نحن والقانون

عقوبة الإعدام في القانون اللبناني
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محام بالاستئناف

الأحكام ما زالت تصدر بوتيرة عالية بخلاف التنفيذ

عرفت المجتمعات عقوبة الإعدام منذ فجر التاريخ، حيث كانت تسود فكرة الانتقام كأساس لمعاقبة القاتل، واستمر تطبيق هذه العقوبة بالرغم من تطور الحياة المدنية، وذلك انطلاقًا من مبدأ حمورابي «العين بالعين والسن والسن والبادىء أظلم». ولا تزال عقوبة الإعدام حتى عصرنا الحاضر مدار أخذٍ وردّ بين مؤيد ومعارض لها، إذ تختلف الآراء حولها باختلاف الدين والبيئة والدولة والمجتمع والسياسة وحقوق الإنسان... ويكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة في المجتمعات التي تعاني من تفشي ظاهرة القتل الإجرامي وعدم الشعور بالأمان، والحاجة إلى إعادة التوازن عبر فرض تدابير قاسية وإصدار أحكام قضائية زاجرة وفرض عقوبات عنيفة في مقدمها عقوبة الإعدام.

 

عقوبة الإعدام في التشريعات الدولية
أخذت معالجة عقوبة الإعدام طابعًا دوليًا من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 /12/1948) الذي أكد أنّ لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمان على شخصه، ولا يجوز إخضاعه للتعذيب أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة...». كما يؤكد العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية (1966) الحقوق الأساسية للإنسان، ويكرّس حقه في الحياة وعدم جواز حرمان أي إنسان منها، وإنّما من دون جواز التذرع بهذا الحق لتأخير عقوبة الإعدام أو لمنعها أو الغائها. ويدعو هذا العهد البلدان التي لم تقم بإلغاء عقوبة الإعدام إلى عدم الحكم بهذه العقوبة إلا على أشد الجرائم خطورة وفق معايير المحاكمة العادلة. ويؤكد الميثاق العربي الجديد لحقوق الانسان الصادر عن قمة جامعة الدول العربية /16/ في تونس (أيار 2004) الحق في الحياة كحق ملازم لكل شخص.
وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الرقم ١٧٦/٦٧ جميع الدول إلى إتاحة معلومات وثيقة الصلة بتطبيقها عقوبة الإعدام تشمل جملـة أمور منها، عدد الأشخاص الذين حكم عليهم بالإعدام وعدد الذين ينتظرون تنفيـذ هذا الحكم وعدد حالات تنفيذه، لكي يتسنى إجراء مناقشات على الصعيدين الوطني والدولي تتناول التزامات الدول في ما يتصل بعقوبة الإعدام.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة (10/12/1984) اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او المهينة، ثم اعتمدت (18/12/2002) بروتوكولًا إختياريًا لهذه الاتفاقية.

 

