مبادرات خلاقة

على طريق الاكتفاء الذاتي...

تريز منصور

 

«الاكتفاء الذاتي» قدر الإمكان بات ضرورة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وهذا ما دفع العديد من قطع الجيش إلى إنشاء مشاريع زراعية لتأمين الضروريات لعناصرها. وللواء المشاة السادس تجربة مميزة وناجحة في هذا المجال.

 

تنتشر مراكز لواء المشاة السادس من ثكنة عين بورضاي وبريتال وحورتعلا مرورًا بيونين وشعث، وصولًا إلى اليمّونة ودار الواسعة. مهماته الأمنية الكثيفة تمتد على أيام السنة بكاملها نظرًا إلى طبيعة منطقة انتشاره واتساعها وتشمل هذه المهمات المداهمات وملاحقة المطلوبين ومكافحة التهريب وسواها. مع ذلك، كانت لهذا اللواء العديد من المبادرات السريعة الهادفة إلى التكيّف مع الظروف الاقتصادية، حتى بات يمكن القول إنّه يحقق الاكتفاء الذاتي في عدة مجالات. ويقول قائده العميد الركن جوني عقل: «بعد صناعة الكمّامات والصابون ومواد التعقيم التي أمّنت للّواء حمايةً واكتفاءً ذاتيين على صعيد الوقاية من كورونا، بدأ التوجّه إلى تأمين المواد الأولية التي يحتاجها عسكريو اللواء لتأمين معيشتهم».

بدأت الفكرة مع زراعة الخضار المتنوعة ما أمّن حاجة نوادي ضباط اللواء منها فضلًا عن حاجة عناصر الخدمة، والفائض يُوزع على العسكريين. أكثر من ذلك عمد العسكريون إلى صناعة المكبوسات اللذيذة التي باتت تُزيّن موائدهم. كما قاموا بصناعة فرن للمناقيش باستخدام مواد موجودة في اللواء، وهكـذا بـات فطورهـم اللذيـذ جاهـزًا كل يوم بكلفـة زهيدة.

 

الأزولا وقصة نجاح مميّزة

ويضيف العميد عقل:» طموحنا لم يقف عند هذا الحدّ، بل تطوّر إلى تربية المواشي والدواجن لتأمين الاكتفاء الذاتي من اللحم والبيض، ولكن هذه العملية اصطدمت بغلاء العلف الفاحش. لذلك بدأنا عملية بحث عن بدائل، فلفتتنا نبتة الأزولا التي تعتبر علفًا مهمًا للدجاج والمواشي وبدأنا بزراعتها».

يقدم اللواء السادس نموذجًا حيًا للعمل التعاوني، ليس فقط على صعيد عسكرييه وإنما أيضًا على صعيد المنطقة التي ينتشر فيها، ففي حين يقدم المساعدة للمواطنين في عدة مجالات، يقدم هؤلاء في المقابل خدمات له. وفي هذا السياق استعان بأحد المزارعين في منطقة الهرمل- القاع الذي يزرع الأزولا، فزوّده بعض الشتول، وهكذا بدأت تجربته الناجحة مع زراعة الأزولا التي وفّرت علفًا مهمًا للدجاج والماعز، وأسهمت في رفع أعدادها. ومع نجاح التجربة، تعممت الفائدة لتشمل عسكريين ومدنيين من أبناء المنطقة يقومون بتربية الدجاج، إذ يزودهم اللواء النبتـة مجانًا.

المعروف أنّ علف الأزولا غني بالبروتين (٣٥٪)، ويتمّ تقديمه للدجاج طازجًا بعد غسله، والدجاج يحبه كثيرًا. وللحصول على نتائج مثالية، يتمّ مزجه مع الطحين، أو الذرة، أو القمح المبروش أو الخبز.

أما بالنسبة للمواشي، فهي تحتاج كميات كبيرة من العلف، لذلك يكتفي اللواء حاليًا بتربية أعداد متواضعة منها إلى أن تصبح كميات الأزولا المُنتَجة لديه كافية لتربية أعداد أكبر. وقد أنشأ بركة كبيرة لزراعة الأزولا، ويتمّ اليوم تعديل عدد البرك ليصبح إنتاج الأزولا كافيًا للدجاج والمواشي الموجودة في اللواء.

