موضوع الغلاف

عيد بأي حالٍ…!
إعداد: تيريز منصور

بين مطلع أيار ومنتصفه كثُرت الأعياد، فمن عيد العمال إلى عيد الفصح وعيد الفطر. لكن واقع الحال أنّ أكثر من 41% من اللبنانيين عاطلون عن العمل وفق منظمة العمل الدولية ووزارة العمل في لبنان. أما مداخيل معظم مَن يعملون فبالكاد تكفي لسد الرمق مع الغلاء المستفحل بشكل جنوني. وبالتالي فنحن أمام معادلة عمّال بلا عمل وأعياد بلا محتفلين، والشاطر من يُحصّل لقمة عيشه!

 

ليس الحرمان من متعة الاحتفال بالأعياد ما يُقلق اللبنانيين في هذه الظروف القاسية، فلقمة العيش باتت ترفًا لمليون ونصف مليون لبناني، بينما يناضل معظم الباقين للحصول عليها حاذفين من لائحة الإنفاق كل ما عداها. ماذا ينتظرنا بعد؟ ما الذي نحن قادمون عليه إذا توقّف الدعم أم لم يتوقّف؟ في الحالتين نحن كمن يلحس المبرد...
توقعت منظمة العمل الدولية أن يخسر العالم نحو 200 مليون وظيفة بسبب جائحة كورونا، وأشارت إلى أنّ الدول العربية وأوروبا هي في طليعة المتضررين. لكنّ الواقع في لبنان لا يُقارن بما هو عليه في معطم دول العالم، حيث عمدت الحكومات إلى اتخاذ تدابير للتخفيف من وقع الأزمة. أما في بلدنا فقد تنوّعت الأزمات وتراكمت وتحالفت لتشد الخناق على رقابنا.

 

البطالة
تكشف المديرة الإقليمية للدول العربية في منظمة العمل الدولية ريا جرادات ( حديث منشور في جريدة الأخبار، إصدار 30 نيسان 2021) أنّ «نصف شباب لبنان كانوا يبحثون عن عمل قبل الأزمة»، أما بعدها فالنسبة ارتفعت، خصوصًا وأنّ «هذه الفئة تكون أول من يتعرض للصرف وآخر من يعود بعد التعافي». وهي ترى أنّ الفئات الأكثر تضررًا في هذا السياق هي تلك التي تضم العاملين في الاقتصاد غير المنظم، وهؤلاء يشكلون 55% من إجمالي العاملين قبل الأزمة، وهم لا يستفيدون من الحماية التي يوفرها قانون العمل.
شملت خسارة الوظائف جميع القطاعات، لكنّ تقريرًا لمنظمة العمل الدولية حدّد النسبة الأكبر من الضرر في أربعة قطاعات هي: قطاع الغذاء والفنادق (144 مليون عامل)، قطاع البيع بالجملة والتجزئة (582 مليونًا)، قطاع خدمات الأعمال والإدارة (157 مليونًا)، وقطاع التصنيع (463 مليونًا).
على مستوى لبنان توقعت دراسة أعدتها شركة «الدولية للمعلومات» في العام 2020، ارتفاع البطالة إلى مليون عاطل عن العمل. ولحظت الدراسة أنّ عدد الأساتذة والموظفين الذين سيتمّ صرفهم في المدارس الخاصة سوف يراوح بين 10 و15 ألف أستاذ، وفي قطاع المطاعم والفنادق والمؤسسات السياحية 50 ألفًا، وبين 20 و25 ألفًا في المؤسسات التجارية بعد إقفال عدد منها. وتوقعت الدراسة انضمام نحو 50 إلى 60 ألفًا إلى العاطلين عن العمل، والرقم الأخير يشمل نحو 30 ألفًا من الخريجين الجامعيين الجدد. كما توقّعت أن يفقد بين 100 ألف إلى 150 ألفًا وظائفهم من قطاعات مختلفة بفعل تقليص الأعمال والمشاريع، لا سيما في قطاعات البناء والمقاولات، والإعلام والصحافة، والنقل والمصارف...
وبعد مضي نحو خمسة أشهر على صدور هذه المؤشرات التي أحدثت ضجة في لبنان، تبيّن أنّها جاءت قريبة من الواقع، وأنّ التوقّعات تحققت في معظم القطاعات، ولا سيما في القطاعين السياحي والمصرفي، وهما الأكثر تضررًا، ويأتي بعدهما قطاع البناء والمؤسسات التجارية الصغيرة.
واقع البطالة دفع بنسبة كبيرة من الشباب إلى الهجرة، بينما يبحث آخرون عن أي عمل يتيح لهم الحصول على لقمة العيش، وبالتالي فهم يقبلون بالعمل أيًا كانت الشروط. وهكذا نرى مثلًا جامعيين يعملون في خدمة التوصيل (الدليفري) التي ازدهرت بسبب جائحة كورونا. لهذا الأمر الكثير من الآثار السلبية على المسيرة المهنية لهؤلاء وعلى الاقتصاد بشكل عام. فبدل أن يوظفوا مهارات وقدرات صرفوا سنوات لاكتسابها نراهم مضطرين إلى ممارسة أي عمل. والأمر نفسه ينطبق على الكثير من المبادرات الفردية التي تعتبرها جرادات «محاولات يائسة لشباب يحاولون الصمود وتحصيل لقمة العيش من أعمال قليلة الإنتاجية بعد أن تلقوا تعليمًا عاليًا واكتسبوا مهارات مهمة ينبغي توظيفها لإنعاش الاقتصاد».
يحدث كل هذا في ظل غياب أي نوع من أنظمة الحماية الاجتماعية في لبنان. وهنا لا بد من طرح السؤال الكبير حول دور المؤسسة الوطنية للاستخدام المولجة بإحصاء نسب البطالة والعاطلين عن العمل، وتقديم الإعانات لهم وتحديد كفاءاتهم وأعمارهم واحتياجاتهم، وتأمين فرص عمل جديدة تستوعب ما أمكن من بينهم، لو لم تكن مشلولة وغير مفعّلة.

