- En
- Fr
- عربي
تحية لها
حين اختارت الانخراط في العمل التطوعي، إنّما كانت تستجيب لصوتٍ داخلي يدعوها إلى إتمام إنسانيتها من خلال مساندة الضعيف. وبعد خبرةٍ إنسانية مثمرة اكتسبتها بفعل موقعها كرئيسة الجمعية الوطنية لقرى الأطفال SOS، ازدادت السيدة عفيفة الديراني أرسانيوس قناعة بأهمية التطوع من أجل النهوض بوطننا.
رعاية الأطفال مسؤولية كبيرة يخشاها الكثيرون، لكنّ السيدة أرسانيوس تراها من منظار مختلف، فهي تؤكد أنّ «رعاية الأطفال فاقدي السند الأسري مسؤولية إنسانية ووطنية كبرى تكاد تكون مقدسة». وهي تتساءل: «هل يكفي ما نقدّمه للأطفال المحرومين من رعاية أهلهم؟ هذه مسؤولية الدول، ولكن هل هذا يعفينا من مسؤوليتنا كمواطنين؟ تعوّدنا أن نسأل دائمًا ماذا يقدم لنا هذا الوطن ولا نتساءل ماذا نقدم نحن لوطننا».
وعن السبب الذي دفعها إلى التزام قضية الأطفال، توضح أنّه «من الصعب تحديده أو حصره لأنّه يعبر عن ذاته بلا تبرير أو تحليل. فقد يكون انجذابًا شخصيًا إلى مناصرة الحق والوقوف إلى جانب الضعيف. ولعله أيضًا محاولة للارتقاء بإنسانيتنا درجة إضافية تشعرنا بهذا الرضى عن الذات. وفي جميع الأحوال تعتبر أرسانيوس أنّ انحيازها إلى الأطفال تلقائي، فكم بالحري إذا لم يكن لهم معيل له ولا سند؟».
نموذج فريد
وتتحدث السيدة أرسانيوس عن تجربتها في قرى الأطفال SOS التي تشكّل نموذجًا فريدًا في المجتمع، مشيرة إلى أنّه تمّ الاحتفال في العام الماضي بمرور نصف قرن على تأسيسها ومؤكدة افتخارها بانتمائها إلى الرعيل الذي رافق نمو هذه القرى منذ البدايات. وتضيف: «خمسون سنة وما زالت قرى الأطفال تمثل نموذجًا رائعًا لرعاية الأطفال الذين فقدوا أسرهم نتيجة اليتم أو التخلي والإهمال، أو التفكك الأسري، أو لأسباب شتى يواجهها الأطفال في لبنان، فهي تؤمن لهم بيتًا دافئًا وأمًا بديلة وقرية حاضنة تشكل البيئة الصالحة لنموهم. وقبل كل شيء هي توفر لهم التعليم وترافقهم حتى بلوغهم الاستقلالية الكاملة. هذا النموذج الرائد من الرعاية البديلة طويلة الأمد، يُعتبر أقرب ما يمكن إلى الأسرة الطبيعية السليمة. غير أنّه قد يتميز بكونه مدعومًا من طاقم تربوي ورعائي مدرب بإمكانه مرافقة الطفل من عمر يوم واحد وإلى أن يتخطى التحديات ويصبح واثقًا وقادرًا على مجابهة الحياة».
برنامج رائد
وإذ تشير إلى وجود أربع قرى منتشرة في مناطق لبنان كافة، تستقبل كل الأطفال الذين تنطبق عليهم معايير الرعاية البديلة بصرف النظر عن طوائفهم أو مناطقهم، توضح أيضًا أنّ «هناك برنامجًا رديفًا ومكملًا للرعاية ضمن القرية هو «برنامج تمكين الأسرة» الذي يقدم الرعاية الأسرية الشاملة للأسر التي تعيلها نساء أرامل بسبب فقدان الأب أو مرضه أو غيابه، فتصبح عرضة للتخلي عن أطفالها». وهي تعتبر هذا البرنامج الذي وضعته الـ SOS في لبنان سنة 1986، برنامجًا رائدًا كنموذج للرعاية، وقد تبنّاه الاتحاد الدولي كنموذج مميز يرعى الأطفال ضمن أسرهم البيولوجية من دون فصلهم عن بيئتهم الفضلى، ألا وهي العائلة الطبيعية. وأعربت أرسانيوس عن أملها في أن تتبنى وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان هذا البرنامج وتدعمه وتعمّمه، علمًا أنّ كلفته أدنى بكثير من كلفة الرعاية البديلة ومردوده أفضل بكثير.
في سؤال عمّا إذا كان لنجاحها على الصعيد الاجتماعي تأثير على حياتها الخاصة، توضح السيدة أرسانيوس أنّها لا تصنّف نفسها كامرأة ناجحة اجتماعيًا بسبب التطوع، لأنّ الإنسان الذي يتطوع لقضية يؤمن بها ويلتزمها لا ينتظر في المقابل موقعًا اجتماعيًا أو بدلًا أو مكافأة. «فنحن إذ نختار الانخراط في عمل طوعي، إنّما نستجيب لحاجة أو رغبة ذاتية شخصية في داخلنا هي السعي نحو إتمام إنسانيتنا. وما علينا إلا أن نشكر من يتيح لنا فرصة لتحقيق هذه الحاجة. ومن هذا المنطلق، فهي تؤكد شكرها للـ SOS وبخاصة الأطفال الذين ترعرعوا في قراها على كل لحظة وكل نظرة منهم أشعرتنا بإنسانيتنا وبمعنى وجودنا في حياتهم».
النداء الداخلي
أما بالنسبة إلى النصيحة التي تقدمها للنساء الراغبات في العمل الاجتماعي والإنساني، فهي تقول «إنّ المرأة الراغبة في العمل الإنساني لا تنتظر نصيحة من أحد. عليها أن تنصت إلى النداء الداخلي في نفسها وأن لا تتوانى عن تلبيته بلا تردد. إنّ مجتمعنا ووطننا بأمسّ الحاجة حاليًا إلى المزيد من التطوع والعمل في المجالات كافة من أجل النهوض به. أما إذا كان لا بد من النصح، فإنّني أتمنى أن تسعى الأمهات مع أطفالهنّ إلى ترويج ثقافة العطاء بلا مقابل. فعلى كل أم أن تكون القدوة لأطفالها وأن تشركهم في تطوّعها لتترسخ في نفوسهم منذ الصغر ثقافة التطوع والتعاضد والمساندة، ولكي يتذوّقوا نعمة العطاء والمساهمة في التغيير. والتطوع لا يأتي من باب عمل الخير بمعناه الضيق، إنما هو شكل من أشكال العمل التنموي الصادر عن الالتزام الجدي والمقرون بالخبرة والمعرفة والاحترافية.
أتمنى أن تضع وزارة التربية إلزامية التطوع كمادة أساسية في المنهج الدراسي، وأن تتعامل مع تطبيقه بجدية تشبه التعامل مع المواد الأساسية الأخرى، كما هو الحال في بلاد العالم النامي والراقي».
وختمت بالقول: «الأجيال الشابة نساءً ورجالًا هي الأمل الوحيد الباقي لنا. هؤلاء هم أدوات التغيير. إننّا نعوّل على زخم شعورهم بالمواطنية وانتمائهم لهذا الوطن، هذا إذا وفّرنا لهم أبسط الظروف كي لا يهجروا لبنان».