هو وهي

عمل الأب خارج البلاد
إعداد: ريما سليم ضوميط

ما هو الثمن الّذي تدفعه العائلة؟ وهل يمكن الحدّ من آثار الغياب؟

 

حين يغادر الزوج - الأب أرض الوطن بحثًا عن رزقه في بلاد الّله الواسعة، فإنّه غالبًا ما يعود بعد سنواتٍ حاملًا «غنائم» السفر من حلى ومجوهراتٍ وإلكترونيّات حديثة وهدايا وأموال وفيرة، يغدقها على أفراد عائلته... لكن السؤال المطروح: ما الثمن الذي يدفعه المغترب مقابل الربح المادّي الذي يجنيه من السفر؟ وهل توازي الأرباح التي يجنيها في غربته الخسارة التي تتكبّدها عائلته بسبب بُعده عنها؟

 

خلل في توزيع الأدوار
يؤكّد الاختصاصي في علم النفس العيادي المؤهّل أوّل عمّار محمّد أنّ الزوج - الأب الذي يغيب لفترات طويلة خارج أرض الوطن بهدف تحصيل رزقه، إنّما يفعل ذلك بغية توفير الرعاية الماديّة لعائلته من دون التنبّه إلى الآثار السلبيّة لغيابه عن زوجته وأولاده، سواء من الناحية الاجتماعية أو التربويّة أو النفسيّة. فذلك المغترب يجهل أنّ توفير الاحتياجات الماديّة للأسرة، لا يمكنه أن يسدّ الفراغ الذي يتركه بغيابه عن عائلته. ويضيف أنّ الوالد هو ربّ العائلة وحاميها، هو الذي يرعى أبنائه، ويوجّههم ويعالج أخطاءهم؛ والأهم أنّه رمز السلطة، في حين أنّ الأم هي رمز الحنان. من هنا، فإنّ غيابه يحدث خللًا في توزيع الأدوار داخل الأسرة، ويُلقي أعباء إضافيّة على زوجته، التي ترزح أصلًا تحت ثقل ضغوطات الحياة اليوميّة.
في الإطار نفسه، يوضح المؤهّل أوّل محمّد أنّه لدى غياب الأب لفترات طويلة، تتقبّل الأسرة تدريجًا فكرة عدم وجوده، وتعتاد بالتالي فكرة غياب السلطة والضوابط والقرارات المُلزمة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الزوجة، التي تعتاد مع الوقت اتّخاذ القرارات بنفسها، وتسيير أمور عائلتها بشكلٍ منفرد. لذلك تصبح عودة الزوج عبئًا على جميع أفراد الأسرة، الذين سيعتبرون مشاركته المستجدّة في قرارتهم تدخّلًا في حياتهم الشخصية، وسَيَرون في توجيهاته إزعاجًا لا ضرورة له.
من ناحيةٍ أخرى، يشير المؤهّل أوّل محمّد، إلى أن غياب الرجل لسنوات طويلة ، يشكّل خطرًا على علاقته بزوجته كثنائي. فرحيله يترك فراغًا عاطفيًا ويحول دون حصول أيّ من الطرفين على حقوقه الزوجيّة، فيخسران بالتالي ركنًا أساسيًّا من أركان العلاقة الزوجية الناجحة. فالنقص في تبادل المشاعر والأحاسيس يؤدّي إلى غربة عاطفيّة قد تفوق آثارها السلبية غربة الجسد، ويمكن أن تؤدّي مع الوقت إلى جفاءٍ تام، بحيث يفشل الزوجان بعدها في إعادة بناء علاقتهما الطبيعيّة.

