نافذة

عندما تشرق الشمس من خوذة
إعداد: روني ألفا

عبثًا تفتشون عن جندي في الجيش يموت في بلدي. جنود الجيش اللبناني ينامون فقط. يغالبهم النعاس ويغطون في مجدٍ عميق. يأخذون قيلولة داخل ناموسية التعب. عندما تشتد وقاحة الخطر تحتضنهم وسادات دافئة وأسرّة من تراب.
جنود الجيش في بلدي يحلمون بوطنٍ يقبّلون يده في الصباح عندما يستيقظون. يقبّلون وجنته ليلًا عندما يبيتون. في الحفرة التي تحضنهم عبثًا تنقّبون عن جثامين لهم. أُحفروا ما شئتم. تجدون في الأعماق كَورسًا يغني كلنا للوطن.
على مقربة من كل جندي مستريح  تغنّي ساقية ويرقص جدول ماء عذبة. مندولين ترافق غفوتهم بمواكبة أوركسترا فيلارمونية من كونسرفتوار الخلود. كثيرٌ من العشب ينمو فوق أضرحتهم. يلعبون مع الموت مثل أطفالٍ يدندنون أغنية فرحٍ على نهوند ثلاثية الشرف والتضحية والوفاء.
لا تشرق شمس جميلة إلا من خوذاتهم. لا تتروس قمة إلا من عنادهم. لا تلمع نجمة إلا بعد استئذان أكتافهم. تخت موسيقيّ كامل ينمو بين أصابعهم والزناد. جنود بلادي جاهزون دائمًا لعزف النَزف.
جنود الجيش في بلدي لا يطعنون في السِنّ. يطعنون في الوطن. أعناقهم زرافات الحرية. رأس كل بطلٍ منهم كرة أرضية كاملة الأوصاف. تحيط بمثاويهم حبات البَرَد وتسقي كل الأشجار المثمرة. لا يعتريهم شحوب ويسكنون بيوتًا من لُبناتِ القلوب.
يا ترابًا  من العبدة إلى بوابة فاطمة، جنود الجيش يشعرون بالبرد. ضُمّهُم إليك كما تضم الأمهات الثكالى رائحة رناجِر أولادهن. إصنع لهم من الفاتحة مرجوحة. بخِّرهُم بـ «فَليَكن ذكرهم مؤبدًا». ينامون في بستان محروث بخيوط الشمس. تفوح رائحتهم الزكية من كل المناجل. من جروحهم يُصنع لقاح الحريّة. كلّما تأبطوا وفاءهم رافقتهم أمهاتهم بزغاريد الدعاء.
جنود الجيش أبرياء دائمًا. السياسة تلعب بالكراسي. الجنود يلعبون مع الموت. إذا عادوا يعودون مزَيّنين بالندوب. يتحسَّسها أطفالهم. يتعلمون منها كيف تُثَلم حقول الوطن. حياتهم تبعُدُ سنتمترات قليلة عن مدن الشهادة. أمتار قليلة تفصلهم عن عواصم التحيات الأخيرة. يلفّهم علم لبنان أجمل زي على الإطلاق.
لا يهبط ليل حيث يسهر الجنود. بكميّةٍ قليلة من الظلمة يصنعون قمصانًا ملوّنة بالآغاد ومخيّطة بحبال الشمس. يحدثُ كل ذلك في المساء. حين يُستدعى الجندي لحراسة أحلام الناس الطيّبين.
مِن عتب التاريخ ومن انتظارات الأطفال يفتح الجندي في بلدي نافذة مطلة على حديقة الرجاء. ينسل حلمًا يحب السهر على أوجاع الناس. يد الجندي في بلدي ممدودة كشلح تين متمرد على سياج البساتين. منذور للقطف. نحن المارة وهم أكواز التين الراشحة عسلًا مصفّى.
 مُد يدَيك. راحتاها مهدّئتان للإعصار ودفء للنباتات المثمرة. لن نغرق والجيش معنا. أنت قارب نجاتنا وسط الحيتان. الإبحار معك لا يعتريه إلا الزبد. الزبد حليب الحرية في الأزمنة المالحة.
نحن شعب برسم التجارب. محجورون في مختبرات الصدفة. وحدك يا جندي بلادي أخرجتنا من مستنقع الوحل. أسكنتنا في الحلم. في عز مساءات يأسنا أسمعتنا هديل الحمام وزئيرًا مرقّطًا به نحتمي.
كم جميل أن نسمع بين فينة وفينة صوت عربة عسكرية تتجول في أنحاء أعصابنا المتعبة. كل المركبات تكنّس الطريق بعجلاتها. مركبتك فيها صوت مجنزرات العشق. تداعب الوطن الجريح بصيحات رئتيك. شهيق وزفير على وقع مشية عسكرية تمشط الطريق. تمشط ضفائر صبية جميلة اسمها لبنان.