ثقافة وفنون

عشرون عاصي الرحباني
إعداد: وفيق غريزي

احتفال تكريمي يطلق فيه «مسرح الأخوين رحباني»

في الذكرى العشرين لغياب الفنان اللبناني الكبير الموسيقي عاصي الرحباني، كرمت بلدة انطلياس راحلها الكبير بأسبوع احتفالي افتتح بمؤتمر صحافي في دير مار الياس، صرح خلاله رئيس البلدية ايلي أبو جودة عن بوادر تكريمية عبر تنفيذ مشروع يعمل على درسه حالياً، وهو اقامة نصب تذكاري للأخوين رحباني والمطربة فيروز في ساحة الشارع الذي يحمل منذ عشرة أعوام اسم الأخوين رحباني، وهو يمتد من أمام بطريركية الأرمن الأرثوذوكس من جهة البحر صعوداً إلى ساحة انطلياس. كما تم الاعلان عن «جائزة الأخوين رحباني» تقدمة بلدية انطلياس - النقاش التي يعلن عن تفاصيلها لاحقاً.

 

كلمات في الذكرى

ضم برنامج الاحتفال عرض أفلام للأخوين رحباني طوال ثلاثة أيام في دير مار الياس، هي «بياع الخواتم»، «سفر برلك»، و«بنت الحارس»، مع تعليق وشرح للناقد اميل شاهين. في ختام الأسبوع الاحتفالي، أزيح الستار عن «مسرح الأخوين رحباني»، في دير مار الياس - انطلياس ضمن احتفال حضره رئيس الدير الأب جوزف عبدالساتر ورئيس بلدية انطلياس والنقاش ايلي ابو جودة والأب جريس بوسابا ومنصور الرحباني والياس وغدي ومروان وهدى الرحباني وعدد كبير من أفراد العائلة تقدمهم ممثلو الرؤساء الثلاثة. بدايةً كانت كلمة للمهندس باسم بو حبيب الذي تحدث عن عاصي، ابن انطلياس، مهد الإنسان الأول في هذا الشرق، مهد العامية، قلعة النضال والوحدة الوطنية يوم اضمحل النضال في سبيل وطن حر سيد مستقل.

وفي يوم عيد الأب والموسيقى، قال الأب جوزف عبدالساتر، الكثير في العشرين عاماً التي «مضت من حساب الزمن على غياب عاصي.. ففي إشراقة له ما لها، في حساب الأبد، أفول، اشراقة  تتجدد تزداد سطوعاً...»، وباسم دير مار الياس، مستأذناً رهبنته، أطلق على مسرح الدير اسم «مسرح الأخوين رحباني». ورحب بعدها رئيس البلدية ايلي ابو جودة بالحضور في «الذكرى العشرين لغياب عاصي، هذا العظيم، الذي رفع الموسيقى في لبنان، وأطلق المسرح الغنائي، وجدد وحفظ الفولكلور اللبناني، بنبوغ فريد، وبتألق ما بعده تألق». وقال إن بلدية انطلياس والنقاش تفاخر بأن عاصي، كان في مطلع فتوته احد أركانها، فتولى دور الشرطي، يوم كان الشرطي يمثل وجه البلدية الراقي، في علاقته اليومية المباشرة بالناس، فعاش أفراحهم وآلامهم وحاجاتهم وأمانيهم، وما لبث أن جمع الى دور الشرطي، مهمة أمانة السر، ليعود ويحلّق من موقع عمله هذا، في الآفاق الفنية الرحبة...

وتساءل الأب جريس بو سابا، باسم رعية مار مخائيل، «أليس الأخوان رحباني وفيروز كونيين؟»، وأجاب «بلى، انهم كونيون».
ورأى ان هناك فرادة مهمة عند عاصي لا نراها عند غيره من الكتاب والشعراء، «عندما يحكي الحب في مسرحياته، سواء حكى حب الوطن أم حب الحبيب. ترى شخصاً يحب حتى الفداء، والسامع يحس ان فيه ومضة من الحب الالهي...». الناقد محمد دكروب استذكر أمسية من العام 1964 في أعالي الأرز، حين أتيح له أن يكون قريباً من كواليس الرحابنة، قبل قليل من افتتاح الرائعة الرحبانية «بياع الخواتم». وسرد على الحضور بعض الحوارات التي جرت بينه وبين عاصي آنذاك.

