قانون دولي إنساني

عملية مستمرة تشمل عدّة عناصر
إعداد: أحمد زكريا
المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة- لبنان

ماذا يعني  إدماج القانون وكيف يتمّ ذلك؟

 

يستلزم نجاح العمليات القتالية وعمليات حفظ الأمن صلاحيات واسعة، مثل تحييد العدو عن القتال عن طريق الأسر أو الإصابة أو القتل، وإخضاع الأشخاص أو ممتلكاتهم للتفتيش، واستخدام القوة - بما في ذلك الأسلحة النارية. وتأتي هذه الصلاحيات جنباً إلى جنب مع مسؤوليات مماثلة لضمان الاستخدام الرشيد للقوة. فاستخدام القوة خلال العمليات العسكرية ليس بالأمر المطلق، ويجب أن يكون داخل إطار قانوني محدّد. ولهذا الغرض وجدت في قانون النزاعات المسلّحة والقانون الدولي لحقوق الإنسان، قواعد تحدد كيفية استخدام القوة في مواقف العنف المختلفة. ويُعدّ إدماج القانون أي تحويل قواعده إلى آليات وتدابير ملموسة، عملية مستمرة تشمل العقيدة العسكرية، والتعليم، والتدريب والمعدات، ونظام عقوبات فعّال لملاحقة المخالفات.


الإدماج وترجمة القانون إلى سلوك
لمنع حدوث الانتهاكات، يجب أن يصبح القانون جزءًا لا يتجزأ من سير العمليات. ويُعدّ التصديق على معاهدات قانون النزاعات المسلّحة أو القانون الدولي لحقوق الإنسان، وإدماجها في القانون المحلي، خطوتين أساسيتين نحو الامتثال. كما أن نشر محتوى هذه المعاهدات على أوسع نطاق ممكن، يُعد عنصرًا مهمًا آخر في أي استراتيجية تهدف إلى خلق بيئة مؤاتية للسلوك القانوني.
 لكنّ هذه التدابير ليست كافية. وهناك أربعة عناصر رئيسية تشكل سلوك من يحملون السلاح خلال تنفيذ العمليات وهي: العقيدة العسكرية، والتعليم، والتدريب والمعدات، ونظام العقوبات. ولكي تسير العمليات وفق القانون، يجب أن يصبح القانون جزءًا لا يتجزأ من كل عنصر من هذه العناصر الأربعة، وأن يفضي إلى الاستخدام الرشيد للقوة، وإلى تأسيس سلوك من يحملون السلاح على القواعد المتفق عليها دوليًا لاستخدام القوة في حالات العنف المختلفة.
 في الواقع، يُعدّ القانون مجموعة من القواعد تكون أحيانًا عامة، ولا تصلح لأن تكون بمثابة دليل للسلوك العملي في عمليات القتال أو إنفاذ القانون. لذلك، فمن من الضروري أن يكون هناك تفسير للقانون، وتحليل لآثاره الميدانية، وتحديد لانعكاسه على جميع المستويات، سواء كانت استراتيجية أو عملانية أو تكتيكية.
 
العناصر الأساسية لعملية الإدماج
ترتبط العقيدة والتعليم والتدريب والمعدات، ارتباطًا وثيقًا وتتغير تغيّرًا مستمرًا، مشكِّلة بذلك دائرة حميدة. وتتطلب الدروس المستفادة من العمليات، إلى جانب التغييرات التي يتم إدخالها على القانون، والمعدات، وطبيعة التهديدات، والمهمة المطلوب إنجازها، مراجعة منتظمة لجميع العناصر. كما يجب إنفاذ العقوبات وتكييفها بشكل منتظم. ومن ثم، يُعدّ إدماج القانون  عملية مستمرة لا تنتهي، إذ أنها تبدأ من جديد من حيث انتهت.
 
 

اتخاذ الإجراءات
قد تبرز أسئلة مشروعة حول كيفية تطبيق قانون النزاعات المسلّحة والقانون الدولي لحقوق الإنسان في الممارسة اليومية. ومن الأهمية بمكان فهم الانعكاسات الميدانية لكل قاعدة وتحديد الإجراء الذي يتعين اتخاذه – على مستوى العقيدة والتعليم والتدريب والمعدات والعقوبات – بغية ضمان الامتثال.
ويمكن توضيح عملية الانتقال من الأحكام القانونية المحددة إلى تطبيقها العملي على النحو الآتي:
- الحكم القانوني.
- الانعكاسات الميدانية.
- التدابير والوسائل والآليات الواجب اتباعها – على مستوى العقيدة والتعليم والتدريب والمعدات والعقوبات – بغية ضمان الامتثال.
 

