حوار مع متقاعد

عطا الحاج موسى عسكري من الرعيل القديم يمتطي صهوة الذكريات ويستذكر البدايات
إعداد: باسكال معوض

على الرغم من “الشيبة” الناصعة البياض التي تكلل أعوامه السبعين, إلا أن ملامح وجهه تنضح شباباً وعنفواناً حملهما معه زاداً من المؤسسة العسكرية التي أمضى فيها سنين مفعمة بالحماس والإندفاع, وبحبّ كبير للجيش والعسكر.
في العام 1951, تطوّع غراً في الجيش لينطلق في رحلة عسكرية امتدت حتى العام 1968 تاريخ تسريحه من الجيش.


الرقيب الأول المتقاعد عطا الحاج موسى, عسكري من الرعيل القديم, امتطى صهوة ذكرياته التي عادت به الى البدايات في كنف المؤسسة العسكرية, حيث انضم الى 62 عنصراً نظيره للإلتحاق بدورة الأغرار التي فتحت له الباب واسعاً لخدمة وطنه تحت شعار الشرف والتضحية والوفاء.
في أول ليلتين له من الإلتحاق, نام “الغرّ” عطا الحاج موسى مع رفاقه في مقر الفوج الثالث في منطقة النهر في بيروت؛ وبعد استكمال عملية تجميع المتطوعين الجدد, تمّ نقلهم الى ثكنة للفوج الثالث في طرابلس حيث تابعوا دورة أغرار؛ والجدير ذكره أنه في تلك الفترة كانت كل قطعة في الجيش تأخذ على عاتقها مهمة تدريب عناصرها وتهيئتهم للقيام بواجباتهم العسكرية. هذا ما أشار اليه الرقيب الأول المتقاعد عطا الحاج موسى الذي يستطرد قائلاً: بدأت حياتي العسكرية في هذا الفوج وفيه خضعت لامتحانات مكتب عريف في العام 1953, تمت على أثرها ترقيتي للمرة الأولى. وبقيت في قطعتي حتى العام 1957 حيث كنت أعمل كاختصاصي “مخابرات” كما كانت تسمى أعمال الإشارة في الفوج, وذلك في سرية القيادة والخدمة.
في العام 1957, تحقق للجيش مدافع من عيار 106, ما استدعى تأليف الفوج السادس الذي تمركز في مدينة صيدا. في أواخر العام خضعنا لدورة اختصاص مدفعية في أبلح لمدة ثلاثة أشهر, التحقنا على أثرها بالفوج السادس في صيدا وذلك بعد حصولنا على شهادة بإختصاص مدفعية عيار 106.
في العام 1959 خضعت لإمتحانات مكتب رقيب وتمت ترقيتي بعد نجاحي. وبقيت في هذا الفوج في سرية القيادة والخدمة حتى نهاية العام 1960.


في أوائل العام التالي انتقلت الى شرطة الجيش في المحكمة العسكرية حيث خدمت لمدة عامين متتاليين, عدت بعدهما الى صفوف الفوج السادس كاختصاصي مدفعية. ورقيت في العام 1964 لرتبة رقيب أول وبقيت في صيدا أعمل كمعاون آمر فصيلة حتى أواخر العام 1968 تاريخ تسريحي من الجيش.
ويسرد الرقيب الأول المتقاعد عطا الحاج موسى حادثة حصلت معه خلال خدمته العسكرية فيقول: صدف في العام 1958 أن كان مركز خدمتي في منطقة على الحدود الجنوبية ما بين البيّاضة والناقورة. وورد الينا وقتها طلب دعم للفوج السادس ومدافعه, فانتقلنا على الفور الى الثكنة في صيدا. وطلب الينا حينها تأمين دوريات لحماية مرور شاحنات الوقود من الزهراني الى الأولي...
وفي أحد الأيام, كنت على رأس دورية من عشرة عسكريين, وفيما كنا بانتظار وصول شاحنات الوقود, لاحظنا أن السير على الطريق أصبح خفيفاً جداً, فتقدمنا لاستطلاع الأمر, فطالعنا مشهد كان سائداً في تلك الفترة: أحد “القبضايات” يقطع الطريق مع بعض مرافقيه مانعاً جميع السيارات من المرور ومتسبباً بعجقة سير خانقة وبطوابير طويلة من السيارات. طلبت على الأثر من العسكريين الإنتشار والجهوزية, ورحت اقترب من “القبضاي”, وكنت في ذلك الوقت لا اتنقل بدون سوط أحمله معي على الدوام. وصرخت مفاجئاً “القبضاي” فهجم عليّ, لكنني ضربته بالسوط ثم صفعته على وجهه قائلاً له: “الناس ليسوا عبيداً بإمرتك” وخرطش عناصر الدورية أسلحتهم فخاف؛ وغادر مخلياً الساحة مع مرافقيه, ثم عملنا على إعادة تنظيم مرور قوافل الشاحنات المحملة بالوقود. وعلمنا بعدها أن “القبضاي” حاول إثارة الأمر لدى بعض المسؤولين, إلا أن قوة الحق والقانون والسلاح الشرعي هما اللذان إنتصرا في النهاية, كما ينبغي أن يكون عليه الأمر دائماً.