واستذكر أخيراً حادثة من العام 1983 حيث أتيح لعاصي أن يجتاز مخاطر خطوط التماس بين شرقية وغربية.. وذلك ليشاهد مسرحية زياد الرحباني «شي فاشل». وعرضت رئيسة لجنة عاصي الرحباني، ليلي الهبر صقر لنشاطات «لجنة الفن والتراث» التي اتخذت غاية لها الحفاظ على تراث المبدعين في لبنان تحت عنوان: «الذاكرة الإبداعية»... وكيف توسعت تلك اللجنة تحت اسم «لجنة عاصي الرحباني»، غداة اجتماعها في ذكرى الأربعين لعاصي، وكيف كان عاصي الاسم والرمز. واعتبر مروان الرحباني في كلمته التي ألقاها باسم العائلة ان مجيء أخوين ينكران ذاتهما ويتحدان تحت اسم الأخوين رحباني، حالة لا تتكرر ولم تحدث في التاريخ لا الفلسفي ولا الشعري، لا الفني ولا المسرحي. وفي الختام، استمع الحضور لتسجيل بصوت عاصي الرحباني.

 

الإرث الفني

شكّل عاصي الرحباني مع أخيه منصور ثنائياً موسيقياً، وأسسا بأعمالهما المتميزة حركة موسيقية جديدة، فكانا صوتاً مؤثراً في عالم الإبداع الفني، إذ أنزل عاصي الحب من عليائه وفجر في المسرح الغنائي العربي طاقة الحلم. ولد عاصي العام 1923 في لبنان وبعدها بعامين ولد منصور وكان والدهما حنا الياس رحباني محكوماً عليه بالإعدام من قبل العثمانيين، لكنه استطاع الهرب الى شمال بيروت وفتح مقهى في منطقة تدعى الفوار.
ورغم أن والد عاصي ومنصور كان رجلاً محافظاً، إلا أنه أورثهما حبه للموسيقى، فكان يعزف على البزق في مساءات المقهى جامعاً حوله ولديه الصغيرين، بالإضافة إلى استماعهم لأغاني أم كلثوم وأمين حسنين وسيد درويش وغيرهم من مطربي تلك الأيام. أسس عاصي وهو ابن 14 عاماً مجلة اسمها «الحرشاية» وكانت أول علامة لإظهار موهبة الرحباني الشعرية، حيث كتب بخط يده أولى محاولاته الشعرية، والقصصية المسلسلة باللغة العربية الفصحى. تعلم الرحباني العزف على البزق وحده واشترى كماناً بعشر ليرات وجدها على أرضية المقهى وصار يعزف عليه، بالإضافة إلى تعلّمه الموسيقى على يد الأب بولس الأشقر.

درس عاصي علم الهارموني وتاريخ الموسيقى الشرقية من كتب نادرة كانت في حوزة الأب بولس الأشقر، وكان ذلك السبب في فتح أبواب التأليف لدى عاصي، وكان أول عمل قام به نشيد بمناسبة عيد الأب، ومن ثم ألف ألحاناً دينية. ولم تقتصر موهبة عاصي على الموسيقى بل كان شغفه واضحاً بالمسرح الذي تعرف عليه أول مرة وهو في المدرسة، في وقت لم تكن الحركة المسرحية ناشطة في لبنان. بيد أن ذلك لم يمنعه من تقديم أعمال مسرحية، وقد كتب لويس أبو جودة مسرحيات خاصة للأخوين رحباني بالعامية اللبنانية. ولم يتوقف نشاط عاصي وإبداعه عند هذا الحد، بل قام مع أخيه منصور بتأسيس ناد ثقافي قبل أن يبلغ سن الرشد. والعام 1944 بدأت مرحلة جديدة وعملية في مسيرته الفنية فبدأ بتقديم مسرحيات موسيقية طويلة، بالإضافة إلى أغانٍ قصيرة لا تتجاوز مدتها الدقيقتين أو الثلاث لاقت تجاوباً من الحضور ومديري الإذاعات.

وكان أروع ما لحّنه وألّفه عاصي، للفنانة المبدعة فيروز التي عقد قرانه عليها العام 1954 ليؤسسا معاً مشوار الفن والحياة وليتكامل الوجود الرحباني بوجود فيروز. العام 1957 شاركت فيروز في «مهرجانات بعلبك الدولية»، حيث قدمت من ألحان الرحباني مسرحيتها الغنائية الأولى «جسر القمر». ومنذ العام 1962 وحتى العام 1976 توالت الأعمال المسرحية الغنائية لتبلغ ستة عشر عملاً، منها مسرحية «هالة والملك» و«جسر القمر» و«بياع الخواتم» و«البعلبكية» و«أيام فخر الدين» و«جبال الصوان» و«الشخص» و«يعيش يعيش» و«الليل والقنديل» و«صح النوم» و«المحطة» و«لولو» و«ميس الريم» وأخيراً «بترا».