- En
- Fr
- عربي
تمرين
كانت الساعة تُشير إلى الثانية بعد منتصف الليل عندما تلقّت غرفة عمليات القوات البحرية بلاغًا برصد مركب يحمل على متنه مهاجرين غير شرعيين، وصدرت الأوامر بالتدخل لإنقاذ هؤلاء وتوقيف المخالفين. تلك كانت إحدى أبرز الفرضيات التي عالجها تمرين «الاتحاد الحازم» السنوي RESOLUTE UNION 2022، بنسخته الـ12 للعام الحالي.
رغم كل التحديات التي يواجهها الجيش اللبناني في الآونة الأخيرة، وخصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية، فهو لا يزال يحقق الإنجاز تلو الآخر، ويثبت أنه على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه بتطوير قدراته لحماية الوطن، ويظهر التزامًا استثنائيًّا وإصرارًا وعزيمةً لم ولن ينجح شيء في إحباطهم. هذا الأداء تحديدًا هو الذي يزيد من الثقة الدولية بالمؤسسة العسكرية يومًا بعد يوم، ويجذب مختلف الشركاء الإقلميين والدوليين إلى دعمها والإيمان بقدراتها والرغبة بالتعاون مع أفرادها جنبًا إلى جنب من أجل مصلحة الجميع.
ليل نهار... تمارين ومناورات
ليل نهار، وعلى مدى أسبوعَين، نفّذ عناصر من مختلف قطع الجيش اللبناني إلى جانب 60 عنصرًا أميركيًا من البحرية ومشاتها والجيش وخفر السواحل، وفريق من القوات الخاصة الأردنية وطيارين أردنيين، وفرق تدريبية بريطانية (شاركت استثنائيًا هذا العام)، تدريبات ومناورات مختلفة على طول الساحل اللبناني من الزهراني إلى المياه الإقليمية شمالًا.
وركّزت هذه التمارين والمناورات على عمليات الأمن البحري وتدابير مكافحة الألغام والتخلّص من الذخائر المتفجرة، والبحث والإنقاذ والتفتيش، والاستجابة والرعاية الطبية، والشؤون المدنية والبناء. وقد وضعت نسخة هذا العام مكافحة الهجرة غير الشرعية ضمن برنامجها، وتميزت بمشاركة مختلف قوى الجيش اللبناني، بعد أن كانت تقتصر سابقًا على الوحدات الخاصة.
الاستجابة للتهديدات
أظهرت القوى المشاركة أعلى درجات التنسيق والتكامل بين القوى والأسلحة، ما يؤكد قدرة الجيش على الاستجابة للتهديدات التي تطال البيئة البحرية. وقد تجلى ذلك بشكلٍ خاص خلال المناورة الختامية التي نفّذها فوج مغاوير البحر بالاشتراك مع باقي الوحدات المشاركة من قوات بحرية وجوية، وأفواج المجوقل والمدرعات الأول والهندسة والأشغال المستقل والمدفعية الثاني، والطبابة العسكرية، بالإضافة إلى القوات الأردنية الشقيقة التي نفّذت عملية مداهمة سفينة مشبوهة وتفتيشها بالاشتراك مع القوات البحرية.
نوّه مدير التمرين العقيد الركن البحري مصطفى العلي بالجدية الكبيرة التي ميّزت أداء قادة الوحدات المشاركة والعسكريين على كل المستويات. وقد شارك في التمرين هذا العام ما لا يقل عن ٧٠٠ عسكري بين ضابط وفرد، وأثبت الجيش اللبناني خلاله مرة جديدة أنّه يمتلك قدرات عالية نتيجة تراكم خبراته العملانية والتدريبية.
ما الذي يميّز نسخة هذا العام من التمرين عن الأعوام السابقة؟
يجيب العقيد العلي قائلًا:
- أولًا، مشاركة القوات التقليدية من ألوية مشاة وأفواج تدخل في التمرين في حين كانت المشاركة في الأعوام السابقة تقتصر على القوات الخاصة.
- ثانيًا، مشاركة مديرية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في التمرين، وذلك نتيجة تشديد قيادة الجيش على تطبيق معايير القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان خلال العمليات العسكرية.
- ثالثًا، التركيز على الأمن البحري وأمن المنشآت البحرية الحساسة كالمرافئ ومحطات توليد الطاقة، وذلك من خلال تخصيص سيناريوهات لحماية هذه المنشآت من التهديدات الإرهابية التي قد تطالها.
- رابعًا، إضافة سيناريو ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي اتسعت في الآونة الأخيرة، من خلال تمرين استجابة لمهمة إغاثة مهاجرين غير شرعيين.