عقوبة الإعدام في القانون اللبناني
 أخذ قانون العقوبات اللبناني الصادر في العام 1943 وتعديلاته بإنزال عقوبة الإعدام على بعض الجرائم الخطيرة جدًا. وفي العام 1994 صدر القانون رقم 302/1994 الذي أنزل عقوبة الإعدام في القتل العمد والدافع السياسي وبمن يقتل إنسانًا قصدًا ومنع منح فاعل الجريمة الأسباب المخففة. لكن هذا القانون ألغي بالقانون الرقم 338/2001، وأعيد العمل بالمادتين 547 و548 عقوبات وهما تعاقبان على القتل القصدي بالأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة، وليس بالإعدام.
وهناك العديد من المواد في القانون اللبناني التي تتطرق إلى عقوبة الإعدام، ومنها في قانون العقوبات:
- المادة 37 التي تنص على العقوبات الجنائية العادية ومنها الإعدام.
- المادة 43 التي توجب عدم تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة، وتقضي بشنق المحكوم عليه بالإعدام داخل بناية السجن أو في أيّ محل آخر يعيّنه المرسوم المتعلّق بتنفيذ العقوبة. كما تنصّ هذه المادة على حظر تنفيذ الإعدام أيام الآحاد والجمع والأعياد الوطنية أو الدينية، وتأجيل تنفيذ الإعدام بالحامل الى أن تضع حملها.
- المادة 163 التي حدَّدت مدة مرور الزمن على عقوبة الإعدام بخمس وعشرين سنة.
- المادة 198 التي نصت على أنه إذا تحقق القاضي أن للجريمة طابعًا سياسيًا، قضى بالاعتقال المؤبد بدلًا من الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة.
- المادتان 200 و201 اللتان نصتا على أنه في محاولة الجريمة تخفّض العقوبات ويمكن أن تُستبدل عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
- المادة 251 التي نصت على الأعذار المخففة فإذا كان الفعل جناية توجب الإعدام حوّلت العقوبة الى الحبس. والمادة 253 المتعلقة بالأسباب المخففة فتقضي المحكمة بدلًا من الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. وكذلك المادة 257 التي نصت على تشديد العقوبة وإنزال الإعدام بدل الأشغال الشاقة المؤبدة. والمادة 258 التي تنص على أنه من حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة حكمًا مبرمًا وارتكب جناية أخرى توجب العقوبة نفســها قضي عليه بالإعدام.
كما يقضي القانون اللبناني بالمعاقبة بالإعدام على الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي في حالات معينة (المادة 273) وما يليها، وفي الجنايات المرتكبة من الجمعيات غير المشروعة (المادة 336).
- المادة 549 التي تعاقب بالإعدام على القتل قصدًا إذا ارتكب: عمدًا، أو تمهيدًا لجناية أو لجنحة، أو تسهيلًا أو تنفيذًا لها أو تسهيلًا لفرار المحرضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب، أو على أحد أصول المجرم أو فروعه، أو في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص، أو ضد موظف في أثناء ممارسته وظيفته أو في معرض ممارسته لها أو بسببها، أو ضد انسان بسبب انتمائه الطائفي أو ثأرًا منه لجناية ارتكبها غيره من طائفته أو من أقربائه أو من محازبيه، أو باستعمال المواد المتفجرة، أو من أجل التهرّب من جناية أو جنحة أو لإخفاء معالمها.
وفي الجنايات التي تشكّل خطرًا شاملًا، تعاقب المادة 591 بالإعدام كل من يقتل انسانًا قصدًا تمهيدًا لارتكاب جرائم الحريق أو تسهيلًا أو تنفيذًا لها. وفي الاعتداء على سلامة طرق النقل والمواصلات والأعمال الصناعية، تقضي المادة 599 بالإعدام اذا أدى الأمر الى موت أحد الناس. وفي جرائم أخذ مال الغير أو السفن أو الطائرات وغيرها، تقرّ المادة 640 وما يليها الإعدام اذا اقدم الفاعل على قتل انسان لسبب ذي صلة بالسرقة.
