات التشكيك بالنيل من معنوياتكم، وكونوا على قدر المسؤولية، ومناقبيتكم العسكرية كفيلة بحمايتكم من الخطأ».
وختم أخيرًا بالقول: «أنتم درع الوطن، والتحدّيات التي تواجه وطننا ومجتمعنا تفرض أكثر من أي وقت مضى أن تكونوا يدًا واحدة، أنتم وكل أخوة السلاح في سائر القوى الأمنية، وأن تعملوا معًا للهدف نفسه: حماية لبنان، حماية حدوده، أمن داخله، وسيادة القانون فيه. المهمات الصعبة قدركم جميعًا، والآمال المعقودة عليكم كبيرة، وثقة اللبنانيين بكم لا حدود لها، فتذكّروا دومًا أنكم أصحاب قسم، وحملة رسالة شرف وتضحية ووفاء، والأمانة التي تتسلمونها اليوم هي أمانة شعب ووطن، فحافظوا عليها.
عشتم، عاش الجيش، عاش لبنان».

 

عرض التحية
بعد انتهاء كلمة رئيس الجمهورية، أمر قائد العرض العميد غريب القوى المشاركة بالاستعداد لعرض التحية، وفيما غادرت القوى الملعب الأخضر الذي زيّنت جدرانه بلوحات عن القلاع الأثرية في لبنان، وزرعت فيه شاشتان عملاقتان كي يتسنّى للحضور متابعة العرض، تمّ عرض فيلم وثائقي عن انجازات الجيش والكلية الحربية، وقد بدا في بدايته المقدم الشهيد صبحي العاقوري خلال معارك نهر البارد.
بعد ذلك بدأ عرض التحية الذي تميّز بدقّة عالية، وقد شاركت فيه وحدات من: موسيقى الجيش، الأعلام والبيارق، الضباط المتخرجون، الكلية الحربية، معهد التعليم (مدرسة الرتباء)، القوات البحرية والجوية، لواء المشاة الحادي عشر، المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، المديرية العامة للأمن العام، المديرية العامة لأمن الدولة، مديرية الجمارك العامة، فوج المغاوير، إضافة إلى الطوافات (عدد 8) وثلاث طائرات من نوع Cessna-Caravan.

مع انتهاء عرض التحية، أمر طليع الدورة المتخرجة بتوشيح الحسام ثم بغمده، وسار الضباط المتخرجون وهم ينشدون نشيد الجيش، ولدى وصولهم إلى نهاية الملعب ارتفعت قبعاتهم إلى السماء وسط تصفيق الحضور، وزغاريد النسوة. وعلى الأثر تقدّم قائد العرض من الرئيس عون معلنًا انتهاء الاحتفال.

 

الصورة التذكارية
توجّه الرئيس عون ورئيسا مجلس النواب والحكومة ووزراء الدفاع الوطني والداخلية والبلديات والمال وقائد الجيش ورئيس الأركان والمدراء العامون لقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة ورئيس المجلس الأعلى للجمارك ومديرها العام، وقائد الكلية الحربية، إلى ساحة الشرف حيث صافحوا ضباط الكلية وأُخذت الصورة التذكارية. ثم دخل الجميع إلى ردهة الشرف حيث شربوا نخب المناسبة وقطعوا قالب الحلوى.