قضايا ساخنة

غزة حروبها لم تنتهِ
إعداد: يونس عودة

اخلاء المستوطنات

"بداية" فلسطينية و"نهاية" اسرائيلية

بعد 38 عاماً من الاحتلال، أنهت اسرائيل وسط جدل احتلالها لقطاع غزة الفلسطيني الذي احتلته في خلال عدوان 1967 من ضمن الاستراتيجية التوسعية المعروفة و"القتال في أرض العدو".
إلا ان قطاع غزة كان له أهمية خاصة في الاستراتيجية الاسرائيلية، اذ ان قادة اسرائيل قالوا في قرار أصدروه في 19 حزيران ­ يونيو 1967 ما نصه "تأسيساً على الحدود الدولية فإن قطاع غزة يقع ضمن دولة اسرائيل"، من دون تحديد الحدود الدولية التي ينشدونها أو التي يسعون للتوسع اليها عبر الحروب.
بعد عدوان 1967 تبنت غالبية القوى السياسية والفكرية في اسرائيل شعار "أرض اسرائيل الكاملة"، وبات الاستيطان في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس يمثل "تجديد الصهيونية"، وتحول المستوطنون في الضفة والقطاع في نظر القوى السياسية من اضراب وحركات والشارع الاسرائيلي بشكل عام الى "طليعة الشعب" و"الرواد الجدد".
وبناءً عليه انطلقت عملية بناء المستوطنات في قطاع غزة، بعد أن وضعت لهذه الغاية خطط عاجلة وأخرى طويلة الأمد لتستوعب المزيد من المهاجرين ضمن تقسيم جغرافي على ثلاثة محاور، وشرعت بتنفيذها وفق مقتضيات الظروف السياسية في المنطقة.


انسحاب تحت وطأة العمليات

الواضح من الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، انه كان حاجة داخلية وليس التزاماً باتفاقية خريطة الطريق أو تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة، ولا حتى نتيجة اتفاقية ثنائية مع الفلسطينيين، وبالتالي هذا يعني ان الانسحاب كان تحت وطأة عمليات المقاومة التي أقر رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون بدورها في اتخاذ قرار الانسحاب المسمى "خطة الفصل" من جانب واحد، وقال ان "الوجود في غزة وكل ما يتعلق بذلك والثمن الذي ندفعه كان يجب أن ينتهي"، وقال أيضاً في معرض تبريره اخلاء المستوطنات في القطاع وتدميرها: "الحقيقة هي ان قطاع غزة لا يظهر في أي مخطط استيطاني أو سياسي في دولة اسرائيل".
بالطبع لم يكن أحد ليتصور ان شارون يقدم على خطوة من هذا النوع وهو المعروف "ابو الاستيطان"، مما جعل المشروع الصهيوني يعيش صدمة سماها يوسي ساريد "صدمة العودة الى البيت"، بينما بدأ اليمين الاسرائيلي حملة على شارون داخل الكنيست لنزع الشرعية عنه لأنه "فكك الكتل الاستيطانية وجلب العار" واتهامه بالمحتال والكذاب والفاسد، وقد أوصل اسرائيل كما قال عوزي لانداو زعيم المتمردين في حزب الليكود الذي يتزعمه شارون "الى ذروة الفساد" وهدده كما بنيامين نتنياهو بطرده من السياسة.
المهم في اخلاء غزة ليست الخطوة بحد ذاتها بقدر ما هي نقل للصراع الى معركة داخلية بين من يرى الانسحاب استحقاقاً لا بد من دفعه كثمن نتيجة للمواجهة مع الشعب الفلسطيني على امتداد سنوات الانتفاضة، وبين من يراه تدميراً لجوهر الصهيونية وبداية النهاية لمشروعها؛ وبالتالي فإن هذا الفريق يتشبث بمواصلة الاحتلال والاستيطان في قطاع غزة بأي ثمن وبمعزل عن نتائج الصراع ومعطيات الواقع.

