متفرقات ثقافية

عمل مسرحي يعيد إحياء شخصيته
إعداد: ندين البلعة

قرقوش ليس غريباً عن عصرنا

صفّق برج فازليان من صميم قلبه متابعاً العرض بتأثّر واضح، مشدوداً الى الخشبة بكل جوارحه. وعندما انتهت المسرحية وتقدّم الممثلون ليحيوا الجمهور، لم يتمالك نفسه، مسح دموعاً انهمرت سريعة، ونزل درجتين تفصلانه عن الخشبة. تقدّم الى وسطها معانقاً بشدة منير كسرواني، محيياً باقة من الصبايا والشباب شاركوا في «حكم قرقوش»، مشيراً بيده: «براڤو» لقد أجدتم.
«حكم قرقوش» عمل مسرحي ينطلق معه المسرح الجامعي في جامعة سيدة اللويزة (كلية الإنسانيات). والعمل من بطولة منير كسرواني، تأليف د. منصور عيد، إخراج سام لحود، والكوريغرافيا لشادي ريشا.

 

من هو قرقوش؟
قرقوش هو بهاء الدين أبو سعيد قرقوش بن عبدالله الأسدي، المتوفي العام 597 هجرية (1201 ميلادية). كان خادم صلاح الدين الذي حرّره وجعله من بين مساعديه في القصر ثم أنابه عنه لحكم ديار مصر، واعتمد عليه في إدارتها.
كان قرقوش رجلاً قديراً، فبنى السور المحيط بالقاهرة، وبنى قلعة الجبل والقناطر في الجيزة، على طريق الأهرام. وعندما استولى صلاح الدين على مدينة عكا سلّمها له.
عُرف قرقوش في الأدبيات الشعبية بأنه شخصية مزاجية الأطباع والأطوار، فنُسبت اليه أحكام عجيبة باتت مضرب المثل في الغرابة والعشوائية، حتى قيل: «حكم قرقوش» تعبيراً عن المزاجية في الحكم والسلطة.


قرقوش على المسرح
يجمع العمل ما بين الصفات التاريخية للرجل وبعض ما نُسب اليه من أحكام، إضافة الى ما اقتضاه العمل المسرحي من شخصيات وأحداث وحوارات طريفة ومعبّرة.
جسّد منير كسرواني شخصية قرقوش، وشأنه في كل دور، عاش الشغف الذي يأخذه الى أداء مبدع وسيطرة تامة على الخشبة وجمهورها.
اختزنت شخصية قرقوش مزيجاً من: الجنون، العبث، الدهاء، الحنكة، الطغيان، الظلم والقسوة... كسرواني أراد «إكتشاف هذه الشخصية، تقمّصها»، وإضافتها الى سجله الفني، وهذا ما حصل.
لكن إذا كان أداء كسرواني متوقعاً وهو صاحب رصيد فني كبير، فإن المفاجأة كانت في المستوى الذي بلغه الممثلون الآخرون، وهم مجموعة طلاب في قسم المرئي والمسموع في الجامعة.
الأمر كان بمثابة مغامرة، فنان مخضرم له في المسرح باع طويل وسط «غابة من الهواة»، «هم مجازفون وأنا أحب المغامرة، فما المانع؟!» يقول كسرواني.
بدأت التمارين، الهواة أبدوا استعداداً لبذل كل الجهود اللازمة والوقوف أمام ممثل قدير وأمام الجمهور. تواصلت التمارين، وتعمّق التعاون الى أن وجدت «اللغة المشتركة» بين الجميع.

 

قرقوش بالكوميديا
المخرج سام لحود خاض في «حكم قرقوش» تجربة مهمة، وعمل بجهد لتصل المجموعة الى الإتقان. أمّا المؤلف الدكتور منصور عيد فقد ترك لكسرواني حرية التصرّف ليبني شخصية قرقوش إنطلاقاً من نفسه، مكمّلاً الصورة معمّقاً معالمها، قفشة من هنا، حركة هناك، والنتيجة قطعة فنية حيّة وطريفة شارك في صياغتها المؤلف والممثل والمخرج والكوريغراف...
قدّمت المسرحية شخصية قرقوش في إطار كوميدي بعيداً عن رتابة الإطار التاريخي. نكهة ساخرة ونكتة لطيفة، تظللان تقلّبات شخصية الحاكم المزاجي والظالم والمحنّك في آن. وفي موازاة الإنتقال الرشيق لكسرواني من حالة الى أخرى مضادة لها، رشاقة في توزيع الرقصات واللوحات الفنية، وفي أخذ الجمهور من جو الى آخر، وفي القول إن لكل زمن «قرقوشه» وفي كل رعية مظلومون وممالقون، مناضلون ومسحوقون»...
المسرحية التي تعرض على مسرح جامعــة سيـدة اللويـزة سـوف تتنقـل بيـن الشام وعُمان ودبي. وهـي قد تكـون محطـة تنطلـق منهـا مجموعة صبايـا وشباب الى رحاب الفن المسرحي. نجاحهم في «حكم قرقوش» قد يمهّد لاحترافهم.

 

ريع المسرحية
يعود ريع العروضات لطلاب الجامعة، بهدف إقامة نشاطات توظّف فيها قدرات الطلاب، تشجيعاً للمواهب الشابة، ودرءاً للأخطار التي تحيط بشبابنا اليوم.