قوانين قديمة

عقوبات أيام زمان: الويل للغشّاشين...
إعداد: د. شادية علاء الدين

يعاقب القانون على الغشّ وينزل بمرتكبيه عقوبات تراوح بين الغرامة والسجن وذلك بما يتناسب مع توصيف القضاء للجرم الذي اقترفه الغشاس. في الماضي كانت «الجرصة» من أبرز العقوبات التي تردع الغشاشين، لكنّها لم تكن العقوبة الوحيدة. في ما يلي نماذج لما كان ينتظر هؤلاء في لبنان وبلاد الشام وفي مصر.


يا شيخ المشايخ...
عرفت المجتمعات القديمة في لبنان كما في بلاد الشام أنواعًا مختلفة من التنظيمات الحرفية، أهمها تعيين رئيس للحرفيين يسمى «شيخ مشايخ الحرف والصنائع». وكان هذا الشيخ يتمتع بصلاحيات لمحاسبة تاجر أو حرفي خالف أصول المهنة وارتكب فعلًا منافيًا للمبادىء التي ترعاها. وكان بمقدوره أن يلقي القبض على المذنب ويضعه في السجن أو أن يقرر بحقه الجزاء المناسب من تكبيل وضرب بالعصي وما إلى ذلك.
ويمكن حصر أساليب القصاص التي كانت معتمدة في حق الحرفيين الذين يخالفون أصول المهنة ويرتكبون الغش بثلاثة:
أولًا: طرد الغشّاش من حرفته، وشنّ ما يشبه الحرب عليه للحؤول دون مزاولته عمله.
ثانيًا: التشهير بالغشّاش ليصبح عبرة لغيره.
ثالثًا: إغلاق دكان من يعتبر «خائنًا» للحرفة، إلى أن يكسب مجددًا رضا «رئيس» هذه الحرفة، وأهلها.
ومن العقوبات الطريفة في هذا المجال، قصّ خصلة من شعر الغشّاش، أو إجباره على إقامة وليمة تعادل ما كان ينبغي أن يدفعه كجزاء نقدي. ومن وسائل التشهير المعتمدة، إجبار الغشّاش على ركوب الحمار بالمقلوب (بحيث يكون وجهه لناحية مؤخرة الحمار)، ودهن وجهه بالأسود، وتعليق الأداة التي غشّ بها على صدره. ومن ثم التجوال به ليراه الناس في المنطقة كلها... هذا الأسلوب العقابي الذي عرف «بالتجريص» ربما كان من رواسبه عبارة «سوّدلي وجّي» أو «تسوّد وجنا»، التي ما زلنا نستعملها لدى شعورنا بالإحراج من حصول أمر نخجل به.

 

مصر: الويل للمتلاعبين بالأسعار والأوزان...
راقبت المجتمعات القديمة في مصر مقاييس التجار وموازينهم في الأسواق والمتاجر، وكان المعنيون يعاقبون بالضرب المبرح أو بالجلد وعلى الفور، كل تاجر يغش.
وكان المحتسب (المسؤول عن الأمن) يتجوّل في الأسواق وبين المتاجر، يرافقه رجل يحمل ميزانًا كبيرًا ويتبعه جلّادون وخدم كثيرون. ومهمة المحتسب مراقبة موازين ومقاييس أصحاب جميع المحلات وتجريبها للتأكد من دقتها ومعرفة أسعار السلع في المتاجر، كما كان يسأل الزبائن أو المارة في الشارع عن ثمن السلعــة الغذائيــة التــي اشتروهــا لتوّهــم وعن وزنهــا، لمعاقبــة المتلاعبـين والغشّاشين.

 

الخبز بالخبز...
من العقوبات التي كانت معتمدة، هذه النماذج:
- يعاقب الخباز الذي باع خبزًا ناقص الوزن بوضع حلقة في أنفه تعلّق فيها بواسطة خيط, قطعة خبز سميكة سماكة الأصبع وبعرض متر. ويجرّد الخبّاز الغشّاش أيضًا من ثيابه إلا قطعة من الكتّان عند خاصرته، ويثبّت ويداه مربوطتان إلى حديد إحدى النوافذ القائمة في شارع العاصمة الرئيس ثلاث ساعات، على مرأى من الجماهير المحتشدة وتحت أشعة الشمس الملتهبة.
- يعاقب الجزّارون الغشّاشون أيضًا بوضع خطاف (الشنكل الذي تعلق به قطعة لحم) في أنوفهم وتعلّق به قطعة لحم.
- يعاقب تاجر قناني المياه الفخارية الغشّاش بكسر كل قنينة مغشوشة على رأسه.
واعتمدت في حق التجار الغشّاشين أيضًا وسائل تعذيب أخرى أكثر قسوة ووحشية، كتشويه أذن التاجر أو تعريته وحرقه بشكل مروع.
نعم، ربما كانت بعض أساليب العقاب المعتمدة قديمًا وحشية، ولكن بعض أنواع الغش السائدة في عصرنا، قد تجعلنا نقول: كانوا على حق...

 

المراجع:
• إدوارد وليم لاين: عادات المصريين المحدّثين وتقاليدهم، مكتبة مدبولي القاهرة، 1991.
• عبد الغني عماد: مجتمع طرابلس في زمن التحولات العثمانية، دار الانشاء للطباعة والنشر، طرابلس 2002.
• شادية علاء الدين: الإدارة العثمانية في مدينة طرابلس الشام، 1840 _ 1914، دار مكتبة الايمان، طرابلس _ لبنان 2011.