 

مراجعة العقيدة الأمنية

الواقع ان فكرة الانسحاب من غزة فرضت مراجعة للعقيدة الأمنية الاسرائيلية القائمة منذ نشوء الكيان الصهيوني والتي صاغها في وثيقة ديفيد بن غوريون قبل اكثر من 50 عاما، رغم كل التطورات التي حدثت في الواقع الاسرائيلي والدولي. انما الذي عزز القيام بالمراجعة هذه المرة التطورات السياسية الدولية والاقليمية فضلاً عن العامل التكنولوجي. وبموجب العقيدة الجديدة فإن الاحتفاظ بالأراضي المحتلة لم يعد بالأهمية الأمنية الكبيرة نفسها التي كانت في الماضي. واللافت ما كتبته صحيفة "معاريف" بأن المفهوم الجديد تبلور من دون صلة بالانسحاب من غزة، وقالت ان وثيقة الأمن تعنى بسلسلة طويلة من المواضيع بدءاً بسياسة الغموض النووي لاسرائيل وانتهاء بمواضيع تتعلق بالقوى البشرية في الجيش والسياسة الخارجية، لكن احد المواضيع الاكثر "حساسية" يرتبط بمسألة الأهمية الأمنية الحقيقية للاحتفاظ بالمناطق المحتلة.
وقد بدأت لجنة صياغة المفهوم الجديد عملها منذ تبلور خطة الفصل، وهي برئاسة الوزير السابق دان ميريدور وتضم رئيس مجلس الأمن القومي غيورا آيلاند، ونائبه اتيمار ياعر، والبروفسور يهودا بن مائير، والجنرال غابي اشكينازي، والعميد يوحنا لوكر من سلاح الجو، والمدير العام السابق لوزارة الخارجية يوآف بيران، ورئيس شعبة الطاقة البشرية السابق جدعون ستيفر، وغيرهم من ذوي الاختصاصات الاستراتيجية.
ويتوقع ان تنهي هذه اللجنة صياغة المفهوم الجديد للعقيدة الأمنية خلال شهرين، مع ان المداولات بلورت الى حد بعيد رأياً يقوم على ان الاحتفاظ بالأراضي التي احتلت في حرب الأيام الستة عام 1967 فقد المعنى الأمني الذي نسب اليه بأن المناطق هي "خلفية استراتيجية"، وبسبب الحجم الصغير لاسرائيل يجب نقل الحرب الى أرض العدو.
ويعود تقلص أهمية المناطق أساساً إلى حقيقة أن خطر الحرب التقليدية قد اختفى تماماً تقريباً. وبدلاً من ذلك تعاظمت الأخطار البعيدة، كخطر الصواريخ الإيرانية التي قد تكون مجهزة أيضاً بسلاح غير تقليدي. وفي هذا السياق لا معنى دفاعياً البتة للاحتفاظ بالمناطق. ويشدد المفهوم على أنه في كل ما يتعلق بالخطر الإرهابي لا جدوى من الاحتفاظ بالمناطق.
وأشار أعضاء في لجنة مريدور إلى أن الوسائل التكنولوجية الجديدة التي تمتلكها إسرائيل تتيح لها الدفاع ضد عدو والهجوم من مسافات بعيدة جداً. وبالتوازي، أشارت تلك المحافل إلى أنه على مدى السنين ازدادت جداً أهمية الأسرة الدولية، وتعاظمت قدرتها على فرض خطوات على الدول في أرجاء العالم. ومعنى ذلك أنه سيشتد الضغط على اسرائيل لوقف سيطرتها في المناطق التي احتلت عام 1967.

 

