باختصار

عيد الأم
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

ينطلق الجندي لتنفيذ مهمته من غير أن يحسب حساباً لشيء، ليس بسبب تحرّره من كلّ رابط عائلي، وانسحابه من كلّ واجب اجتماعي، إنّما لاطمئنانه إلى أنّ هناك من يسير ببيته في الإتجاه الصحيح، ويحافظ على الإنجازات الغالية التي حققها في ماضيه، وأسّس بواسطتها لغده وغد عائلته، خصوصاً إذا ما كانت هناك آمال جميلة تنطق بها الطفولة التي خلّفها في أرجاء داره، وبين ساعدي  زوجته، وفي حمى نظراتها وانتباهها ويقظتها.
هو لم يشكُ أمام رئيسه أي شيء، ولم يطلب مهلة يسوّي خلالها واقع الأمور، كما أنه لم يتقدّم لتسلم بندقيته والتردّد يسبقه، والاضطراب يحيط به، لا، ففي باله كانت تسود طمأنينة واضحة، وفي نفسه كانت تخيّم أولوية المهمة، وهيبة النداء، نداء الواجب.
إنّ ما خلّفه من واجبات موجود في عهدة سيدة محضها ثقته، وعهد إليها بقيادة وطنه الصغير، ومضى للدفاع عن الوطن الكبير، وفي ذهنه كلمات القَسم ومقتضيات معانيه: أقسم بالله العظيم أن أقوم بواجبي كاملاً... كائنةً ما كانت التضحيات، والتضحيات تلك لم تكن حبراً على ورق، أو صرخة عابرة في وادٍ، إنها حقيقيّة وذات شأن، تكون أحياناً دماً على الكف، وأحياناً أخرى دماً يروي تراب البلاد.
يستشهد الجندي هنا، وتسمو روحه إلى الأعلى، حيث يتقدّم من ملك الكون قائلاً: نفّذت المهمة يا سيّدي، وها أنا الآن بين يديك. في وطني، وطني الجميل الذي حفل بنعمتك، حفروا اسمي في الصخر شهيداً، وأقسموا أن يتابعوا طريقي، وأن يضحّوا كما ضحّيت، أما أبوّة أولادي فسوف تنتقل الى زوجتي، وبنوّة أمي وأبي ستكون في شخص تلك الزوجة وهؤلاء الأولاد. سينادي الأولاد في أمهم الأمومة والأبوة، وسيفاخرون بي بين الأتراب. وسيكرّم هؤلاء في ديار الأم الكبرى: المؤسّسة العسكرية التي ترعى الجميع، والتي يكون إليها المآل، والتي تنتصر بحكمة قيادتها وبطولات أبنائها.
ليس أحبّ إلي قلبي من تلك المؤسسة يا إلهي، وليس أعزّ من شعارها.
أَرشد أبنائي إليها، ودعهم يحبّونها ويعتزّون بها كما فعلت أنا، وبارك الربيع في لبنان كي يتبارك عيد الأم الذي يلوّن أيامه، ويضيف إلى زهوره زهرة يدوم عطرها حتى خريف العمر.