- En
- Fr
- عربي
أسماء لامعة
عصامية مثابرة، رفعت قضية المرأة العربية على منابر الأمم المتحدة زهاء خمسة عشر عاماً. همّها الأكبر تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في المنطقة العربية وخصوصاً في مجال الأحوال الشخصية وقانون الجنسية. وهي تسعى جاهدة لحثّ المرأة على خوض الحياة السياسية لأنها السبيل الوحيد الى تحقيق مطالبها القانونية، والمشاركة في التنمية الإجتماعية.
إنها السيدة فاطمة سبيتي قاسم، التي عالجت القضايا التجارية، وناضلت وما تزال تناضل من أجل القضايا الإنسانية ولا سيما في مجال حقوق المرأة.
معالم نضال
في طرابلس الغرّاء، ولدت السيدة فاطمة سبيتي قاسم في آب 1944، والدها السيد حسن سبيتي (تاجر)، ووالدتها السيدة أسما قرقناوي (حلبية الأصل)، وهي سيدة مثقّفة، مارست مهنة التعليم في الأربعينيات، وكتبت الشعر والنثر، زرعت في نفوس أبنائها حب العلم والمعرفة وحثّتهم على النضال من أجل الحق والخير.
نشأت السيدة فاطمة سبيتي قاسم على الطموح والتطوّر. أنهت دروسها الثانوية في مدرسة هاي سكول (High School) في طرابلس، ثم انتسبت الى الجامعة الأميركية في بيروت، وحازت إجازة في التجارة وإدارة الأعمال العام 1965. مارست مهنة التعليم في كلية الشويفات الوطنية في مادتي التجارة والمحاسبة، وكانت في الوقت عينه تتابع تحصيلها العلمي، حيث نالت العام 1970 شهادة الماجستير في إدارة التنمية والإقتصاد، وكان عنوان مشروع التخرُّج «فرصة المرأة اللبنانية المتخرجة في العمل» والذي لاقى الاهتمام الكبير في حينه، لأن حقوق المرأة كانت مهدورة ولم يكن أحد يطالب بها، ونُشر في مجلة «دراسات الشرق الأوسط».
الحافز الأساسي الذي دفعها الى معالجة هذا الموضوع، كان حرمان المرأة من عدة وظائف في مجالات كالهندسة والطب أو في منظمات دولية... وحصر عملها كمعلمة أو كسكرتيرة أو كممرضة، وبالتالي أرادت فاطمة من خلال دراستها، التي وقفت فيها عند رأي سيدات متخرجات، إنهاض نصف المجتمع من كبوته وحرمانه.
عصامية، تحب الإتكال على نفسها، بدأت بالعمل وهي في سن السابعة عشرة من عمرها، حيث عملت مضيفة طيران أرضية في شركة طيران الشرق الأوسط وأصبحت مديرة في ما بعد. خلال عملها في المطار ولمدة أربع سنوات، كانت تصل الليل بالنهار، تذهب صباحاً الى الجامعة لمتابعة تحصيلها العلمي وفي الليل تمارس عملها.
نضالها من خلال الأمم المتحدة
في أوائل السبعينيات عملت السيدة فاطمة كمساعدة أبحاث في الجامعة الأميركية مع أستاذها الدكتور عدنان اسكندر، ومن ثم انتسبت الى مكتب الأمم المتحدة (UNISOP)، وكان مركزه في بئر حسن، وعملت كمساعدة أبحاث في مجال التجارة الخارجية وخصوصاً في التجارة بين الدول الإشتراكية، مع مجموعة من الإقتصاديين البارعين. وبدأت بالتدرج في وظيفتها، وانتقلت بعد ثماني سنوات من موظفة محلية الى موظفة دولية، بتقدير وبترشيح من رئيسها الدكتور نسيم حنوش.
العام 1972 تعرّفت السيدة فاطمة على زوجها الدكتور زياد قاسم (سوري الأصل) زميلها في مكتب الأمم المتحدة، وكان أستاذاً محاضراً في الجامعة اليسوعية، وأنجبت منه ثلاثة أولاد هناء (35 عاماً) مهندسة معمارية، مي (33 عاماً) مخرجة سينمائية وأستاذة في جامعة (School of Visual Arts) في نيويورك لمادة كتابة السيناريو، رمزي (30 عاماً) محام وأستاذ محاضر في جامعة ييل في أميركا.
العام 1975 إندلعت شرارة الحرب في لبنان، عندها ارتأت الأمم المتحدة نقل اللجنة الى عمان العام 1976، وبقيت فيها لمدة عام.
