نحن والقانون

عمليات الايجار التمويلي تقنية حديثة
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محام بالإسئناف

شروط انشاء عقد الليزنغ وحقوق وموجبات المتعاقدين


يعتبر عقد الليزنغ (Leasing Contract) تقنية حديثة للتمويل، وهو من ابتكار الفكر التمويلي والفكر القانوني، ويشـكل استجابة لطلب لم تتم تلبيته من وسائل التمويل التقليدية، خصوصاً في عصرنا الحالي الذي يشهد ثورة في التطور التكنولوجي المتسارع ودخول العالم في نظام جديد لا يقف عند حدود جغرافية أو اجتماعية أو سياسية.
يقوم عقد الليزنغ على فكرة مؤداها ما يلي: تقوم مؤسسة التمويل بشراء ما يحتاج إليه المشروع من معدّات أو تجهيزات أو أصول انتاجية وتحتفظ بملكيتها، ثم تؤجره إياها مقابل بدل ايجار معين يمثل مقابل استهلاك تلك الأموال المؤجرة ومقابل النفقات المالية والإدارية والفائدة المقررة على المبلغ المدفوع في شراء تلك الأموال، بالإضافة إلى الربح المرتقب من تلك العملية. وتبقى مؤسسة التمويل محتفظة بملكية الأموال المؤجرة طوال مدة العقد، مما يمكّنها من استردادها، بصفتها مالكة لها، إذا توقف المستأجر أو امتنع عن دفع بدلات الإيجار، أو إذا أخل بشروط العقد، كما يكون لها حق استرداد تلك الأموال من تفليسة المستأجر بدون التعرّض لاجراءات الافلاس ولخطر عدم استيفاء حقوقها أو جزء منها.
ويُمنح المستأجر في مقابل ذلك، عند انتهاء مدة العقد، حق الخيار بين شراء الأموال موضوع عقد الليزنغ بثمن متفق عليه مسبقاً، يأخذ بعين الاعتبار بدلات الايجار المدفوعة، أو تجديد العقد بشروط جديدة تتلاءم مع حالة الأموال المؤجرة، أو إعادة تلك الأموال وإنهاء العلاقة التعاقدية. ويُعفي عقد الليزنغ مؤسسة التمويل من أية مسؤولية قد تنجم عن استعمال أو حيازة الأموال المؤجرة في مقابل منح المستأجر حق الرجوع مباشرة على بائع أو مورد تلك الأموال بدعوى مباشرة.
تم تأسيس أول شركة ليزنغ في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1952، وهي شركة «United States Leasing Corporation»، ثم انتشر نظام الليزنغ في أغلبية الدول في العالم. واذا كان الفضل الأول في انتشار الليزنغ عالمياً يعود إلى الرأسمال الأميركي، فقد كان للتجربة الفرنسية دور كبير في تنظيم هذا النشاط من الناحية التشريعية، حيث كان للقانون الفرنسي رقم 1966/455، دور كبير ومهم في وضع الأسس التشريعية لنشاط الليزنغ. ثم نظم نشاط الليزنغ في عدة دول، وفي لبنان بالقانون رقم 160 تاريخ 27/12/1999. ولم يقتصر تنظيم نشاط الليزنغ على التشريعات الداخلية فقط، بل ظهر أيضاً في التشريعات الدولية، بموجب اتفاقية أوتاوا عام 1988.

 