مسمار جحا

لكن يبدو من اخلاء غزة عسكرياً ان المفهوم الجديد للأمن لم يطبق لأن المناطق التي أخليت هي أماكن سكانية جرى تخريب مبانيها قبل الانكفاء عنها وتدمير البساتين، مع ترك أماكن العبادة اليهودية "الكنس" قائمة كمسمار جحا تاريخي يمكن أن يستخدم في اتجاهين:
- الأول، استدراج السلطة الفلسطينية لتدميرها وبالتالي تكون ذريعة لحملة اعلامية ضد الفلسطينيين على الرغم من موافقة الحاخامية الكبرى في اسرائيل على التدمير، ومن جهة ثانية تشريع مسبق لاسرائيل لتدمير الأماكن المقدسة المسلمة والمسيحية، ولا سيما المسجد الأقصى باعتباره حلماً يهودياً لإقامة هيكل سليمان مكانه.
- الثاني، يتلخص بالحلم اليهودي القائم على مفهوم ساري المفعول، بأن أي مكان فيه ولو قبر لمواطن يهودي هو ملكية يهودية ­ اسرائيلية، وبالتالي سيكون بعد حين من الزمن اعادة الحياة لهذه الأحلام والعودة الى النصوص التوراتية باعطاء اليهود حق امتلاك تلك الأماكن.
إلا ان المسألة الأهم تبقى في الحصار المفروض على غزة التي يمكن أن تتحول سجناً محاطاً بالمعابر الاسرائيلية البرية، بحيث لا يمكن أن تكون غزة مربوطة في أي من المناطق الأخرى براً إلاّ عبر تلك المعابر ولا صلة لها لا براً ولا بحراً ولا جواً.
فاسرائيل تمنع على الفلسطينيين أية منافذ توصل غزة بالعالم وحتى مع مصر التي تتقاسم مدينة رفح مع الفلسطينيين، اذ ان المعبر هناك سيبقى مغلقاً لستة أشهر على أقل تقدير وتحويل العابرين الى معبر كاريم شالوم شرق رفح حتى يعتاد الفلسطينيون على ذلك ويبقيهم تحت السيطرة الاسرائيلية، كما ان الاسرائيليين لن يخلوا معبر رفح رغم المطالبة الفلسطينية بايجاد قوات دولية أو من الاتحاد الأوروبي.
كما يمنع على الفلسطينيين استخدام المطار في غزة وكذلك المرافئ البحرية.
وكل هذا يعني ان الاحتلال لا يزال قائماً ما دامت دولة بلا منافذ برية أو بحرية أو جوية، ولذلك وان اعتبرت السلطة الفلسطينية اخلاء غزة عسكرياً خطوة أساسية باتجاه بناء الدولة المستقلة لأن الحقيقة تجافي ذلك تماماً، فشارون وفي تعبير صارخ عن التمسك بالقدس والضفة الغربية قال: "كان لدينا حلم، لكن على مدار 37 سنة خلت حدثت أمور كثيرة وحقق المستوطنون إنجازات كثيرة وكانوا يقودون الاستيطان والأمن... لولاهم لما كنا اليوم في الخليل وغوش عتصيون ومعاليه ادوميم وبناتها (من المستوطنات) وأرييل وبناتها وعيلي وشيلو وبيت ايل (جميعها مستوطنات في الضفة الغربية)".
ورداً على سؤال "ماذا عن غور الاردن؟"، أجاب شارون "أضيفوه الى القائمة وأضيفوا أيضاً سلسلة الجبال (في الضفة) المشرفة على السهل الساحلي ومطار اللد" مضيفاً "الكتل الاستيطانية ستبقى" تحت السيطرة الاسرائيلية. وتابع "لم أجب أبداً عن سؤال حول حدود الكتل الاستيطانية، ليس لأنني لا أعرف الخريطة".
وبعدما عدد شارون المستوطنات التي ينوي ضمها الى اسرائيل وتلتهم مساحات واسعة من الضفة، خلص الى القول انه ليست كل المستوطنات ستبقى تحت السيطرة الاسرائيلية مضيفاً ان "هذه مسألة ستطرح في المرحلة الأخيرة من المفاوضات مع الفلسطينيين".

