سياحة الوطن

عين علق
إعداد: باسكال معوض بو مارون
تصوير: الجندي بلال العرب

شوق الى ايام العز في ارض  شمسها لا تغيب

طبيعة، ومناخ وأجواء ألهمت الكثير من الرسّامين والشعراء لوحات وقصائد «ولا أروع»...
انما هذه المحاولات وعلى روعتها لا تعبّر بحق، ولا تفي عين علق، القرية الوادعة، حقّها من الجمال والسحر والتميّز!

 

تاريخ الاسم وجغرافيا الموقع

يقول بعض الخبراء اللغويين ان اصل كلمة عين علق هي عين العلاء، وذلك لارتفاع موقعها عن غيرها من القرى المجاورة.
لكن المعاجم القديمة ولا سيما السريانية ترجع «عين علق» الى أصل سومري ومن ثم آرامي، حيث عين هي العين الساهرة، وعلق تعني التشابك بالأيدي والأسلحة مع الغزاة والمهاجمين.
تقع عين علق في قضاء المتن وترتفع عن سطح البحر 730 متراً. قديماً كانت البلدة تتبع منطقة كسروان الممتدة من البحر الى بلاد بعلبك للجهة الشرقية وتقسم الى قسمين، داخلة وخارجة: الداخلة من نهر ابراهيم الى نهر الكلب (سميت كذلك لدخول البحر فيها)، والخارجة من نهر الكلب الى نهر الجعمانة الفاصل بين كسروان والمتن قديماً. وكانت هذه المقاطعة تسمّى العاصية، وذلك لشجاعة اهلها وشدة بأسهم، ولمشقة مسالكها الصعبة وجسامة جبالها الوعرة.
يحد عين علق من الشرق بحرصاف وساقية المسك، ومن الغرب قرنة شهوان وعين عار والقنيطرة، ومن الشمال بيت شباب والشامية ومن الجنوب العطشانة وبحنّس.
تنبسط البلدة بين تلتين متقابلتين: التلة العالية من ناحية الشرق وتلّة القناصل التي هي أدنى منها من ناحية الغرب. وهذه الاراضي مكسوة بأشجار الصنوبر والسنديان والوزّال التي حافظت على جمالها النضر، تحيط بها بيوت القرميد القديمة التي حافظت على تراثها العريق.
لقد حبت الطبيعة بقعة عين علق بالنضارة والاعتدال في مناخها. فالشمس تشرق على كامل مساحتها وتستمرّ طوال النهار، بحيث لا يشعر المقيم فيها ان الشمس قد غربت.
تنمو فيها الأشجار على اختلافها، وتعطي ثمراً طيباً زكي الرائحة، وتربتها خصبة جوّادة.
هواء البلدة جاف، صحي، ما جعلها مقصد طالبي الشفاء.
ويذكر الأهالي أن أحد الأطباء قديماً يصف مياه عين علق ومناخها دواءً للمصابين خصوصاً بأمراض الأعصاب والربو.
اليوم، وعلى الرغم من التلوّث الحاصل في بيئة المتن ولبنان، وعلى الرغم من ارتفاع نسبة المساحات المبنية على حساب الأحراج، فإن عين علق تحافظ على مناخها.

 

عيون وبرك وآبار

اراضي عين علق الخصبة تزيدها المياه خصوبة.ومصادر المياه في البلدة متعددة:
العيون واقدمها، عين قرب دير سيدة الخلاص. وثمة اخرى من عهد المتصرفية تجري مياهها في قسطل قصب في «محقان» في الجهة الشمالية من البلدة. وقد بني فوق مجراها نفق تتخلله قناطر حجرية. من هذه العين شرب الأهالي منذ عهد المتصرفية وسقوا مزروعاتهم ومواشيهم وهي كانت مقصد أهالي الجوار لعذوبة مائها.
الى العيون نجد الآبار التي اتقن الأهالي حفرها، واقامة البناء المعقود فوقها.
وقد عرفت منذ القديم آبار عدة منها بئر مسقوفة بالعقد من محلّة الشحارة، واخرى في خان البغال، وثالثة مسقوفة ايضاً ولها بكرة لنشل المياه، الى اخرى داخل بعض منازل البلدة.
ومن الآبار الى البرك الموجودة في عين علق وابرزها تلك الكائنة قرب كرخانة الحرير.