انشاء عقد الليزنغ

ينشأ عقد الليزنغ نتيجة لحاجة مشروع معين لمعدات أو تجهيزات أو آلات وهولا يملك الأموال اللازمة لشرائها، أو انه لا يريد أن يفقد ما يملكه من سيولة نقدية يكون بحاجة إليها من أجل تسيير نشاطه وأعماله، فيلجأ إلى مؤسسة مالية (تدعى شركة الليزنغ)، ويعرض عليها أن تقوم بشراء ما يحتاج إليه من معدات أو آلات أو تجهيزات من البائع الذي يحدده المشروع ووفقاً للمواصفات المطلوبة وبالثمن المتفق عليه بين المشروع وبائع تلك المعدات أو الآلات أو التجهيزات، على أن يتعهد المشروع باستئجارها لفترة وببدل محدد، مع اعطاء طالب التمويل عند انتهاء مدة الايجار حق الخيار بإعادة المعدات أو التجهيزات أو الآلات موضوع عقد الليزنغ، أو بتجديد العقد بشروط جديدة، أو بشرائها.
وقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 99/160 على أنه «يقصد بعمليات «الايجار التمويلي» عمليات تأجير تجهيزات ومعدات وآليات على أنواعها مشتراة من المؤجر بهدف تأجيرها مع الاحتفاظ بملكيتها، شرط اعطاء المستأجر حق تملكها لقاء ثمن متفق عليه تحدد شروطه عند اجراء العقد مع الأخذ بالاعتبار، ولو جزئياً، الأقساط المدفوعة كبدلات ايجار».
ويعتـبر عقد الليزنـغ في الأسـاس من العقود الرضائية التي تتطـلب الايجاب والقبول لانعقادها، إذ لم يفرض القانون رقم 99/160 شكليات معينة لإتمام هذا العقد، مما يؤدي إلى القول إن عقد الليزنغ يخضع للقواعد العامة التي تحكم إنشاء العقـود بشكل عام. إلا أن هذا المبدأ لم يأت مطلقاً، بل ان المشترع اللبناني أخضع عمليات الايجار التمويلي لبعض الشروط الشكليـة والموضوعية.
ولم يحدد المشترع اللبناني في القانون رقم 99/160 شكلاً معيناً يجب أن يفرّغ فيه عقد الليزنغ، وبذلك يبقى هذا العقد من العقود الرضائية. فلا يكون انعقاد عقد الليزنغ موقوفاً على قيام شرط ظاهر خاص، بل يكفي أن يتجلى فيه رضى المتعاقدين بحرية تامة وبأي شكل كان. إلا أنه بالرغم من عدم وجود نص صريح يفرض افراغ عقد الليزنغ في شكل معين، فقد استقر العرف على ضرورة كتابة هذا العقد، إضافة إلى أن التشريعات الخاصة بهذا العقد أوجبت نشره في سجل خاص من أجل سريانه بوجه الغير، ولا يمكن تصور نشر العقد بدون كتابته.

 

نشر عقد الليزنغ

لقد واجهت شركات الليزنغ، في بادئ الأمر وقبل تنظيمها من المشترع، عدة صعوبات في مجال حماية ملكيتها للأموال موضوع عقد الليزنغ، خصوصاً لجهة الأموال المنقولة. فعقد الليزنغ لا يسري مفعوله في الأساس على الغير وفقاً للقواعد العامة ما دام هذا الغير ليس طرفاً في تلك العلاقة التعاقدية. فإذا تصرف المستأجر بالمنقولات موضوع ذلك العقد، فإن المؤجر مالك تلك الأموال المنقولة، سيجد صعوبة في استردادها. ويزداد الأمر صعوبة في حالة افلاس المستأجر، حيث تدخل أمواله في طابق التفليسة. ومن أجل تجنب هذه العقبات، كانت شركات الليزنغ تضع بلاكات على تلك المنقولات تفيد عن ملكيتها لها. لكن هذه الطريقة في النشر ليس لها الفعالية الكاملة الأكيدة ولا تكفي لضمان حقوق شركة الليزنغ، وقد تدخل المشترع بإصدار تشريع خاص يفرض نشر عقود الليزنغ في سجلات خاصة. وقد سار المشترع اللبناني على ما تم اعتماده في القوانين المقارنة، كالقانونين الفرنسي رقم 66/455 والمصري رقم 95/95، ونظم القانون اللبناني رقم 99/160 السجلات الخاصة بعقود الليزنغ واجراءات النشر وآثاره.

