منمشي تنتذكر

على دروب الأبطال مشينا...
إعداد: الرقيب جيهان جبور

هي النار التي اشتعلت في وجه التنظيمات الإرهابية في جرودنا وأحرقت مخططاتهم، فبزغت فجرًا كان وسيبقى عنوان فخر، يُضاف إلى عناوين كثيرة سطّرت تاريخ جيشنا. هذه النار اشتعلت من جديد، لا في معركة ولا في قتال، بل في الذكرى الثانية لانتصار «فجر الجرود». فقد أراد فوج التدخل الأول أن يحتضن في قطاعه الشمالي، مئات من المواطنين ليتذكر معهم تضحيات الشهداء. وهكذا سار العسكريون والمواطنون في سباق «منمشي تنتذكر»، على دروب هي شبيهة بتلك التي سلكها أبطالنا على مدى أشهر وتنشقوا غبار ترابها.

 

باكرًا أتوا، باكرًا تقاطروا من كل مناطق لبنان حاملين عتادهم، حضروا بكل ما في نفوسهم من حماسة وشغف ليردّوا الجميل لجيشهم. وقبل أن يسدل الليل ستاره، وصلوا إلى الأرز حيث كانت بانتظارهم خيم مجهزة ليمضوا ساعات الليل إلى جانب عناصر الفوج. هنا مجموعة جلست قرب الخيمة المخصصة لها لترتاح من مشقة الطريق. وهناك سمعان، الرجل السبعيني، الذي أحضر عصاه معه مجهزًا نفسه لتلبية نداء الجيش. نحييه فيرد التحية مرحّبًا ويقول: «وقت ما بيطلبنا الجيش نحنا موجودين لنلبيه، نحنا حدو متل ما هو دايمًا حدنا». أما المتسابقة الكينية Racheal Opondo فتخبرنا أنّها أتت خصيصًا إلى لبنان لتحقق رقمًا قياسيًا جديدًا يضاف إلى سجلها الرياضي.
 

مختصر مفيد
بكل اهتمام تابع المشاركون الإيجاز الذي حرص الفوج على أن يكون مختصرًا مفيدًا، مع إفساح المجال للأسئلة الاستيضاحية. التفاصيل باتت واضحة فإلى الفقرة الثانية... تسمّرت الأنظار على الشاشات الكبيرة تستعرض مشاهد لأبطال الفوج في جرود عرسال. التقنيات الحديثة التي استخدمها الجيش في المعركة أدهشت الجميع.
اشتعلت النار، فتجمّع المشاركون حولها، وعمّت أجواء الفرح على أنغام الأغاني الوطنية التي ألهبت النفوس، ومحت آثار التعب، أما البرد فتكفلت به النار. هذه الأجواء الحماسية غمرت الجميع، فأمضوا سهرة جميلة قبل أن ينصرفوا إلى النوم استعدادًا للسباق.
دقّت ساعة الصفر، إنّها الساعة الخامسة والنصف فجرًا. تجمّع المشاركون قرب المصعد الكهربائي تحضيرًا للانطلاق الرسمي عند النقطة 20. العميد الركن جورج صقر قائد فوج التدخل الأول تقدّم المتسابقين معلنًا بدء السباق.
 

على درب الأبطال
على درب أبطـال الجيـش تسابقــوا. ساروا على الطريق التي رسمتها دماؤهــم الطاهــرة في الجبـال الوعـرة، بعد أن رووا هذه الأرض بعرقهم. الشمس الحارقة لـم تخفـف من عزيمة المشاركين بل دفعتهـم إلى مزيد من التحـدي والإصرار على بلوغ القمة.
عنــاصـر الفــوج انتشــروا على طــول المسار لتأمـيــن الميــاه للمشتـركيــن، كما انتشــرت فــرق من الصليب الأحمـر اللبنـانـي تحسّبًـا لأي طـارئ.
بعد اجتياز بضع كيلومترات، بدأ التعب يظهر على عدد من المشاركين، بينما تابع آخرون التقدم بنشاط. حماسة ماريانا أودت بها إلى الانزلاق. حادث بسيط عالجه الصليب الأحمر بسرعة،ٍ فيما تابع المشاركون سباقهم مطمئنين إلى إجراءات السلامة.
تبارى المشاركون المدنيون بروحٍ رياضية مع جيشهم. ووصل من وصل إلى نقطة النهاية، أفرادًا وفرقًا، بعد ساعات طويلة من السير الشاق، وبعد معاناة في الطريق. وقبل الغداء الذي قدّمه أهالي المنطقة كَلَفتة تقدير لأبطال الجيش الذين ما بخلوا بتضحياتهم، سلّم قائد فوج التدخل الأول العميد الركن جورج صقر ممثّلًا قائد الجيش العماد جوزاف عون الشهادات والكؤوس للفائزين.
ومع انتهاء السباق، كانت تُكتب حكاية جديدة في سجل تحفل صفحاته بمشاعر الحب والفخر التي يحملها المواطنون لجيشهم.
 

