كلمات

غزة الحرّة
إعداد: العميد الركن الياس فرحات

ثمانية وثلاثون عاماً مضت على الاحتلال الإسرائيلي لغزة. هذه المدينة الساحلية في فلسطين عقدة طرق التجارة القديمة بين مصر وبلاد الشام والجزيرة، وحدّ سيناء مع فلسطين، استقبلت قبل احتلالها لاجئين من فلسطين إثر نكبة عام 1948، فأضحوا لاجئين تحت الاحتلال الذي طردهم من أرضهم وديارهم ولحق بهم ليقمعهم ويقمع أهلها هي أيضاً. لم تستسلم غزة يوماً خلال تلك السنوات الطويلة، بل كانت عصية على الاحتلال، وقاومت بكل ما أوتيت من قوة، وتصدت للمعتدين. وتقدم أبطالها للاستشهاد دفاعاً عن وجودها وحريتها، وعن كرامة أهلها.
لقد تعرضت غزة للكثير الكثير من أعمال العدوان، دخلتها دوريات الاحتلال الإسرائيلي وقتلت ودمرت وشردت السكان. طائرات الهليكوبتر أغارت عليها مرات لا تحصى، واصطادت الكثيرين من أهلها بالصواريخ المتطورة في أعمال قتل متعمد طاولت قيادات لا تنسى من الشيخ احمد ياسين المجاهد المؤسس لحركة حماس، إلى المجاهد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وغيرهم من الشهداء الأبطال الذين لم يركنوا لرغبات المحتل. كيف ننسى عمليات جرف المنازل في مخيمات جباليا والبريج؟ وكيف ننسى جرف مطار غزة ووقف العمل به؟ كيف ننسى الاعتداءات على المرفأ التاريخي للمدينة وعلى مراكب الصيادين، وتعطيل الملاحة ومنعها، وكيف ننسى الإرهاب الذي قتل المهندس عياش وأبو شنب وشحادة؟
من أزقة المدينة ومخيماتها، من قاع الحرمان والفقر والقهر والامتهان، انطلقت روح المقاومة وبقيت جذوتها مشتعلة رغم جسامة الخسائر وفقدان الأرزاق.
ابتدع الفدائيون عبوات للتفجير، واستخدموا القساطل من اجل بناء صواريخ القسام... حاجة كانت أماً للاختراع... مـــواد متواضعـــة بسيطـــة تؤكّــد على روح المقاومة.
ثمانية وثلاثون عاماً والعنصريون  في إسرائيل يرفضون الانسحاب ويصرون على إراقة الدماء، رغم ما كان هنا وهناك من قرارات من الشرعية الدولية، ووساطات من جميع دول العالم، وبعثات انسانية دولية ومن منظمات غير حكومية، جاءت جميعاً إلى غزة من اجل تخفيف معاناة الناس وإقناع إسرائيل بالانسحاب وترك الشعب الفلسطيني يعيش حراً في أرضه. كيف ننسى زهرة واشنطن راشيل كوري التي اجتاحتها جرافة يقودها جندي إسرائيلي لأنها حاولت منعه من تدمير منزل؟ وكيف ننسى الصحافيين البريطانيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية بسبب نشاطاتهم الانسانية دفاعاً عن المظلومين والمقهورين؟
لقد هبّ الضمير العالمي لنصرة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، لكن شارون والقوى العنصرية الحاكمة لم يذعنوا إلاّ تحت ضربات المقاومة. لقد حصل لشارون ما حصل لسلفه باراك تماماً، ينسحب الأول من غزة من طرف واحد كما انسحب الثاني من جنوب لبنان من طرف واحد أيضاً، هذا هو مصير الاثنين في تلقّي ضربات المقاومة وعناد الشعب اللبناني والفلسطيني وتمسكهما بالأرض وبالحق. لكن شارون أضاف تنازلاً هاماً وهو الانسحاب من المستوطنات وهي أكثر مفاعيل الاحتلال والعدوان، وفي إخلائها تراجع مثير عن نظرية التوسع الإسرائيلي والعجرفة وحلم السيطرة على المنطقة العربية. إنها سابقة يجب أن تتكرر في الضفة الغربية، يجب أن ينسحب الجيش المحتل وتُخلى المستوطنات ويعود أصحاب الأرض الى أرضهم مهما طال زمن الاحتلال. إن الاحتلال يبقى احتلالاً مهما طال به الزمن وهو يستولد المقاومة من الشعب.
غزة حرة، وغداً فلسطين حرة، وتحية إلى الأحرار.