غاز لبنان ثروة وطنية وسط صراع جيوبوليتيكي عميق

غاز لبنان ثروة وطنية وسط صراع جيوبوليتيكي عميق
إعداد: النقيب الطيار حسن صفا
ضابط في الجيش اللبناني

المقدمة

شغلت ثروة لبنان النفطية، وبالأخص الغاز الطبيعي، حيزًا كبيرًا من اهتمام مجمل اللبنانيين على مدى العقد الأخير. واختلفت التكهنات بحجم هذه الثروة، وتوالت فصول الأحلام من أن لبنان سيدخل الغنى من بابه الواسع وأن مشكلاتنا آيلة للاندثار، في حين ذهب البعض إلى الهجوم على طريقة استغلال هذه الثروة وهي لا تزال في الأغوار.

فلنكبّر الصورة قليلًا ونتساءل من بعيد، وهنا يمكننا أن ننطلق من شقَّين أساسيَّين في التساؤل: داخلي وخارجي. في الشق الأول، وأخذًا بعين الاعتبار حالة لبنان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الهشة، هل ستتمكن هذه الثروة، إن وجدت وتم استخراجها، من إصلاح البلد على المستويات الثلاثة؟ أما الشق الثاني، فإننا على يقين بأن الشرق الأوسط ككل، وشرق المتوسط بشكلٍ خاص له ثقل جيوبوليتيكي وجيواستراتيجي لا يمكن إغفاله حتى في المشاريع الداخلية. والحقيقة أن طرق إمداد أوروبا بالغاز يشكل أحد أهم أوجه الصراع الجيوبوليتيكي المحتدم، لذا قد يكون محتمًا علينا أن نجد مكانًا لنا في الخارطة الغازية المزدحمة أصلًا، والخاضعة لحساباتٍ دقيقة تتعلق بالأمن القومي للقوى الكبرى.

إنّ الاستغلال الصحيح لهذه الثروة لا بد أن يترافق مع دراسة متوسط المخزون النفطي والغازي (كونه من شبه المستحيل تحديد الكميات الموجودة بشكلٍ دقيق قبل إجراء مسح شامل، وهو مكلف على الصعيدَين المالي والزمني)، وتحديد عائداته السنوية، ومن ثم احتساب الكميات التي يمكن تصديرها، ليصار بعدها إلى تحديد مدى جدوى هذه الثروة الحقيقية.

لكن ذلك لا يكفي، فمما لا شك فيه أنّ موارد الطاقة تُعدّ نعمة هذه المنطقة ونقمتها، وبالتالي فإنّ إغفال البُعد الخارجي كفيل بأن يوقعنا في فخ التمني من دون الوصول إلى تحقيق الآمال. وعليه، لا بد لنا أن نحدد إمكاناتنا في استخدام مواردنا محليًا، ومن ثم عرض خياراتنا للتصدير، في ظل منطقة حساسة وعلى ضوء مشروع قائم على خارطة خطوط نقل معقدة تمس الأمن القومي لدولٍ كثيرة.

 

أولًا: الثروة النفطية في لبنان

يعود الحديث عن الثروة النفطية في لبنان إلى زمن طويل جدًا. فلطالما سمعنا أن سهل البقاع يطفو على مخزون كبير من مواد الطاقة الأحفورية، كما سمعنا مرارًا عن أكثر من منطقة من المرجح أن تحوي آبارًا نفطية. إلا أن الإعلان الصريح الذي أصدرته وزارة الطاقة اللبنانية في العام 2012 بأن المسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد يُنذر بوجود كميات ضخمة من الغاز الطبيعي في المياه الاقتصادية الخالصة وخاصة جنوب البلاد، وضع قطار رحلة لبنان نحو استكشاف ثروته على سكة التطبيق العملي للمرة الأولى.

أهمية حقول الغاز في الجنوب اللبناني: تبيّن الدراسات والمسوحات الجيولوجية أن حقول الغاز الجنوبية هي الأهم والأكثر احتواء لكميات الغاز التي يمكن الاستفادة منها تجاريًا. وبالتالي فإن الفروقات الحدودية الصغيرة والممتدة على مسافات كبيرة، تؤدي إلى خسارة أو ربح مساحات غير صغيرة نسبيًا، وهو الأمر الذي دفع العدو إلى المطالبة بحصةٍ كبيرة هي من حق لبنان.

 

ثانيًا: عوائد الثروة الموجودة

إن العوائد من الثروة النفطية اللبنانية تختلف باختلاف المصادر. فقد ورد في جريدة الأخبار في العام 2017 أن عوائد الثروة النفطية تقدر بحوالى 165 مليار دولار للغاز و90 مليارًا للنفط بين عامَي 2020 و2039.[1]. في حين أشارت الوكالة الوطنية للإعلام أن الرقم يتراوح بين 300 مليار و960 مليار بأفضل الأحوال[2]. الحقيقة أن الرقم الدقيق غير مهم طالما أن الرقم الأكثر تداولًا والأكثر واقعية، حوالى الـ 200 مليار دولار، يَعِدُ بإمكان الاستفادة التجارية من المخزون.

وإذا ما تمكّن لبنان من المضي قدمًا بمشروع الاستفادة من هذه الثروة، فإنه سيحصل على ما يزيد عن 5 مليارات دولار سنويًا على مدى عشرين عامًا، إضافة إلى توافر كلفة استيراد المحروقات للكهرباء التي لا تقل عن 3 مليارات دولار سنويًا[3]، ما يسهم في معالجة أزمة الدين العام المزمنة التي تتحمل الخسارة السنوية في قطاع الكهرباء جزءًا كبيرًا منه، وتحقيق التنمية في مختلف القطاعات لا سيما الصحة والتعليم والبنى التحتية.

إن آخر الأرقام المتوافرة حول حجم الدين العام اللبناني تشير إلى أنه بلغ حوالى 91 مليار دولار أميركي بنهاية العام 2019 [4]، وخدمة هذا الدين تبلغ حوالى 3 مليارات دولار سنويًا. في معادلة حسابية بسيطة، إن خدمة الدين والكهرباء في لبنان تستنزف الخزانة سنويًا بما يقارب الـ6 مليارات دولارات (3 مليارات لخدمة الدين، 3 مليارات لمواد تشغيل معامل الكهرباء). وفي حال تمكّن لبنان من استخراج غازه وتشغيل معامل الكهرباء عليه، فإنه تلقائيًا سوف يخفّض هذا الرقم إلى النصف، مع عوائد تصل إلى حوالى 5 مليارات سنوية نتيجة التصدير كما سبق وأشرنا. وهنا لا بد من الوقوف على نقطة جوهرية هي كيفية الاستفادة من هذه العوائد، حيث من الممكن بكل بساطة أن يتم توجيهها نحو سداد خدمة الدين مع سداد ما يقارب الملياري دولار سنويًا من أصل الدين العام، وأما الاستفادة من هذه العوائد لخلق استثمارات أخرى فتسهم في إدخال أموال إلى البلاد تكون كفيلة بالقيام بالغاية ذاتها.

لكن استعمال هذه العوائد بشكلٍ مباشر في معالجة أزمة الديون يُعدّ خطأ استراتيجيًا لن يحل الأزمة الاقتصادية اللبنانية بشكلٍ جذري، بل سيسهم بالتقليل من وطأتها فقط عبر تقليل الدين العام مرحليًا، وبالتالي سيعود هذا الرقم للارتفاع بمجرد التوقف عن تصدير الغاز. فهذا المورد الواعد بعائداته هو مورد غير متجدد، وبالتالي فإنه سيؤمّن الأرباح لفترةٍ زمنية محددة مهما طالت. ناهيك عن أن هذه الثروة هي حق للشعب اللبناني بأجياله الحالية والقادمة، وبالتالي فإن استخدامه بهذه الطريقة حاليًا سيكون حرمانًا للأجيال القادمة من حق من حقوقهم. وعليه، يبقى خيار استثمار هذه الثروة في خلق استثمارات أخرى هو الخيار الأمثل لما يؤمّنه من التنوع في الاقتصاد وعدم اعتماده على مورد وحيد (وهو أحد الأخطاء القاتلة في الاقتصاد اللبناني الحالي الذي يقوم على الخدمات السياحية والمصرفية بشكلٍ شبه مطلق)، ولما يؤمّنه من استمرارية على صعيد العوائد المالية حتى بعد نضوب الغاز، وبالتالي ضمان حقوق الشعب اللبناني لفترةٍ أطول، وحماية للاقتصاد عبر تنويعه.

لذلك لا بد من إنشاء صندوق سيادي خارج حسابات وموازنات الدولة، يعتمد على الشفافية والنزاهة، لاستثمار عوائد الغاز بشكلٍ غير مباشر في الاقتصاد اللبناني، من دون دخولها في حسابات وموازنات الدولة مباشرة. وتأتي أهمية هذا الصندوق السيادي في التقليل من الأثر السلبي الذي يمكن أن يلحقه الفساد الداخلي بهذه الثروة، وبخاصةٍ بعد تحركات الشارع في 17 تشرين الأول 2019 (ما عُرف بثورة تشرين) والتي لا نزال نشهد تبعاتها التي انعكست جوًا من عدم الثقة بأي مشروع داخلي.

