مناسبة

على الرغم من الوجع صابرون ثابتون وفي أحضان مؤسستهم مكرّمون
إعداد: باسكال معوّض بو مارون

كان المنظر مؤثرًا، فهم لا يلتقون إلا في مناسبة عيد الجيش من كل عام، وعلى الرغم من أوجاعهم وصعوبة تنقّل بعضهم، فرح الإخوة باجتماعهم في «بيت الأم»: فالمؤسسة العسكرية تحضن أولادها، ترعاهم وتهتم بهم، خصوصًا إذا كانت احتياجاتهم خاصة...

 

لقاء الوطن بالوطن
الصالة ضاقت بهم وبأهلهم؛ من استطاع منهم الوقوف، وقف للنشيد الوطني مع بداية الاحتفال، أمّا من لم يعنه وضعه على الوقوف، فكان يستعيد مشهد رفع العلم في الثكنة...
مناسبة الاحتفال، تكريم العسكريين الذين أصيبوا في معارك الدفاع عن الوطن (400 عسكري)، وأصبحوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعضهم ما زال في الخدمة الفعلية وبعضهم أحيل على التقاعد.
أقيم الاحتفال في نادي الرتباء المركزي - الفياضية، وترأسه العميد الركن منير سرور ممثّلًا قائد الجيش العماد جوزاف عون، في حضور العميد الركن أنطون العلم رئيس قسم إدارة ورعاية شؤون العسكريين في منطقة جبل لبنان، وعدد من الضباط بالإضافة إلى ذوي المكرّمين.
العميد الركن سرور نوّه بتضحيات العسكريين المحتفى بهم، معتبرًا أنّهم الشهود الأحياء على مسيرة الجيش المعمّدة بالجهد والتضحية حتى الشهادة، في سبيل حماية لبنان والحفاظ على وحدته وسيادته واستقلاله.
وفي مستهل كلمته رحّب ممثّل قائد الجيش بلقاء «الوطن بالوطن والجيش بالجيش»، وقال: تجدّد مؤسستكم الأم الإكرام والتقدير لكم، بعد أن كنتم منارة في التضحية والعطاء، وفي التزام رسالة الجيش وقيَمه، أنتم الذين ارتضيتم لأنفسكم أن تتجرع مرارات الألم والصبر والجراح، قانعين مؤمنين أنه في سبيل لبنان ترخص المهج وتهون أغلى التضحيات. فأهلاً وسهلاً بكم في أحضان جيشكم، الذي يستمر قويًا منيعًا بإرث أبطاله وإيمان أجياله.

وأضاف: حين عصفت بالبلاد رياح الخطر، حملتم لواء الشرف والتضحية والوفاء، ومضيتم الى ساحات الحرية والكرامة، ملبّين نداء العلم، وفي يقين كل واحد منكم، أن الشهادة في سبيل الوطن هي مطلب الرجال الأبطال، لكنّ القدر شاء أن تبقوا أحياء بين أهلكم ورفاقكم... وها أنتم اليوم تتابعون المسيرة ولو بطرق وأشكال مختلفة، مؤكدين ألّا شيء يحول دون استمراركم في العطاء والإبداع والعمل الوطني. ذلك ما أثبتموه على أرض الواقع ولا تزالون...
وتابع قائلًا: إنني إذ أقف أمامكم اليوم، يخالجني شعور عميق، بمدى التزامكم المبادئ والقيم الوطنية والعسكرية، واندفاعكم إلى التضحية القصوى. ولكن في الوقت عينه، أرى في هاماتكم الشامخة وعيونكم اللامعة، ما يخبر بأنكم لستم حائرين في ما بذلتم، بل لديكم ملء القناعة بصواب ذلك، لأن شجرة الوطن لا يمكن أن تحيا وتزهر وتثمر من دون دماء زكية تروي ترابها بين الحين والآخر...
وأخيرًا، تعهّد باسم قائد الجيش أن تبقى المؤسسة العسكرية على عادتها وفيّة لهم، أمينة على تضحياتهم، ساهرة على مستقبل عائلاتهم، وقريبة منهم في كلِّ ما يحتاجون إليه.

 

أحاديث وذكريات
خلال الكوكتيل الذي أقيم على شرف المحتفى بهم، تجمّع الرفاق حلقات حلقات، هنا متقاعد يسأل رفيقًا كيف يستطيع التغلّب على الضجر، وهناك آخر يروي كيفية تأقلمه مع ما آلت إليه أحواله... أحاديث وذكريات، ووجع كبير ليس من السهل إخفاؤه... اقتربنا منهم وتحدّثنا مع بعضهم...
المؤهل افرام سركيس الذي خدم في فوج المغاوير وفي قطع أخرى، خاض معارك كثيرة «حصد» منها 350 إصابة في مختلف أنحاء جسمه، يقول: عشقت طوال حياتي الأرزة اللبنانية والعلم، وقد حاربت تحت لوائهما. سقط أمامي 300 شهيد... الجيش بالنسبة لي حامي الجميع، والمؤسسة العسكرية لا تفرّق بين أولادها، تهتم بهم بالتساوي والعدل، ومن دون تقصير وهي إذا وعدت وَفَت...
وعن ظروف إصابته يقول المؤهل أول المتقاعد حسين ماجد: أصبت في العام 1984 برصاصٍ متفجّر في ساقي خلال المعارك في قبرشمون، وبقيت بعدها في الخدمة العسكرية لمدة 31 سنة حتى تقاعدت على السن. التقاعد أتعبني نفسيًا، فالحياة العسكرية هي حياتي.. في الأول من آب أقول، الجيش أولًا وأخيرًا.
رفيقه العريف المتقاعد بشاره مونّس الذي أصيب في سوق الغرب في العام 1985 يوافقه القول ويضيف: الحياة المدنية صعبة على من اعتاد الحياة العسكرية بما فيها من مبادئ وقيم، لذلك يصعب علينا التأقلم... ويضيف مونّس: عشنا حياتنا جنبًا إلى جنب كالإخوة: نأكل وننام ونحارب ونقضي معظم أوقاتنا معًا، وهذا ما جعلني أتخطّى حزني وإعاقتي.
انتهى الاحتفال، حان وقت تسلّم الهدايا، ومن ثم العودة إلى يوميات حياة ليست سهلة بالتأكيد، لكن ثمة فيها ما يشعّ ويشيع الأمل.