رسالة

عرّفونا بالشهادة
إعداد: علي وهبه
والد الشهيد حسن وهبه

إلى الأخوين الكريمين إيلي ونقولا شاتيلا، أطيب التحيات وبعد... أرسل رسالتي هذه باسمي وباسم عائلتي، بعدما تعذّرت علينا رؤيتكما أو الإتّصال بكما، تعبيرًا عن خالص شكرنا وتقديرنا لما قدّمتماه لنا من مساعدةٍ، هي وإن كانت مادية إلا أنها تركت أثرًا معنويًا طيبًا في نفوسنا.
فأن تساعدانا مع عدم وجود معرفةٍ سابقة بيننا، وأن يتّصل بي أحد الأشخاص ليخبرني أن مبلغًا قدّم لنا بصفتنا عائلة شهيد في الجيش اللبناني، إنّها لغاية النبل والوطنية!
إنّ أغلى ما قد يملكه رجلٌ على الصعيد الشخصي يا أخويّ، هو ابن له ربّاه بدموع العين، وأنفق عمره ليراه يشرق على الحياة بروحه المندفعة، ولكن عندما يصل الأمر إلى الدفاع عن الوطن المهدّد، فنحن قد جبلت طينتنا بحب الأرض ورضع أبناؤنا عشق التضحية، فبذلوا العمر قربانًا على تلال لبنان كي يبقى أخضر...
حبّ الوطن أجمل الحب وأرقاه، فيه قد ترفّعنا عن أنانيتنا وتوقنا للحياة، وأيّ حياة لنا بدون وطن؟!
سيبقى ولدي الشهيد حكاية مجدٍ وعزة أرويها لأحفادي ولكل الأجيال، لقد تخضّب بدمه وقاتل حتى آخر نبض، لم يهن أو يفرّ، لم يخف أو يتراجع! ظل كجبال بلادي راسخًا في الأرض يناجي السماء، ورفع جبيني وجبين كلّ لبناني عاليًا..
سأحكي لهم عن نفوسٍ طيّبة جاهدت هي أيضًا وبدون سلاح! حين بلغ الشوق مداه، وسافر طائر الحنين في سماء الأرواح، يبحث عن طيف ولدي ليشكو له ألم الفراق والفقدان، كانت وقفتهم إلى جانبنا تزيدنا عزّة وفخرًا، وتبرهن لنا أنّ الدماء الزكيّة لم تذهب هدرًا، بل ثمة أناسٌ عرّفونا بالشهادة التي أصبحت وسامنا! فليس أجمل من أن تكون هذه الشهادة وهذا البذل، جسر الوصل بين قلوب أبناء الوطن، هذا الوطن الذي ليس ملكًا لطائفة أو مذهب، هو وطن التعايش، وطن نسمع فيه آذان المسجد مع جرس الكنيسة...
نرفع صلواتنا لله بأن يحفظكما أعزّاء، ويغدق عليكما من بركاته ورحمته، هو الحنّان الذي لا يأخذ منّا إلا ليعطينا، ولا يحرمنا إلا ليعوّضنا ويزيدنا، استرجع أمانة الروح في ولدي، فوهبني العزة وقلوبًا نقيّة كقلبيكما، إن ما نراه مصيبةً في الدنيا ليس سوى شوكًا يريد الله منّا أن نجتازه، على طريق الجنة والحياة الأبدية...
رزقنا الله وإياكما خير الدنيا والآخرة، والسلام عليكما أيها العزيزان الكريمان.