وفي سياق متصل بالدين العام، فإن تخلف لبنان مؤخرًا عن سداد سنداته أسهم في تعميق أزمته الاقتصادية، وفي زيادة حاجته إلى سيولة مالية بالعملة الصعبة على المدى القصير. ومن هذا المنطلق كانت حاجة لبنان إلى مؤتمر المانحين الذي يتم الحديث عنه بموازاة المبادرة الفرنسية الأخيرة، ومؤتمر سيدر الذي تجمدت مفاعيله، إضافة إلى مساعدة (قروض) صندوق النقد الدولي الذي لم يصل إلى خواتيم مفيدة حتى اللحظة بعد توقّف المفاوضات لعدة اعتبارات. لكن كل هذه المساعدات لن تزيد الوضع الاقتصادي إلا تدهورًا في حال عدم استعمالها في استثمارات إنتاجية.

وتشكل السندات الحكومية (اليوروبوند) حوالى 94% من حجم الدين[5]، واللافت هو أنه لوحظ إقبال على شراء هذه السندات بـ60-65 سنت للدولار الواحد أملًا بإعادة هيكلة الدين عبر المفاوضات ليستردوها 80-85 سنت للدولار، محققين ربحًا عاليًا يقدّر بـ40% خلال فترة زمنية قصيرة[6]. لكن مخاطر تعثّر الدولة اللبنانية عن السداد مجددًا عالية، فهل غامر هؤلاء فعلًا؟ الحقيقة هي أن الدائنين يمكن أن يستحصلوا على أحكام دولية لحجز جزء من عائدات الغاز المستقبلية، وهو ما حصل مع العديد من الدول التي أعادت هيكلة ديونها السيادية، أو من خلال وضع اليد على أصول الدولة من أملاك عامة، وهو ما تم الحديث عنه مؤخرًا عبر مشاريع الخصخصة وبيع أملاك الدولة، والتي ستؤدي إلى تأجيل الأزمة بدل معالجتها مع خسارة لبنان لحقوق أجياله القادمة من الأملاك العامة.

أمام هذا الواقع، فإن من مصلحة لبنان أن يستخدم القروض والمساعدات التي قد يستحصل عليها من الدول المانحة أو صندوق النقد الدولي للإسراع في عملية استخراج الغاز وتصديره، والاستفادة من عائداته في مشاريع استثمارية يمكن من خلالها تحقيق اقتصاد متوازن قادر على الوفاء بديونه من دون التنازل عن أرباحه في الغاز. وهو ما يحمي أيضًا احتياط الذهب اللبناني وأملاك الدولة العامة، ويؤسس لاقتصاد منتج قائم على مجموعة واسعة من القطاعات الإنتاجية المساهمة. ويجب أن يترافق هذا المسار مع مفاوضات لبنانية صعبة مع الدائنين لإعادة جدولة الديون، من دون اللجوء إلى بيع أملاك الدولة العامة أو التصرف بالذهب رهنًا أو بيعًا، أو التنازل عن عائدات الغاز المستقبلية.

أما على صعيد العجز في قطاع الكهرباء، فإن توجه لبنان نحو اعتماد توليد الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي، وهو الجزء الأكثر توافرًا في مياهه، بدلًا من الديزل، سيوفر على الاقتصاد اللبناني أولًا العجز السنوي في هذا القطاع الذي يتخطى المليارَين ونصف المليار دولار[7]، كما سينعكس إيجابيًا على البيئة كونه أقل تلويثًا بأشواط. وتجدر الإشارة إلى ازدياد عدد الدول التي تستعمل الغاز الطبيعي وفق تقارير البنك الدولي بنسبة 3 إلى 4%[8] سنويًا نظرًا لما يوفره هذا الخيار على الاقتصاد والبيئة. كما يوفر هذا الاتجاه فرصة أن يتحول لبنان من بلد لا ينتج احتياجاته كافة من الكهرباء، إلى بلد مصدر للطاقة الكهربائية إلى المنطقة باستخدام موقعه المربوط بشبكة المنطقة الكهربائية[9].

وهنا يمكن الاستفادة من تجربة مصر التي تتجه نحو الاعتماد أكثر على إنتاج الكهرباء عبر الغاز الطبيعي، إلى جانب اهتمامها بالطاقة المتجددة، على حساب الإنتاج التقليدي عبر الفيول الذي يُعدّ أكثر كلفة. وعلى هذا الصعيد تشير fitch solutions في دراسة تحت عنوان Egypt power report أن مصر، وعلى الرغم من التزايد الكبير في طلبها على الطاقة الكهربائية، سوف تتمكن من تحقيق فائض في الطاقة الكهربائية المنتجة القابلة للتصدير في السنوات القليلة المقبلة، وفق الدراسة التي تناولت مستقبل هذا القطاع في مصر حتى العام [10]2029.

 

ثالثًا: خيارات تصدير الغاز اللبناني

يحول دون استخراج لبنان واستفادته من ثروته النفطية مجموعة من المعوقات، كما يزداد الشك في الجدوى الاقتصادية الحقيقية لهذه الثروة مع مرور الوقت بخاصةٍ مع التوجه العالمي المتنامي للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية أو الرياح أو المياه. إنما فلنفرض أنه حين يتمكن لبنان حقًا من البدء عمليًا باستخراج موارده، سيكون الغاز لا يزال محافظًا على أهميته الحالية. ولنفرض أن الكميات الموجودة في المياه اللبنانية تكفي للاستهلاك المحلي مع مخزون إضافي يصح التفكير باستعماله للتجارة الخارجية. ولنفرض أن لبنان بدأ فعلًا بعمليات الحفر والاستخراج وباتت كميات الغاز الجاهزة للتصدير متوافرة؛ ما هي الآليات التي يمكن للبنان أن يستخدمها لتصدير غازه؟

الحقيقة هي أن الخيارات الأساسية لتصدير الغاز بالمجمل ليست عديدة، وتكاد تنحصر بين ثلاث خيارات: التصدير برًا، بحرًا عبر الأنابيب، أو عبر ناقلات الغاز المخصصة. وبعيدًا عن التكلفة التي قد تفرضها كل من هذه الخيارات، ما هو المتاح للبنان بينها؟

 

١- خيارات التصدير برًا

إن وجود العدو «الإسرائيلي» على الحدود الجنوبية للبنان يحصر خيار الأخير بتصدير غازه برًا بالجمهورية العربية السورية التي تشاركه الحدود الشمالية والشرقية. وبالتالي، فإن هذا التوجه لا بد أن يأخذ في الاعتبار خطوط أنابيب الغاز السورية أو التي تمر عبر أراضيها، أو مشاريع الخطوط التي قد تمر من هناك مستقبلًا. وفي سوريا مجموعة من خطوط الغاز والمشاريع التي قد تفي بهذا الغرض وأهمها: الخط الإيراني السوري، خط الغاز القطري التركي، وخط الغاز العربي.

 

أ- الخط الإيراني السوري

بدأت إيران، صاحبة ثاني أكبر احتياط غاز في العالم بعد روسيا، مفاوضات مع الجانبَين العراقي والسوري في بدايات العام 2010 لمد خط غاز ينطلق من إيران وصولًا إلى سوريا ولبنان عبر الأراضي العراقية. لكن الهدف الإيراني النهائي من المشروع هو إيصال غازها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. وقد تم الوصول إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة في العام 2011 لإنشاء الخط بتكلفة 10 مليارات دولار، إلى أن تم التوقيع على الاتفاق النهائي في العام 2013 على الرغم من استمرار الأزمة السورية. غير أن مسار الأحداث في الأزمة السورية يحول دون إتمام هذا المشروع حتى يومنا هذا.

 

ب- خط الغاز القطري التركي

تُعد قطر ثالث أكبر دولة من حيث احتياط الغاز، وهي في سعي دائم إلى إيصال هذا الغاز إلى تركيا، حليفتها الإقليمية الأساسية، بغية الدخول إلى الأسواق الأوروبية والحفاظ على أمن الطاقة لها. من هنا كان مشروع خط الغاز القطري التركي الذي يمر بالأراضي السورية. وقد تم الحديث عن مفاوضات قطرية سورية تركية لإنشاء هذا الخط في العام 2009، لكن سوريا رفضت الموضوع لاعتباراتٍ تتعلق بحليفيها الرئيسَين روسيا وإيران، وهما في الوقت عينه المنافسَين الأساسيَين لقطر على صعيد الغاز. وبالتالي فإن هذا المشروع بدوره لم يتم تحقيقه على الأرض حتى تاريخ كتابة هذا المقال، إلا أنه لا شك لدينا أنه لم يغب لحظة عن التخطيط الجيوبوليتيكي لكل من قطر وتركيا لما يحمله من أهمية استراتيجية، ومن هنا يمكننا القول إنه يمكن أن يكون أحد الخيارات المتاحة للبنان عبر وصل غازه بهذا الخط في حال تبدلت موازين القوى في الأزمة السورية وأدت الظروف لصالح السماح بالخط القطري التركي بأن يُبصر النور.

