هو وهي

فارق السن الكبير بين الزوجين
إعداد: ريما سليم ضومط

القبول بالتسويات ضروري

 

تختلف نظرة المجتمع إلى فارق السن بين الزوجين من بيئةٍ إلى أخرى، فالبعض يرى أن الرجل يجب أن يكون الأكبر سنًّا، في حين لا يمانع البعض الآخر من أن تكون المرأة أكبر من الرجل بفارقٍ بسيط، إلّا أن الجميع تقريبًا لا يحبّذ الزيجات القائمة على فارقٍ كبيرٍ في السنّ، ويعتبرها مخالفة لشريعة الطبيعة البشريّة، ما يجعل نتائجها غير مضمونة. فما مدى صحّة هذه الأفكار؟

 

الفشل ليس حتميًّا وكذلك النجاح
يؤكّد الاختصاصي في علم النفس العيادي المؤهل أوّل عمّار محمّد أن وجود فجوة في العمر بين الزوجين لا يؤدّي بالضرورة إلى فشل الزواج. فالدراسات الحديثة تشير إلى الكثير من العوامل الأخرى التي تحدث شرخًا بين الشريكين وتؤدّي إلى الطلاق، ولا يعتبر فرق السن في مقدّمتها. فكثيرٌ من الزيجات التي لم تشهد فارقًا ملحوظًا في العمر بين الشريكين انتهت بالفشل، في حين كُتب النجاح لزيجاتٍ كان أصحابها من أجيالٍ مختلفة. وهو يوضح أن هناك عدّة عوامل تحدّد فشل الزواج أو نجاحه، ومن أهمّها الحب والتفاهم واحترام الآخر، بالإضافة إلى التقارب في الأفكار لا سيما تلك المتعلّقة بالقيم والمبادىء الأخلاقيّة والاجتماعيّة، والتشابه في التطلّعات والتوقّعات والأهداف المستقبليّة. لكنّه يؤكّد في الوقت نفسه، أنّه لا يجوز التقليل من أهمّية فارق العمر، وينصح في هذا الإطار الأشخاص الذين يهمّون بالزواج من شريكٍ يفصلهم عنه فارقٍ في العمر يتجاوز الخمسة عشر عامًا، أن يفكّروا مليًّا في إيجابيات المسألة وسلبيّاتها قبل إقدامهم على الخطوة الكبيرة.
 

لماذا يختار المرء شريكًا من جيلٍ مختلف؟
يوضح المؤهّل أول محمّد أنّ المرأة التي تتزوّج برجلٍ من جيل والدها، قد تبحث فيه عن الأمان والاستقرار، أو ربّما تسعى إلى العيش في يسرٍ وبحبوحة، وهي في الحالتين سوف تجد ضالّتها في الشخص الذي اختارته. ولكنّ ما الذي يحصل بعد أن تطمئن المرأة الشابّة إلى وضعها المستقر، وتبدأ بوضع أهدافٍ أخرى على صعيد الحياة الاجتماعيّة والعمليّة تنسجم مع روحها الشابّة، فيما قد لا تنسجم مع عقليّة رجلٍ مسنٍّ؟ في سيناريو مماثل، يُرجّح أن الرجل الّذي يتزوّج بامرأة في سنّ والدته، فإنّما يبحث عن امرأة تشبه والدته من حيث نضوجها الفكري وخبرتها الحياتية وقوّة شخصيّتها، الأمر الذي تفتقده صغيرات السن. والسؤال المطروح هنا أيضًا: ما الذي سيحصل بعد سنوات حين تدخل الزوجة في مرحلة سن اليأس، فيما لا يزال زوجها الشاب في ذروة شبابه وحبّه للحياة؟
ممّا لا شك فيه أن الشريك الأصغر سنًّا في الزواج يستفيد من خبرة الطرف الأكبر سنًّا ويستمدّ منه الثقة والأمان. وفي المقابل، يستفيد الطرف الأكبر سنًّا من مجاراة شريكه الشاب، فتراه يمارس التمارين الرياضيّة ويهتم بنظامه الغذائي ما ينعكس إيجابًا على صحّته ومظهره الخارجي، لكنّ هذا الأمر لا يمكن أن يدوم لفترةٍ طويلة. ففي مرحلةٍ معيّنة، تصبح مجاراة الشريك الأصغر سنًّا مسألةً صعبة. فإذا كانت المرأة هي الأكبر، قد تخشى من أن ينجذب زوجها لشابّات أصغر سنًّا، والعكس صحيح بالنسبة إلى الرجل الذي يشعر بالتهديد عند تراجع قدرته الجنسيّة في عمرٍ معيّن.
 
