كلمات

عيد التحرير: عبرة وعظة
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مدير التوجيه

ثلاث سنوات مضت على تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي, وقد جاء هذا التحرير ثمرة لتضحيات شعب وصمود جيش وجرأة مقاومة إصراراً عنيداً على بلوغ التحرير.
في 25 أيار 2000, انتصر منطق المقاومة وانتصرت قوة الحق, وثبت للقاصي والداني أنّ الشعب الذي يكافح متّحداً لا بد وأن يصل إلى غايته المرجوة.


بعيد التحرير قال قائد الجيش العماد ميشال سليمان للعسكريين: "إنّ أولى مهماتكم حماية هذا الوطن من دسائس العدو". وشهدنا مثل تلك الدسائس على شكل طروحات من هنا ودعوات تفرقة من هناك بهدف إضعاف جبهتنا الداخلية, لكنّ كل ذلك باء بالفشل بسبب الدعم الشعبي الواسع للجيش والمقاومة, وتالياً وقبلاً للدولة صاحبة قرار التحرير.
ما ان اتضحت الصورة بعد التحرير, وتمنّع العدو عن الانسحاب من مزارع شبعا, ولم يطلق الأسرى والمعتقلين, حتى بدأت ملامح المرحلة تتضح وانكشفت النوايا, وقد بدا ذلك جلياً في استغلال اسرائيل لأحداث 11 ايلول 2001 الإرهابية, والتي كان لبنان من أوائل الدول التي ادانتها. سارعت الدولة العبرية الى استخدام الآلة الإعلامية الصهيونية للربط بين الإرهابيين والمقاومين, محاولةً إقناع الرأي العام العالمي ­وتحديداً الأميركي­ بأنهم واحد, وبأنّ من يقاوم الإحتلال في لبنان لتحرير أرضه هو إرهابي, ومن يقاوم في فلسطين سعياً للحرية والاستقلال هو إرهابي... ولو كرّت سبحة الإتهامات الإسرائيلية للمقاومة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية, لكانت شملت حتماً شارل ديغول واعتبرته إرهابياً فرنسياً ضد المانيا النازية, وجورج واشنطن إرهابياً اميركياً حارب القوات البريطانية, والمهاتما غاندي إرهابياً هندياً قاوم الاستعمار البريطاني.


نعم, بلغة إسرائيل وبإعلام إسرائيل, انّ من يدفع العدوان عن أرضه إرهابي, أمّا من يحتل الأرض ويقتل البشر ويدمّر الحجر فهو داعية سلام... من يسعى الى الاستقلال إرهابي والمحتل المستوطن المستعمر ديمقراطي مسالم... هذا ما يحصل في الإعلام المذكور وهو كثيف متعدد الأشكال والوجوه, من تلفزيونات وصحف وإذاعات وكتب وأفلام سينمائية تحاول إخفاء الحقيقة وانكارها, واستيلاد ادعاءات وأوهام ومحاولة إلصاق طابع الحقيقة عليها.


كلنا يتذكر راشيل كوري؛ لقد جاءت ناشطة السلام هذه من ولاية واشنطن على المحيط الهادئ الى غزة, فلم تجد ديمقراطية ولم تعثر على حقوق الانسان, بل وجدت البطش والعدوان, وعثرت على تدمير المنازل وقتل الاطفال. ولما حاولت الوقوف بوجه “البلدوزر” الصغير لتمنع تدمير منزل, جرفتها الآلة الميكانيكية الصماء العميـاء وأردتها, ثم جاء “البلدوزر” الكبير, “بلدوزر” السياسة والاعلام ليطمس هذا الواقع ويخفي العدوانيـة الاسرائيلية والعنصرية الصهيونية. كل ما سمعنـاه في الصحافة الاميركية حول ذلك الحادث المأسـاوي هو كلام خجول, يغفل الحقيقة, ويخفـف من الكارثـة الانسانيـة الحاصلة, وكأنّ المواطنة الاميركية غرقت في اليمّ لأنها لا تعرف السباحة, او قامت برحلة مع الطيور المهاجرة الى الافق البعيد ونسيت ان تعود... هذا “البلدوزر” الكبير يجب ان ينكشف وسوف ينكشف, اذ لا يمكن ابداً نسيـان راشيل كوري تلك وامثالها, ولا يمكن ابداً نسيان دم الاطفال في غزة ونابلـس وجنـين وباقي فلسطين, وقانا وسحمر وصبرا وشاتيلا وباقي لبنان, وبحر البقر في مصر ايضاً.
إنّ اسرائيل تستعمل لغة القوة وحدها, لغة “البلدوزر” الكبير, لغة الارهاب والعنف. والعرب, كل العرب, يطرحون مبادرات السلام ومشاريع الحلول. وحدها إسرائيل لا تتحدث إلا عن الأمن, وما أدراكم ما يعنيه الأمن في حساباتها؟ إنه مفهوم مطاط, إنه سعي مستمر لإخضاع العرب. إنه انتزاع المكاسب والأراضي بالقوة. هذا هو مفهوم الأمن الصهيوني, مفهوم العدوان والتوسع والاحتلال وقهر الشعوب ومحاولة تضليل العالم.


كنا قبل 25 أيار 2000 نقاوم المحتل ونصمد في وجه عدوانه, وكما واجهنا “البلدوزر” الكبير السياسي والإعلامي والاقتصادي وحققنا التحرير, فإننا سوف نبقى في المواجهة رغم كل ما حصل في المنطقة من تداعيات بعد احتلال العراق, وهذا يتوقف على قدرتنا على الصبر, وعلى تمسكنا بحقنا وبمقاومتنا حتى تحرير أرضنا. إننا لا نخاف ولا نتراجع ولا نتخاذل, وسوف نبقى صامدين موحدين مرفوعي الرؤوس, لا نستحي من إظهار الحق ولا نهاب الباطل؛ هكذا كنا وهكذا سوف نبقى. وحدة وطنية, جهوزية عالية, دعم للمقاومة, تنسيق مع الجيش العربي السوري الشقيق, بذلك كله وصلنا الى ما نحن فيه, ونحن نتابع الطريق نفسها نحو الأفضل, ويتقدم معنا شعبنا.
25 أيار عبرة وعظة وحكمة يجب ألّا تغرب عن بالنا أبداً.