وثمة مواد وقوانين أخرى حول عقوبة الإعدام، مثل القانون تاريخ 11/1/1958 المتعلق بالأعمال الإرهابية وإثارة الحرب الاهلية أو الاقتتال الطائفي والحض على التقتيل والنهب والتخريب والعصابة المسلحة، وكذلك قانون العقوبات العسكري وخصوصًا في الجرائم المخلّة بالشرف والواجب وفي الخيانة والمؤامرة العسكرية والتجسس وغيرها...
وتقتضي الإشارة الى أن مقدمة الدستور اللبناني نصت في الفقرة (ب) على أن: «لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء». وفي الفقرة (ج) أن: «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة». ولعلَّ أهم المواثيق والمعاهدات الدولية التي يلتزمها لبنان، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد حق كل فرد بالحياة والحرية والأمان على شخصه... وعدم جواز إخضاعه للتعذيب أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة، ويعتبر الإعلان منبع المواثيق والمعاهدات الدولية. وتعتبر المبادىء الواردة في مقدمة الدستور اللبناني جزءًا لا يتجزأ منه، علمًا أن تسلسل القواعد القانونية يبدأ من الدستور، تليه المعاهدات الدولية، ومن ثم القوانين... وقد اكدت المادة /2/ أ.م.م. وجوب تطبيق المعاهدات الدوليــة في حــال تعارضهــا مــع القــانون العادي.
شهد لبنان عدة محاولات لإلغاء عقوبة الإعدام، حيث يوجد منذ العام 2004 اقتراح قانون يرمي إلى إلغاء هذه العقوبة وإبدالها بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، ومشروع قانون مماثل من وزير العدل في العام 2008.
وقد صدر قانون تنفيذ العقوبات رقم 463/2002 وجرى تعديله بالقانون رقم 183/2011، وهو بالغ الأهمية كون التعديل منح قاضي تنفيذ العقوبات حق تحويل عقوبة الإعدام إلى السجن، شرط ارتباطها بحسن السلوك والتعويضات الشخصية وإعلام أهل الضحية. وتوصي الخطة الوطنية لحقوق الانسان التي ناقشها البرلمان اللبناني في كانون الأول من العام 2012 الحكومة اللبنانية باعتماد قرار الجمعية ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ للأمم المتحدة الرقم ١٤٩/٦٢ ﺑﺸﺄﻥ ﻭقف ﺗﻨﻔيذ ﻋقوبة ﺍلإعدام، ﻭالتصديق ﻋﻠﻰ البروتوكول ﺍلاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية ﻭﺍلسياسية.
كما توصي الخطة بضرورة تحديث السجون وتطويرها لتصبح صالحة كمراكز لإعادة التأهيل، لأن مشروع إلغاء عقوبة الإعدام يحتاج بالمقابل إلى تجهيز أماكن إقامة المحكوم عليهم، بحيث تكفل حسن تطبيق المنهج المتبع لإعادة التأهيل.
ويرى البعض أن عقوبة الإعدام تخالف المواثيق الدولية، وخصوصًا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد طالبت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان والمجتمع الدولي بإلغاء عقوبة الإعدام، وإبدالها بالعقوبات السالبة للحرية (السجن). غير أنه لم يستجب إلا عدد محدود من الدول الموقّعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، علمًا أن الدول التي هي في طور النمو، ومنها لبنان، لا تزال بعيدة عن اتخاذ قرار بهذا الحجم لأسباب عديدة منها، «أن هذه تمثل رادعًا لبعض الأعمال الإجرامية كي لا تتكرَّر، مثل اغتصاب القاصرين والجرائم التي تهز مشاعر المواطن وكذلك التعامل مع العدو».