 

حضور بالرغم من الغياب
انطلاقًا من أنّ سلبيّات الغربة تطغى على إيجابياتها، ينصح المؤهّل أوّل محمّد الزوجين بأن يسعيا جاهدين للحؤول دون تفرّق الأسرة، ولو تطلّب الأمر بعض التضحيات هنا وهناك. أمّا إذا كانت ظروفهما تقضي بسفر الزوج، فهناك بعض الخطوات التي يمكن أن تساعدهما على إبقاء الودّ والترابط بالرغم من البعد والمسافات.
يؤكّد الاختصاصي في علم النفس أنّ المهمّات سوف تزداد صعوبة على الأم في ظلّ غياب ا?ب، لا سيما على صعيد تربية ا?ولاد، لكنّه يوصيها باتّخاذ بعض الخطوات التي تسهّل هذه المهمة:
• على الأم ألّا تنسب جميع القرارات الخاصّة بالمنزل وبالأطفال لنفسها، بل عليها أن تخبر أبناءها أن هذه القرارات اتّخذت بعد مشاورات ما بينها وبين الأب.
•اطلاع الأب على معظم تفاصيل العائلة وعدم إخفاء مشاكل الأبناء ?يّ سببٍ كان، كي يشعروا بحضور والدهم على الرغم من غيابه الجسدي، فلا يتمادون في أي تصرّف غير مقبول.
• عند وجود الأب في المنزل، على الأم أن تترك له أمر اتخاذ القرارات الخاصة با?ولاد ومناقشتهم في الأمور المتعلّقة بهم.
• السعي لإبقاء التواصل الدائم بين الأبناء والأب، وهذا أمر أصبح يسيًرا في عصرنا الحالي بسبب كثرة وسائل الاتصال الحديثة.
في الإطار نفسه، يشير المؤهّل أوّل محمّد إلى أنّ وجود وسائل الاتصالات المتعدّدة والحديثة التي تتيح الاتصال بالصوت والصورة، قد سهّلت عملية التواصل بصورة دائمة. لذلك، فهو ينصح الزوجين بأن يتواصلا بشكل يومي ممّا يتيح لهما مناقشة أمور الأسرة والمنزل واتخاذ القرارات المناسبة بعد التشاور معًا، في المشكلات المطروحة.
كما يؤكّد أنّه من خلال التواصل المستمر، يمكن للزوج أن يرسم لزوجته صورة واضحة عن حياته اليومية في المهجر، إن لجهة العمل أو الحياة الاجتماعية، فتبادله هي أيضًا بالمثل، ويشعر حينئذٍ الطرفان باستمرار الشراكة الحقيقية بينهما.
وينصح الزوجة أن لا تتّصل دائمًا بوجود الأبناء أو الأهل، ?نّ الاتصال حينها سيكون روتينيًا ولا مجال لتبادل المشاعر وا?شواق. لذا لا بدّ من بعض الاتصالات الفردية التي تمكّن الزوجين من التعبير عن مشاعرهما بحرّية من دون مداخلات أو موانع.
ويضيف، أنه من المهم جدًا ألّا ينسى كل من الزوجين التواريخ المهمّة في حياتهما الزوجية، وأن يبادرا ولو برسالةٍ قصيرةٍ إلى التعبير عن مشاعر الحب والوفاء في مناسباتهما الخاصة.

 

أمور صغيرة ولكن...
يشير الاختصاصي في علم النفس إلى أمور صغيرة يمكن أن تقرّب المسافات، كمثل وضع صورة للعائلة مجتمعة على أحد جدران المنزل، أو في حقيبة الزوج ومثلها في حقيبة الزوجة؛ فهذه الصورة توصل رسائل قصيرة وجميلة بين الزوجين كلّما نظرا إليها، وتُشعرهما بالدفء والمسؤولية وبأنّ كلًا منهما يقوم بما يجب عليه القيام به لمصلحة هذه الأسرة، وأنّ فراقهما لن يطول بل سينتهي ويجتمعان من جديد.
في الختام، يؤكّد المؤهّل أوّل محمّد مجددًا ضرورة أن يحاول كلٌّ من الزوجين إيجاد بديلٍ عن الابتعاد، وفي حال حُكم عليهما به، يجب على الطرف المغترب التردّد إلى الوطن ضمن فتراتٍ متقاربة، وكلّما سمحت ظروفه.