 

ج- خط الغاز العربي

على عكس الخطَين الإيراني السوري والقطري التركي الذين لا يزالان خططًا غير مكتملة على أرض الواقع، فإن خط الغاز العربي موجود على الرغم من الصعوبات والمطبات التي واجهها والتي تعيق بشكلٍ مستمر عمله بالشكل المطلوب. وقد تم الاتفاق على إنشاء هذا الخط في العام 2000، والذي يمتد من مصر وصولًا إلى تركيا عبورًا بالأردن وسوريا ولبنان. خط الغاز هذا كان من المفترض أن يضع الغاز العربي في السوق الأوروبية عبر وصله بخط نابوكو[11]. وقد أُنجزت مراحله بالفعل وهو موجود على أرض الواقع، لكن للواقع أيضًا روايته الخاصة، فحالُ العالم العربي، وهو بعيد كل البعد عن الصدفة كون الأحداث المؤثرة في استراتيجيات الدول تكاد لا تحصل بالصدف على الإطلاق، جعل من هذا الخط مجموعة من الأنابيب الممدودة وغير القادرة على الإمداد بالغاز، وهو الغاية منه. حيث تعرّض لمجموعةٍ من الهجمات منذ اندلاع ما سمي بالربيع العربي، كان أبرزها في مصر ابتداء من العام 2011، وسوريا التي سجلت آخر اعتداء على هذا الخط ليل 24 آب 2020 [12].

   بناء عليه، لا يبدو أن لدى لبنان حاليًا سوى خط الغاز العربي كخط نقل للغاز الطبيعي والذي يمكن أن يتم إيصال الغاز اللبناني إليه كونه يمتد في الأراضي اللبنانية، وكون مدينة حمص السورية والقريبة من الحدود اللبنانية تُعد محطة رئيسية فيه. غير أنه لا يمكن للبنان بنظرنا أن يربط آماله بالكامل على هذا الخط نسبة إلى المخاطر الكبيرة الناتجة عن حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المناطق التي يمر بها، حيث تعرّض لمجموعةٍ من الهجمات أدت إلى تعطيل عمله في العديد من المرات. فلبنان يراهن على غازه للخروج من أزمته الاقتصادية المزمنة، وبالتالي، فإن أي توقف لتصدير غازه في المستقبل، ولو كان مؤقتًا، سيكون له ارتدادات كارثية على عملية النهوض الاقتصادي نظرًا لهشاشة وضعه. أما باقي الخطوط فلا تزال مشاريع تحتاج إلى توافق سياسي إقليمي ودولي وتلاقي استراتيجيات ومصالح دول متعددة ليتحولوا إلى أنابيب موجودة على أرض الواقع. من هنا، نرى أن خيار تصدير الغاز عبر البر هو أحد الخيارات المتاحة، وتحديدًا عبر خط الغاز العربي، لكنه بحاجةٍ لدراسة اقتصادية دقيقة تنطلق من تحليل سياسي للقوى الفاعلة لمعرفة استقرار الخطة، ودراسة للاستراتيجيات الكبرى التي تتحكم بالمنطقة.

 

٢-خيارات التصدير بحرًا

   لدى لبنان واجهة بحرية على امتداد حدوده الغربية، وتتوسط هذه الواجهة الساحل الشرقي للبحر المتوسط، الموقع الذي بدوره أعطى هذا البلد الصغير الحجم، عبر مرفأَي بيروت وطرابلس، أهمية جيوبوليتيكية كبيرة. وتؤدي الواجهة البحرية لأي بلد دورًا فاعلًا في ما خص تصريف إنتاجه من الغاز الطبيعي، وبطبيعة الحال يمكن للبنان أن يستفيد من حدوده البحرية للتفكير بتصدير إنتاجه من الغاز عبر هذه الوسيلة. هنا لا بد من الإشارة إلى أن التصدير عبر البحر يمكن أن يتم من خلال طريقتَين: أنابيب وخطوط غاز بحرية، أو ناقلات الغاز البحرية.

   في ما خص خيار أنابيب الغاز، لا يمكن للبنان أن يقوم بمد أنابيبه الخاصة منفردًا، أولًا لأنه مشروع مكلف جدًا ولا قدرة للبنان على الشروع به، وثانيًا لأن موقع لبنان البعيد نسبيًا عن أقرب أسواق الطاقة الكبرى له وهي أوروبا، يحتم على أي مشروع من هذا النوع أن يمر في مياه غيره من الدول. وبالتالي يصبح لزامًا على لبنان أن يفتش عن موقع له في الأنابيب القريبة منه إذا ما أخذ القرار بأن يصدر إنتاجه عن طريق البحر.

وتم توقيع الاتفاق النهائي بين وزراء طاقة اليونان و»إسرائيل» وقبرص في كانون الثاني 2020 الذي يهدف إلى قرار استثماري نهائي في العام 2022 وإكمال إنشاء خط الأنابيب بحلول العام 2025 [13]. وعلى هذا الأساس تم تأسيس منتدى غاز المتوسط في العام 2019 الذي يشترك فيه مصر، قبرص، اليونان، إيطاليا، الأردن، السلطة الفلسطينية، و «إسرائيل»، والذي تم تحويله إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة في أيلول 2020. تهدف هذه المنظمة إلى احترام حقوق الأعضاء بشأن مواردهم الطبيعية، بما يتفق مع القانون الدولي، ويؤمّن احتياجات الأعضاء من الطاقة لصالح رفاهية شعوبهم[14]. بمعنى آخر، فإننا يمكن أن نكون نشهد على ولادة منظمة شبيهة بأوبيك تتحكم بإنتاج غاز المنطقة وأسعاره مع ما يعنيه ذلك من إمكان استغلالها سياسيًا واستراتيجيًا. ما يعني لبنان هو أنه بحكم العداء مع «إسرائيل» أصبح واقعًا خارج هذا الإطار ولا يمكن له أن يستفيد وفق الحسابات الحالية من المشروع.

على ضوء ما سبق، ليس لدى لبنان خيار للاستفادة من تصريف إنتاجه من الغاز الطبيعي عن طريق خطوط الغاز الموجودة أو المطروحة حاليًا في البحر المتوسط، وبالتالي فإنه يمسي لزامًا عليه أن يتجه نحو أنابيب أخرى أو خيار النقل عبر ناقلات الغاز من مرافئه إذا ما قرر البقاء على خيار التصدير من البحر.

تجدر الإشارة هنا إلى أن لبنان يحاول التوصل إلى اتفاق ثنائي مع قبرص بخصوص نقل وتصدير إنتاجهما من الغاز، وهو ما كان فحوى لقاء وزراء خارجية وطاقة البلدَين في نيسان 2019 [15]. في المقلب الآخر من سعي لبنان إلى تأمين خطوط نقل الغاز بنفسه، قد يتبدل القدر لصالحه إن تبيّن أن كميات الغاز الموجودة هي فعلًا بالضخامة التي نأملها. ففي هذه الحالة، قد يجد لبنان من هو مستعد لمد أنابيب وخطوط الغاز للاستفادة من هذه الثروة، بخاصةٍ في القارة الأوروبية التي تضع نفسها في تحدٍّ دائم مع نفسها للتخلص من عقدة الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي. وهذا بالتحديد ما يمكن قراءته في إعلان فرنسا عن إمكان اللجوء إلى مد أربعة أنابيب ضخمة لنقل الغاز اللبناني إلى فرنسا، إسبانيا، إيطاليا وبريطانيا[16]، لكن كل ذلك بالطبع يبقى رهنًا بالكميات التي سيتم اكتشافها ومدى قدرتها على الوفاء بحاجات هذه الدول. يأتي كل هذا في سياق محاولة لبنان إيجاد الحلول الكفيلة بتصدير غازه عبر البحر في حال تم استخراجه فعلًا، فخارطة خطوط الغاز البرية في المنطقة معقدة للغاية، وتخضع لرحمة الأطراف المتحكمة بالأزمات التي رافقت المنطقة عبر مختلف الحقبات التاريخية، والتي لا يبدو أنها ستفارقها في المدى المنظور.

