أسماء ووجوه

عمر الشريف: أسطورة النجومية والترحال
إعداد: باسكال معوض بو مارون

ثمّة أسماء ووجوه لا يستطيع الزمن أن ينال من توهجها وألقها، بل إنّه يؤكد أصالتها يومًا بعد آخر.
عمر الشريف الذي غادر منذ بضعة أسابيع اسم لنجمٍ ستظلّ صورته عصيّة على النسيان.
في «لورانس العرب»، أو في «دكتور زيفاكو» وسواهما من أفلام عالمية، صنع عمر الشريف أسطورة نجوميته.
من مصر إلى هوليوود، مرورًا بأوروبا, كانت مسيرته نجاحًا يرتحل من مكان إلى آخر، شهرة وأضواء، وسيّدة وحيدة، كانت إلى جانبه في جزء من حياته، وفي قلبه كلّ حياته.

 

من «شط» اسكندرية
عمر الشريف عملاق الفن الذي وصل إلى هوليوود محققًا نجومية عالميّة، هو ميشال ديميتري شلهوب، الذي ولد في مدينة الإسكندرية في العام 1932، في أسرة ميسورة الحال لأب (جوزيف شلهوب) يعمل بتجارة الأخشاب وأم (كلير سعادة) هاجرا إلى مصر في أوائل القرن العشرين.
بعد الدراسة الثانوية، دخل جامعة القاهرة حيث درس الرياضيات والفيزياء. وعقب تخرّجه عمِل مدة 5 سنوات بتجارة الأخشاب مع والده قبل أن يقرر دراسة التمثيل في «الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية» في لندن؛ جاءته الفرصة للتمثيل حين عرض عليه المخرج يوسف شاهين الفرصة لبطولة فيلمه الجديد «صراع في الوادي» في العام 1954 أمام فاتن حمامة، يومها أصبح اسمه عُمر الشريف.

 

أيام حلوة
خلال تصوير الفيلم وقع في غرام فاتن حمامة وتزوجا بعد سنة واحدة، وقدّما معًا 5 أفلام أخرى هي: «أيامنا الحلوة» و«صراع في الميناء» و«لا أنام» و«سيدة القصر» و«نهر الحب». له من زواجه منها إبن واحد هو طارق، ومع هذا الإبن أمضى آخر أيام عمره في مصر.
 تصاعدت نجوميته بسرعة، فشارك بين العامين 1954 و1962 في أكثر من عشرين فيلمًا سينمائيًا.
اتّجه إلى أوروبا في العام 1965 حيث عمل في العديد من الأفلام الكبيرة؛ ترحاله من بلد إلى بلد أثّر على زواجه من فاتن حمامة وأدّى إلى انفصالهما (1966) ثم طلاقهما بشكل نهائي (1974)، لكنّه لم يكن نهاية حبّهما.

 

النجومية والترحال

من الستينيات حتى بداية التسعينيات، ظلّ عمر الشريف مقيمًا خارج مصر؛ وقد كان العام 1962 موعده مع الشهرة العالمية للمرة الأولى، حين وقع اختيار المخرج العالمي دافيد لين عليه لبطولة «لورانس العرب»، ما حقّق نقلة غير عادية في حياته؛ فقد اعتبر الفيلم فور إنتاجه أحد أفضل الأعمال السينمائية العالمية ومن أفضل ما أنتجته السينما البريطانية على الإطلاق. كما حاز أداء عمر الشريف هذا الدور ترشيحًا لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل في دور مساعد، وفاز عن الدور نفسه بجائزة «الغولدن غلوب» في العام 1963. باختصار، دورٌ شرّع له أبواب السينما وجعل حياته تنقلب رأسًا على عقب.
توالت بعدها أعماله السينمائية العالمية وكان أبرزها «الدكتور زيفاغو»، الفيلم من إخراج ديفيد لين وعنه فاز بجائزة «الغولدن غلوب» للمرة الثانية لأفضل ممثل في دور رئيس.
كرّت سبحة الأفلام التي كرّست عمر الشريف نجمًا: «فتاة طريفة»، «مايرلينغ»، «مايريغ»، «الرولز رويس»، «غرين آيس»، و«ذا لاست فالي»... وسواها من الأفلام العالمية (الأميركية والأوروبية)، التي قدّم خلالها أدوارًا كثيرة ومتنوّعة بين الحربي والدرامي والكوميدي. كما ظهر خلال مسيرته في حوالى عشرة مسلسلات أميركية، ثم عاد إلى مصر في نهاية التسعينيات بفيلم «الأراغوز».

 

فاتن أنا آتٍ...
أطلّ في السنوات الأخيرة من حياته في كلٍّ من «المسافر» (2008) لأحمد ماهر الذي شارك في مسابقة البندقية (كرّمه المهرجان الايطالي في مناسبة مرور خمسين عامًا على انطلاقته) و«حسن ومرقص» (2008) مع عادل إمام، و«روك القصبة» للمغربية ليلى مراكشي.
قرر قبل وفاته بأشهر قليلة الاستقرار بمصر، بعد أن رحل صديق عمره أحمد رمزي ومديرة أعماله المخرجة إيناس بكر.
أصيب بمرض الزهايمر، وتوفي في العاشر من تمّوز الماضي إثر أزمة قلبية في أحد مستشفيات القاهرة، ودفن في مقابر الست نفيسة بعد أن شيّعه كبار نجوم الفن.
وكانت وفاته بعد أشهر معدودة من رحيل فاتن حمامة، السيدة التي عاش معها واحدة من أكثر قصص الحب صخبًا في الحياة وعلى الشاشة، ولم يتزوج من بعدها، وفي اعترافه انه لم يحبّ سواها.