 

سجلات نشر عقود الليزنغ

أوجبت المادة 6 من القانون رقم 99/160 إنشاء سجلين لتدوين عمليات الايجار التمويلي، الأول هو، سجل هجائي خاص بأسماء المستأجرين التجار، وينشأ في كل محكمة من محاكم الدرجة الأولى ويكون تابعاً للسجل التجاري. والثاني هو، سجل هجائي خاص بأسماء المستأجرين غير التجار. علماً أنه لا يوجد سوى سجل هجائي خاص واحد لغير التجار، تابع لسجل الشركات المدنية في بيروت، تحت اشراف محكمة الدرجة الأولى، بصرف النظر عن مكان ابرام العقد أو مكان تنفيذه أو محل اقامة أو مركز عمل أطرافه.

 

الآثار القانونية للتسجيل في السجل الهجائي الخاص

نصت المادة الثامنة من القانون رقم 99/160 على «أن تسجيل عمليات الايجار التمويلي وفقاً لأحكام المادة السابعة من هذا القانون يثبت تجاه الغير ملكية المؤجر للأموال موضوع هذه العمليات. وفي حال اشهار افلاس المستأجر، ورغم كل نص مخالف، لا يكون لهذا الافلاس أي تأثير على ملكية المؤجر للأموال».
وبذلك، يتضح أن المشترع اللبناني جعل لتسجيل عقد الليزنغ في السجل الهجائي الخاص اثراً قانونياً مهماً، حيث تكون البيانات والقيود المسجلة في هذا السجل حجة على الكافة، ولا يجوز للمستأجر أو للغير أن يحتج على المؤجر بأي حق يتعارض مع ما هو منشور في ذلك السجل، وبالتالي، فإن أي تصرف يقوم به المستأجر بالمال المؤجر، كالبيع أو الرهن، لا يسري تجاه المؤجر، ولا يجوز للمشتري أو الدائن المرتهن أن يحتج بالبيع أو بالرهن على المؤجر، شرط أن يكون التصرف قد تم بعد تسجيل عقد الليزنغ في السجل الهجائي الخاص. ويمكن القول إن للقيود المسجلة في السجل الهجائي الخاص قوة ثبوتية مطلقة تجاه الغير.
وأكثر من ذلك، فإنه إذا أفلس المستأجر لا تدخل الأموال المؤجرة موضوع عقد الليزنغ في طابق التفليسة، ويجوز للمؤجر أن يستردها من تحت يد المستأجر. وهذا يعطي الضمانة الأساسية لشركات الليزنغ ويشجعها على الدخول طرفاً أساسياً في تمويل المشاريع الإنتاجية.
وفي ما يخص ترقين القيد (أي شطب القيد) في السجل الهجائي الخاص فقد حددت الفقرة 5 من المادة 7 من القانون رقم 99/160، وكذلك المادة 5 من كل من القرارين الصادرين عن وزير العدل رقم 20 و2001/21، حالتين لترقين قيد عقود الليزنغ في السجل الهجائي الخاص، والحالتان هما: اتفاق الفريقين، وصدور قرار قضائي نافذ.

 

الشروط الموضوعية لعقد الليزنغ

يجب أن تتوافر في عقد الليزنغ الأركان الأساسية العامة الواجب توافرها في سائر العقود من أجل اعتباره ناجزاً وصحيحاً، أي الشروط الموضوعية، وهي: الرضى والأهلية والموضوع والسبب. وسنقتصر في هذا المجال على تناول القواعد الخاصة بعقد الليزنغ وفق ما نص عليه القانون رقم 99/160.

 

* أولاً: طرفا عقد الليزنغ:
إن طرفي عقد الليزنغ هما: المستأجر وهو المشروع المستفيد من عملية التمويل، والمؤجر وهو المؤسسة المالية (شركة الليزنغ) التي تقوم بالتمويل. اما البائع أو المورد الذي يملك الأموال التي ستصبح موضوعاً لعقد الليزنغ فلا يعتبر طرفاً في هذا العقد. فعقد الليزنغ ثنائي الأطراف، في عملية الليزنغ الثلاثية الأطراف، نظراً لدخول بائع أو مورد الأموال طرفاً ثالثاً لإتمام العملية.

