العوافي يا وطن

علامة فارقة في الوطن البائس

بقلم د. إلهام نصر تابت

 

في غمرة اليأس المرير والإحباط المدمّر، وفي زمن اللا ثقة، تسطع الثقة بالمؤسسة العسكرية محليًا ودوليًا علامة فارقة في الوطن البائس، وبابًا للأمل لدى الشعب الذي سُرقت آماله بالجملة.

محليًا، بيّن استطلاع للرأي أجرته مؤسسة زغبي للأبحاث في أيلول الماضي أنّ ٨٩٪ من اللبنانيين يثقون بالجيش الذي حاز أعلى نسبة ثقة من بين المؤسسات اللبنانية. والثقة بالجيش الذي اعتبره اللبنانيون العامل الأساسي في الاستقرار كانت من أهم عوامل النظرة التفاؤلية للمستقبل وفق ما بيّنت الدراسة نفسها.

بالطبع هذه الثقة ليست بتحصيل حاصل في بلدٍ يستشري فيه الفساد، وإنما هي نتيجة مسيرة من الصدق والشفافية والعمل الدؤوب على مختلف المستويات وفي مجالات ليست أساسًا من اختصاص الجيش. كما أنّها نتيجة حسن التدبير والسعي الدائم إلى إيجاد الحلول الممكنة لمسائل تبدو غير قابلة للحل في مؤسسات أخرى. فها هم اللبنانيون يجدون الجيش إلى جانبهم في الأزمات كلها، وليس آخرها أزمتي الكهرباء والاتصالات اللتين تدخّل احتياطي الجيش من النفط لحلّهما مؤقتًا بينما تجد المؤسسات المعنية حلولًا أخرى. قبل ذلك، عاينوا كمّ الجهود التي بذلها العسكريون واصلين نهاراتهم بلياليهم للتخفيف من تداعيات كارثة انفجار مرفأ بيروت. «ما حدا من الدولة طلّ عليي» يقول عجوز أطاح الانفجار بمنزله عندما تسأله إعلامية عمّا إذا كان قد تلقى مساعدة من الدولة. يجيب بـ«لا» جازمة، ثم يضيف: «الجيش ساعدني، الدولة لا». في ذهن هذا المواطن كما في أذهـان كثيريـن أنّ الجيش نسيـج وحده، ليـس من هذه الدولـة العاجـزة. نعم أثبت الجيش أنّه نسيج وحـده وسط الأزمات، وبالتالي استحق ثقـة الداخـل والخـارج معًا.

عالميًا، تظهّرت الثقة بالمؤسسة العسكرية مرارًا وتكرارًا، شفويًا عبر تصريحات لمسؤولين عالميين كبار، وعمليًا عبر مبادرات ومساعدات كثيرة، من دونها لمَا استطاع الجيش الصمود في مواجهة الأوضاع الكارثية. وآخر المبادرات في هذا السياق دعوة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى زيارة الولايات المتحدة الأميركية، وما تخللها من لقاءات على أعلى المستويات.

فقد حلّ العماد عون ضيفًا في أعلى مراكز القرار الأميركية وأُحيط بحفاوة بالغة واهتمام كبير. شرح للجميع حجم المعاناة التي يواجهها عسكريوه، وحجم الأخطار التي تهدد أمن لبنان واستقراره لا بل أمن المنطقة، في حال عجز الجيش عن الاستمرار في تحمّل الأعباء الثقيلة التي فرضتها الظروف القاسية. وعندما سألوه بدهشة كيف تستمرون؟ تحدث إليهم بمنتهى الصراحة والشفافية. أخبرهم عن تدابير التقشّف التي اعتمدتها المؤسسة، كما أخبرهم عن القطع التي أنشأت مشاريع إنتاجية لتُطعم العسكريين، ولتوفّر لهم سلعًا أساسية، من دون أن يؤثر ذلك في مهماتها الأمنية. أخبرهم الكثير عن كيفية استثمار الطاقات والموارد المتوافرة بالحد الأقصى وفي مختلف المجالات.

بالطبع يعرف الأميركيون كما سواهم حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الجيش في ظل تفشي العجز السياسي، وتراكم الأزمات التي لا يسير أي منها باتجاه حل مقبول. كما يعرفون حجم الجهود التي تبذلها القيادة ومعها العسكريون من مختلف الرتب وفي المواقع كافة. فالتقارير التي ترسلها البعثات الديبلوماسية لا تُغفل أيًا من التفاصيل. لكنّهم أرادوا أن يستقوا المعلومات من مصدرها، من قائد الجيش شخصيًا. أرادوا أن يعرفوا منه بالضبط واقع الحال والحاجات والتحديات. وكان لهم ما أرادوا، سمعوا صرخة الوجع المدوّية التي لم يُعِرها المسؤولون اللبنانيون آذانًا صاغية، وسمعوا رنين ناقوس الخطر الذي لم يوقظ مسؤولين كثرًا.

سمعوا، وعرفوا، وقدروا، ووعدوا، ويبقى أن تتحول الوعود إلى مبادرات تسهـم في صمـود هذه المؤسسـة التـي تحمـل وطنًا.

العوافي يا جيشنا.

العوافي يا وطن.