 

ملامح قطاع غزة الجغرافية

قطاغ غزة بوضعه الراهن، نعني به تلك المساحة الصغيرة من الأرض المتبقية من لواء غزة الفلسطيني، والتي تمكنت القوات العربية من الاحتفاظ به إثر توقيع اتفاقيات الهدنة عام 1949 بعد حرب عام 1948، لذا جاءت تسمية القطاع بهذا الاسم كاصطلاح عسكري، وليس بوصفه إقليماً جغرافياً متميزاً، فهو جزء من السهل الساحلي الفلسطيني بطبوغرافيته ومناخه.
- الموقع وأهميته:
على الجزء الجنوبي من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، يتربع قطاع غزة وهو قطعة مستطيلة الشكل تمتد من الشمال إلى الجنوب بطول 45 كلم، ومن الشرق إلى الغرب بطول يتراوح ما بين 6 كلم إلى 11 كلم، وبمساحة إجمالية تقدر ب365 كلم مربع، ويحده من الغرب البحر المتوسط، ومن الشمال والشرق إسرائيل، ومن الجنوب مصر، لذا فهو يحتل موقعاً جغرافياً هاماً على مر التاريخ الطويل، إذ يشرف على طرق القوافل التجارية القادمة من جزيرة العرب والمتجهة إلى بلاد الشام ومصر. كما شكل القطاع نقطة اللقاء والاحتكاك بين الحضارات المختلفة، ونقطة الارتحال أو البدء، ومسرحاً لكثير من المعارك والمواجهات الكبرى عبر الزمن.
- معالم سطح القطاع:
سطح قطاع غزة مستو بشكل عام، إذ لا تظهر فوقه تضاريس مفاجئة الارتفاع أو الانخفاض، ويبلغ معدل ارتفاعه ما بين 20-40 متر فوق سطح البحر، ولكن بعض المواقع ترتفع أكثر من ذلك لتصل إلى 85 م عند تل المنطار شرقي مدينة غزة و70 متراً عند بيت حانون، ويقطع وادي غزة القطاع جنوب مدينة غزة. وقد كان لهذا الوادي أهمية في الزمن الماضي إذ قامت على جانبيه الكثير من المدن والحضارات أشهرها، تل العجول وتل جمة وغيرها.
ويظهر الانحدار العام لسطح قطاع غزة من الشرق إلى الغرب ليصل على شاطئ البحر بحواف جروف شديدة الانحدار، وتظهر هذه الجروف بوضوح في أماكن متعددة بالقرب من شاطئ البحر.

أما من الناحية الجيولوجية فيمكن تقسيم أراضي القطاع إلى ثلاثة نطاقات طولية من الشمال إلى الجنوب:
­ النطاق الأول: وهو نطاق الرمل، ويقع محاذياً لشاطئ البحر برماله الناعمة التي تأخذ أشكال التلال الثابتة، والتي يصل عرضها الى 2 كلم في الوسط تتسع في الشمال والجنوب لتصل الى حوالى 5 كلم، وقد سيطرت إسرائيل على أجزاء كبيرة من هذا النطاق لتقيم عليها مستوطناتها، فيما راح الغزو العمراني غير المنظم يأكل من معالمه الجميلة ومناظره الخلابة، هذا بالإضافة إلى ما يتعرض له من أعمال إزالة وتجريف، ما يهدد الوضع البيئي في هذه المنطقة.
وهناك أهمية أخرى وهي أن هذا النطاق يعتبر من أهم مناطق تزويد الخزان الجوفي بالمياه إذ يقدر الخبراء أن 60% من كمية المياه الواردة للخزان الجوفي لقطاع غزة، ترد من هذا النطاق.
­ النطاق الثاني: الأوسط، وهو نطاق التكوينات الطينية حيث يتمحور معظم النشاط البشري لسكان قطاع غزة بمختلف أشكاله الزراعية والصناعية، وعليه يسير الطريق الرئيسي للقطاع.
­ النطاق الثالث: ويشمل شرق القطاع، ويعتبر الأكثر ارتفاعاً، وهو عبارة عن تكوينات رملية متماسكة خشنة تسمى محلياً الكركار وتنشط فيه الزراعات البعلية.