 

* المستأجر: :(Lessor, Crédit-Preneur)
لم يتعرض القانون اللبناني رقم 99/160 للمستأجر باعتباره أحد أطراف عقد الليزنغ، مما يقتضي تطبيق القواعد العامة، حيث يجوز لكل شخص، تتوافر لديه الأهلية القانونية، أن يكون مستأجراً.
وقد فرضت بعض التشريعات أن يكون هدف المستأجر من الحصول على الأموال موضوع عقد الليزنغ هو استثمارها في مشاريع انتاجية، ولم تعتبر العقد من عقود الليزنغ إذا كان هدف المستأجر هو اشباع حاجاته الاستهلاكية (سنداً للمادة الأولى من القانون الفرنسي رقم 66/455 والمادة الثانية من اللائحة التنفيذية للقانون المصري رقم 95/95 الموضوعة بالقرار رقم 1995/846).
أما المشترع اللبناني فلم يحصر عمليات الليزنغ بالمشاريع الانتاجية، بل جاء نصه مطلقاً، ولم يتبين من القانون رقم 99/160 انه يجب أن يقتصر عقد الليزنغ على النشاطات الانتاجية، فيجوز أن يكون غرض المستأجر من وراء عقد الليزنغ لأهداف انتاجية أو للاستعمال الشخصي على السواء.

 

* المؤجر: :(Lesse, Crédit-Bailleur)
تعتبر شركة الليزنغ الطرف المموّل في هذه العملية، فهي التي تقوم، من الناحية القانونية، بشراء المعدات أو التجهيزات اللازمة للمستأجر وتضعها تحت يده. لذلك، لا يستطيع القيام بمهمة ودور المؤجر في عقد الليزنغ سوى المؤسسات المالية الضخمة التي تتخذ عادة شكل الشركات التجارية لما تملكه من رؤوس أموال كبيرة.
وقد اتبع المشترع اللبناني ما اعتمده المشترع الفرنسي، إذ لم يسمح بمزاولة نشاط الليزنغ إلا للشركات والمؤسسات المالية، فقد نصت المادة 13 من القانون رقم 99/160 على أنه «يحظر احتراف أعمال «الايجار التمويلي» في لبنان إلا: لشركات مغفلة لبنانية مختصة محصور موضوعها بـ«الايجار التمويلي» وبالعمليات المتممة له، ولفروع الشركات المغفلة الأجنبية التي يكون موضوعها الأساسي القيام بعمليات «الايجار التمويلي»، وللمؤسسات المالية المسجلة لدى مصرف لبنان. ومن أجل تطبيق أحكام هذه المادة لا تعتبر مؤسسات أو شركات «الايجار التمويلي» المؤسسات أو الشركات التجارية التي تمارس عمليات «الايجار التمويلي» بصورة تابعة لموضوعها التجاري الأساسي».
وبذلك، يتبين أن المشترع اللبناني اشترط أن يكون المؤجر شخصاً معنوياً، واستبعد الأشخاص الطبيعيين من أن يكونوا في عداد المؤجرين في عقد الليزنغ ومن احتراف القيام بنشاط الايجار التمويلي (الليزنغ). وفرضت المادة 30 من القانون رقم 99/160 عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة حدّها الأقصى عشر أمثال الحد الأدنى السنوي للأجر، أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل من يخالف أحكام ممارسة واحتراف نشاط الليزنغ.
وأوجب المشترع اللبناني على الشركات التي تريد احتراف أعمال الليزنغ في لبنان اتخاذ شكل شركة مغفلة لبنانية، تختص بممارسة نشاط الايجار التمويلي (الليزنغ) والحصول على ترخيص مسبق من مصرف لبنان، وطلب تسجيلها لدى مصرف لبنان، والتقيد بقرار مصرف لبنان رقم 7540 تاريخ 4/3/2000، الذي يحدد شروط تأسيس وممارسة شركات الايجار التمويلي (الليزنغ). وبعد ذلك، عليها أن تستكمل معاملات التأسيس وان تباشر عملها الفعلي ضمن مهلة أقصاها ستة أشهر من تاريخ تبلغها قرار الترخيص، تحت طائلة إلغائه وفقاً للمادة الثالثة من القرار 7540. ولا يمكن لأي شركة أو مؤسسة لم تسجل في لائحة شركات الايجار التمويلي (الليزنغ) التي تصدر عن مصرف لبنان، أن تمارس نشاط الليزنغ. ويجب ألا يقل رأسمال شركة الليزنغ (الايجار التمويلي) ومخصصات فروع الشركات الأجنبية عن ملياري ليرة لبنانية. كما يتوجب على شركات الليزنغ أن تتقيد بأحكام القانون رقم 2001/318 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال.
وتشطب شركة الليزنغ من لائحة شركات الليزنغ أو الايجار التمويلي في الحالات الآتية:
- إذا لم تمارس فعلياً نشاطها خلال ستة أشهر من تسجيلها على لائحة شركات الايجار التمويلي.
- إذا انقطعت عن ممارسة أعمالها لفترة ستة أشهر متتالية.
- إذا أصيبت بخسائر ولم تعمد خلال مهلة ستة أشهر إلى تصحيح وضعها.
- إذا لم ترفع رأسمالها إلى الحد الأدنى الذي يعينه المجلس المركزي لمصرف لبنان.
- إذا وضعت قيد التصفية.
- إذا أعلن افلاسها.

