سياحة في الوطن

علمات
إعداد: ندين البلعة

بلدة العيش المشترك ماضياً وحاضراً علمات أصبية تخفّت هناك أم أن علياً مات؟

 

جميلة وهادئة، إنما تفتقر الى المقومات التي تجعل أبناءها قادرين على الاستقرار فيها.

إن زرتها شتاءً قد يخيّل اليك انك في قرية مهجورة خالية من الحياة والحركة.

أما إن زرتها صيفاً، فسيستقبلك شبابها وشيبها في الساحات وعلى الطرقات والشرفات.

علمات واحدة من بلدات أعالي جبيل الجميلة، الوصول اليها عبر الطريق الضيق الوعر ليس بالأمر السهل.. أما هي فتربض في قلب الجبل غارقة في مساحات تمتد خضراء مبهجة من كل صوب.

علمات التي يفيد اسمها معاني التستر والخفاء، يتناقل سكانها أساطير وحكايات كثيرة حول ماضيها.

 

أساطير وحكايات

في «معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية» للكاتب أنيس فريحة، تعود تسمية علمات الى جذر «علم» السامي المشترك، وتعني الظلمة والخفاء والستر.

وورد في النقوش الفينيقية «Almat» أي فتاة أو صبية. والظاهر أن هذا المكان كان المرحلة الأولى في سفر النائحات على أدونيس من جبيل الى أفقا، يدل على ذلك دير يُدعى «دير البنات» ما زالت بقاياه موجودة، ويُروى أنه من الأماكن التي كان يتوقف فيها الحجاج في طريقهم الى أفقا أيام الفينيقيين.

ولكن لدى أهل البلدة حكايات أخرى أبرزها روايتان متقاربتان عن الموضوع.

تقول الرواية الأولى إن شاباً من هذه القرية، أحب فتاة من القرية المجاورة. وكان إسمه علي، ولم يكن مسموحاً له أن يرى حبيبته. مات علي، وأراد أهل القرية أن يخبروا الحبيبة، فراحوا ينادون «علي مات، علي مات...».

والرواية الثانية تقول، إن شاباً أُغرِمَ بفتاة وحالت بينهما الظروف فبات عليلاً ومات، ويسري في البلدة قول «انعلّ ومات».

 

موقع وسكان

تقع علمات في محافظة جبل لبنان، قضاء جبيل، وترتفع عن سطح البحر 950 م.

في الماضي كان الوادي الممتد من عين الغويْبة، لاسا، علمات، مشان، رأس إسطا، فرْحِت، الحصون، طورزيا الى كفرسالا، بركة حجولا وحتى بشتليدا بْدار، كل هذا الإمتداد كان يُسمى علمات. وكانت تتبع للبلدة قرى أخرى صغيرة، من هذه القرى «المشنقة» التي هي بالأصل بوابة علمات. ولكن عندما استُحدِثَت طريق قرطبا فصلت عدة قرى عن علمات جغرافياً.

أما اليوم، فتمتد علمات من فِرْحِت الى حصون الى مثلث اللقلوق، الشربيني، قرطبا وحتى إهمج شمالاً. مساحتها 49 كم2 تقريباً. وهي ذات طبيعة جبلية صخرية.

علمات مسكونة منذ آلاف السنين، وحتى قبل أن تعرف المنطقة الأديان السماوية. كانت فيها بلدية في الأربعينيات وهي من أولى البلديات التي أُسِّست في منطقة جبيل، ولكنها حلت بسبب خلاف بين الأعضاء، وبقيت البلدة بدون بلدية حتى استُحدِثَت منذ سنتين ونصف السنة تقريباً، 13 بلدية في جبيل، منها علمات التي تُعدُّ كبيرة نسبياً إذ تضم 15 عضواً.

عدد سكان البلدة نحو 15 ألف نسمة، منهم 3500 ناخب. يُقيم فيها حالياً (صيفاً وشتاءً) 400 نسمة، ويقصدها في الصيف نصف السكان تقريباً (6 الى 7 آلاف شخص). عدد البيوت فيها 750 منزلاً تقريباً، منها 100 منزل مسكون.

 

دَيْدَب والنّمرود

من الجبال التي تحيط بالبلدة وتحدّها، يُلاحظ رأس قرنة (صخرة) عالية تُسمى قرنة «الملك دَيْدَب». هناك يقع قصر هذا الملك منذ العصور القديمة، وأحجار قصره الهائلة الحجم قائمة حتى اليوم.

في الجهة المقابلة لهذه القرنة، كان يقع قصر الملك «نمرود»، الذي ما زالت حجارته موجودة أيضاً.

آثار قصرَي الملك دَيْدَب ونمرود الباقية من الصعب الوصول اليها، وقد أتى باحثون من فرنسا ليفتشوا عن موجودات ثمينة فيها ولكن لم يعرف أحد ماذا وجدوا من مدفونات.

 

معالم البلدة

توجد في علمات قبور قديمة (يُقال انها لليهود) باتت على شكل صخورٍ ومنحوتات.

