أسماء ووجوه

غازي قهوجي رائد المشهدية الجميلة طوى المشهد الأخير
إعداد: تريز منصور

غاب غازي قهوجي، الإسم الذي اقترن بالمشهدية الجميلة في عشرات الأعمال الفنية المعاصرة، وأبرزها أعمال الأخوين الرحباني والسيدة فيروز.
غازي قهوجي، إسم كبير ندين لموهبته الفذّة ولحرفيته العالية، بالكثير من الجمال المتدفّق في ديكور المسرح والتلفزيون وفي تحرّكات الممثّلين وملابسهم، وأيضًا في نواحٍ أخرى من بينها  «قهوجياته» اللاذعة اللذيذة عبر الأثير.


أول لبناني يتخصّص في السينوغرافيا
في مدينة صور التاريخية القائمة على أجمل الشواطىء اللبنانية، ولد الفنان والأديب والمؤلف غازي قهوجي في العام 1944. ترعرع في جو من الثقافة والأدب، فوالده شاعر تهكّمي، كان يمتلك مكتبة ضخمة، أما والدته فكانت من أوائل المتعلّمات في صور.
تلقّى علومه في الكلية الجعفرية، ومن ثم انتقل الى ثانوية المقاصد في صيدا، ليلتحق في ما بعد بكلية الحقوق - الجامعة اللبنانية في بيروت حيث درس العلوم السياسية والإدارية.
موهبته الفنية دفعته إلى متابعة تحصيله العلمي في ميادين أخرى. فسافر في العام 1966 إلى العاصمة البلغارية (صوفيا ) وتخصّص في علم السينوغرافيا (تصميم الملابس والديكور المسرحي)، وهو اختصاص كان نادرًا جدًا. وبذلك كان أول لبناني ينال إجازة جامعية في السينوغرافيا وعلم البصريات الفنية، ليتبعها بماجستير، فدبلوم الدراسات العليا المعمّقة والدكتوراه في الفنون التطبيقية.

 

الأعمال المسرحية
بدأت رحلة قهوجي الفنية مع الأخوين الرحباني، إثر مقالة للفنان عصام محفوظ تحدّث فيها عن عبقرية قهوجي (أواخر العام 1972)، فأثّرت بالفنان الراحل منصور الرحباني، الذي استدعاه وطلب منه التعاون. استمرّ هذا التعاون زهاء 22 عامًا، كان خلالها قهوجي المدير والمشرف الفني العام لفرقة الأخوين الرحباني والسيدة فيروز. من مسرحية «لولو» إلى «المحطة وميس الريم» و«بترا» وصولاً إلى «المؤامرة مستمرة» و«الربيع السابع»، فضلًا عن الأعمال الغنائية والاسكتشات. عمل قهوجي أيضًا مع الفنان زياد الرحباني في مسرحياته «نزل السرور» و«بالنسبة لبكرا شو» و«فيلم أميركي طويل».
وتعاون مع الفنان الراحل نبيه أبو الحسن في مسرحية «أخوت شاناي»، ومع باقة من كبار المسرحيين اللبنانيين أمثال يعقوب الشدراوي، وروجيه عساف، وعبد الحليم كركلا وجواد الأسدي وفائق حميصي. كما كان المدير الفني ومصمّم الديكور والأزياء لفرقة فهد العبدالله للفنون الشعبية. وفي العام 2000 صمّم مع صديقه الفنان المخرج نعمه بدوي حفل افتتاح
«بطولة كأس آسيا» لكرة القدم، التي جرت في لبنان.

 

في التلفزيون والسينما والإذاعة
تميّز قهوجي بغزارة إنتاجه الفني وبشموليّته، فعمله كمصمّم مشهدي في المسرح والسينما والتلفزيون، لم يقتصر على لبنان بل تعدّاه إلى العديد من الدول، ومنها إسبانيا، بريطانيا، اليونان، الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، رومانيا، ساحل العاج، نيجيريا، مكدونيا، سلوفانيا، اليونان، أستراليا الأردن - سوريا وأبو ظبي.
وكان للتلفزيون حصّة كبيرة في مسيرته الفنية، بحيث عمل مع العديد من المخرجين التلفزيونيين مثل جورج غياض، وأنطوان ريمي، ونجدت أنزور، وهيثم حقّي، ومأمون البني وغيرهم.
سينمائيًا تعاون مع عاطف الطيّب في فيلم «ناجي العلي»، فصمّم الأزياء والديكور فيه، وتولى الإنتاج وساعد في الإخراج (أخرج الفيلم نعمه بدوي). على صعيد الإذاعة، قدّم برنامجًا في الإذاعة اللبنانية بعنوان «قهوجيات»، كما كتب عدّة برامج للإذاعة نفسها ولإذاعات أخرى.
إلى ذلك كتب مقالات لصحف ومجلات لبنانية وعربية.