 

* ثانياً: موضوع عقد الليزنغ:
يجب أن يتوافر في موضوع عقد الليزنغ الشروط التي حددتها القواعد العامة، اذ يجب أن يكون الموضوع معيناً تعييناً كافياً وأن يكون ممكناً ومباحاً وان يكون موجوداً عند ابرام العقد وفقاً للمادتين 189و188 موجبات وعقود، هذا بالإضافة إلى مراعاة الشروط الخاصة بعقد الليزنغ. وتطبّق أحكام القانون رقم 99/160، فيجب أن يقوم المؤجر (وهو شركة الليزنغ) بشراء الأموال التي يطلبها المشروع المستأجر ثم يعيد تأجيرها اليه استناداً إلى عقد الليزنغ. إلا أن القانون اللبناني نفسه استثنى من ذلك حالة عدم استعمال المستأجر، بموجب عقد الليزنغ، حقه في شراء الأموال موضوع العقد، أو في حالة انهاء العقد قبل حلول أجله، وفقاً للمادة 19 من القانون رقم 99/160.

 

حقوق وموجبات شركة الليزنغ المؤجرة

إن أهم الحقوق التي يتمتع بها المؤجر (شركة الليزنغ) هو حق الاحتفاظ بملكية الأموال موضوع عقد الليزنغ، والحق بالتصرف بتلك الأموال. هذا بالإضافة إلى حقه الأساسي في تقاضي بدلات الايجار في الآجال المحددة في العقد. ولشركة الليزنغ الحق أيضاً في مراقبة التزام المستأجر في تنفيذ موجباته لا سيما استعماله للتجهيزات أو المعدات أو غيرها موضوع عقد الليزنغ وفقاً للغاية المخصصة لها والمحددة في ذلك العقد أو لما هو متعارف عليه مهنياً.
عندما توافق شركة الليزنغ على ابرام عقد الليزنغ مع المشروع المستفيد من ذلك العقد، فإنها تتعهد بأن تشتري لحسابها التجهيزات أو المعدات أو الآلات التي حددها المستفيد، وتقوم بدفع ثمنها لبائع تلك الأموال، وتضعها بتصرف المشروع المستفيد لينتفع بها بموجب عقد ايجار. وبعد أن تدفع شركة الليزنغ ثمن الأموال المعينة من المستفيد وتصبح مالكة لها، عليها أن تسمح لهذا الأخير باستعمال تلك الأموال والانتفاع منها على سبيل الايجار خلال المدة المتفق عليها. ويعتبر الموجب الأساسي لشركة الليزنغ هو تمويل المشروع المستفيد من خلال الحصول على الأموال التي يريدها.