 

أصول منح العفو الخاص عن عقوبة الإعدام
نصت المادة 391 أ.م.ج. وما يليها على أنه تناط بمجلس القضاء الأعلى صلاحية النظر في طلبات العفو الخاص التي يقدمها المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام بحكم مبرم أو التي تحيلها إليه المراجع المختصة. ويرفع طلب العفو الخاص عن عقوبة الإعدام إلى رئيس الجمهورية مباشرة أو بواسطة وزير العدل بموجب استدعاء يوقّعه المحكوم عليه أو وكيله أو أحد أفراد عائلته. ويعفى الاستدعاء من رسم الطابع ومن الرسم القضائي.
وعند انبرام حكم بالإعدام، يحيل وزير العدل ملف الدعوى مشفوعًا بتقرير النائب العام التمييزي على مجلس القضاء الأعلى الذي يبدي رأيه في إنفاذ العقوبة أو إبدالها بغيرها خلال عشرة أيام على الأكثر. ويؤلف مجلس القضاء الأعلى لجنة من ثلاثة من أعضائه للنظر في باقي طلبات العفو الخاص. وللجنة أن تبت في طلب العفو عن الأحكام القاضية بعقوبات جنائية غير الإعدام أو بعقوبات جنحية.

 

أصول تنفيذ حكم الإعدام
نصت المادة 420 أ.م.ج. وما يليها على أنه لا ينفّذ الحكم بالإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الجمهورية، وينفّذ الحكم بموجب مرسوم يحدد مكان التنفيذ ووسيلته، ويحظر إنفاذ حكم الإعدام أيام الآحاد والجمع والأعياد الوطنية والدينية. ولا ينفّذ حكم الإعدام بالحامل إلا بعد انصـرام مــدة عشرة أســابيع علــى وضــع حملها.
ويجري إنفاذ الحكم بالإعدام بحضور الأشخاص الآتي ذكرهم:
- رئيس الهيئة التي أصــدرت الحكــم. وعند تعذّر حضوره، يكلّف الرئيس الأول لمحكمة التمييز قاضيًا لهذا الغرض.
- النائب العام لدى المحكمة التي أصدرت الحكم أو أحد معاونيه.
- قاضٍ من محكمة الدرجة الأولى المدنية التابع لها مكان التنفيذ.
- كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم.
- محامي المحكوم عليه.
- أحد رجال الدين من الطائفة التي ينتمي اليها المحكوم عليه.
- مدير السجن.
- قائد الشرطة القضائية في بيروت أو من ينتدبه أو قائد سرية الدرك التابع له مكان التنفيذ أو من ينتدبه.
- طبيب السجن أو الطبيب الشرعي في المنطقة.
ويسأل القاضي المدني المذكور المحكوم عليه عمّا إذا كان لديه ما يريد قوله أو بيانه قبل إنفاذ الحكم به. ويدوّن ذلك في محضر خاص يوقّعه مع كاتبه. وينظّم كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم محضرًا بإنفاذ الإعدام يوقّعه من ذكروا أعلاه في المكان الذي تمّ فيه التنفيذ، حيث صورة عن هذا المحضر مدّة 24 ساعة.
واقع عقوبة الإعدام في لبنان
يوجد في لبنان حاليًا 57 شخصًا محكوم عليهم بالإعدام، وقد تمنَّع وزراء العدل عن توقيع مراسيم تنفيذ إعدامهم. أمّا آخر إعدام في لبنان فجرى في 19/1/2004 حين أعدم ثلاثة أشخاص في الوقت نفسه داخل سجن رومية، اثنان رميًا بالرصاص وواحد شنقًا. وجرى تنفيذ 53 حكمًا بالإعدام من بداية عهد الرئيس بشارة الخوري إلى نهاية عهد الرئيس إميل لحود. وبين العامين 1994 و1998 (خلال ولاية الرئيس الياس الهراوي)، تمّ إعدام 14 شخصًا.
تنادي عدة جهات في لبنان بإلغاء عقوبة الإعدام، وقد نظمت الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية بالشراكة مع الجمعية الفرنسية العالمية «معًا ضد عقوبة الإعدام» وبالتعاون مع نقابة المحامين، يومي 24 و25 كانون الثاني 2014, ندوة وطنية من أجل الغاء عقوبة الإعدام في لبنان، وتفعيل دور المحامين في سبيل الدفاع عن السجناء المحكومين بها، نظرًا لعدم فعالية المعونة القضائية.
انتهجت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 2004 منحى يرمي الى عدم تنفيـذ الأحكام التي تلحظ عقوبة الإعدام والعمل بما يسمى «Moratorium» أو Moratoire de fait؛ أي وقف تنفيذ عقوبة الإعدام بشكل غير رسمي، فلم يصدر أي مرسوم بتنفيذ حكم بالإعدام. إلا أن أي تغيير سياسي يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ إعدامات محددة، علمًا أنّ الأحكام بالإعدام ما زالت تصدر بوتيرة كبيرة في لبنان، وهي تصدر غالبًا بحق أجانب.

 

موقف الكنيسة المسيحية
تتميز الكنيسة بموقفها المبدئي المناهض للإعدام، وقد شارك الفاتيكان في «المؤتمر العالمي الأول المناهض لهذه العقوبة» والذي كرس التحول الجذري في موقف الكنيسة الكاثوليكية منها. فالأسباب التي كانت تجعل الكنيسة تقبلها، أضحت اليوم في حكم الملغاة، الأمر الذي أكدته رسالة «انجيل الحياة» للراحل البابا يوحنا بولس الثاني في العام 1995. ويستند موقف الكنيسة إلى اعتبار أن الإنسان مكوّن على صورة الله ومثاله (Imago Dei) وفيه قبسٌ من روحه. وينتج عن ذلك تمتّع الإنسان بكرامة فريدة وجوهرية لا يجوز نزعها لأي سبب خارجيًا كان أو اجتماعيًا أو شخصيًا، أو لأي عمل يقترفه، إضافة إلى الإيمان بأن إمكان توبة الإنسان وخلاصه قائم حتى اللحظة الأخيرة من حياته.

 

موقف الإسلام من عقوبة الإعدام
يكرّم الإسلام الإنسان ويوليه أعلى المرتبات بين المخلوقات، انفاذًا لما ورد في القرآن الكريم، غير أنه يجيز الإعدام في حالات ثلاث حصرًا هي: النفس بالنفس، الردة بعد إيمان، وزنى المتزوّج. وقد أعادت الشريعة الإسلامية تأكيد هذا الموقف في الوثائق المرتبطة بحقوق الإنسان. وأكد إعلان القاهرة أن حقوق الإنسان في الإسلام نصت على أن «الحياة هبة من الله، وهي مكفولة لكل إنسان وعلى الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه. ولا يجوز إزهاق الروح من دون مقتضى شرعي».
كذلك نص البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام على أن «حياة الإنسان مقدسة... لا يجوز أن يعتدى عليها»؛ «من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا» (سورة المائدة الآية رقم 32)... «ولا تسلب هذه القدسية إلاّ بسلطان الشريعة والإجراءات التي تقررها».