إذا ما استقر لبنان على خيار نقل غازه بحرًا، ولم يتسنَّ له فرصة إيصاله إلى خطوط نقل الغاز البحرية، فإنه بالإمكان دائمًا اللجوء إلى خيار الناقلات. والحقيقة هي أن هذا الخيار يُعدّ الأسهل والأكثر براغماتية، نظرًا إلى أنه لا يشترط وجود بنى تحتية معقدة كتلك التي تتطلبها الأنابيب، غير أن لبنان سيكون عليه أن يعمل على إيجاد معمل لتسييل الغاز بغية نقله بهذه الوسيلة. لكن خيار نقل الغاز عبر الناقلات سيضع لبنان أمام سؤال جوهري: هل يستطيع بلد يعاني ما يعانيه لبنان على الصعيد الاقتصادي من شراء ناقلات معقدة ومكلفة؟ وعلى الرغم من بداهة هذا التساؤل المشروع، فإن الحلول البديلة الأخرى بديهية بدورها؛ حيث يمكن للبنان أن يقوم باستئجار الناقلات أو رمي عبء نقل الغاز على الدولة المستوردة مع حسم كلفة النقل من الثمن الإجمالي للحمولة. كما أن التوجه العالمي المتزايد نحو الطاقة المتجددة، وتقليص الدول لاعتمادها على مختلف مواد النفط والغاز، يجعل الناقلات الخيار الأكثر واقعية لأنه يُعطي مستخدمه هامش مناورة على وقف إمداداته إذا ما تبيّن أنه لم يعد مجديًا اقتصاديًا، ومن دون الحاجة إلى خسارة ما يكون قد استثمره في البنية التحتية للأنابيب.

وفي هذا السياق يأتي انفجار مرفأ بيروت وتبعاته على الاقتصاد اللبناني وإمكان تصدير الغاز. فهو يُعدّ من أهم المرافئ على الحوض الشرقي للبحر المتوسط نظرًا لموقعه وعلاقاته القوية مع عشرات الموانئ العالمية، ويُعدّ بوابة العالم العربي البحرية على هذا الحوض. لكن الانفجار الأخير عطّل عمل المرفأ ما سيكون له تبعات كبيرة على صعيد مكانته العربية، وبخاصةٍ مع موجة التطبيع الأخيرة حيث يشكل مرفأ حيفا بديلًا واقعيًا عن مرفأ بيروت، نظرًا لقربه وتمتعه بخصائص مشابهة، وشبكة المواصلات البرية التي تنوي «إسرائيل» إقامتها لربط الساحل الفلسطيني بالعمق العربي. وعليه، إن انعكاس الانفجار على تصدير الغاز اللبناني بحرًا سيكون كبيرًا لما يحتاجه من إعادة بناء لإعادته إلى قدرته السابقة. فالتقييم الأولي الذي أنجزته مجموعة البنك الدولي، يُظهر حاجة لبنان الملحة إلى تمويل عاجل بمتوسط مليارَي دولار لتغطية الأضرار المباشرة وإعادة الإعمار للتشغيل. كما بلغ متوسط الخسائر في الأصول المادية 4.2 مليار دولار والخسائر الاقتصادية بنحو 3.2 مليار دولار. في حين يرجح أن يتعدى إجمالي الخسائر المباشرة عتبة الـ10 مليار دولار بعد مسح المباني والأضرار على الممتلكات[17]. إنّ هذه الخسائر العظيمة ستترك أثرها من دون شك على إمكان لبنان لتصدير غازه بالدرجة الأولى، ومن الاستفادة من العوائد تاليًا لما تحمّله الاقتصاد اللبناني من خسائر على إثره.

 

رابعًا: البعد الجيوبوليتيكي لصراع الغاز

تقع منطقة الشرق الأوسط عمومًا وشرق المتوسط خصوصًا في بقعة جغرافية تتمتع بثقلٍ جيوبوليتيكي كبير. وقد أعطت هذه الأهمية الجيوبوليتيكية دولًا صغيرة جغرافيًا دورًا جيوبوليتيكيًا ضخمًا كان في معظم الأحيان أكبر من قدرتها على استيعابه أو اللعب ضمن شروطه، ما تترجم مشاكل داخلية وإقليمية، أو نظمًا سياسية عصية على التطور السياسي لتلحق بباقي الدول المتقدمة.

ما يهمنا مناقشته تاليًا هو عنصر موارد الطاقة، وبالأخص الغاز، ودوره في الصيغة الجيوبوليتيكية التي صبغت المنطقة. حيث ينعكس الواقع الجيوبوليتيكي في طموحات الدول وحساباتها الجيواستراتيجية، ويمكن تصنيفها ضمن خانتَين: دول كبرى تعمل وفق استراتيجيات ذات توجهات عالمية، ودول المنطقة التي تحاول أن تجد لنفسها مكانًا في الصراع بين الاستراتيجيات الكبرى لتصريف إنتاجها وتحقيق مصالحها القومية.

 

١-خطوط الغاز أهم حلقات الاستراتيجيات الكبرى

تُدرك روسيا أهمية وضعها المتقدم على مستوى الغاز، فحصّتها من إنتاج الغاز في العالم تبلغ 67%[18]. وهي تُعدّ المورد الأول لهذه المادة لأوروبا، فقد وصلت حصة غازبروم في السوق الأوروبية إلى الثلث في العام 2015 [19]. وبناء عليه، عملت منذ العام 2001 على توسيع اتفاقيات الغاز مع أوروبا، وزيادة اعتماد الأخيرة على الغاز الروسي هو الطريق لكسر الهيمنة السياسية للولايات المتحدة على أوروبا الغربية، وبالتالي تصبح هذه المسألة قضية أمن قومي روسي وضرورة جيوبوليتيكية لها. وهو ما يتماشى مع النهج الذي قدّمته روسيا لأمن الطاقة في لقاء الثماني الكبار في سان بطرسبورغ في العام 2006 والقائم على الاعتماد المتبادل بين مورّدي الغاز ومستهلكيه، انطلاقًا من حاجة أوروبا للغاز الروسي، واعتماد الاقتصاد الروسي عليه.

وعليه، عملت روسيا على إنشاء خطوط إمداد أوروبا بالغاز، والتي كان أبرزها خط السيل الشمالي North Stream الذي يتجه عبر بحر البلطيق نحو ألمانيا، وبواسطته يُنقل الغاز الروسي إلى كل من الدنمارك، وهولندا، وبلجيكا، وخط «السيل الجنوبي South Stream لنقل الغاز إلى جنوب أوروبا ووسطها عبر البحر الأسود وبلغاريا.

في المقابل، يشكل البحر المتوسط الحلقة الأخيرة من مشاريع إيصال النفط والغاز الآسيوي والشرق أوسطي إلى أوروبا، وبخاصةٍ بعد الاكتشافات النفطية الجديدة على الساحل الشرقي للمتوسط. إنّ من شأن هذه المشاريع أن تشكّل تهديدًا لتحكّم روسيا بالغاز الأوروبي، وما يعنيه ذلك من فقدان أحد أهم أدوات التأثير الاستراتيجية التي تمتلكها تجاه أوروبا.

في المقابل، تقوم الأسس الاقتصادية للاستراتيجيات الأميركية، بشكلٍ أساسي على حماية مصادر الطاقة وإبقائها تحت سيطرتها ونفوذها، إضافة إلى التحكم بالممرات البحرية والبرية التي تشكل أساس الحركة التجارية العالمية وخطوط نقل مواد الطاقة.

ويُعدّ الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي الدافع الأهم للولايات المتحدة للبحث عن بدائل له لتحقيق هدفَين أساسيَين: الأول يتمثل بحرمان روسيا من التحكم بأوروبا، وبالتالي حيازتها على ملف يمكن لها من خلاله الضغط لتمرير مشاريعها أو توسيع نفوذها. أما الثاني فيكمن في استكمال سيطرة الولايات المتحدة على مصادر وخطوط نقل الغاز.

وقد تبلورت هذه المحاولات عن طريق العمل على مشروع خط أنابيب نقل النفط (باكو-تبليسي-جيهان)، الذي يبدأ في أذربيجان ويمر عبر جورجيا وصولًا إلى تركيا[20]، والذي تترجم بتوقيع إعلان أنقرة[21] في تشرين الأول 1998. من هنا يرى بريجينسكي أنّ قطع العلاقات بين جورجيا وروسيا ستكون من نتائجه كسر الاحتكار الروسي للغاز الأوروبي[22]. وفي السياق عينه، تحرّكت أوروبا ومن خلفها الولايات المتحدة، وولّدت فكرة مشروع خط «نابوكو» الذي تمّ التوقيع عليه في أنقرة في العام 2009، لربط الغاز من آسيا الوسطى عبر بحر قزوين ثم أذربيجان فتركيا ليصل إلى النمسا بعيدًا عن أراضي روسيا.