تنمو الأزولا وتتكاثر بشكل مذهل خلال سبعة أيام، فالورقة تنمو بسرعة لتكبر كثيرًا ثم تنفصل عن شقيقتها وهكذا دواليك، لذا يتمّ قطاف الإنتاج من بركتَين يوميًا. وتجرية اللواء السادس مع هذه النبتة ناجحة ومميزة، ومبنيّة على دراسة علمية. والعملية برمّتها لم تتطلب سوى ثلاثة أشهر، تمّ خلالها إعداد البرك الخاصة للزراعة بمعدّل ست برك في قيادة اللواء، وواحدة في قيادة كل كتيبة وسوف تُعمّم هذه التجربة على كل السرايا أيضًا.

وجدير بالذكر أنّ سكان المنطقة يتقاطرون لمشاهدة برك الأزولا المزروعة في اللواء الذي أبدى رغبة في التعاون مع الأهالي من خلال تزويدهم الشتول وتقديم خبرته المتواضعة في هذا المجال. فالظروف صعبة على الجميع، وسواعد الجيش جاهزة لمساعدة المواطنين في كل الأوقات والحالات.

لدى اللواء السادس اليوم عدد كبير من طيور الدجاج، وبفضل الأزولا سوف يزيد العدد وبالتالي يزداد إنتاج البيض ولحوم الدجاج، والهدف أن يتمكن عناصر الخدمة أقله من تناول البيض مساءً.

 

ما هي الأزولا؟

يوضح الخبير الزراعي مروان حيدر (صاحب شركة بيت الزراعة) أنّ الأزولا هي نبات سرخسي أخضر يعيش في الحفرة أو البركة على وجه الماء، وعادةً يُزرع في البلاد التي يعيش فيها الأرزّ. هناك سبعة أنواع من الأزولا، ولكنّ عددًا كبيرًا من المزارعين يفضّلون استخدام نوع الـAzolla pinnata، نظرًا لكونها قادرة على تحمّل جميع العوامل المناخية أكثر من غيرها، وتتماسك بشكل قوي جدًا.

وقصة علف الأزولا بدأت في الصين، إذ لاحظ الخبراء أكل العصافير بنهم لهذه النبتة، وبدأوا بإعداد الدراسات المكثّفة عليها، فتبيّن أنّها غنية جدًا بالبروتين والحديد والكالسيوم والفوسفور، والمغنيزيوم والنحاس، وضعيفة بالكاربوهيدرات. وهكذا بدأت زراعة هذه النبتة تنتشر أمام منازل المزارعين في الصين.

ويضيف حيدر أنّ الأزولا تُستعمل كسماد عضوي وكمصدر غذائي مهم لأنواع من الحيوانات والطيور كالأسماك والدجاج والبطّ والماعز. ويمكن لألف متر من الأزولا المزروعة إنتاج نحو ٣٠٠ كيلو من الأزولا المجفّف. وكلّ ثلاثة كليوغرامـات من الأزولا المجفّفـة، توازي كليوغرامًـا واحـدًا من البروتيـن، والنتيجـة هي زيادة في نسبـة البيـض.

يمكن تغذية الأزولا المزروعة بسماد الدجاج بعد وضعه في الماء لمدة ثلاثة أيام (كيلو غرام من السماد في ١٠ ليتر من المياه). ويمكن لهذا النوع من الزراعة الذي يتطلب شروطًا محددة، توفير مداخيل جيدة للمزارعين وتزويد الحيوانات بالعلف الصديق للبيئة. لكن لا بد من الإشارة إلى أنّ هذا العلف يقدّم للدواجن والطيور بنسب محددة فلا يمكن أن نغذي الدجاج أو المواشي بالأزولا فقط.

بالنسبة إلى الجيش، يلاحظ حيدر وجود مساحات شاسعة قرب الثكنات، وبالتالي يمكن زراعة الأزولا وتأمين الاكتفاء الذاتي، من خلال تربية الدواجن والمواشي، ومن خلال مقايضـة هذه النبتـة مع المزارعين مقابل الألبان والأجبان... فهـل تتشجـع قطـع أخـرى وتكـرر تجربـة اللواء السـادس الناجحة؟