من المعروف أنّ التدريب هو عصب الجيوش، لكن في حالة جيشنا فإنّ روحية العطاء والتفاني في سبيل الواجب هي التي تُشكّل عصبه، وتدفعه إلى الاستمرار في التدريب وتنفيذ المهمات بأعلى مستوى من الكفاءة، وكأنّ كل ما حوله بألف خير! وهذا ما يثير إعجاب المجتمع الدولي، ويدفعه إلى دعم الجيش اللبناني لما لدوره من أهمية على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
السفيرة شيا
وقد تحدّثت السفيرة الأميركية في لبنان السيدة دوروثي شيا، في مناسبة انطلاق التمرين هذا العام، وقالت: «إنها المرة الأولى التي نجري فيها «الاتحاد الحازم» كتدريباتٍ متعددة الأطراف مع أكثر من ثلاثة جيوش مشاركة. وهذا النوع من التنسيق والتعاون لا يظهر احتراف الجيش اللبناني فحسب، بل اهتمامنا المشترك بالأمن والاستقرار الإقليميَّين أيضًا». وأضافت قائلة: «إننا نفعل ما بوسعنا لمحاولة تقديم الدعم الملموس للعسكريين، ورغم كل التحديات التي يواجهها الجيش اللبناني في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان، إلا أنّه أظهر التزامًا استثنائيًّا، وستواصل الولايات المتحدة تقديم الدعم الكامل لكل جهوده».
الجنرال كوبر
مـن جهتـه قـال نائـب الأدميـرال براد كوبـر قائـد القيـادة المركزيـة للقـوات البحريـة الأميركيـة والأسطـول الخامس في البحريـة الأميركيـة والقـوات البحريـة المُشتركـة المتعـددة الجنسيـات: «مـن الواضـح أنّ الجيـش اللبنانـي هو ركيزة الأمـن والاستقـرار في المنطقـة، لـذا فهـو استثمـار قوي للغاية لسنواتٍ وسنوات، لطالما كان موجودًا في الماضي، وحاضرًا، وأتوقع أن يستمر وينمو في المستقبل».
لطالما أُعجبت بمستواهم...
عقب انتهاء المناورة أشار الكومودور Joseph K. Haywood قائد قوة الواجب 56 في القوات البحرية الأميركية - القيادة الوسطى إلى أنّها كانت ممتازة وقيّمة جدًا، ما انعكس إيجابًا على صورة الصداقة والعمل المشترك بين الجيشَين اللبناني والأميركي. ونوّه بأداء الجيش اللبناني في تنفيذ مناورات مع جيوش أخرى قائلًا: «لطالما أُعجبت بمستوى الاحتراف المهني الذي يتمتع به عناصر الجيش اللبناني وبقدرتهم على العمل الجدي والممتاز في مختلف الظروف».
دعم أميركي
يستثمر المجتمع الدولي في الجيش اللبناني منذ سنوات، وقد شكّلت الولايات المتحدة جهة مانحة أساسية. فهي تقدّم سنويًّا حوالى 200 إلى 250 مليون دولار كدعم لعمليات الجيش وقدراته. وهي تواصل، انطلاقًا من التزامها طويل الأمد الذي أبدته تجاه المؤسسة العسكرية، تأمين الدعم اللوجستي لتعزيز قدرات الجيش في الاستجابة للتهديدات الخارجية.
تقييم ذاتي
كيف يقيّم قادة الوحدات المشاركة في المناورة تجربتهم خلالها؟
يثني قائد فوج مغاوير البحر العقيد الركن باسم الأيوبي على أهمية تبادل الخبرات وتنسيق الجهود، ويرى أنّ أهمية هذه المناورة تكمن بدرجةٍ أولى في التنسيق والتكامل بين القوات البحرية وفوج مغاوير البحر والقوات الجوية لتنفيذ العمليات البحرية الخاصة في المستقبل.
قائد اللواء الثاني عشر العميد الركن فادي أبو حيدر أَمِلَ أن تستمر هذه المناورات المشتركة دوريًا لما فيها من تحفيز على صعيد أداء المهمات وتبادل الخبرات والتنسيق الضروري بين مختلف الوحدات البرية والبحرية والجوية المشاركة.
ويشير قائد فوج الأشغال المستقل العقيد الركن يوسف حيدر الى أنّ مشاركة فوجه تضمّنت هذا العام بناء منشأة تدريبية بالتعاون مع البحرية الأميركية من خلال استعمال جرافات فوج الأشغال التي كانت مهمتها دعم القتال أيضًا. ورأى أنّ تنظيم التمرين ومشاركة الآليات والطاقات التي يتطلبها هي مصدر خبرة مهمة للجيش اللبناني.
أدى فوج الهندسة دورًا داعمًا للقوى المنفّذة في المناورة، وشارك من خلال سرية الخبراء والذخائر والمتفجرات، وسرية معالجة الذخائر تحت المياه (خبراء متفجرات). ويرى قائد الفوج العقيد روجيه خوري أنّ مشاركته في مناورة «الاتحاد الحازم» أثبتت قدرات عسكرييه من جهة وأضافت إليها خبرات مهمة من جهة أخرى.