في كل بيت

عنف الرسوم المتحركة أشد خطراً...
إعداد: رويدا السمرا

المشاهد المؤذية وتأثيرها على الصغار


أجساد مشوّهة, تعنيف وقتل, دماء ودمار... مشاهد نراها كل يوم تقريباً, على الشاشة الصغيرة, ويراها أولادنا. ما هو خطرها على سلوكهم؟ هل تغذي هذه المشاهد عدوانيتهم, أو تجعلهم منحرفين حتى؟ كيف نحميهم من الأذى الذي تسببه من دون أن نبقيهم بعيدين عما يجري من أحداث في العالم؟
ما هو تأثير العنف على الشاشة على التوازن النفسي للأولاد؟ كيف نتصرّف في مواجهة هذه المشكلة؟ أجوبة ونصائح نوردها رداً على هذه التساؤلات من إختصاصيين في التربية.

 

الربط بين المشهد والواقع!

الصراع بين الإختصاصيين في علم التربية والمسؤولين في أجهزة الإعلام, ليس حديث العهد, ففي الستينات, بدأت المحاولات لإيجاد رابط بين ما يشاهده الصغار من أفلام عنف ورعب, وبين ميلهم الى العنف في ما بعد. وعلى الرغم من عدم وجود دليل علمي, يؤكد على مثل هذا الرابط, فإن التربويين يصرون على أن المشاهد العنيفة تثير مشاعر الغضب والعدوانية عند الأولاد والمراهقين, وتُخلّ من توازنهم النفسي. ويقول علماء النفس أن العنف على الشاشة يمكن أن يحيي ذكريات تجربة أليمة قد يكون الشخص نفسه مرّ بها أو أحد من أقاربه أو معارفه, فتعود إليه مجدداً مشاعر الخوف والقلق من الصدمة. ويتابع هؤلاء, أن الأولاد الذين يتميزون بإحساس مرهف, أو يعانون من خوف مرضي معيّن, هم بدون شك, أكثر تأثراً بمشاهد العنف من غيرهم من الأولاد. لكن الولد, مهما كان متزناً, فهو يبقى عرضة للإضطرابات النفسية, عندما يواجه أحداثاً أليمة مثل إنفصال الوالدين, الوفاة العائلية أو الفشل المدرسي...
ويشير أحد الإختصاصيين في هذا المجال, الى انّ الشعور بالخوف والقلق وعدم الأمان, يكثر عند الأولاد ما بين سن الثامنة والثانية عشرة, فتكبر أوهامهم عند مشاهدة أفلام الرعب أو سماع المشاحنات المتكررة بين الوالدين, أو عندما يقع نظرهم على الصور العنيفة في الصحف والمجلات. ويتخيّل الأولاد نفسهم في هذا المشهد أو ذاك, من دون أن يتحدثوا بالأمر الى أهلهم في كثير من الأحيان, وتكثر هواجسهم عندما يأوون الى الفراش وتعمل مخيلتهم في الوعي أو اللاوعي, وتبعث الرعب في نفسهم المضطربة. ومن هنا تأتي ضرورة التحدث الى أولادنا وطمأنتهم, حتى نبعد عنهم الشعور بالقلق.

 

صغارنا أجهزة لاقطة حسّاسة جداً

ينـدهش الولد بمشاهد العـنف على الشـاشـة, في سن مبكرة جداً. فهي ترعـبه وتسرّه في الوقت ذاته, وتبعث فيه كذلك شعوراً بالذنب, فالشخصيات الخيالية التي تظهر في الأفلام العنيفة, تقوم عنه بكل ما هو ممنوع عليه ومستحيل. ومما توصلت اليه الدراسات في هذا المجال ما يلي:

 

* الأولاد ما بين السنتين والثلاث سنوات:
قادرون على التقاط “إنفعالات” الشخصية التي تظهر على الشاشة الصغيرة, ومن الخطأ أو الخطر حتى, الإعتقاد بأنه يمكن أن ندع الأطفال يشاهدون كل ما يظهر على التلفزيون, بحجة أنهم لا يدركون معنى الصور التي تمرّ أمام عينيهم.

 

* الأولاد بين الثالثة والخامسة:
يصبحون مدركين لمفهوم الزمان والمكان, فيمكنهم بالتالي تحليل المشاهد التي يرونها. والجدير بالذكر, أن العنف الذي يتخلل الرسوم المتحركة, يؤثر في الأولاد, أكثر من المشاهد العنيفة التي تظهر في نشرة الأخبار مثلاً. وتقول إحدى علماء النفس, أن الصغار يتأثرون بالرسوم المتحركة لدرجة كبيرة, لأنهم يتشبهون بشخصياتها.

 

* الأولاد بين الخامسة والسادسة:
يمكن أن يلتقطوا عدوى العنف من الشاشة, لا سيما منهم الذين لم يتقنوا اللغة بعد, أو الذين لا يتحلون بالفكر التصوري أو بالذاكرة الكافية. ويبقى الخيال عند الولد لغاية سن السادسة, متمازجاً مع الواقع. وهنا يأتي دور العائلة, في جعل الولد يميّز بينهما, بعد تخطيه سن الرابعة. فعندما يؤكد الأهل لولدهم, بأن ما يشاهده على الشاشة, خيال لا يمت للواقع بأي صلة, فهو سيستوعب الصور كما هي, من دون مبالغة.