 

حقوق وموجبات المستأجر

يلعب المستأجر دوراً أساسياً في اتمام عملية الليزنغ التي تتجلى في ابرام عقد الليزنغ، فهو يبحث عن المعدات أو التجهيزات أو غيرها من الأموال التي تتوافق مع حاجاته بكافة تفاصيلها، ويحصل من مالك تلك الأموال (البائع في ما بعد) على عرض بيع تلك المعدات أو التجهيزات (التي ستصبح موضوعاً لعقد الليزنغ). ثم يبحث المستأجر بعد ذلك عن مموّل لشرائها، مما يجعل المستأجر يتصرف في بادئ الأمر وكأنه سيصبح مالكاً لتلك الأموال. وأهم حقوق المستأجر هي حقه في اختيار الأموال موضوع عقد الليزنغ، وحقه في الرجوع مباشرة إلى البائع سنداً للفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون رقم 99/160.
ويمكن تحديد موجبات المستأجر الأساسية في أداء بدلات الايجار، وفي استعمال المأجور في الغرض الذي أعد له أو الذي عيّن في العقد من دون اجراء تغيير فيه وتجنب سوء الاستعمال، وفي المحافظة على المأجور، ثم الالتزام برده في نهاية الايجار (المادة 568 موجبات وعقود). وإلى جانب هذه الموجبات فرضت شركات الليزنغ على المستأجر موجبات إضافية، وأصبح المستأجر ملزماً أيضاً باستلام المأجور، وعدم جواز التنازل عن موجباته للغير بدون موافقة المؤجر، إلى دفع بدل الايجار، وحسن استعمال الأموال المؤجرة، وصيانتها، واعادتها في نهاية عقد الليزنغ، ويتحمل المستأجر المسؤولية الناشئة عن هلاك الأموال موضوع عقد الليزنغ وعن حراسة تلك الأموال وتجاه الغير وفقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 99/160.

 

انتهاء عقد الليزنغ

لا يشذ عقد الليزنغ في أسباب انتهائه عما تقرره القواعد العامة لانتهاء العقود. فهو ينتهي بحلول أجله، كما قد ينتهي قبل حلول أجله، إما بسبب اعلان بطلانه لعيب أصابه في أحد أركانه أو شروطه، وإما بسبب الغائه بناء على طلب أحد الفرقاء إذا أخل الطرف الآخر بأحد الموجبات الأساسية التي يفرضها عليه العقد وفقاً للقواعد العامة (مادة 232 م.ع.)، إلا أن الطبيعة الخاصة لهذا العقد فرضت في بعض الحالات أحكاماً خاصة لانتهائه تتناسب مع طبيعته ومبررات وجوده.

 

