كلمتي

عصيّ على الموت
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

وطني هدية من الله تراباً وماءً وشمساً... وقيماً إنسانية. ليس أغلى من الهدية في دنيا البشر، في الطفولة والصبا... كما في الشيخوخة الهانئة. الهدية لا تلقى في النار، ولا تكسر، ولا تضيّع، ولا ترمى في المجهول كائنة ما كانت قيمتها، فكيف بها كانت قيّمة خالدة، بجمال لبنان وقيمته وخلوده؟ ألا يشبّه هذا الوطن باللوحة الرائعة التي تجتمع فيها عناصر الحسن، والذرة التي تحميها الأنوار وتحيط بها الأضواء؟ أليس أمانة في أعناق بنيه، اجيالاً تليها أجيال؟ أليس ضمانة في حساب محبيه الذين يتخذون منه القدوة والمثل؟ وبعد ذلك، وبطبيعة الحال والواقع والحقيقة، ومن دون سؤال، أليس «حصرمة» في عيون أعدائه ومبغضيه؟ نعم، هناك إرادة خبيثة لئيمة، إنما غير ناجحة وغير ممكنة، للقضاء عليه وإزالته او على الاقل لإضعافه وشرذمته وتقسيمه، إرادة متكررة متواصلة من محاولة إلى محاولة، من قبل عدو إسرائيلي شرس غادر سيىء النوايا والافعال. مرة تتم المحاولة فيه مباشرة وتفشل. ومرة تتم في واحدة او اكثر من دول المنطقة وتمدّ أذنيها إليه وتفشل. ومرة تطبخ وينفخ بها في أماكن بعيدة لتكون بذاراً ساماً يرسل إلى ترابه، ويزرع مع زرعه... وتفشل ايضاً والسبب في هذه او تلك من المرات الفاشلة الخائبة ان شعبه شعب حضارة وتاريخ وتراث، تتنوع ثقافاته وآراؤه وتتعدد جهوده وتتضامن إراداته وتتجدد عزائمه. شعب عرف ان وطنه هدية من الله فأحكم الوصل بين الحفاظ عليه والايمان بربه والصوم، شكراً له، والصلاة والخشوع والركوع. شعب عرف ان وطنه أمانة  شاملة بين أيدي أفراده اكثر مما هو ملكيات فردية عادية، فرأى انه من العيب والهوان ان يمس بسوء ورعاه بالرضا والحنان، واوكل شرف الدفاع عنه إلى جيش جنّد أبطاله من كل حي وقرية، ومن كل شارع ومدينة. جيش يرى في عقيدته الوطنية والعسكرية ان حدود بلاده ليست فقط الصخور والأتربة والاودية وأطراف القمم وثنايا الأمواج، بل الكرامة والإباء والتجذّر في التاريخ والتمايز في الموقع والمناخ والمحصول. من هنا صموده ومن هنا انتصاره، ومن هنا إعطاؤه الأمثلة الناجحة للأقربين والأبعدين، للأشقاء والاصدقاء، وللأعداء في كل حال، بأن اقتلاع الأوطان الأصيلة مستحيل، وان الكيانات الدخيلة إلى زوال، وان الارتهان للغير هراء لا نفع فيه، وان الكرامات لا تصان إلا بتضحيات بناتها وبطولات بنيها.


يرتفع الثمن، وتزيد التكلفة، إنما يدوم طعم النجاح، وتمتد الهامات في العلى، ويزيّن المهج غار الانتصار.