قضايا عسكرية

علامَ ستعتمد تركيا للاختيار بين أس 400 الروسية و أف 35 الأميركية؟
إعداد: العميد المتقاعد شارل أبي نادر

يأخذ الخلاف التركي - الأميركي، حول حصول أنقرة على منظومة الدفاع الجوي الروسية «أس 400» أو على القاذفة الشبحية الاستراتيجية الأميركية «أف 35»، طابعًا سياسيًا استراتيجيًا، إذ خيَّرتها واشنطن بين الاثنتين. ويبدو أنّ هذا الخلاف يرتبط بصراع المحاور والاصطفافات، فإمّا ثبات تركيا في محور حلف شمال الأطلسي التي هي عضو أساسي فيه، والتزامها أسلحته كعمادٍ رئيس لجيشها، أو ابتعادها عن هذا الحلف واختيارها التموضع في الحضن الروسي، مع ما يمكن أن ينتج عن ذلك من إدخال بعض الأسلحة والتجهيزات الروسية إلى جداول التجهيز الخاصة بوحداتها المسلحة.

 

عمليًا، من غير المنطقي أن تنطلق تركيا بالكامل من أبعاد سياسية - استراتيجية، من دون الاستناد إلى المعطيات العسكرية - الاستراتيجية، والتي من المفترض أن تكون الموجّه الأساسي لقرارها بالاختيار بين المنظومة الروسية أو القاذفة الأميركية. وإذا تركنا جانبًا المعطيات السياسية التي تحيط بالملف، يمكننا التساؤل: ما هي المعطيات العسكرية التي يمكن أن تؤدي الدور الأساسي في الاختيار؟ وكيف يمكن أن تؤثر مميزات كل من السلاحَين النوعيَين وقدراتهما في تكوين استراتيجية تركيا القتالية (دفاعًا أم هجومًا)؟
بدايةً، سنحاول الإضاءة باختصارٍ على مميزات كل من منظومة الدفاع الجوي الروسية «أس 400»، والقاذفة الأميركية «أف 35» وإمكاناتهما، لنوضح بعدها ما يمكن أن يقدّمه كل من السلاحَين لمناورة أنقرة العسكرية الاستراتيجية.

 

منظومة الدفاع الجوي الروسية «أس 400»
تتمتع منظومة «أس 400» الروسية للدفاع الجوي بشعبيةٍ متزايدة حول العالم، وتسعى دول كثيرة إلى شرائها. ويقول الخبير في تجارة الأسلحة والنفقات العسكرية سيمون فيزمان، الذي يعمل في معهد ستوكهولم، إنّها من أكثر منظومات الدفاع الجوي تقدمًا في العالم، وراداراتها تعمل على مدى بعيد. وهي تستطيع متابعة عدد كبير من الأهداف، بما في ذلك طائرات الشبح. صواريخها سريعة ودقيقة، ويمكن خلال دقائق معدودة نشر منصاتها وإطلاق الصواريخ والانتقال إلى موقع آخر.
تمتلك أنظمة «أس – 400»، باعتبارها واحدة من أهم أنظمة الدفاع الجوي في العالم، قدرات فعّالة على صعيد حماية الأجواء وتدمير الطائرات المقاتلة وطائرات التحكم والاستطلاع والطائرات الاستراتيجية والتكتيكية والصواريخ الباليستية ومجمعات الصواريخ الباليستية التشغيلية التكتيكية، والأهداف الطائرة جميعها التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومنها على سبيل المثال: طائرات الشبح وطائرات الإنذار المبكّر والطائرات المقاتلة وطائرات الحرب الإلكترونية والقاذفات الاستراتيجية وصواريخ «كروز» و«توماهوك» والصواريخ الباليستية.
تستطيع هذه المنظومة السيطرة على 600 كلم من الأجواء وإطلاق صواريخ طويلة المدى (400 كلم) ومتوسطة المدى (120 كلم) وقصيرة المدى (48 كلم). وهي قادرة على متابعة حوالى 300 هدف دفعة واحدة وتدمير 35 منها في الوقت نفسه، حتى وإن بلغت سرعة هذه الأهداف 4800 كلم بالساعة، فيما يبلغ عدد الصواريخ الموجهة في وقت واحد 72 صاروخًا.

 

القاذفة الأميركية «أف 35 لايتنغ الثانية»
هي مقاتلة متعددة المهمات (رماية أهداف أرضية وبحرية ومهاجمة طائرات)، أحادية المقعد والمحرك، وهي ثانية مقاتلات الجيل الخامس بعد «أف 22 رابتور»، وثمرة تطوير للأخيرة بتكلفةٍ أقل. يمكن تجهيز أسلحة المشاة والبحر والجو بهذه المقاتلة القادرة على التخفّي والتي تتفوق على المقاتلة الشبحية «أف 117» وعلى «أل ب 2» بقدرةٍ أكبر على المناورة. تصل سرعتها إلى نحو ألفي كيلومتر في الساعة، وتستطيع التحليق لمسافاتٍ بعيدة من دون الحاجــة إلـى تزوّد الوقـود، ويبلـغ مـدى تحليقهـا 2200 كيلومتر.
بإمكان هذه الطائرة حمل أسلحة متنوعة، بينها قنابل موجهة بالليزر، وصواريخ موجهة جو - جو، فيما لم تتأكد المعلومات بشأن قدرتها على حمل رؤوس نووية.
تمتلك «أف 35» القدرة الأكبر من بين باقي المقاتلات الأميركية والغربية على المناورة بمواجهة منظومات الدفاع الجوي المتطورة «أس 300» و«أس 400»، وقد بلغت تكلفة برنامج إنجازها نحو أربعمئة مليار دولار، ويصل سعر الطائرة الواحدة إلى نحو 110 ملايين دولار.
بحسب تقارير إعلامية، تبلغ تكلفة خوذة قائد الـ «أف 35» نحو أربعمئة ألف دولار، وهي تمكِّنه من رؤية الأرض وكل أجهزة الطائرة الحيوية بوضوحٍ في الليل والنهار، كما تزوّده الصور.