فسخ عقد الليزنغ

لم ينص القانون رقم 99/160 على أحكام خاصة لفسخ عقود الليزنغ، لكنه من الناحية العملية، درجت شركات الليزنغ على تضمين العقود بنوداً تتيح لها اعتبارها مفسوخة حكماً في حال امتناع المستأجر عن دفع بدل واحد من بدلات الايجار بدون أية معاملة قضائية أو غير قضائية. كما قد تُدرج بنود في عقد الليزنغ تتيح للمؤجر (شركة الليزنغ) فسخ العقد إذا لم ينفذ المستأجر أي موجب من الموجبات الملقاة على عاتقه في هذا العقد، كعدم دفع بدلات الايجار، أو توقف المستأجر عن العمل، أو حجز أمواله المنقولة أو غير المنقولة، أو وفاة المستأجر، أو حل الشخص المعنوي المستأجر. وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى فسخ عقد الليزنغ، منها ما نصت عليه القواعد العامة، ومنها ما تم الاتفاق عليه بين الفرقاء ويتعلق بالاعتبار الشخصي كإفلاس أو اعمار المستأجر.
وقد يُفسخ أو يُطلب فسخ عقد الليزنغ من قبل المستأجر إذا أتلفت الأموال موضوع العقد بسبب قوة قاهرة، وتوقف انتفاعه من تلك الأموال. وقد يدرج بند في عقد الليزنغ يعطي المستأجر الحق في طلب فسخه إذا هلكت الأموال موضوعه قبل نهاية مدة الايجار المتفق عليها. وتحرص شركات الليزنغ دائماً على وضع بنود تحمّل فيها المستأجر مسؤولية هلاك الأموال موضوع العقد ولو كان ذلك لسبب خارج عن إرادته، وقد أجاز لها المشترع اللبناني ذلك وفقاً للمادة 2/4 من القانون رقم 99/160. ولعلّ أهم آثار فسخ عقد الليزنغ هي إعادة الأموال موضوع العقد، ودفع البدلات المستحقة قبل الفسخ. ويخضع البند الجزائي في عقد الليزنغ للقواعد العامة التي تحكم هذا البند، فيمكن تعديله إذا نفذت مراحل مهمة من العقد وأمسى الضرر أقل بكثير من التعويض المحدد، أو إذا تم تفسيره بأنه يشكل غرامة اكراهية. أما إذا اتفق الفرقاء على اعتباره بمثابة تعويض نهائي عن الضرر الذي يمكن أن يلحق بأحد الفرقاء، فيصبح تطبيق البند الجزائي الزامياً ولا يمكن تعديله لا زيادة ولا نقصاناً.

 

انتهاء عقد الليزنغ بحلول أجله

ينتـهي عقد الليزنغ كغيره من العقود بانتهاء المدة المتفق عليها بين المتعاقدين. وما يميز عقد الليزنغ عن غيره من العقود الأخرى، هو حق الخيار الممنوح للمستأجر في نهاية مدة العقد، حيث يكون له أن يختار بين ثلاثة حلول:

 

*  أولاً:  شراء الأموال موضوع عقد الليزنغ:
أعطى عقد الليزنغ للمستأجر حق شراء الأموال موضوع العقد عند انتهاء المدة المتفق عليها في ذلك العقد. ويعتبر اختيار المستأجر للمال المؤجر هو الخيار الغالب والأكثر وقوعاً في هذه العقود، إذ ان المستأجر يأمل في تملّك الأموال التي يتعاقد عليها ويتحمّل لذلك بدلات ايجار مرتفعة بالمقارنة مع ما يماثلها من أموال في عقود الايجار العادية.
وقد نصت التشريعات التي نظمت عقود الليزنغ على حق المستأجر في الشراء عند نهاية العقد، كالمادة الأولى من القانون الفرنسي رقم 66/455، والمادة الخامسة من القانون المصري رقم 95/95، وكذلك اشترطت المادة الأولى من القانون اللبناني رقم 99/160 اعطاء المستأجر حق تملك الأموال موضوع العقد. وبالتالي، فإن حق المستأجر في تملك أو شراء المال موضوع عقد الليزنغ يعتبر من العناصر الأساسية لهذا العقد، وهو النهاية الغالبة والطبيعية عند حلول أجله. إلا أنه لا يشترط بالضرورة أن ينتهي عقد الليزنغ بتملك المستأجر لتلك الأموال، وانما يكفي أن يكون من حقه تملّكها.

 