 

التضخم وتداعياته
تكشف أرقام الإدارة المركزية للإحصاء في لبنان أنّ مؤشر أسعار المستهلك ارتفع بنسبة 154% في آذار الماضي مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2020. وقد سُجلت خلال سنة واحدة معدلات تضخم كارثية بلغت 649% في المطاعم والفنادق، و643% في ما يخص الأدوات المنزلية والأثاث والصيانة والتجهيزات، و585% في قطاع الألبسة والأحذية، و402% في المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية...وأكثر ما يُقلق هو الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية كونها في طليعة المواد الأساسية للحياة.
ولم يقتصر غلاء المواد الغذائية على المستورد منها، بل شمل تلك المنتجة محليًا بما في ذلك المواد غير المصنّعة مثل اللحوم والبيض والخضار والفواكه. ويشير تقرير «مرصد أزمة الشرق الأوسط وأفريقيا» الصادر عن البنك الدولي إلى أنّ لبنان هو الدولة التي شهدت أعلى معدلات ارتفاع في أسعار السلع الغذائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الفترة الممتدة بين شباط 2020 والشهر نفسه من العام الحالي. ونتيجة ما سبق يأتي لبنان في طليعة دول المنطقة في ما يتعلّق بنسبة الفقر، إذ يُقدر التقرير أنّ نسبة من هم تحت خط الفقر ارتفعت بما يقارب الـ150%.
هذا الواقع المزري استنزف مداخيل معظم الأسر التي باتت تحصر إنفاقها بأبسط متطلبات الحياة. وقد بيّن تقرير أعدّته الإسكوا وصدر في آب 2020 أنّ تأمين المتطلبات الغذائية يأتي على 85% من إنفاق الأسر كمعدل متوسط. وبالتالي لا يتبقى لسائر متطلبات الحياة من طبابة وتعليم ونقل واتصالات وسواها سوى 15%. وبما أنّ هذه الأرقام تعود إلى الصيف الماضي فلنا أن نتخيّل ما هي عليه اليوم بعد أن ارتفع الدولار من نحو 8400 ليرة إلى 12400 ليرة.
ازدياد معدل الفقر يعني نزوح المزيد من اللبنانيين من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة، مع ما لذلك من آثار مدمرة. كما أنّ اتساع رقعة الفقر أدى إلى تغيير جذري في أنماط الاستهلاك فالسيارات والألبسة والهواتف باتت خارج دائرة هذا الاستهلاك بالنسبة للغالبية العظمى ما انعكس انخفاضًا حادًا في استيرادها وشبه بطالة في القطاعات المعنية بها.
الصناعة تعاني بدورها في ظل الأزمة خصوصًا أنّها بحاجة إلى استيراد المواد الأولية بالدولار غير المتوافر، رغم ذلك انتعشت بعض قطاعاتها (صناعة الأدوية والكمامات والمعقمات والصناعات الغذائية والتكنولوجية)، وأمنت فرص عمل في مجالات الإدارة والمبيعات والتسويق والتكنولوجيا...