 

٢- الصراع الجيوبوليتيكي ينعكس أزمات إقليمية

حين يتحرك اللاعبون الجيوبوليتيكيون وفق استراتيجياتهم ذات الطابع العالمي، غالبًا ما ينعكس ذلك أزمات محلية وصراعات إقليمية بين دول تريد أن تحافظ على مصالحها الوطنية في عالم المصالح الكبرى المتشابكة. وتشكل خطوط نقل الغاز أحد أهم مسببات النزاع بين الدول الكبرى وبالتالي فإن إسقاطاتها تترجم أزمات محلية وإقليمية. في منطقة الشرق الأوسط، والحوض الشرقي للبحر المتوسط بالتحديد، أي في المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها لبنان، يتجلى الصراع الدولي على مصادر الطاقة وخطوط نقلها في مجموعة من الأزمات. لذلك قد يكون من المفيد أن نأخذ الأزمة السورية لتحليل انعكاس هذا الصراع الدولي في أزمة محلية ذات طابع دولي، وبالتالي العمل على إبعاد لبنان عن ما يشبه إرهاصات هذا الصراع كي لا يمتد إليه، وأزمة شرق المتوسط المستجدة لنرى كيف أسهم هذا النزاع الدولي في أزمة إقليمية.

فإلى جانب ما تملكه من مواد طاقة في أراضيها وبحرها، تُعدّ سوريا الموقع الجغرافي البري الرابط بين الغاز العربي وأوروبا، نظرًا لإمكان الوصول إليها من البحر والبر وقربها من تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي وذات السعي الدائم للانضمام للاتحاد الأوروبي والتي تشارك أوروبا بحدودٍ برية. وبذلك أصبحت سوريا، بحكم موقعها، في وسط بقعة الاهتمام الدولي والإقليمي، وعليها تقاطعت المصالح حينًا وتنافرت أحيانًا. فمن مصلحة الولايات المتحدة كسر الاعتماد الأوروبي الكبير على الغاز الروسي، لكنها تحرص في الوقت عينه أن يكون البديل إما هي نفسها، وإما بلد تتمتع فيه بتأثير في مستوى القرار. وعليه، عملت الولايات المتحدة على تثبيت مصالحها في الأزمة السورية عبر شطرَين: تأمين حقول النفط والغاز الأساسية وإبقائها تحت إشرافها المباشر أو غير المباشر، والتمركز في بقعة جغرافية تسمح لها فرض شروطها وفق مصالحها في حال قيام أي مشاريع نفطية عبر قاعدة التنف التي تمسك الحدود العراقية الأردنية السورية.

أما روسيا، فمصلحتها تكاد تكون في الجانب المضاد تمامًا للمصلحة الأميركية، حيث أنّها تسعى إلى تكريس الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي مع ما يجلبه ذلك من فوائد على الاقتصاد الروسي، وورقة سياسية للضغط على أوروبا في الميادين السياسية. وعليه، فقد عملت روسيا على كل ما من شأنه عرقلة مشاريع نقل الغاز إلى أوروبا عبر سوريا، كما حصل في العام 2009 حين ظهر توجه قطري نحو بناء خط لنقل الغاز منها إلى تركيا مرورًا بسوريا، حيث «يبدو أن روسيا التي لا تريد تقويض مكانتها في أسواق الغاز الأوروبية قد وضعت العصي في دواليب المشروع وضغطت على الرئيس السوري بشكلٍ كبير لمنعه من التوقيع»[23].

تركيا بدورها لها ما يكفي من المصالح في سوريا لجعلها طرفًا في النزاع. فجلّ الهم التركي هو أن تكون معبرًا اساسيًا للغاز القادم إلى أوروبا، وبالتالي تقاطعت مصالحها مع المصلحة الأوروبية الأميركية في نقل غاز المنطقة عبرها إلى أوروبا، لكنها تباينت معها على الشروط. ففي حين تسعى أوروبا إلى الحرية التامة من الاحتكار الروسي، أو السيطرة الأميركية على صعيد الغاز، ترغب الولايات المتحدة في نقل هذا الاعتماد ليكون عليها بدلًا من روسيا. وهو ما دفعها إلى دعم المقاتلين الأكراد في الشمال السوري، الذين تستعديهم تركيا، وقدّمت لهم مختلف أنواع الدعم الذي وصل إلى حد قريب من إعلان قيام دولة كردية مستقلة، وهو ما تراه تركيا خطرًا على أمنها القومي وبخاصةٍ أنّها تسعى لجعل هذه المنطقة من الشمال السوري منطقة عازلة تستطيع من خلالها تمرير الأنابيب التي ستنقل الغاز القطري إليها.

إلى جانب من ذكرنا من مؤثرين على مشهد الأزمة السورية، لا يمكن أن نغفل مصالح دول أخرى لديها القدرة على التأثير فيها كإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكيان «الإسرائيلي». وقد ولّدت هذه المصالح المتشابكة، التي جمعت خصومًا تارة وتفرّق حولها حلفاء تارة أخرى، حالة عدم الاستقرار الذي تشهده الأزمة السورية. كما أسهمت في إطالة أمد الصراع وكانت سببًا في عدد من المحطات المهمة على صعيد شبكة نقل الغاز في المنطقة كما حصل في تموز من العام 2019، حين تعرضت خطوط برية لنقل الغاز في البادية شرق سوريا إلى «هجوم تخريبي»[24]، والتي سبقها تعرُّض أنابيب غاز أخرى تحت الماء في بانياس للتفجير في حزيران من العام نفسه، وقد وجهت فيه سوريا الاتهام إلى «جهات ترتبط بدول خارجية»[25].

في موازاة الأزمة السورية، تلك الأزمة المحلية ذات الجذور الدولية، تظهر إلى العلن أزمة شرق المتوسط، كأزمة إقليمية ذات الجذور ذاتها. فكما تؤدي سوريا دور الممر البري الأهم لغاز المنطقة إلى أوروبا ونفطها، فإنّ لموقع الساحل الشرقي للبحر المتوسط الأهمية ذاتها لكن على صعيد خطوط النقل البحري. وانطلاقًا من إدراك تركيا لأهمية موقعها كنقطةٍ بحرية مهمة على الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وكامتدادٍ بري يصل سوريا ومن خلفها العالم العربي الغني بالغاز بأوروبا، فإنّها انطلقت لكسب أكبر قدر من مواد الطاقة الهائلة المكتشفة في البحر المتوسط. وعليه برزت أزمة بين كل من تركيا من جهة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة ثانية، على خلفية ممانعة تركيا لاستكشاف قبرص لموارد الطاقة حولها معتبرة إياها من حقها، في حين أنّها قامت بدورها بإرسال سفن التنقيب إلى المناطق التي يدور حولها النزاع.

كما عمدت تركيا إلى توقيع اتفاقية بحرية مع حكومة فايز السرّاج الليبية في تشرين الثاني 2019 [26]، لتوسيع حدودها البحرية في شرق المتوسط حيث تم اكتشاف كميات ضخمة من مواد الطاقة وبخاصةٍ الغاز. لكن الأهمية الجغرافية للمنطقة التي اكتسبتها تركيا وفق الاتفاقية توازي، إنْ لم تفق، أهمية كميات الغاز الموجودة فيها، فهي المنطقة المنوي تمديد خطوط غاز منتدى غاز شرق المتوسط من خلالها. وبالتالي واجهت هذه الخطوة التركية اعتراضات يونانية ومن خلفها أوروبية على النوايا التركية في المنطقة، وهو ما سرّع بدوره في إنجاز اتفاق تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية، والاتفاق على مد أنابيب الغاز باعتباره «حصن ضد الاستفزازات التركية»[27].

 

٣- انعكاس الصراع الجيوبوليتيكي على ملف الغاز اللبناني

في عمق الطموحات القيصرية التي تجتاح السياسات الروسية الحديثة، يشكّل الشاطئ الشرقي للمتوسط مدماكًا اقتصاديًا أساسيًا لـ»روسيا القيصرية». وموقع لبنان الجيواستراتيجي كممرٍ رئيس لخطوط الغاز التي يمكن أن تغذّي أوروبا مستقبلًا، يهدد التحكم الروسي بسوق الغاز الأوروبي إذا وقع تحت «النفوذ الخطأ»، كما أنّ المنطقة بأكملها تشكل واحة موارد طاقة هائلة، وهو ما وجّه أنظار الشركات الروسية للاستثمار في موارد الطاقة اللبنانية. وبالفعل استطاعت شركة روسنفت الروسية توقيع عقد مع وزارة الطاقة والمياه اللبنانية لتطوير منشآت تخزين النفط في ميناء طرابلس اللبنانية، إضافة إلى مشاركتها في عمليات التنقيب والاستخراج، الأمر الذي يسمح بتعزيز الوجود الروسي في المنطقة على صعيد الطاقة، وهو انعكاس لما صرّح به رئيس «روسنفت» إيغور سيتشين بأنّ «العقد يسمح للشركة بتعزيز وجودها في الشرق الأوسط»[28].

في المقابل، تتبلور أهمية لبنان للولايات المتحدة في شقَين: الأول في فرض الهيمنة الأميركية وزيادة النفوذ في منطقة تحوي الممرات التي يمكن استخدامها لمد أنابيب النفط والغاز، وبخاصة ٍالبحرية، والثاني في منع القوى الأخرى، على رأسها روسيا والصين، من ترتيب مكان لها في المعادلة الجيوبوليتيكية الكبرى. يأتي هذا في ظل ضم روسيا للقرم وتثبيت نفوذها في جورجيا، وزيادة مخاوف امتداد هذا النفوذ إلى المياه الدافئة ومنابع النفط وطرق الإمداد العالمي به، مقابل التطويق الاقتصادي والبحري الذي قادته الولايات المتحدة في شرق آسيا وبحر البلطيق والبحر الأسود والخليج العربي لمنع القوى الأوراسية من الوصول إلى طرق الملاحة العالمية.