 

«القهوجيات»
في مجال الأدب، تعتبر سلسلة قهوجيات الساخرة والمؤلفة من أربعة أجزاء، نتاجه الأبرز. وقد حملت عناوين «قهوجيات - أركيلة الحلم العربي» (2003)، «قهوجيات – ما هبّ ودبّ» (2005)، «قهوجيات - عرب الصابون» (2007). وأخيرًا قدّم في بداية هذه السنة (2015) «قهوجيات – مكدوس وماكدونالد».
غازي قهوجي كاتب ساخر خفيف الظلّ، يقول فيه الشاعر جوزف حرب: وأنت تقرأه تدخل مباشرة في فضاء الفن المشهدي. هو أديب كامل الأدوات، تعبيرًا وصياغة، وأسلوبًا وجمالية فنية. ولعلّه ذو نوع أدبي قصصي لا يلامسه أحد في الخطف والدقة، والتفاصيل، والواقعية الشعبية، والنقد الخفي والسخرية واللمحة الذكية، والوصف المحترف، والتهكّم الماكر، والإغلاق المريب البارع لكل نص.
أما الشاعر موسى زغيب فيعتبر أن قهوجي قد سجّل في أدبنا اللبناني من خلال «قهوجيات» علامة جديدة من الأدب الساخر، له قوة اختراق تبقيه في البال مدة طويلة.
ولقهوجي مساهمات في عدد من المهرجانات الدولية والعربية واللبنانية، كمعرض دمشق الدولي (مع الأخوين الرحباني)، مهرجان بصرى الدولي - سوريا، مهرجان جرش - الأردن، مهرجان بغداد، مهرجانات الإسماعيلية - مصر، مهرجان بيروت، ومهرجانات صور والجنوب الدولية...

 

العمل الأكاديمي
توّج مسيرته المهنية بالعمل الأكاديمي، فكان أستاذ الدراسات العليا في فن الديكور والتصميم المشهدي، والمشرف على أطروحات الإعلام المرئي وفن السينوغرافيا وتاريخ الفنون والأزياء في الجامعة اللبنانية (منذ 1978 ولغاية وفاته)، وفي الجامعة اليسوعية، وكذلك في جامعة الروح القدس - الكسليك (منذ 1996 ولغاية وفاته).
كان الفنان غازي قهوجي مؤمنًا بالعمل النقابي وبالحركات الهادفة إلى تطوير الأعمال الثقافية والفنية، وقد شغل عدة مناصب في هذا السياق، فكان نقيب السينمائيين، ورئيس اتحاد النقابات الفنية في لبنان، وأحد مؤسّـسي الحركة الثقافية...
توفي قهوجي، في 29 تشرين الأول الماضي بعد صراع مع المرض، فخسرته الساحة الثقافية والفنية اللبنانية والعربية.
ومع الفنان الياس الرحباني نقول: «التصوّر عنده... مساحات من خلق... تصبح حياة ثانية في مسرحه، أعطى عوالم رائعة في المسرحيات الرحبانية التي ما زالت بالبال».

 

جوائز ودروع وأوسمة

تقديرًا لإبداعاته الفنية، حاز  غازي قهوجي عدّة جوائز دولية ومحلية منها:
- وسام الاستحقاق اللبناني، رئيس الجمهورية.
- جائزة الإبداع اللبناني، مؤسسة مخزومي الثقافية.
- جائزة أفضل مصمّم، قرطاج تونس.
- جائزة الابداع القاهرة.
- درع الثقافة والفنون، لبنان.
- درع التكريم السينمائي، لبنان.
- درع التفوّق في التصميم التلفزيوني، دبي.
- درع التصميم لبطولة قارة آسيا في كرة القدم، بيروت، افتتاح وختام.
- درع التقدير الفني الياباني.