 

ماذا ستختار تركيا ولماذا؟
يمكن أن تختار تركيا المنظومة الروسية «أس 400»، وذلك نظرًا للاعتبارات الآتي ذكرها:
إنّ منظومة «أس 400» سلاح دفاعي بامتيازٍ، لها القدرة على استهداف مختلف أنواع الطائرات والصورايخ التي يمكن أن تتعرض لها الأراضي والمصالح التركية، وهي تتفوق على منظومات الدفاع الجوي الأميركية المتطورة مثل «ثاد»، فالأخيرة تختص بالدفاع ضد الصواريخ فقط وليس ضد الصواريخ والطائرات. وهذا لا يناسب الاستراتيجية التركية التي تعتبر أنّ أراضيها ومصالحها قد تكون عرضة لاستهداف دول تملك صواريخ وقاذفات أميركية متطورة مثل إسرائيل أو المملكة العربية السعودية.
أيضًا، من المنطقي أن تفضّل تركيا الحصول على «أس 400» الروسية بديلًا من الـ«باتريوت» الأميركية، والتي عرضتها واشنطن على أنقرة لوقف صفقة الـ «أس 400» مع موسكو، والسبب ضعف الـ «باتريوت» ومستوى الفعالية المتوسط في الدفاع الجوي، الأمر الذي تمّ اكتشافه في إسرائيل بمواجهة صورايخ غزة، وفي السعودية بمواجهة صواريخ اليمنيين.
من ناحية أخرى، صحيح أنّ الـ«أف 35» كقاذفةٍ هجومية أميركية متعددة المهمات، تستطيع أن تؤمّن لتركيا مبدئيًا مناورة قتالية متقدمة، هجومًا أو دفاعًا، ولكن هناك عدة أسباب تدفع أنقرة للتمسك بالحصول على «أس 400»، وهذه الأسباب يمكن تلخيصها بالآتي:

 

أسباب تقنية
أعلنت أكثر من دولة تعليق تحليق المقاتلات الأميركية «أف 35»، بعد تحطّم إحداها في أيلول الماضي، بولاية ساوث كارولينا، وذلك بسبب مشاكل في نظام إمدادات الوقود، الأمر الذي تطلّب إجراء فحص شامل لهذا الطراز، وقد تمّ الكشف عن خلل فني في عمل محرك الطائرة.

 

أسباب استراتيجية
يرى المحلّل في مجلس العلاقات الدولية كيفين براند، أنّ تصميم المنظومة الروسية «أس 400» القائم على أساس وحدات بديلة يسمح بأن تتكامل مع منظومات أخرى متوسطة وحتى قصيرة المدى للدفاع الجوي، وبذلك يمكن نصب أنواع الصواريخ المختلفة في منصة واحدة، ما يجعل نظام الدفاع الجوي ذا عدة أنساق. وهذا الأمر ربما يناسب تركيا لناحية إمكان الاستفادة من منظومات دفاع جوي موجودة لديها أصلًا.
وفي مجال آخر، قال نائب رئيس الوزراء التركي إنّ المهندسين والعلماء الأتراك سوف يطوّرون قدراتهم لتصنيع مثل هذه الصواريخ، بفضل استيراد تكنولوجيا إنتاجها، في إطار الصفقة مع روسيا، لكنّ الروس لم يؤكدوا هذا الأمر الحساس، خصوصًا وأنّ تركيا ما زالت عضوًا فاعلًا في الناتو.
كذلك، تناول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الموضوع قائلًا: «لقد بحثنا هذه الصفقة أكثر من مرة مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وتلك الدول لم تعطِنا المنظومة الصاروخية... لذلك قمنا باتخاذ ما يلزم بخصوص الدفاع عن تركيا».

 

خلاصة
انطلاقًا مما سبق، لناحية قدرات وإمكانات كل من منظومة الدفاع الجوي الروسية «أس 400» والقاذفة الأميركية «أف 35»، ولناحية المعطيات الاستراتيجية التي تحيط بمناورتها القتالية دفاعًا أو هجومًا، من المُرجَّح أن تعمد تركيا إلى السعي للفوز بصفقة الـ «أس 400» الروسية، فيما لو تمّ تخييرها بين الأخيرة وبين القاذفة «أف 35». لكن، من غير المستبعد أبدًا أن تعمد الولايات المتحدة الأميركية إلى إرساء تسوية مع أنقرة، تسلّمها بموجبها «أف 35» بمعزلٍ عن حصولها على المنظومة الروسية، مع ضمان تثبيت موقع تركيا في حلف شمال الأطلسي بعيدًا من الحضن الروسي. كذلك، لا يمكن استبعاد إمكان موافقة واشنطن على صفقة «أس 400» لتركيا، طمعًا بالحصول لاحقًا على ما يمكن من المعطيات التقنية والفنية المتعلقة بتفاصيل تصنيع المنظومة الروسية.

المراجع:


- أبرز خصائص أس 400 الروسية - ترك برس https://www.turkpress.co
- https://ar.wikipedia.org/wiki/ لوكهيد مارتن أف-35 لايتنيغ الثانية
- https://www.aljazeera.net/encyclopedia/military/ أف-35-المقاتلة-المخيفة-الأكثر-تطورًا-بيد-إسرائيل
- https://arabic.rt.com/rtonline/news/