 

* الأولاد من السابعة وحتى الثانية عشرة:
في هذه السن, يُكثر بعض الأولاد الذين يعانون من مشاكل عائلية أو مدرسية, من مشاهدة أفلام العنف لتنفيس الإحتقان الناتج عن إنفعالاتهم المكبوتة. وهم يتشبهون بالشخصيات العنيفة, والتي تحرّك فيهم ميلهم الى العدوانية.

 

* الأولاد في عمر ما قبل المراهقة:
يعشقون في هذه المرحلة مشاهدة الأفلام المثيرة مع رفاقهم. إنها سن التغيرات الهرمونية والغريزية. وهنا يكبر الإحتمال بأن تثير مشاهد العنف الجنسي لدى الأولاد, شعوراً بالخوف والقرف, علماً بأنهم قد لا يتجرأون في غالب الأحيان على التحدث بذلك مع أهلهم. من هنا تأتي ضرورة الحوار الصريح والمتواصل بين الأهل والأولاد. وقد أظهرت الدراسات أن المشاهد العنيفة, تشعر الأولاد, ما بين الحادية عشرة والثالثة عشرة من عمرهم, بعدم الإرتياح والقلق والغضب والقرف, وتزيد من ميل الشباب الى الإنحراف, لا سيما في المجموعة التي تضم الجنسين معاً حيث يتخلى البنات فيها عن الدور المهدّئ, الذي تلعبه الفتاة عادة.
وأخيراً, قلّما يهتم الأهل عموماً, بما يشاهده أولادهم على الشاشة, في حين يلعب الرفاق دور “المرشد” في هذا المجال. ويؤكد التربويون على ضرورة أن يشارك الأهل صغارهم, في ألعاب الفيديو وفي مشاهدة الرسوم المتحركة وغيرها من النشاطات. وباختصار, أن يدخلوا الى عالمهم, حتى يتمكنوا من التواصل معهم عندما يكبرون.

 

نصائح الى الأهل

* أبقوا أولادكم بعيداً عن مشاهد العنف التي تظهر في نشرات الأخبار المتلفزة أو في الأفلام على أنواعها, وتذكروا أن الصور تثير المشاعر أكثر بكثير من الكلمات. وإذا حصل سيدتي أن شاهد ولدك, صوراً عنيفة أثناء غيابك, ساعديه على التعبير عمّا يشعر به, فإذا لم يجد الكلمات المناسبة لذلك, أطلبي منه أن يرسم لك ما شاهده.
* المشاهد العنيفة مصدر للقلق, وهي تؤثر بالأولاد حتى ولو بقيت على الشاشة لبضع ثوان فقط. ولا ننسى أن هؤلاء يفرغون ميلهم الى العنف في الألعاب التي يتسلون بها. فلندعهم إذن يلعبون لعبة “الأبطال والحرامية”.
* عند تغيير المحطات التلفزيونية, وقع نظر ولدك على مشاهد إباحية, كيف تتصرفين؟ أولاً, لا تحوّلي إهتمامه الى موضوع آخرعندما تقفلين جهاز التلفزيون فجأة. بعد ذلك قولي له: “لقد أقفلت الجهاز لأن الأشخاص في المشاهد التي رأيتها, يمارسون الحب بشكل عنيف جداً. وأنا لا أريدك أن تكوّن فكرة خاطئة عن هذا الموضوع, فتعتقد أن الجنس بين شخصين متحابين يُمارس على هذا النحو. فالأمور في الواقع تحصل في جوّ من الحنان والحب”.
* لا تتردي بالقول أمام ولدك, أن هذه المشاهد المؤذية قد صدمتك أنت أيضاً, فمن شأن ذلك أن يريحه أكثر ويشعره بأنه ليس وحيداً.
* احتفظي بخريطة للعالم في متناول يدك, لمساعدة ولدك في تحديد البلد الذي تجري فيه أعمال العنف. فالأولاد أنانيون بطبيعتهم. وعندما يتبيّن لولدك أن الحدث بعيد عن المكان الذي هو فيه, فإنه لن يشعر بأنه معني بالأمر كثيراً. أما إذا كان الحدث قريباً منه, فطمئنيه بقولك: “لن يصيبك شيء, فنحن هنا لكي نحميك”.
* إشـرحي لولدك أنه يرى مشـاهد مركّبة على التلفزيون. فاليوم يتزايد اللجوء الى تركيب المشاهد التي ترافق التحقيقات على الشاشة الصغيرة. قولي له: “هذه الصور مزيّفة, فالعاملون في التلفزيون رسموا هذه الصور ثم ادخلوها الى الكمبيوتر”.
* إنتبـهي من بعـض الأفـلام التي تحوي مشاهـد عنـف قويـة جـداً, ولا تدعي ولدك وهو في سـن مبـكرة, يشاهـد أي نوع من هذه الأفلام, حتى ولو لم تكـن ممـنوعـة على الأولاد دون الثـانـية عشـرة.