هو وهي

غضب في الشارع
إعداد: ريما سليم ضومط

غضب في البيت


من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بلبنان بروز موجةٍ عارمة من الغضب بين المواطنين لم تطفئها انتفاضة الشارع، وإنّما حملها كل فردٍ إلى منزله، وترجمها توترًا وانفعالًا وتصرفات عدائية أو سلوكًا استفزازيًا، ما أدى إلى تزايد الخلافات العائلية وبشكلٍ خاص بين الزوجين نتيجة صبّ كل منهما جام غضبه على الآخر.

الغضب في الزواج مشكلة يجب معالجتها قبل أن تتفاقم وتؤدي إلى عواقب وخيمة.


يوضح الاختصاصي في علم النفس العيادي المؤهل أول عمّار محمد أنّ الغضب جزء من مشاعر الإنسان وانفعالاته الطبيعية في مواجهة ما يعتبره ظلمًا أو غبنًا بحقه. ويضيف أنّ حدّة الغضب تختلف بين شخصٍ وآخر، لذلك فإنّ بعض ردود الفعل الانفعالية التي تحمل شيئًا من التوتر لا تشكّل خطرًا على علاقة الأفراد ببعضهم البعض، وإنّما هناك عوامل أخرى تجعل من الغضب أمرًا مثيرًا للقلق، كمثل الغضب الحاد والمتكرر الذي لا يمكن السيطرة عليه، ولجوء المرء إلى ردود الفعل العصبية للحصول على ما يريده، بالإضافة إلى شعور الإنسان الغاضب بالراحة عند صبّ جام غضبه على الآخرين حتى وإن لم يكن لهم ذنب في الموضوع الذي أثار حنقه. ويؤكد المؤهل أول محمد أنّ هذا النوع من الغضب يؤثر سلبًا على صحة الفرد النفسية والجسدية وعلى علاقته بالآخرين.
 
آثار صحية
على الصعيد الصحي، يمكن لهرمونات الإجهاد التي تصاحب الغضب المتكرر أن تفرز مواد تؤدي إلى تدمير الخلايا العصبية في مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة، وإلى إضعاف الجهاز المناعي، كما يمكن أن تؤدي إلى أمراضٍ وأزماتٍ قلبية. كذلك، يمكن للغضب أن يتسبب بمرض الشراهة أو الإدمان على الكحول والمخدرات، كما يؤثر أيضًا على الحياة الاجتماعية للفرد حيث أنّ الشخص الغضوب يخسر أصدقاءه، كما يصعب عليه بناء علاقات اجتماعية ناجحة بسبب أطباعه الحادة.
 
إدارة الغضب
في الإطار نفسه، يؤكد المؤهل أول محمد أنّ الغضب هو أحد العوامل الأساسية التي تهدد سلامة الحياة الزوجية، خصوصًا إذا ما سيطرت عواصفه على أجواء المنزل. فالشريك الغضوب الذي لا يستطيع السيطرة على انفعالاته ولا يمكنه معالجة مشاكله بهدوء، يفقد ثقة شريكه ويدفعه إلى النفور منه وإلى البحث عن مشاعر الود والتعاطف خارج المنزل الزوجي. لذلك، يُنصح هذا النوع من الأشخاص بطلب العلاج النفسي للتخلص من مشكلة الغضب.
أمّا في ما خص مشاعر الغضب العادية، الناتجة عن ضغوطات الحياة اليومية، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانيها مجتمعنا، فيمكن إدارتها والتغلب عليها إذا ما تعامل معها الشريكان بحكمةٍ ورويّة. ويقدّم الاختصاصي في علم النفس بعض النصائح المفيدة في هذا الإطار:
- تكمن الخطوة الأولى في مكافحة الغضب، الابتعاد عن العوامل المحفّزة له إن بالكلام أو عبر سلوك معين. فالشريك يجب أن يدرك ماهية الأمور التي يمكن أن تثير غضب شريكه، وأن يلاحظ العلامات التحذيرية لموجة الغضب وذلك من أجل تفادي الوقوع في المشكلة وإدارة الخلافات بحكمة قبل خروجها عن سيطرة العقل.
- عدم مواجهة الغضب بمثله، وقد يتطلب هذا الأمر مرونة وطول أناةٍ من الطرف الآخر، لكن النتائج التي يحصل عليها غالبًا ما تكون مذهلة. فبدلًا من مقاطعة الشريك الغاضب بكلمات قاسية، يمكن مجاراته بعباراتٍ رقيقة مثل: «معك الحق»، «أشعر بألمك»، «أدرك أنّك مرهق، ما رأيك بفنجان من القهوة؟ فمثل هذه الكلمات تعمل كالسحر في تهدئة الانفعالات، وتُشعر الطرف الآخر باهتمام شريكه ومحبته.
- إنّ التعامل مع الشريك بمحبة لا يعني السكوت عن الخطأ أو الخوف من إبداء الرأي لتفادي الخلاف، وإنما يجب اختيار التوقيت الصحيح للمناقشة بروية. والحل الأنسب هو تأجيل العتاب إلى ما بعد انتهاء العاصفة، وهذا لا يعني أن يبدأ الشريك بلوم شريكه فور تهدئة الأجواء بينهما، أو فور عودته من عمله، أو على الهاتف مثلًا، بل يجب انتظار الوقت الملائم لذلك، أي حين يكون الطرفان في حالة راحة واسترخاء.
- عدم التعامل بلامبالاة تجاه غضب الشريك لأنّ ذلك يُعدّ من أسوأ درجات الاستفزاز، وحطًّا من قدره واستهانة بشخصيته، ما يؤدي إلى المزيد من العدائية بين الطرفين.
- عدم إقحام الآخرين في الخلافات، خصوصًا الأهل والأصدقاء المقربين لأنّ ذلك يزيد من شحن المشاعر السلبية وزيادة حدة الغضب.
- الحرص على التحكم في الانفعالات من خلال الابتسامة التي تُعتبر دعوة إلى المصالحة والتفاهم، ورسالة غير مباشرة لإعلان وقف النزاعات داخل الأسرة، كما أنّها كفيلة بتبديد غيوم التوتر وشبح الغضب وإضفاء أجواء السعادة والفرح على المنزل.