لذلك وبعد نجاح روسيا في التموضع في سوريا وإدخالها ضمن نفوذها المباشر، تعمل الولايات المتحدة على إنشاء قاعدة أميركية للمراقبة والرد في لبنان، تبدأ من قاعدة حامات وتمتد حتى مدينة جبيل[29]. حيث يؤمّن الوجود الأميركي هناك قوة بحرية وجوية إضافية في المنطقة، مقابل قاعدتَي حميميم وطرطوس اللتَين تمركزت فيهما روسيا في سوريا. إضافة إلى الاستفادة من الغاز اللبناني و»الإسرائيلي» الذي يمكن أن يُنقل إلى أوروبا كبديلٍ للغاز الروسي.

على صعيد الأزمات المحلية والإقليمية، قد تشكل أزمتَي سوريا وشرق المتوسط عاملًا إيجابيًا للاستفادة من ملف الغاز اللبناني. فبحكم الاشتباك الدولي الحاصل في سوريا، وفي ظل تشابك المصالح الدولية والإقليمية في الأزمة هناك، خرجت سوريا، على الأقل مرحليًا، من إمكان الاستفادة منها في أي مشاريع غازية مشتركة. وبما أنّ موقع سوريا يُعدّ الحلقة العربية الأخيرة لإيصال الغاز العربي إلى تركيا ومنه إلى أوروبا، فإنّه بإمكان لبنان أن يشكل بديلًا جيواستراتيجيًا مهمًا على هذا الصعيد عبر استغلال موقعه البحري الرابط بين العالم العربي وتركيا، أو أوروبا مباشرة. فعلى الرغم من موجة التطبيع الأخيرة يبقى للبنان، حتى اللحظة، أفضلية على استخدام الساحل الفلسطيني المحتل، إذا ما أحسن الاستفادة من عمقه العربي.

أما أزمة شرق المتوسط، فإنّ الكباش الحاصل بين تركيا وأوروبا، ممثلة بفرنسا، يضع لبنان بين احتمالَين: الاستفادة من هذا الصراع على صعيد الفرص التي قد تنتج من محاولة طرف لإزاحة لبنان عن تأثير الآخر، وهو ما تترجم بالمبادرة الفرنسية لمحاولة لملمة الوضع الداخلي اللبناني، أو الدخول في لعبة المحاور مع طرف من دون الآخر، وهو ما يمكن أن يدفع بلبنان نحو مزيد من التأزم الداخلي. وبما أنّ فحوى الأزمة المشار إليها هو الغاز، يصبح بالإمكان إيجاد دور فعال لملف الغاز اللبناني في المعادلة الأخيرة. فدول شرق المتوسط كلها، ما عدا لبنان وسوريا بسبب أزمتها الداخلية، منخرطة بالأزمة الإقليمية بشكلٍ مباشر، وبالتالي يمكن للبنان، من خلال استغلال موقفه النائي بنفسه عن هذه الأزمة، أن يضمن حقوقه ويدخل في صفقة استراتيجية لاستخراج غازه وتصريفه.

فعلى ضوء أهمية المنطقة على صعيد مواد الطاقة ونقلها، ستسعى الدول إلى حجز مكان لها في قطار المشاريع الموجودة أو المنوي إقامتها، وهنا تكمن فرص لبنان لاقتناص حقوقه ودوره. في هذا السياق تأتي استفادة لبنان من الوساطة الأميركية في المفاوضات مع «إسرائيل» لترسيم الحدود، ما يسهم في حماية حقوقه. وهو ما يمكن أن يُقرأ أيضًا من خطوة وزارة الدفاع الروسية، التي أتت بالتزامن مع الترحيب اللبناني بمشاركة الشركة الروسية الكبيرة نوفاتك في تطوير موارده، في إعداد إطار شامل للتعاون العسكري مع لبنان، يتضمن تدريبات عسكرية مشتركة بين البلدَين واستعمال روسيا للمرافئ والمطارات اللبنانية. كما يتضمن مجموعة من التبادل الاستخباراتي والتعاون في مجال محاربة الإرهاب والتدريب العسكري. لكن هذا الاتفاق لم يوقع على الرغم من التوصل إلى اتفاق بين الفريقَين الروسي واللبناني[30].

بناء على ما سبق، تبدو مهمة لبنان صعبة في تحديد دوره في هذه البقعة الجغرافية المعقدة، لكنها يمكن أن تكون لصالحه بكل تأكيد إذا ما تمت إدارة الأزمة كما يجب. فمن جهة، يجب العمل على إبعاد ملف الغاز عن المشاريع الاستراتيجية للدول الكبرى، كي لا يصبح نقطة نزاع دولي ما يمكن أن ينعكس مشاكل أمنية داخلية. ومن جهة ثانية، لا بد من تكييف الوضع اللبناني مع مشاريع الغاز في المنطقة وبخاصةٍ البحر المتوسط، مع الحفاظ على العلاقات الإقليمية والدولية مع الدول الصديقة بغية تحويل الأزمة الإقليمية في شرق المتوسط إلى فرصة، بدل أن تكون عاملًا مساهمًا في التأثير على صادراته سلبًا.

 

الخاتمة

شكلت جغرافيا المنطقة المحيطة بلبنان جوهر أهميتها الجيواستراتيجية من حيث ضرورتها لخطوط نقل الغاز من مصادرها إلى أسواقها الكبرى. وانعكست هذه الأهمية صراعًا جيوبوليتيكيًا بين كبرى الدول، حوّل النعمة الجغرافية إلى نقمة متمثلة بأزماتٍ محلية وإقليمية، لعل أكثرها وضوحًا أزمتَي سوريا وشرق المتوسط. وعليه تحاول دول المنطقة أن تجد دورها في خارطة أنابيب النقل لتصريف إنتاجها أو على الأقل حماية أمنها القومي عبر المشاركة بخطوط النقل، في حين يجد لبنان نفسه مهتمًا بالأمرَين معًا: كيف يصرف إنتاجه إنْ تحقّق، وكيف يحجز مكانه لضمان حقوقه؟

وإذا كان لبنان قد اختار بالفعل تصدير فائض إنتاجه عبر الأنابيب، فعليه أن يأخذ بعين الاعتبار، إلى جانب ما ذكرنا سابقًا، العرض الكبير من الغاز المسال، والمتوافر في الكثير من الموانئ والجاهز للتصدير، فكيف سيتمكن من إقناع زبائنه المستقبليين بالالتزام بنقل الغاز عبر الأنابيب في ظل هذه الوفرة التي تؤمّن للزبون هامش مناورة كبير للحصول على عروض أفضل؟ وإذا ما قرر الاعتماد على الناقلات، كيف سيسيّل غازه لتجهيزه للنقل علمًا أنّ محطات التسييل مكلفة؟

وفي سياق آخر، تشير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أنّ تكاليف إنتاج الطاقة باستعمال الطاقة المتجددة ينخفض سنويًا. انخفضت تكلفة تقنيات الطاقة المتجددة باستخدام الطاقة الشمسية الكهروضوئية بنسبة 82% من 2010 حتى تاريخ إصدار التقرير في العام 2019 مع توقع بانخفاض متوسط أسعار الطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى 0.039 دولار/كيلوواط ساعي في العام 2021 بانخفاض يعادل 42% مقارنة مع العام 2019 وبمعدل أدنى بأكثر من الخمس من أقل المحطات المنافسة العاملة بالوقود الأحفوري تكلفة[31]. يفسر هذا الواقع سبب لجوء العديد من الدول نحو الطاقة النظيفة بدلًا من الطاقة المنتجة عبر النفط أو الغاز (الذي لا يزال يُعدّ الأقل تكلفة ماديًا وبيئيًا بين مواد الطاقة الأحفورية). وبالتالي، فإنّه مما لا شك فيه أنّ أهمية مواد الطاقة من نفط وغاز ستبقى في تراجع قد يصبح سريعًا جدًا في أي لحظة نظرًا للتطور التقني الذي قد يخلق بديلًا يسمح بالاستغناء عنها بشكلٍ كامل وبفترةٍ زمنية قصيرة، وهو ما يجب أن يحفّز لبنان على الإسراع في الاستفادة من ثروته بأسرع وقت.