 

التجمعات السكانية في القطاع

توجد في قطاع غزة أربع مدن كبرى، اثنتان منها من المدن القديمة وهما غزة ورفح، واثنتان أنشئتا وتطورتا في العصور الوسطى بعد الفتح الإسلامي وهما دير البلح وخان يونس.
وهناك عدد من القرى المنتشرة في القطاع، هذه القرى من الشمال إلى الجنوب هي: بيت حانون ­ بيت لاهيا ­ جباليا ­ النزلة ­ الزوايدة ­ القرارة ­ بني سهيلا ­ عبسان الكبرى ­ عبسان الصغرى ­ خزاعة. وقد تحول البعض منها الى مجالس بلدية مثل جباليا والزوايدة.
وبعد عام 1948 تدفق الفلسطينيون إلى قطاع غزة، فتكونت عدة مخيمات للاجئين هي مخيم جباليا ­ مخيم الشاطئ ­ مخيم النصيرات ­ مخيم البريج ­ مخيم المغازي ­ مخيم دير البلح ­ مخيم خان يونس ­ ومخيم رفح.
وتتلقى المدن والقرى خدماتها من ماء وكهرباء من قبل البلديات والمجالس القروية، أما المخيمات فتتلقى خدماتها عبر وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة.


- سكان القطاع:
بلغ عدد سكان قطاع غزة طبقاً لنتائج الاحصاء الشامل الذي قام به الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني 1063274 نسمة. وفي آخر تقدير لعدد سكان قطاع غزة ورد في تقرير للجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني بتاريخ 31-12-2003 ان عدد سكان القطاع بلغ 1.4 مليون نسمة.
هذا ويعتبر قطاع غزة من أكثر مناطق العالم كثافة للسكان، إذ تبلغ كثافة السكان فيه 2913 نسمة/كيلومتر مربع، وسوف ترتفع هذه الكثافة إذا وضعنا في الاعتبار الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات لتصل الى 3333 نسمة/كيلومتر مربع.
أما من حيث التركيب الديموغرافي فإن نسبة الذكور تقارب نسبة الإناث مع زيادة طفيفة، إذ يزيد عدد الذكور على عدد الإناث ب10 آلاف نسمة تقريباً.
والمجتمع الفلسطيني في قطاع غزة يعتبر مجتمعاً شاباً، إذ تصل نسبة من هم أقل من 15عاماً 50.4% من عدد السكان، وأما من هم في مراحل التعليم من المرحلة الثانوية فتصل نسبتهم إلى 25%.

 

الحرب لن تنتهي

لا شك أن اخلاء قطاع غزة من المستوطنات والجنود يعتبر بعد هزيمة اسرائيل في لبنان وجنوبه تغييراً بنيوياً في الاستراتيجية الاسرائيلية، سيما وان القيادة الاسرائيلية لو كانت متيقنة من قدرتها على الاحتفاظ بتلك المستوطنات وحمايتها لما انسحبت منها، خصوصاً ان تلك المستوطنات لم تنشأ لأسباب سياسية ظرفية. لذلك فإن هذه الخطوة يجب ان يجري تثميرها سياسياً من حيث الحفاظ على دور المقاومة الأساسي في دحر الاحتلال من جهة، لأن اسرائيل ستحاول الاستفادة لتعميق احتلال الضفة الغربية والقدس، مع تأكيد على مطلبها بتحويل المنظمات الفلسطينية الى أحزاب سياسية صرفة تنبذ الكفاح المسلح، وهي بدأت تشترط عدم اشراك بعض الحركات الفلسطينية مثل حماس والجهاد الاسلامي في الانتخابات التشريعية المقبلة في كانون الثاني المقبل لحشر السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس ومعرفة قدرته على السيطرة على القطاع وتأمين أمنهم. لكن الكل يعرف ان الحرب حول قطاع غزة لم تنته ما دامت الاستخبارات الاسرائيلية هناك، وهذا ما قاله المحلل العسكري الاستراتيجي الاسرائيلي زئيف شيفا.