وفي أسفل البلدة، تقع مغارة «المبعاج» التي تشبه مغارة جعيتا ولكن حجمها أصغر. وقد بدأ مشروع تحويل هذه المغارة الى مكان سياحي وذلك منذ تأسيس بلدية علمات، أي منذ سنتين تقريباً. كما تضمّ البلدة، وعلى الرغم من صغرها، 4 مساجد و3 حسينيات.

هذا بالاضافة الى دير سانت تيريز الذي يقع عند مدخل البلدة. هو دير قديم جداً (فوق المئة سنة) يتم حالياً ترميمه وتجديده. هذا التنوع بالمعالم الدينية يميّز علمات، التي يمكن اعتبارها نموذجاً مميزاً للعيش المشترك والوفاق في لبنان.

وفي بعض جنبات البلدة يمكن مشاهدة معصرتين صغيرتين أصبحتا شكلاً من أشكال الآثار. ونرى حولهما أحجاراً وصخوراً قديمة عليها منحوتات متنوعة.

 

من التاريخ

كانت علمات نموذجاً للعيش المشترك منذ الماضي البعيد، ويذكر الاهالي أن أحد أبناء البلدة (حيدر عوّاد) الذي كان موظفاً له شأن كبير في الدولة العثمانية، اضطلع بدور الوسيط بين هذه الدولة وابناء قرى المنطقة وبلداتها، الذين كان الجيش التركي يحرق مزروعاتهم ويهد بيوتهم بسبب تأييدهم ليوسف بك كرم.

وقد حافظ الاهالي على الصلات الطيبة بجيرانهم في اثناء الاحداث التي شهدها لبنان، وعُرفوا بحسن الجوار والحرص على التواصل بين ابناء المنطقة من مختلف الطوائف.

في علمات مدرسة رسمية متوسطة. إضافة الى أخرى قديمة جداً من عهد الاتراك، وقد أصبحت اليوم مبنى البلدية.

كما تضم البلدة مستوصفاً صغيراً محدود الامكانات، الى جانب قلم محكمة شرعية جعفرية صيفي.

بالنسبة الى الأعياد، تحتفل البلدة بالمناسبات الدينية المسيحية والإسلامية في أجواء من الإلفة تسود سكانها.

ويشكل النادي الموجود في البلدة منذ الستينيات مركزاً لنشاطات ثقافية واجتماعية ورياضية، خصوصاً في فصل الصيف.

 

الزراعة والماء

يعتبر أهالي علمات، أن بلدتهم تفتقر الى التنمية الريفية بحيث ان المدارس مهملة والمراكز الطبية شبه مُعدمة، الى النقص في المياه وبالتالي في الإنتاج الزراعي. سابقاً، كانت الزراعات متنوعة ومزدهرة وأبرزها زراعة التوت لتربية دود القزّ وإنتاج الحرير. وكان المحصول يُجمَع بكميات كبيرة ويُنقل الى الساحل حيث عنابر التصنيع في حالات ونهر ابراهيم وجبيل.

كما كانت البلدة تشتهر بزراعة أجود أنواع التفاح، فكان محصولها يغطي حاجة السوق اللبنانية ويُصدّر منه الى الخارج.

أما اليوم وللأسف، فليس هناك من زراعات مركّزة وذلك بسبب الحاجة الى المياه. إذ لا يروي البلدة أي نبع، ويقتصر الإستهلاك على نهر شتوي يمرّ قرب البلدة.

 

الطرقات والكهرباء

تُعتبر طرقات علمات نموذجاً للطرقات في المنطقة، والتي على الرغم من ضيقها ووعورتها تبقى مقبولة نسبياً، خصوصاً انها مشقوقة منذ عهد الإنتداب الفرنسي، ولم يتم ترميمها جدياً منذ سنوات طويلة.

ويخبر المسنون أن أهالي البلدة قديماً شقوا هذه الطرقات بأيديهم، بواسطة «المهدّة والإزميل».

أما الكهرباء، فليست أفضل حالاً مع استمرار التقنين وعدم توافر المولدات الكبيرة.

 

البلدية: جهود ومحاولات

تحاول البلدية، وحسب إمكاناتها، توسيع الطريق العام لعلمات وتعبيدها، كما تسعى الى شقّ الطرقات الزراعية الصغيرة وإنشاء العبّارات وحيطان الدعم للطرقات.

وبتشجيع من البلدية، تشهد علمات حركة بناء حيث أعطيت تراخيص جديدة. والملاحظ أن أكثر من نصف منازل البلدة مبنية حديثاً. أمّا المنازل القديمة ذات السقف الترابي، فما زال أصحابها يحافظون عليها ويحدلون سطوحها شتاءً لتبقى دلالة على هوية بلدتهم.

 

عائلات علمات: في علمات ست عائلات كبيرة تتفرع منها عائلات أخرى.

والعائلات هي: عوّاد، حيدر أحمد، خير الدين، شقير، حيدر حنّا، وبدير.