مراحل ومتطلّبات
في هذا الإطار، يشير المؤهل أول محمد إلى أن الإنسان يمر في حياته بمراحل مختلفة لكلّ منها خصائصها التي تميزها عن المراحل الأخرى. فخلال مرحلة الشباب، يتحلّى المرء بالطاقة والحيويّة، ويسعى إلى تحقيق ذاته في العمل، يدفعه إلى ذلك طموح كبير ورغبة في التقدّم. في هذه المرحلة أيضًا، يسعى المرء بكل حواسه للمغامرة والاستمتاع بالحياة، فتراه يميل إلى الحياة الصاخبة بما فيها من سهر وسفر ونشاطات اجتماعيّة ورياضيّة مختلفة. كذلك يتميّز المرء في سن الشباب برغبةٍ جنسيّة قويّة وقدرة عالية على تحقيق التواصل الجنسي. ويختلف الأمر بالنسبة إلى كبار السن، فهؤلاء لا تجذبهم الحفلات الصاخبة أو الرحلات الطويلة والنشاطات المكثّفة، بل يسعون إلى حياةٍ أكثر هدوءًا بعيدًا عن الصخب والضجيج ويفضّلون الاستقرار والسكينة. بالإضافة إلى ذلك، تختلف الاحتياجات العاطفيّة لكبار السنّ مع انخفاض الرغبة الجنسية لديهم، وتزداد في المقابل حاجتهم إلى الرعاية لا سيّما إن كانوا ممن يعانون أمراضًا أو أوجاعًا مزمنة. من هنا تؤكّد معظم الدراسات أن فارق العمر بين الزوجين يجب أن يراعي جميع التغيّرات الفكريّة والنفسيّة والبيولوجية التي يخضع لها المرء في مراحل حياته المختلفة، وذلك لضمان استمراريّة الزواج وديمومته. فالزوجان اللذان ينتميان إلى أجيالٍ مختلفة سيواجهان مشكلة إيجاد أرضيّة مشتركة لحياة اجتماعيّة مرضية للطرفين، لا تسبّب ضيقًا أو إحراجًا لأيّ منهما، كما سيواجهان مشاكل عاطفيّة بسبب اختلاف نظرة كلٍّ منهما إلى الحب والجنس بحسب المرحلة العمريّة التي يمرّ بها. كذلك، سيواجه الثنائي التحدّي الكبير المتمثّل بنظرة المجتمع إلى الزواج غير المتكافىء. فالشريك الأصغر سنًّا سوف يتّهم بزواج المصلحة، فيما ستلقى على الشريك الأكبر سنًّا تهمة الاستغلال. وغالبًا ما يسمع الزوجان تعليقات مزعجة كمثل: يبدو في سنّ والدها! أو هل هذه حقًّا زوجته؟ تبدو كأمّه! هناك أيضًا الرفض الذي يمكن أن يواجه به الطرفان من قبل الأهل، والذي يمكن أن يؤثّر سلبًا على علاقتهما. فالأهل يتخوّفون من زواج ابنهم بامرأةٍ تكبره سنًّا لاعتقادهم أن ذلك يقلّل من فرص الإنجاب، ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى أهل الفتاة التي ترتبط برجلٍ يكبرها كثيرًا في السن لأنّهم يعتقدون أنّها لن تستمع بحياتهما معًا وسوف ينتهي بها الأمر بأن تكون ممرّضة له.
في المقابل، فإن الزوجين المتقاربين في السن لن يواجها المشاكل المذكورة سابقًا، وإنّما سيباشران حياتهما معًا بمقدارٍ متقارب من التجربة والخبرة، وبأفكارٍ منسجمة وتوقّعاتٍ متشابهة تجاه حياتهما المشتركة. لذلك، على مَن اختارا التفاوت الكبير في السن، التأكّد اوّلًا من صدق مشاعرهما، ومن قدرتهما على رؤية الأمور بالمنظار نفسه، أو على الأقل من وجهة نظر متقاربة، والأهم أن يكونا مستعدين للقبول بالتسويات التي ستغدو أمرًا ضروريًّا في مراحل معيّنة في حياتهما معًا.