 

المستوطنات الإسرائيلية في عهد الحكومات الإسرائيلية

سارت السياسة الاستيطانية الإسرائيلية في قطاع غزة وفقاً للمتغيرات السياسية في إسرائيل وفي المنطقة.
فقد حكم حزب العمل إسرائيل فترة امتدت من 1967 حتى 1977، قامت إسرائيل خلالها ببناء مستوطنات تخدم أهدافها الإستراتيجية المتمثلة في تمزيق أوصال القطاع، والتحكم في طرقه الرئيسية وشواطئه، خاصة وأن تزايد العمليات الفدائية، وثورة شعبنا ضد الاحتلال، جعل إسرائيل مضطرة لمراقبة الشواطئ والطرق الرئيسية في القطاع عن طريق مستوطنات إيرز ­ كفار داروم ­ نتساريم ­ موراج ­ نيتسر حزاني.
أما حزب الليكود والذي حكم إسرائيل من عام 1977 الى 1992، تخللها فترة بسيطة لحكومات الائتلاف فقد قام ببناء 14 مستوطنة جميعها بالقرب من شاطئ البحر.
وبالإضافة الى المستوطنات السابقة، أقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدداً من المواقع الاستيطانية اعتبرتها في ما بعد مستوطنات وهذه المواقع هي:
1­ المنطار، وتقع شرق مدينة غزة بالقرب من معبر المنطار (كارني).
2­ دورون شاشان، شرق دير البلح، بالقرب من معبر كيسوفيم.
3­ ميراف، شرق مدينة خان يونس.
4­ يغول، داخل مجمع غوش قطيف.
5­ تل قطيف، داخل مجمع غوش قطيف.
6­ سلاو (سلاف) غربي مدينة رفح.
وفي العام 1992 وبعد صعود حزب العمل بزعامة اسحق رابين لسدة الحكم، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارات بتجميد عمليات الاستيطان في قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك تحت الضغط الدولي وبدء عملية السلام مع الطرف الفلسطيني، الا ان هذا القرار ألغي فور تسلم حزب الليكود بزعامة بنتامين نتنياهو السلطة عام 1986.
والأراضي التي كانت مقامة عليها المستوطنات هي جزء من الاراضي الحكومية البالغة 110 ألف دونم وتقوم المستوطنات على مساحة 46 ألف دونم، أي بنسبة 41.8% من جملة الأراضي الحكومية و12.6% من مساحة القطاع. وقد كان عدد من المواطنين يقومون باستثمار هذه الأراضي زراعياً عن طريق الإيجار وقامت إسرائيل بطردهم منها وحرمتهم من الاستفادة.

 

توزيع المستوطنات
جاء توزيع المستوطنات في قطاع غزة في ثلاثة محاور وهي:
* المحور الغربي: ويضم كتلتين رئيسيتين من المستوطنات:
­ كتل الشمال وتضم مستوطنات ايلي سيناي، نيسانيت، دوجيت.
­ كتلة الجنوب وتضم مجموعة مستوطنات غوش قطيف وهي نيتسر حزاني، ياكال، قطيف، جاني طال، نفيه دكاليم، غديد، جان أور، بدولح، بني عتصمونة، بآت سدي، رافيح يام، كفار يام.
­ في الوسط مستوطنة نتساريم.
* المحور الأوسط: ويضم مستوطنات ايرز، كفار داروم، موراج.
* المحور الشرقي، وهو الى الشرق من خط الهدنة أي خارج حدود قطاع غزة إلا انه غير بعيد عن خط الحدود، ويضم مستوطنات اشدود، نير عام،  جبعات، نيزمنت، مفلسايم، كفار عزة، مساعد، نحال عوز، عين هاشلوشاه، نيريم، كيسوفيم، كيرم شالوم.
إن توزيع هذه المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، يمكّن إسرائيل من السيطرة على شاطئ قطاع غزة عن طريق محور المستوطنات الغربي كما يمكنها من السيطرة على الطريق الرئيسي، طريق صلاح الدين "رقم 4" الذي يربط شمال قطاع غزة بجنوبه عن طريق مستوطنات المحور الأوسط إيرز وكفار داروم وموراج والموقع العسكري بالقرب من مستوطنة نتساريم.
وباستخدام الطرق العرضية يمكن لإسرائيل ايضاً تجزئة قطاع غزة الى أربعة أجزاء: محافظة غزة والشمال، دير البلح، خان يونس، رفح.