أهداف السباق
على هامش السباق، كان لنا لقاء مع العميد الركن صقر الذي أوضح أنّ هذا النشاط يأتي إحياءً للذكرى السنوية الثانية لانتصار جيشنا الباسل على الإرهاب في معركة «فجر الجرود». واعتبر أنّ النشاطات المشتركة بين المدنيين والعسكريين تعزز الروابط بينهما، وتنمّي الروح العسكرية في نفوس المدنيين وتجعلهم على تماس مباشر مع نمط الحياة التي يعيشها العسكريون بما فيها من مشقات وتحديات.
وأضاف قائلًا: من ناحية أخرى، من شأن السباق أن يشجّع المشتركين على ممارسة الرياضة والسير الجبلي والتأمل في طبيعة لبنان الخلابة. وقد تمّ اختيار المسلك بدقةٍ، وهو يمتد على طول 22 كلم، من الأرز حتى منطقة السواقي في مزيارة. ومع أنّه ليس صعبًا، إنما هناك منحدرات تحتاج إلى الحذر خلال سلوكها.
توزعت الفئات المشاركة على الشكل الآتي: عسكريون ذكور، عسكريون إناث، مدنيون ذكور، مدنيون إناث، وما يعرف بالفريق Mix الذي خاض «سباق المرح».
 

لماذا أتوا؟
• أحد الضباط الأجانب: حبي كبير للبنان ولعناصر الجيش اللبناني. أتيت لأحييهم وأهنّئهم بالانتصار الكبير الذي حققوه... إنّهم أبطال يكتب التاريخ عنهم.
• هيثم بو عساف (14 سنة): «بابا كان مغوار وبس إكبر بدي فوت عالحربية».
• رولا يوسف: معظـم أفـراد أسـرتي في المؤسـسة العسكـرية وأنا هنا اليوم لأقف وفاءً للجيش الذي حارب لأجلنا في عرسال حتى آخر نقطة دم. أحرّ التحيات في هذه الذكرى وشهداؤنا ما زالوا في ذاكرتنا.
• عايدة جمعة رضا: «كانت أحلى سهرة نار وأحلى سبق وفكشت إجري كمان. منعاد السنة الجاية وشهداء الجيش بالضمير».

 

الملحق العسكري البريطاني في الخيمة
كان للملحق العسكري البريطاني Alex Hilton حضور لافت أضفى مزيدًا من الحماسة بين المشاركين. Hilton الذي كان أول الوافدين لتسجيل اسمه اختار أن يسهر مع أبطال فوج التدخل الأول وأن يحذو حذوهم في النوم داخل الخيمة، معربًا عن إعجابه الكبير بالتنظيم وبالتفاعل بين المدنيين والعسكريين.
وفي كلمة إلى مجلة «الجيش» قال: «أقف إجلالًا أمام تضحيات شهداء الجيش الذين أثبتوا للإرهابيين أنّهم بالمرصاد متى حاولوا المس بأرض بلادهم، كما أثبتوا كفاءة عالية في القتال والصمود أمام أي خطر يهدد وطنهم». وتابع: «بلادكم تعني لي الكثير ومشاركتي اليوم إلى جانبكم لن تكون الأخيرة، ففرصة اكتشاف هذه الجبال، وهذا المناخ وهذه الأجواء لا يمكن أن تفوّت».
 

وقائع
• بلغ عدد المشتركين في سباق «منمشي تنتذكر»: 958.
• أكبر المشتركين سنًا الذين أتمّوا السباق: السيد فهد الخوري (مواليد 1946) بتوقيت 4 ساعات و4 دقائق، والسيدة تيريزا سركيس (مواليد 1950) بتوقيت 5 ساعات و30 دقيقة.
• أصغر المشتركين سنًا الذين أتمّوا السباق: كارل العيلة مواليد 2007، وقد اجتاز المسافة بتوقيت 4 ساعات و35 دقيقة.

 

شعار السباق
صمّم النقيب رئبال تمراز من مديرية التوجيه شعار السباق الذي تداخلت فيه وتناغمت شعارات الجيش وفوج التدخل الأول و«فجر الجرود»، وملصق السباق.
تبرز في الشعار الطريق من بداية الانطلاق وصولًا إلى أعلى قمة الجبل، حيث الأرزة الخضراء شامخة ومحاطة بالمشتركين العسكريين والمدنيين، ويرمز اللون الأحمر مع الأصفر إلى بزوغ فجر جديد.