* ثانياً: تجديد عقد الليزنغ:
لم يُشـر القانون اللبـناني رقم 99/160 إلى حق المستأجر بطلب تجديد عقد الليزنغ عند حلول أجله، وذلك خلافاً للقانونين الفرنسي والمصري. رغم ذلك، تضمنت بعض عقود الليزنغ المبرمة في لبنان بنداً يعطي المستأجر حق تجديد العقد عند انتهاء المدة المتفق عليها بين الفرقاء، على أن يمارس المستأجر هذا الحق ويبلغه للمؤجر (شركة الليزنغ) قبل فترة مسبقة لانتـهاء العقد، وإلا اعتبر العقد منتهياً. ويلجأ المستأجر إلى تجديد عقد الليزنغ عندما لا يرغب في شراء الأموال المؤجرة عند انتهاء مدة الايجار، ولكنه ما زال بحاجة إليها، فيمارس هذا الخيار بتجديد العقد قبل انتهائه. ويمـكن للفرقاء الاتفاق على تجديد العقد بالرغم من عدم النص على ذلك في العقد الأساسي. وتكون شروط التجديد عادة أخف وطأة على المستأجر من شروط عقد الليزنغ الأصلي، وذلك تبـعاً للحالة الفنية للأموال موضوع عقد الليزنغ التي تكون قد استهلكت بجزء منها أو أصابها بعض التلف في الفترة الأولى من الايجار، إضافة إلى أن المؤجر يكون قد استرد أمواله التي دفعها في عملية التمويل، وتصبح البدلات الجديدة بمثابة أرباح إضافية.

 

* ثالثاً: رد الأموال المؤجرة إلى المؤجر:
إذا انتهت مدة عقد الليزنغ ولم يمارس المستأجر حقه في شراء الأموال المؤجرة ولا في تجديد العقد، يصبح ملزماً برد تلك الأموال إلى شركة الليزنغ المؤجرة باعتبارها مالكة لها، ويصبح المستأجر حائزاً لتلك الأموال بدون أي سند قانوني تبعاً لانتهاء فترة الاجارة وعدم ممارسة الحقوق المخوّلة له بمقتضى القانون أو العقد. ويخضع رد الأموال المؤجرة للقواعد العامة في عقد الايجار العادي (م 568 م.ع). وتُرد الأموال المؤجرة بالحالة الطبيعية وبشكل سليم، مع الأخذ بعين الاعتبار ما قد يطرأ عليها من تغيرات نتيجة استعمالها طوال مدة الايجار. ويمكن اللجوء إلى قضاء الأمور المستعجلة لإلزام المستأجر بموجب الرد إذا توافرت شروط اختصاصه (م 579 أ.م.م)، إذ يصبح احتفاظ المستأجر بالأموال المؤجرة بدون مسوغ شرعي.
وبانتـهاء عقد الليزنغ، يقتـضي ترقين القـيد في السجل الخاص، ويكون لشركة الليزنغ مطلـق الحق في التصرف بتلك الأموال.
وبذلك، يتبين أن عقد الليزنغ يتميز بأنه وسيلة من وسائل التمويل، وقيامه على الاعتبار الشخصي، ويتخذ الصفة التجارية بالنسبة إلى شركة الليزنغ المؤجرة، أما بالنسبة إلى المستأجر، فإن عقد الليزنغ يكتسب الصفة التجارية تبعاً لصفة المستأجر نفسه والغرض من ذلك العقد. كما يتميز عقد الليزنغ بالتقنيات التي يتضمنها من عقد بيع وعقد ايجار ووعد غير متبادل بالبيع. وبالتالي، يمكن القول إن عقد الليزنغ هو عقد ذو طبيعة قانونية خاصة، فهو يتميز بعنصر رئيسي هو حق الخيار.


* تم انشاء ثلاث شركات في لبنان تمارس نشاط الليزنغ قبل صدور القانون رقم 99/160، وهذه الشركات الثلاث هي: شركة الليزنغ اللبنانية (Lebanese Leasing Company)، وشركة سوجيليز (Sogelease)، وشركة كريديليز (Credilease). والآن هناك اربع شركات ايجار تمويلي، ثلاث منها مسجلة حسب الأصول لدى مصـرف لبنــان ومنشــورة بموجـب القرار رقم 8951 تاريخ 13/1/2005، وهذه الشركات هي: شركة كريديليز، شركة الليزينغ اللبنانية - «ليزينغ»، شركة آراب ليزينغ، وشركة رابعة هي شركة سوجيليز لبنان مسجلة كمؤسسة مالية ومنشـورة على لائحة المؤسسـات.