 المتطلبات الأساسية

• أولًا، الالتزام:
لتحقيق الإدماج ينبغي توافر الإرادة السياسية والقدرة، بالإضافة إلى رؤية استراتيجية ونظرة شاملة للانعكاسات على المنظمة المعنية. إن الالتزام على أعلى مستويات القيادة أمر ضروري، ويجب أن تتخذ العملية بوضوح شكل التوجّه من أعلى إلى أسفل. كما ينبغي أن يتجاوز الالتزام، قبول الحاجة إلى نشر القانون أو تعليمه أو تنظيم دورات تدريبية فيه بانتظام. إذ يجب أن يرسل إشارة رسمية قوية لجميع المستويات الفرعية، وأن يجعل الامتثال للقانون أولوية واضحة للمنظمة المعنية. ويجب أن تكون الأقوال مقترنة بالأفعال، وبسبب تحرّك الأفراد المعنيين، لا بــد من تجديــد الالتـزام بصفــة دوريـة، لضمــان استقــرار هــذه العمليــة واستمراريتهـا.
 

• ثانيًا، القدرات:
من أجل أن تكلل عملية الادماج بالنجاح، فإنه يجب أن تتم في بيئة مؤاتية. وتعتمد قدرة من يحملون السلاح على الامتثال لقانون النزاعات المسلّحة على بعض المتطلبات الأساسية البالغة الأهمية، وهي: التشريعات الوطنية التي تدمج أحكام القانون الدولي ذات الصلة، والتشريعات الجنائية الرادعة لمنع الانتهاكات وقمعها، والتسلسل الفعال للقيادة مع نظام للعقوبات الداخلية، وهيكل مستقر للتعليم والتدريب، وعقيدة مشتركة. وبالنسبة إلى من يحملون السلاح، يتطلب الأمر بصفة أساسية امتلاك هيكل يتعلق بالعناصر الأربعة التي تشكل السلوك في أثناء العمليات (أي العقيدة، والتعليم، والتدريب والمعدات، والعقوبات)، يمكن أن تستند إليه عملية الادماج. وفي حال ضعف عنصر أو أكثر من هذه العناصر أو انعدامه، فلن تكون عملية الادماج إلّا جزئية وربما أقل فعالية.

 

 برنامج الإدماج

• أولًا، المتطلبات:
تُعدّ إدارة برنامج شامل جيد التصميم المفتاح لتعزيز عملية الادماج. وبوصفه عملية متعددة التخصصات تسير من أعلى إلى أسفل، يشمل الادماج أعلى المستويات في الدولة، بمن في ذلك القادة الوطنيون وعدد من الوزارات إلى جانب وزارتي الدفاع والأمن أو الداخلية. ومن بين من يحملون السلاح، يجب إشراك جميع مستويات تسلسل القيادة، من المستوى الاستراتيجي إلى المستوى التكتيكي. ويجب على كبار القادة التمهيد لهذا الأمر بالإصرار على أن يتم إدماج القانون في تخطيط جميع الأعمال القتالية أو عمليات إنفاذ القانون، وتنظيمها وتنفيذها. ويتحقق هذا الأمر بطبيعة الحال بإصدار تعليمات تصرّف دائمة.
ومع ذلك، لا يُعدّ إصدار مثل هذه التعليمات كافيًا، بل يجب أن يترجم الأمر إلى برنامج أو مشروع أو خطة عمل ملموسة. وفي المقابل، يجب أن يُدار البرنامج بشكل صحيح، ولذلك ينبغي على السلطات أن تعين رسميًا ضابطًا أو مديرية للقيام بهذه المهمة. وهناك حاجة أيضاً إلى إجراء تقييم منتظم لإنجازات البرنامج، ما من شأنه أن يتيح ضبط الوسائل والأهداف في أثناء هذه العملية.
مع تطوّر التهديد والمهمة، واضطرار من يحملون السلاح إلى التكيّف باستمرار مع وقائع العمليات، وتعلّم الدروس واتخاذ الإجراءات وفق ذلك، يُعدّ الادماج عملية مستمرة، لا تتوقف تقريبًا، وعلى القادة (على جميع المستويات) الحفاظ على استمراريتها.

 

• ثانيًا، إدارة البرنامج:
تتطلب إدارة التعقيد الذي يتسم به برنامج الادماج، الاستعانة بالأدوات والمهارات الكلاسيكية في «إدارة المشروعات». وعادة ما يتم إضفاء الطابع الرسمي على البرنامج في وثيقة رسمية تحدد الأهداف، بالإضافة إلى المسؤوليات والمواعيد النهائية لتحقيق تلك الأهداف. ويضع البرنامج تحديدًا مفصلًا للخطوات الملموسة التي يجب اتخاذها، عامًا بعد عام، لتحقيق الأهداف المحددة، جنبًا إلى جنب مع التعيينات اللازمة لإدارة المهمات المختلفة وتنفيذها.

 

• ثالثًا،الرصد والتقييم:
ينبغي أيضًا إنشاء هيئة للرصد والتقييم، من أجل الإشراف على عملية التنفيذ، وتقييم ما إذا كانت الأهداف الجزئية قد تحققت. وعادة ما توكل هذه المهمة إلى المفتش العام أو إلى هيئة ذات صلاحيات مماثلة. واستنادًا إلى النتائج المحققة على المستوى المتوسط، يجب أن ترفع التعديلات المقترحة على خطة العمل، إلى المستويات العليا من التسلسل الهرمي للموافقة عليها.

 

* في العدد المقبل
نتناول إدماج القانون في العقيدة العسكرية والتعليم.