 

زوايا وحارات

في عين علق كما في سواها من قرى لبنان وبلداته نواح وحارات لكل منها اسم وحكاية بعض الأسماء فرضته واقعة تاريخية، وبعضها فرضه واقع جغرافي او اجتماعي.
نبدأ من العالية، وقد سميت كذلك لارتفاعها وعلوّها عن البلدة، فهي التلة العالية حيث بنى المردة قلعة العام 676م. وكان مركزهم في بسكنتا.
أمّا تلة القناصل فيعود اسمها الى عهد المتصرفية، حينذاك كان قناصل فرنسا ينصبون خيامهم صيفاً في غابة الصنوبر قرب منزل «شيخ الصلح» في عين علق.
ونتابع تجوالنا في نواحي البلدة، يقال لنا هذا سيّار البغال، انه الدرب التي كان يسلكها اهالي عين علق الى بحرصاف وساقية المسك معتمدين البغال وسيلة نقل، والدرب ذاتها كانت مسلك المكاريين الذين يجوبون قرى كسروان والقاطع وسائر المناطق، فيمرّون بعين علق صعوداً الى بكفيا في البقاع وينقلون البضائع من منطقة الى اخرى.
المسبك، اصل اللفظة سرياني وتعني وثب او علق او استولى، وربما يكون معنى هذه المحلة مرتبطاً باسم عين علق، وهي قريبة من محلة العالية، الاّ انها «مسبوكة» بشكل سريع الانحدار.
ضهر الشير، كلمة الشير اصلها سرياني وتعني السور او الجدار العالي او الصخرة الشاهقة، وهذا المعنى يدل عليه المكان الذي تكثر فيه الصخور العالية، والصخرة تنحدر هناك بشكل عمودي وتصل الى محلة الزلزلة على حدود بيت شباب.
أمّا ناحية الفتاح فسميت كذلك لأنها كانت مدخلاً للقلعة المحصنة فوق التلة العالية.
وأرض علي، عرفت قديماً ب «دار علي» نسبة الى احد الأمراء التنوخيين الذي اقام داره في هذه البقعة المطلّة على البحر والساحل.

 

من التاريخ

العام 1840 دخل ابراهيم باشا مع عسكره قاطع بكفيا وبيت شباب، وكما بقية قرى المنطقة وبلداتها. لاقت عين علق الخراب والدمار على يد عسكر ابراهيم باشا، من جراء مقاومتها، وأحرقت بيوتها وهجر اهاليها.
العام 1864 عرفت عين علق اول توقيع واول ختم رسمي باسم المختار ريشا مخايل الحايك، حسب ما تظهره الصكوك، غير ان فترة الاستقرار لم تدم طويلاً، فمع حلول الحرب العالمية الأولى ودخول تركيا طرفاً فيها الى جانب الألمان، سارع جمال باشا الى احتلال لبنان والغاء استقلاله وإقامة حكم عسكري. دخل الجيش التركي جبل لبنان، واحتل معظم القرى والبلدات الكبيرة. وفي عين علق تمركز الجيش التركي (التلّة العالية) حيث أقام ثكنته العسكرية حتى نهاية الحرب.
في هذه الحرب عانت عين علق الكثير من الويلات، فمات من اهلها كثيرون، ونزح الباقون إما الى سهل البقاع وإما الى سورية خوفاً من الجوع والموت المحتم.
ويخبّر عبدالله قزاح انه كان يعزف على آلة نفخ في فرقة موسيقى الجيش في محلة العالية. وعندما خلت عين علق من سكّانها خلال الحرب الكبرى، قال هذين البيتين:
«عين علق فيها تعتير
فيها العقرب والحيّي
فيها البومي بضهر الشير
وفيها بتعوي الواويّي».
جيش يغادر وجيش يأتي؛ بعد زوال الاحتلال العثماني، حل عهد الانتداب ونصيب عين علق كان تمركز فرقة من الجيش الفرنسي التابع لحكومة فيشي في كرخانة الحرير، الى ان دخل الحلفاء لبنان وتمركزت قوة منهم في محلة الصوّانة في البلدة.

 

معالم

وفقاً لما ذكرته احدى الوثائق، بنيت في خلال القرن السابع عشر في عين علق كنيسة سيدة المرجة.
وهي كانت مبنيّة من طابق واحد، مسقوف بجذوع الأشجار والبلاّن، وبطبقة تراب مجبول بالماء، ويحدل سطحها منعاً لتسرّب مياه الأمطار او دلفها الى الداخل.
بنى اهل عين علق في ما بعد قبواً ملاصقاً للكنيسة التي تهدمت في ما بعد، فشيدت اخرى على اسم سيدة النجاة انتهى بناؤها العام 1886.
هذه الكنيسة مبنية بالعقد، جدرانها سميكة يعلوها القرميد والقبّة والجرس.
واما ارض الكنيسة فبلاط استقدم من مارسيليا، ويروي احد اهالي القرية: «ان نساء آل الحايك نقلن بلاط الكنيسة للقسم الخلفي على متون الدواب وبوسائلهن الخاصة، من محطة القطار في انطلياس الى عين علق. وقد باعت النساء حلاهن وجواهرهن لشراء البلاط الموزاييك من مرسيليا ونقله الى مرفأ بيروت، ومن هناك نقل في القطار الى انطلياس.