 

المستوطنات بالأرقام
كان يوجد في مستوطنات غزة 8518 مستوطناً وفقاً لاحصاء رسمي و175 آخرون وفقاً لمواقع الاستيطان على شبكة الانترنت.
* كتلة جوش قطيف الاستيطانية في جنوب غزة: تضم 17 مستوطنة دينية بصفة أساسية تشبه الاحياء ويحيط بكل منها سور ومتصلة ببعضها بطرق. ويحيط بالكتلة الاستيطانية قوات اسرائيلية ودبابات وأبراج مراقبة.
* نفيه دقاليم: أكبر جيب وبها 2671 مستوطناً وتأسست عام 1983. المقر الاداري لمستوطنات غزة. بها معهد ديني يهودي يضم نصباً تذكارياً لجلاء اسرائيل في عام 1982 من منطقة سيناء في مصر التي انتقل بعض مستوطنيها الى غزة.
* كفار داروم: عدد المستوطنين فيها 491 وتأسست عام 1970. جيب ناء للمتطرفين اليمينيين وكانت عرضة بوجه خاص لهجمات الناشطين الفلسطينيين منذ عام 2000. افتتحت معبداً يهودياً كبيراً هذا العام.
* بني عتصمونا: يبلغ عدد المستوطنين 646 وأسسها في عام 1978 قوميون دينيون. بها اكاديمية لتدريب الجيش.
* جديد: بها 351 مستوطناً وتأسست في عام 1982. بها العديد من المهاجرين الفرنسيين.
* جاني تال: فيها 400 مستوطن، تأسست في عام 1979.
* قطيف: اقيمت في عام 1985.
* نيتسر حزاني: بها 461 مستوطناً وتأسست في عام 1973. تشتهر بمحاصيلها العضوية التي تصدر الى اسرائيل والخارج.
* موراغ: بها 221 مستوطناً واقيمت في عام 1972. دينية، يمينية. مزرعة جماعية، منفصلة الى حد كبير عن غوش قطيف.
* خان أور: تأسست في عام 1983 وبها 351 مستوطناً معظمهم من خريجي المعاهد الدينية اليهودية الذين مزجوا الدراسة بالخدمة العسكرية.
* بدولح: بها 219 مستوطناً وتأسست في عام 1986. طلى سكانها المنازل باللون البرتقالي وهو لون حركة مقاومة المستوطنين.
* رافيح يام: بها 143 مستوطناً وتأسست في عام 1984. تبعد 200 متر عن الحدود المصرية. سكانها علمانيون متميزون.
* بات سدى: بها 110 مستوطنين وتأسست في عام 1989. بدأ السكان تفكيك المستوطنة من تلقاء انفسهم للانتقال الى اسرائيل.
* شيرات هايام: تجمع ساحلي من 400 مستوطناً تأسست في عام 2000. يهود متطرفون من الضفة الغربية جاؤوا في الاسابيع الاخيرة.
* سلاف: بها 50 مستوطناً تأسست في الاصل كقاعدة عسكرية في عام 1980 وتم تحويلها الى مستوطنة في عام 2001.
* كيريم عتصمونا: بها 24 مستوطناً وتأسست في عام 2001.
* كفار يام: بها 10 مستوطنين تأسست في عام 1983.
* نتساريم: جيب معزول للمتطرفين اليهود به 496 مستوطناً وتأسست في عام 1972. يمكن الوصول اليها فقط في حافلات مدرعة في طريق مفرد من اسرائيل. وكثيراً ما يضرب الناشطون الفلسطينيون هذا الممر.
* نيسانيت: بها 1064 مستوطناً وهي الاكبر بين ثلاثة جيوب علمانية متوسطة على الحدود الاسرائيلية. أسسها في عام 1982 مستوطنون انتقلوا من سيناء. بدأ سكانها الانتقال من تلقاء انفسهم الى اسرائيل.
* ايلي سيناي: بها 407 مستوطنين. تقع بجوار نيسانيت واقيمت في عام 1983. قرر معظم سكانها الانتقال. قال المستوطن آفي فرحان وهو احد مؤسسيها انه وبعض الاسر الاخرى يريدون البقاء تحت الحكم الفلسطيني.
* دوجيت: بها 79 مستوطناً. اسستها ثلاث اسر في عام 1990 من حركة استيطان غوش ايمونيم.