من هنا يمكن لنا القول إنّ الصراع الجيوبوليتيكي في المنطقة يبدو جليًا، كما يبدو أكثر وضوحًا أنّ حروب السيطرة على مواد الطاقة وخطوط نقلها وبالأخص الغاز، هو من الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها هذا الكباش، الذي تقبع في كواليسه صراعات إقليمية ومحلية محدودة. وكون لبنان لا يمتلك القدرة على فرض شروطه في أي صراع إقليمي أو دولي بسبب وضعه الداخلي على الصعيدَين السياسي والاقتصادي، فعليه أن يستفيد من الصراع القائم عبر اقتناص الفرص التي تستجدّ نتيجة التنافس بين الدول الإقليمية والعالمية، والابتعاد عن «تلزيم» قراراته في مجال الغاز لأي طرف خارجي للابتعاد عن إمكان استغلال الأوضاع الداخلية من الأطراف الأخرى لإشعال نزاع دولي عليه بأدواتٍ محلية. فمسار الأزمة السورية لا بد أن يُجبر لبنان على الاتعاظ من أخذ طرف إلى جانب أحد الدول الكبرى في مواجهة الأخرى بشكلٍ جذري وحاسم، وهنا لا بد أن تؤدي خلفية لبنان التاريخية «بين الشرق والغرب» دورها في حمايته من الدخول في فوضى الصراع عليه.

أمام هذه المعطيات مجتمعة لا يسعنا القول إلا أنّ موضوع الغاز اللبناني يتخطى الجانب الاقتصادي البحت، ولا يمكن حسبانه وفق مفهوم الربح والخسارة والجدوى الاقتصادية فحسب، فالمنطقة تُعدّ شبكة معقدة من المصالح الدولية والإقليمية. وبالتالي، فعلى لبنان أن يُعدّ دراسة سياسية جيوبوليتيكية مفصلة في المقام الأول، تترافق مع دراسة اقتصادية، لتحديد مكامن القوة لديه، ثم تحديد هوامش الصراع الكبير التي يمكن له أن يناور ضمنها، بغية الوصول إلى ما يمكن أن يقدّمه ليكون جزء من اللعبة الكبرى ليحفظ حقوقه ويتمكن من استغلال ثرواته من دون أن يشهد صراعًا عليه ويتحوّل إلى بقعة أزمات طويلة الأمد.

 

المراجع

الكتب العربية والمترجمة:

١- بريجينسكي (زبيغنيو)، رؤية استراتيجية: أميركا والسلطة العالمية، ترجمة فاضل حبتكر، دار الكتاب العربي، بيروت، 2012.

٢- ديب (كمال)، لعنة قايين حروب الغاز من روسيا وقطر إلى سورية ولبنان، ط1، دار الفارابي، بيروت، 2018.

 

الدوريات والمجلات والدراسات:

١- الخوري (جورج)، «السياسة الخارجية الجديدة لروسيا وتأثيرها على دول الشرق الأوسط ولبنان»، الدفاع الوطني اللبناني، ع 105، اليرزة، تموز 2018.

٢- فرقاني (فتيحة)، «الصراع الأميركي الروسي حول منطقة جنوب القوقاز دراسة حالة جورجيا»، جامعة دالي إبراهيم كلية العلوم السياسية والإعلام، رسالة ماجيستير، الجزائر، 2010.

٣- وهبة (مرلين)، «الأميركان... إلى البترون در؟»، جريدة الجمهورية، بيروت، 12 3 2019.

٤- ل.ن.، مجلة الجيش اللبناني، «معًا في مواجهة التحديات»، العدد 357، اليرزة، أذار 2015.

٥- زين الدين (علي)، «البنك الدولي: متوسط خسائر انفجار بيروت يتعدى 7.4 مليار دولار»، جريدة الشرق الأوسط، 1 أيلول 2020.

٦- قانصو (مهدي)، «عين الدائنين على عائدات الغاز المستقبلية»، جريدة الجمهورية، 28 شباط 2020.

 

المواقع الإلكترونية:

1- محمد (إبراهيم)، "هل يستغل لبنان نفطه على الطريقة السعودية أم النرويجية؟"، موقع دويتشه فيله DW، 1 أذار 2020

www.dw.com

2- الصاوي (عبد الحفيظ)، "هكذا سقط لبنان في أزمة الديون... فماذا عن الحلول؟"، موقع قناة الجزيرة، 4 اذار 2020.

www.aljazeera.net

3- حمود (علي)، "الغاز لإنتاج الكهرباء ثروة لبنان المستقبلية: لماذا التأخير في بناء المعامل الملائمة"، موقع الاقتصاد، 7 آب 2017

www.eliktisad.com

4- "ما هو خط الغاز العربي الذي انفجر في سوريا اليوم؟"، موقع النهار الإلكتروني، 24 آب 2020

www.annaharar.com

5- "تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة"، موقع سكاي نيوز عربية، 21 أيلول 2020

www.skynewsarabia.com

6- "اتفاق بين لبنان وقبرص على تسريع المحادثات لإبرام اتفاقات حول النفط"، موقع فرانس 24، 11 نيسان 2019

 www.france24.com

7- "هل تدخّلت روسيا في سوريا من أجل خطوط أنابيب الغاز؟"، موقع أسواق العرب، 18 تشرين الثاني 2018

www.asswak-alarab.com

8- تخريب" خط أنابيب غاز في شرق سوريا، موقع بي بي سي بالعربية، 14 تموز 2019

www.bbc.com

9- "سوريا.. تعطل خط نقل غاز في حمص إثر هجوم"، موقع العربية، 14 تموز 2019

www.alarabiya.net

10- "خط أنابيب غاز "شرق المتوسط " خير على المتوسطيين أم عامل توتر وتصعيد بين دول المنطقة"، مونت كارلو الدولية، 2 كانون الثاني 2020

www.mc-doualiya.com

11- "لبنان يوقع مع روسنفت الروسية عقد تطوير منشآت لتخزين النفط"، موقع جريدة العربي الجديد الإلكتروني، 25 كانون الثاني 2019

www.alaraby.co.uk

12- "164 مليار دولار احتياطي الغاز في لبنان"، موقع جريدة الأخبار، 1 آب 2017

www.al-akhbar.com

 

التقارير:

زبيب (هدى)، «اكتشاف الغاز سيغير مسار لبنان من بلد مديون إلى بلد نفطي»، الوكالة الوطنية للإعلام، 16 تشرين الأول 2018

http://nna-leb.gov.lb/ar/show-report/14/nna-leb.gov.lb/ar

 

المراجع الأجنبية:

1- f. William Engdahl, “Will Lebanon be the next energy war?”, 14 february 2018

www.williamenngdahl.com

 

Documents and reports:

1- “Egypt Power Report 2020”, fitch solutions, 2020

www.fitchsolutions.com

2- Renewable power generation costs in 2019, IRENA, June 2020

International Renewable Energy Agency website

www.irena.org

 

[1]-     “164 مليار دولار احتياطي الغاز في لبنان”، جريدة الأخبار، 1 آب 2017

https://al-akhbar.com/Finance_Markets/235713

[2]-     هدى زبيب، “اكتشاف الغاز سيغير مسار لبنان من بلد مديون الى بلد نفطي”، الوكالة الوطنية للإعلام، 16 تشرين الأول 2018

http://nna-leb.gov.lb/ar/show-report/14/nna-leb.gov.lb/ar

[3]-     إبراهيم محمد، “هل يستغل لبنان نفطه على الطريقة السعودية أم النرويجية؟”، موقع دويتشه فيله DW، 1 آذار 2020

www.dw.com

[4]-     عبد الحفيظ الصاوي، «هكذا سقط لبنان في أزمة الديون... فماذا عن الحلول؟»، موقع قناة الجزيرة، 4 آذار 2020

Www.aljazeera.net

[5]-     عبد الحفيظ الصاوي، م.س.

[6]-     مهدي قانصو، “عين الدائنين على عائدات الغاز المستقبلية”، موقع جريدة الجمهورية، 28 شباط 2020

www.aljoumhouria.com

[7]-     f. William Engdahl, “Will Lebanon be the next energy war?”, 14 february 2018

www.williamenngdahl.com

[8]-     علي حمود، «الغاز لإنتاج الكهرباء ثروة لبنان المستقبلية: لماذا التأخير في بناء المعامل الملائمة»، 7 آب 7102.

https://www.eliktisad.com

[9]-     هدى زبيب، م.س.

[10]-    “Egypt Power Report 2020, “fitch solutions, 2020

www.fitchsolutions.com

[11]-    مشروع «نابوكو»: تمّ التوقيع عليه في أنقرة في العام 2009، لربط الغاز من آسيا الوسطى عبر بحر قزوين ثم أذربيجان فتركيا ليصل إلى النمسا.

[12]-    “ما هو خط الغاز العربي الذي انفجر في سوريا اليوم؟”، موقع النهار الإلكتروني، 24 آب 2020

https://www.annaharar.com/arabic/economy/oil/24082020

13]-    ماهر الخطيب، «غاز المتوسط: خفايا الصراع المحتدم سياسيًا وعسكريًا على أكثر من جبهة»، موقع النشرة اللإخباري، 13 كانون الثاني 2020

www.elnashra.com

[14]-    “تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة”، موقع سكاي نيوز عربية، 21 أيلول 2020

www.skynewsarabia.com

[15]-    “اتفاق بين لبنان وقبرص على تسريع المحادثات لابرام اتفاقات حول النفط”، موقع فرانس 24، 11 نيسان 2019

www.france24.com

[16]-    إبراهيم محمد، م.س.

