تحقيق عسكري

عملية بيئية لإنقاذ القرعون من التلوّث
إعداد: جان دارك أبي ياغي

400 عسكري انتشلوا النفايات والمشكلة بحاجة الى حلول جذريــة

 

لأنه معروف "المنقذ" في الصعاب والملمات مهما اختلفت مسبباتها ونتائجها، ولأنه أول من يتدخل للإصلاح والإنقاذ في أي مجال يخدم مصلحة الوطن والمواطن، هرع الجيش لتلبية نداء الوطن وقد كان هذه المرة "بيئياً"، فاستجاب 400 عنصر من الألوية والأفواج لإعلان الطوارئ في بحيرة القرعون، حيث "تسلّحوا" بالرفوش وأكياس البلاستيك وانتشروا في محيط البحيرة من جسر صغبين حتى السد، ضمن عملية تنظيف واسعة انتشلوا خلالها نفايات من مختلف الأشكال والأنواع والأحجام.

 
مبادرة من قائد الجيش

بدأت حملة تنظيف بحيرة القرعون بمبادرة من قائد الجيش كما أشار قائد اللواء الأول العميد الركن نبيل قرعة في حديث لمجلة "الجيش". وكان العميد الركن قرعة، الذي واكب عملية التنظيف طوال فترة تنفيذها، قد رفع تقريراً الى القيادة قبل شهرين يفيد فيه عن وجود نفايات مختلفة الأحجام والأشكال في البحيرة الموجودة ضمن بقعة عمل اللواء. بعد ورود تعليمات القيادة، تم تزويد اللواء بالعتاد والمعدات اللازمة للتنفيذ من قفازات وكمامات وأحذية وأكياس نفايات ومستوعبات وشاحنات خاصة وغيرها من المستلزمات الضرورية للعمل. كما قدّمت البلديات المحلية في القرعون وصغبين وجب جنين شاحنات لنقل النفايات التي تم رميها في مكبات مدينة زحلة. ساهـمت في عملـية التنظيف 400 عنصر من اللواءين الأول والسادس والقـوات الجوية ومعهد التعـليم وفوج مغاوير البحـر وفـوج الأشغـال ومنطقـة البقـاع، حيث انتـشروا في الوعـر على مسافـة عشـرات الأمـتار في محيط البحيرة، وقـد غـاص الغطاسـون مـئات المرات في المياه طوال فترة ستة أيام.

 

أماكن وعرة وتلوّث من كل الأنواع...

أكد قائد اللواء الأول أن العملية لم تكن بالسهلة وذلك لوجود أماكن وعرة جداً خاصة في عيتنيت وتحت شير القرعون، مشيراً الى أنه تم إنتشال أربع جيف لبقرات منتفخات تصيب الرائي بالغثيان لمنظرها المريع ورائحتها الكريهة.

وأضاف: إن عملية تنظيف البحيرة تبقى ناقصة ما لم ترافقها خطوات أخرى كالتوعية البيئية والعمل بجدية لإيقاف عملية تلويث البحيرة. فمشكلة البحيرة شائكة جداً وذلك أنها أصبحت مكباً للنفايات الصلبة وللصرف الصحي، علماً أن أهالي المنطقة يستخدمون مياهها للري مما يشكّل خطراً أكيداً على صحتهم وصحة أبنائهم. وتابع: بالنسبة الى الجيش، فإنه يعمل قدر المستطاع للحد من عملية التلوّث. وقد وضعت القيادة خلال العام الماضي حضيرتين من مغاوير البحر على ضفاف البحيرة لمنع صيد الطيور والأسماك، كما قامت مصلحة الليطاني بإنشاء غرفتي مراقبة لهما. وعلى صعيد اللواء الأول، فإننا نقوم بتسيير دوريات في المنطقة للمراقبة، إلا أن ذلك لا يكفي لأن حجم المشكلة يستدعي حلاً جذرياً يبدأ بإنشاء محطات تكرير لمياه الصرف الصحي، وذلك ضمن مخطط عام لإنقاذ بحيرة القرعون.

 
المشكلة: قديمة جديدة

إن الصرخة التي أطلقها قائد اللواء الأول لإنقاذ البحيرة ليست الأولى من نوعها، فخلال العام 1998 إنطلق العمل في المخطط التوجيهي البيئي العام لمنطقة نهر الليطاني وبحيرة القرعون الذي نفذته هيئة التعاون الأسوجية للتنمية الدولية بالتعاون مع وزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار ومصلحة الليطاني وهيئات أهلية، وبلغت تكلفته عشرات آلاف الدولارات ساهمت الدولة بـ15 في المئة منها.

وفي العام 2000 أنجز المخطط الذي تضمن تشخيصاً لأسباب التلوّث في حوض الليطاني وبحيرة القرعون، وأنواع التلوّث ونسبته في المياه والهواء والتربة ومصادره، وسمى الملوّثين بالأسماء واقترح خطوات للحل وقد سلّمت نسخاً عنه الى الجهات المعنية. إلا أن الوضع بقي على حاله، بالرغم من مناشدات رئيس مجلس إدارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني المدير العام ناصر نصرالله التي طالبت بوضع برنامج تنفيذي للمخطط التوجيهي. وقد أشار نصرالله في أحاديث صحافية الى أن الحل يستلزم مخططاً متكاملاً لملف حوض الليطاني ضمن برنامج زمني محدد، والخروج من الروتين الإداري والبيروقراطي، مشدداً على شمولية الحل وتكامله، وعلى ضرورة أن تقوم الوزارات والإدارات والمجالس البلدية بالتنسيق في ما بينها.

أما أبرز الحلول المطروحة للمخطط الإنقاذي فتشمل إقامة محطات تكرير للمياه المبتذلة بدءاً من اللبوة في بعلبك وصولاً الى منطقة نهر الليطاني السفلية، وإزالة مكبات النفايات المكشوفة والعشوائية، وإقامة المطامر الصحية فتتولى كل مؤسسة معالجة نفاياتها الكيميائية والصناعية، إضافة الى معالجة التلوّث الكارثي جراء الإفراط في استعمال الأسمدة الكيميائية والأدوات الزراعية. ويبقى السؤال المطروح برسم المعنيين: بعد أن قام الجيش بالخطوة الأولى على صعيد إنقاذ البحيرة، هل نأمل بأن يحذو الآخرون حذوه، كل في اختصاصه؟

تصوير:المجند فارس أبو شقرا