العام 1978 قررت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة نقل اللجنة من بيروت الى بغداد، وبقيت فيها الى حين حصول الإجتياح العراقي لدولة الكويت العام 1990. في تلك الأثناء انتقلت السيدة فاطمة مع عائلتها الى نيويورك، والتحقت بجامعة كولومبيا للتحضير للدكتوراه في الإقتصاد الدولي.
العام 1993 التحقت من جديد بعملها مع الأمم المتحدة، وكانت مسؤولة عن قسم شؤون المرأة، الذي أنشأته في حينه الدكتورة ثريا عبيد، وهي تشغل الآن منصب المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للسكان (UNPPA). وفي هذه المرحلة انغمست في شؤون المرأة وشجونها وبدأ نضالها من أجل تحصيل حقوقها، وبدأت بالتحضير لمؤتمر بيجينغ (بكين). ولا بد من الإشارة الى أنه العام 1986 أضيف الى عمل اللجنة التي أطلق عليها إسم «إسكوا» البعد الإجتماعي، وكان صاحـب هذه الفكرة الدكتور حامد عمار.ونظراً الى تسليـط الضوء وبكثافة على القضايـا الإجتـماعية في التنمية الشمولية، وإثارة موضوع الفقر، ومشاركة المهمّشين، والمرأة والطفـل وذوي الإحتياجـات الخاصـة، في التنمية الإجتماعيـة، سعت السيدة قاسم الى فصل قضية المرأة عن القضايا الإجتماعية.
تحرير المرأة
من أهم الإنجازات التي حققتهـا السيـدة قاسم خلال خمسة عشر عاماً في الإسكوا، حثّ دول منطقة الإسكوا الـ13 في غربي آسيا، على تأسيس لجـان وطنية تُعنى بقضـايا المـرأة، حيث لم تكن توجد لجـان تُعنى بهذا الشأن باستثناء الأردن ومصر، وكان إسم اللجنة في لبنان اللجنة الوطنية للتحضيـر لمؤتمـر بيجينغ، وأصبـح في ما بعد، الهيئة الوطنية لقضايا المرأة، التي تترأسها اليوم السيدة الأولى وفاء سليمان. إنطلق عملها في مجال المرأة من مبدأ أنه لا توجد إمرأة شرقية وأخرى شرق أوسطية، بل أن هناك قواسم مشتركة في العذابات التي تواجهها المرأة عالمياً، لكن تجربتها تختلف بين دولة وأخرى، أو حتى ضمن البلد الواحد، حيث أنها تختلف بين منطقة وأخرى أو بين طائفة وأخرى. ولذا وجب العمل ودرس قضايا المرأة وفقاً للزمان والمكان.
ركّزت السيدة فاطمة على قضايا المرأة القانونية، ودرست بالعمق إتفاقية «سيداو» في المنطقة العربية، وتبيّن لها أن معظم الدول العربية صدّق على الإتفاقية، باستثناء السودان وقطر، ولكن مع وقف التنفيذ، أي التحفّظ عن البنود الداعية الى المساواة بين المرأة والرجل في المجالات شتى، وأهمها منح الجنسية لأولادها، والأحوال الشخصية وحق الإقتراع... والجدير بالذكر هنا أن دولة الكويت أزالت بعض التحفظات ومنحت المرأة حق الإقتراع العام 2005.
كما ركزت في عملها على النقاط التالية:
- عمل المرأة في المنظمات غير الحكومية.
- تأثير الفقر على المرأة أكثر من الرجل.
- أثر السلم والسلام على المرأة.
- الحركات النسائية في العالم العربي، وأين هي المرأة اليوم.
وتعتبر السيدة سبيتي أن ولوج المرأة المجالات المتنوعة، تجعل السياسي يشعر بقيمتها الفكرية والبدنية، ولكن للأسف معظم النساء يعتبرن مجال السياسة، وعراً لا يرغبن الغوص فيه، لذلك علينا العمل وبجد، على تغيير ذهنية المرأة في هذا الإطار، لأنه من دون مشاركتها في الحياة السياسية، من الصعب تحصيل حقوقها القانونية، وخصوصاً في مجال الأحوال الشخصية، وقانون الجنسية.
وتوضح أن «المشاكل الأساسية تبقى في الفرق ما بين النص والتطبيق في معظم الدول العربية».
بعد تقاعدها من عملها في الإسكوا العام 2005، تتابع اليوم العمل على أطروحة «الدكتوراه»، وعنوانها «قيادة المرأة في الأحزاب السياسية». وهي اليوم باحثة زائرة في جامعة كولومبيا.
تصوير: راشيل تابت