 

دير سيدة الخلاص
ودير راهبات الناصرة

شمال غربي البلدة يقع دير سيدة الخلاص الذي يطلّ على غابة صنوبر كبيرة. وتحيط بالدير اشجار الصنوبر العالية واشجار التين والزيتون والتوت الذي كان رائجاً آنذاك والفاكهة على انواعها الى حديقة للخضار. ويحدّه من الشرق قبو قديم تابع لعين القرية القديمة وقد نبشها الرهبان مع اهالي القرية في اواخر القرن التاسع عشر، بالتزامن مع بناء الدير.
العام 1957 اخلي الدير من الرهبان مع آخر رئيس له. وبعد قسمة الأخوّة بين الرهبان الانطونيين والراهبات الانطونيات، انتقلت ملكية الدير الى جمعية الراهبات الانطونيات المارونيات لكن الدير ظلّ غير مأهول من العام 1957 وحتى العام 1985 حين رمّمته الراهبات الانطونيات ووسّعته بشكل هندسي حديث جداً ليصير مركزاً للمبتدئات.
ويقع دير راهبات الناصرة غربي البلدة على التلّة المعروفة بتلّة القناصل ويحيط بها الصنوبر، واشجار الفاكهة. وقد بني في بدايات القرن الماضي ثم توسع البناء وبات يضم مدرسة.

 

بلدة متنية نموذجية

عين علق البلدة المتنية الجميلة كما يراها احد ابنائها، المختار هنري الحايك قرية نموذجية في بيئتها وطبيعتها وبساطتها.
يقول المختار ان طبيعة عين علق الخلاّبة جعلتها ملهمة لكبار الرسامين الذين رسموا بيوتها، اشجارها، سماءها، واخضرارها، وخلّدوها في لوحات رائعة.
ويضيف قائلا:
عين علق بلدة اصطياف بامتياز، في ايام العزّ كانت تغلي بالمصطافين اللبنانيين والاجانب، فكثرت فيها المقاهي. فندق العامرية الشهير الذي أقيم فوق برج بناه الصليبيون، كان قبلة انظار اللبنانيين آنذاك.
كان الفندق يحوي اضافة لغرفه الفخمة حوض سباحة دولي، وحديقة العاب للأطفال، الى برك ونوافير وشلالات وملاعب رياضية ومحلات تجارية فخمة، الاّ ان هذا المشروع وبعد ان ازدهر بشكل كبير منذ تأسيسه العام 1957 عاد وتوقف عن العمل مع بداية الحرب في منتصف السبعينيات.
وللسبب عينه فقدت البلدة ازدهارها كبلدة اصطياف. اضافة الى نزوح الاهالي الى الساحل، ما جعلها شبه خالية شتاء من اهلها.
ويتابع المختار الحايك حديثه متناولاً ماضي البلدة وما عرفته من ازدهار زراعي:
لقد عرف اهالي عين علق قديماً زراعة اشجار التوت الأبيض لتربية دود القز، حين كانت صناعة الحرير مزدهرة في لبنان، كذلك زرعت في البلدة اشجار التوت الاحمر الذي يصنع منه الشراب اللذيذ. هذه الزراعة انقرضت مع مرور السنين، كما انحسرت زراعة العديد من انواع الحبوب. بينما صمدت الكرمة وظل التين من اشهى الفواكه في البلدة.
وتزدهر اليوم ايضاً زراعة الفاكهة من تفاح ودراق واجاص ومشمش وخوخ. بينما تستمر مواسم الزيتون والصنوبر مورد رزق للكثيرين.
في ما خص الصناعة والحرف، عرفت عين علق قديماً الحرير واشتهرت بالصناعات الغذائية من نبيذ وعرق وخلّ ودبس وبرغل وكشك ومختلف انواع المونة. وما زال بعض هذه الصناعات موجوداً في البلدة، اضافة الى حرف بسيطة كالحدادة والنجارة وحياكة البسط على النول.
اخيراً يخبرنا المختار عن احلام جميلة تراوده: تحسين خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وعودة البلدة الى ايام العزّ، وعجقة الناس...

 

عائلات عين علق

يبلغ عدد سكان عين علق حوالى الألف شخص يتوزعون على عائلات: الحايك، مكرزل، بجّاني، مقصود، جبّور.

 

يا عين عيون الحلوين

في حفلة زجل اقيمت في عين علق قال الشاعر خليل روكز فيها:


يا عين الرقّة والكيف
وعين الحسن اللبناني
جينا نودّع فيكي الصيف
ونستقبل صيف الثاني
ياعين عيون الحلوين
اسمك برّر دمعتها
والتلجات العا صنين
هي من قلبك زهوتها
عين الغيم من كوانين
بتبلّش بعيانتها
وعين الشاعر من تشرين
بتعمل عالعمر عياني
لما اشواق النسمات
للوردة بتعمل ملقى
بتطفي الشوق من البسمات
الخلقت بالخلقة خلقى
انت عين الحوريات
وسمّوكي عين العلقى
لما بشعاع النجمات
علقتي وبعدك علقاني

 

مرجع: عين علق بين القرن السابع عشر والقرن الحادي والعشرين -
الأب مارون الحايك الأنطوني