[17]-    علي زين الدين، «البنك الدولي: متوسط خسائر انفجار بيروت يتعدى 7.4 مليار دولار»، جريدة الشرق الأوسط، 1 أيلول 2020

www.aawsat.com

[18]-    جورج الخوري، “السياسة الخارجية الجديدة لروسيا وتأثيرها على دول الشرق الأوسط ولبنان”، الدفاع الوطني اللبناني، ع 105، اليرزة، تموز 2018، ص 10.

[19]-    كمال ديب، لعنة قايين حروب الغاز من روسيا وقطر إلى سورية ولبنان، ط1، دار الفارابي، بيروت، 2018، ص 158.

[20]-    فتيحة فرقاني، “الصراع الأمريكي الروسي حول منطقة جنوب القوقاز دراسة حالة جورجيا”، جامعة دالي إبراهيم كلية العلوم السياسية والإعلام، رسالة ماجستير، الجزائر، 2010، ص 100.

[21]-    إعلان وقعه كل من تركيا، أذربيجان، أوزبكستان، كازاخستان وجورجيا برعاية أميركية لاعتماد خط باكو-جيهان لنقل نفط قزوين إلى تركيا ومنه إلى أوروبا.

[22]-    زبيغنيو بريجينسكي، رؤية استراتيجية: أميركا والسلطة العالمية، ترجمة فاضل حبتكر، دار الكتاب العربي، بيروت، 2012، ص 107-108.

[23]-    “هل تدخّلت روسيا في سوريا من أجل خطوط أنابيب الغاز؟”، موقع أسواق العرب، 18 تشرين الثاني 2018

https://www.asswak-alarab.com/archives/10328

[24]-    “تخريب خط أنابيب غاز في شرق سوريا”، موقع بي بي سي بالعربية، 14 تموز 2019

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-48982250

[25]-    سوريا.. تعطل خط نقل غاز في حمص إثر هجوم، موقع العربية، 14 تموز 2019

www.alarabiya.net

[26]-    “خط أنابيب غاز «شرق المتوسط» خير على المتوسطيين أم عامل توتر وتصعيد بين دول المنطقة”، مونت كارلو الدولية، 2 كانون الثاني 2020

www.mc-doualiya.com

 

[27]-    “أنبوب غاز المتوسط مشروع ضخم بمزالق ومطبات”، م.س.

 

[28]-    «لبنان يوقّع مع روسنفت الروسية عقد تطوير منشآت لتخزين النفط»، موقع جريدة العربي الجديد الإلكتروني، 25 كانون الثاني 2019، تم الدخول إلى الموقع بتاريخ 27 آذار 2019.

www.alaraby.co.uk

[29]-    مرلين وهبة، “الأميركان... إلى البترون در؟”، جريدة الجمهورية، بيروت، 12/3/2019

[30]-   f. William Engdahl, “Will Lebanon be the next energy war?”, 14 february 2018 www.williamenngdahl.com

[31]-     النتائج الرئيسية لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة خلال العام 2019، Renewable powergemeration costs in 2019، IRENA، 2019.

Lebanon’s gas a national wealth amid a deep geopolitical conflict

The gas and oil reserves of Lebanon have been a debatable issue in the last decade concerning its size and revenue. However, all indications lead to the belief that a promising era awaits Lebanon if this wealth is well handled, and internal and external factors were correctly taken into account.

Internally, Lebanon must weigh its interests in the gas arena with a jeweler’s scale, as several factors play a role in the matter. First comes the strategy of handling the revenue. Considering that Lebanon suffers from a heavy national debt, this wealth should not, in any circumstance, be used to deal with this debt directly, if we plan to benefit from the revenues strategically. For this wealth is considered a national one that all coming generations should avail of, therefore the smartest move would be to use the revenue in correctly building a strong diverse economy that is able to put out the debt, and maintain a sustainable strategic income for its own growth even after the gas reserves fade out.

Such a plan would also protect the Lebanese public properties and gold reserves that may be lost in international courts, to the creditors who Lebanon owes its debt to. Thus, it is imperative to handle this wealth in a transparent and economically scientific manner, away from all the political considerations that has lost the national economy the trust it needs to gain thrust again.

Externally, Lebanon needs to find a place in the global gas scene, as its geopolitical importance could inflict a local crisis like Syria’s, or pave the road to an economic and social success story. When geopolitical players make a move, it is often translated local and regional conflicts, and this is one of the most important aspects Lebanon should consider; not getting caught in the middle of an international powers conflict. The United States and Russia, are two geopolitical players of high national interest in every gas project that could provide Europe with gas. Thus Lebanon must be very careful in finding its role in these projects away from biased stands in favor of one super power against the other.

As for the mechanism of exporting the gas, several obstacles stand in the way of choosing the best method. First, the southern borders with occupied Palestine must be of consent with the “Israelis”, in order to safely attract foreign investments. Then, a thorough study must be carried out to decide whether to distribute gas by land (through Syria) or sea (as part of the regional pipe lines, or by private ones).

The geopolitical situation in the middle east, and in the west Mediterranean coast specifically, renders the Lebanese natural wealth in its regional waters a hard to maintain national interest. Therefore, it is imperative that the economic study of how to best invest this wealth, be simultaneous with a geopolitical study to find an effective and nationally constructive strategy that would preserve Lebanon’s interests in the margins that are created within the global and regional geopolitical clash.

Gaz du Liban Une richesse nationale au milieu d'un conflit géopolitique profond

Les réserves de gaz et de pétrole du Liban ont déclenché, au cours de la dernière décennie, des débats concernant la dimension et les revenus. Cependant, toutes les indications laissent croire qu'une ère prometteuse attend le Liban si cette richesse est bien gérée et si les facteurs internes et externes ont été correctement pris en compte.

Sur le plan interne, le Liban doit peser ses intérêts dans le domaine du gaz à l’échelle d’un bijoutier, vu que plusieurs facteurs jouent des rôles dans cette affaire. Vient d'abord la stratégie de gestion des revenus. Considérant que le Liban souffre d'une lourde dette nationale, cette richesse ne doit en aucun cas être utilisée pour faire face à cette dette directement, si l'on envisage de bénéficier stratégiquement des revenus. Sachant que cette richesse est considérée comme richesse nationale dont toutes les générations à venir devraient se profiter. Par conséquent, la décision la plus intelligente serait d'utiliser les revenus pour construire correctement une économie forte et diversifiée, capable d’éliminer la dette et de maintenir un revenu stratégique durable pour sa propre croissance même après la disparition des réserves de gaz.

Un tel plan protégerait également les propriétés publiques libanaises et les réserves d'or qui pourraient être perdues devant les tribunaux internationaux, envers les créanciers à lesquels le Liban doit sa dette. Ainsi, il est impératif de gérer cette richesse de manière transparente et économiquement scientifique, loin de toutes les considérations politiques qui ont fait perdre à l'économie nationale la confiance dont elle a besoin pour reprendre son élan.

Sur le plan extérieur, le Liban doit trouver une place sur la scène gazière mondiale, car son importance géopolitique pourrait infliger une crise locale comme celle de la Syrie ou ouvrir la voie à une réussite économique et sociale. Lorsque les acteurs géopolitiques agissent, cela se traduit souvent par des conflits locaux et régionaux, et c'est l'un des aspects les plus importants que le Liban devrait considérer ; ne pas se faire perdre au milieu d'un conflit de puissances internationales. Les États-Unis et la Russie sont deux acteurs géopolitiques de grands intérêts nationaux dans tout projet gazier susceptible de fournir du gaz à l'Europe. Le Liban doit donc être très prudent en cherchant son rôle dans ces projets loin des positions biaisées en faveur d'une superpuissance contre l'autre.

Quant au mécanisme d'exportation du gaz, plusieurs obstacles s'opposent au choix de la meilleure méthode. Premièrement, les frontières du Sud avec la Palestine occupée doivent être approuvées par les «Israéliens», afin d'attirer sans risques les investissements étrangers. Ensuite, une étude approfondie doit être menée pour décider s’il faut distribuer le gaz par voie terrestre (via la Syrie) ou maritime (dans le cadre des pipelines régionaux, ou par des lignes privées).

La situation géopolitique au Moyen-Orient, et sur la côte ouest méditerranéenne en particulier, rend la richesse naturelle libanaise dans ses eaux régionales un intérêt national difficile à maintenir. Par conséquent, il est impératif que l’étude économique sur la meilleure façon d’investir cette richesse soit simultanée à une étude géopolitique pour trouver une stratégie efficace et constructive au niveau national qui préservera les intérêts du Liban dans les marges créées avec le conflit géopolitique mondial et régional.