 

القطاع السياحي: في أمل؟
يوضح رئيس اتحاد نقابات موظفي وعمال الفنادق والمطاعم والتغذية واللهو في لبنان جوزف حداد في حديث إلى «الجيش» أنّ القطاع السياحي يضم 160 ألف عامل موزعين على عدة قطاعات أبرزها: الفنادق، المطاعم، مكاتب السفريات، السوبر ماركت، وكازينو لبنان... بدأت معاناة هؤلاء منذ بدء الحرب السورية، لأنّ العمالة الأجنبية حلّت محل العمالة اللبنانية. وتفاقم الوضع بعد انطلاق التحركات الشعبية في 17 تشرين الثاني 2019، وانخفض ربح المؤسسات السياحية بنسبة 40%، ثم جاء وباء كورونا، واكتملت الكارثة مع انفجار المرفأ.
على صعيد العمّال في هذا القطاع تعرّضت حقوقهم للانتهاك من خلال تقليص أجور البعض إلى النصف أو أكثر، ولجأت بعض المؤسسات الكبيرة إلى التحايل على القانون، فعمدت إلى تجميد العمل، ووُعد الموظفون بالعودة بعد تحسّن الأوضاع، وتمّ منح إجازات غير مدفوعة، كما أقفل بعضها أبوابه بحجة إعادة التأهيل والصيانة. وقد وقع كثير من الموظفين في الفخ إذ اكتشفوا بعد ستة أشهر أنّهم لن يستعيدوا عملهم، ولم يعد بإمكانهم التقدم بشكوى بسبب مرور المهلة القانونية، ما يعفي المؤسـسة من أي مستحقات مالية للموظف. والنتيجة صرف تعسّفي من دون إنذار أو تعويضات لعشرات الآلاف من العاملين في قطاع الفنادق والمطاعم...
في المقابل، ثمة تقديرات لجهات معنية تشير إلى أنّ 100 ألف عامل توقفوا عن العمل في قطاع المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري بعد انفجار المرفأ.
لكن هل يحمل الصيف أملًا لهذا القطاع الذي طالما كان رافعة للاقتصاد اللبناني؟
يرى حداد أنّه في حال تمّ تشكيل حكومة اليوم بإمكان القطاع السياحي التعويض عن الخسائر مع إطلاق حملة تسويقية تتضمن الأسعار المخفضة المشجّعة لجذب السياح إلى لبنان.
لكنّ المفارقة أنّه حتى الآن لا تلوح في الأفق بوادر خطط لتحريك الوضع في القطاع السياحي واستغلال عطلة الصيف لجذب المغتربين والسيّاح، فانخفاض سعر الليرة أمام الدولار لا يكفي لجعل لبنان وجهة مفضلة للسياحة والاصطياف، خصوصًا إذا ما انقاد أصحاب المنتجعات والفنادق لرغبة تحقيق أرباح خيالية.
فهل يكون صيف لبنان فرصة أخرى من الفرص المهدورة؟