 

حجج مناهضي الإعدام ومؤيديه
من أبرز هذه الحجج أنه لا يجوز قتل إنسان أعزل بإسم العدالة، ولا يجوز للإنسان أن يقتل إنسانًا ويقتصّ منه بعقوبة تعتبر في جوهرها من نوع الجريمة التي ارتكبها.
ويعتبر مناهضو الإعدام أنّه خير للمجتمع إصلاح المجرم بدل قتله، لأن المجرم هو ضحية المجتمع، وأن عقوبة الإعدام موروثة من أزمنة التخلف والبربرية، وتناقض إنسانية الإنسان وهي افتراء على حقه في الحياة.
وهم يؤكدون أن عدد الجرائم التي تستحق الإعدام لم ينقص في البلاد التي تطبق هذه العقوبة ولم يزد في البلاد التي لا تطبّقها. يضاف إلى ذلك أنّ الرجوع عن أي خطأ قضائي يصبح مستحيلًا بعد تنفيذ عقوبة الإعدام فيما لو تبين لاحقًا براءة المحكوم عليه، كما أنّ عقوبة الإعدام تخالف المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
أمّا الحجج التي يسوقها مؤيدو هذه العقوبة فتتركّز على أنّ خوف المجرمين من عقوبة الإعدام هو رادع لهم، وأنّ المجتمع هو الذي يفرض هذه العقوبة، والاعتراض على شرعيتها يؤدي الى الاعتراض على شرعية كل العقوبات التي تمنع الحرية، مع الاعتراف بأنّ الحياة هي أثمن من الحرية. ويعتبر هؤلاء أيضًا أنّ عقوبة المؤبد قد تكون أكثر ضررًا من الإعدام، وأنّ خطورة وقوع القاضي في خطأ الحكم بالإعدام واردة في عقوبة الحبس وتؤثر في صحة الفرد وحياته وحريته، وأن خطأ إعدام بريء هو أمر نادر الوقوع ولا يبنى عليه حكم ولا يجوز أن تقوم عليه قاعدة عامة. ووفق رأيهم فإنّ عقوبة الإعدام وإن لم تخفف من الإجرام لدى كبار المجرمين، فهي لا شك خفَّفت كثيرًا من عدد المجرمين.
أمّا الاعتراض على عدم التناسب بين الإعدام والجريمة فيصحّ في كل عقوبة، فالتقدير هو أمر نسبي بصورة دائمة. ويؤكد العلامة الفرنسي غارو أنّ شرعية الإعدام تقوم على شرطين أساسيين: أن يُقضى بهذه العقوبة بحق وبأن يستحق القاتل هذه العقوبة وأن يكون الإعدام متناسبًا مع فظاعة الجريمة وضروريًا ولازمًا للمحافظة على الهيئة الإجتماعية والنظام فيها. يضاف إلى ما سبق أنّ عقوبة الإعدام لا تقوم إلا في الجرائم الخطيرة التي تدل بذاتها على خطر الجاني وتأصّل روح الإجرام فيه، وأنّ الجريمة التي اقترفها المحكوم عليه بالإعدام هي أبشع من عقوبة الإعدام فصورة الإعدام البشعة لا تضاهي صورة القتل العمد وما رافقه من أفعال أكثر بشاعة. أكثر من ذلك فإنّ إلغاء عقوبة الإعدام قد يؤدي الى إحياء عادة الثأر، مع ما يمكن أن ينتج عنها...

 

في محاولة التوفيق والمواءمة
في ظل الجدل الشرس بين مؤيدي عقوبة الإعدام ورافضيها، حاول بعض الفقهاء المواءمة بين النظرتين، وذلك من خلال الإبقاء على النصوص القانونية التي تعاقب بالإعدام على بعض الجرائم البشعة، وعدم تنفيذ هذه العقوبة إلا في حالات محدودة. ويرى هؤلاء أنّ حذف النص القانوني من شأنه إضعاف هيبة السلطة وعمل محاكمها، بينما يتيح الإبقاء على النص معاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى أو غير العادية.