قضايا اقليمية

فشل شارون يضع إسرائيل على أبواب إنتخابات مبكرة
إعداد: إحسان مرتضى باحث في الشؤون الإسرائيلية

مثلما دخل الإرهابي العتيق آرييل شارون متبجحاً متمادياً الى لبنان عام 1982, ومن ثم خرج منه يجر أذيال الخيبة والعار, هكذا أيضاً دخل وبالأسلوب نفسه الى باحة المسجد الأقصى في نهاية شهر أيلول من العام 2000, ثم ما لبث ان تورط كرئيس للحكومة إثر سقوط باراك, في مواجهة نيران الإنتفاضة التي اشعلها بيديه, والتي أحاطت به من كل جانب بعد أن فشل في إطفائها بعد مرور المئة يوم الأولى التي طالب بها كمهلة قصوى لتحقيق الأمن والسلام لمجتمع المستوطنين الصهاينة. إلا أن الوعد سقط, ولم يجلب شارون معه للإسرائيليين والفلسطينيين سوى الكوارث والفواجع بعد أن سقط أكثر من 600 قتيل من الإسرائيليين وآلاف الجرحى والمعوقين, في مقابل أعداد مضاعفة من المدنيين الفلسطينيين المجاهدين ضد الإحتلال. حتى أن الصحافة الإسرائيلية راحت تتحدث عن حصول كارثة حقيقية في شتى المجالات الإجتماعية والإقتصادية, بعد أن خضعت إسرائيل لأسوأ حالة ركود إقتصادي في تاريخها بسبب تزايد الإنفاق العسكري العائد الى تواصل الإنتفاضة والتراجع المسجل في قطاع التكنولوجيا العالية, ما جعل إسرائيل تشهد حالة تراجع في الناتج المحلي العام للسنة الثانية على التوالي.
وقد انعكست هذه الأزمة الإقتصادية على الصعيد الإجتماعي فتم تسجيل إرتفاع كبير بنسبة البطالة التي سجلت رقماً قياسياً, إذ بلغ عدد العاطلين عن العمل 275 ألف شخص, أي نسبة 10.6% من القادرين على العمل. ويتوقع خبراء إقتصاديون أن تصل هذه النسبة الى 11% أو 13% مما يشكل, في المقاييس الإسرائيلية, كارثة إجتماعية محققة. كما وتصاعد من ناحية أخرى مستوى التضخم وإرتفع مؤشر الغلاء, ما انعكس سخطاً إجتماعياً ظهر أولاً في الإضراب التحذيري لمدة ثلاث ساعات, الذي نفذته المركزية النقابية مهددة بمزيد من التصلب. واشتكى الأجراء بنوع خاص من تراجع مستوى معيشتهم في غياب اتفاق بشأن ربط مداخيلهم بمستوى التضخم وإن بشكل جزئي.


في مقابل هذا المشهد الدراماتيكي على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي, وبعد إقرار قادة الجيش بالعجز عن إيجاد حل عسكري للإنتفاضة, وجد شارون نفسه أمام مأزق معنوي وسياسي لا يحسد عليه, خاصة بعد أن نشرت عدة صحف إسرائيلية من بينها معاريف, أن 72% من الإسرائيليين أعربوا عن غضبهم من إدارة شارون للأزمتين الإقتصادية والسياسية, ما أرغم هذا الأخير على تسريب أنباء بشأن إجراء إنتخابات مبكرة في مطلع العام 2003 بدلاً من نهايته, في وقت بدأت ترتفع شعبية أشخاص منافسين مثل بنيامين نتنياهو في حزب ليكود وعميرام متساع في حزب العمل. أما على الصعيد الشعبي العام, فقد كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت تقول: فيما تعمل أجهزة الإنقاذ بكامل جاهزيتها, فإن لدى الجمهور الذي يجلس وينتف شعر رأسه غضباً وإحباطاً, يوجد شعور بأن ليس لديه من يتوجه إليه. إنه لا يتمنى أدوية تخدير, وإنما قيادة قائدة تتحمل المسؤولية عن مصيره, وهذا ما افتقده في جميع القيادات التي تسلمت السلطة في أعقاب إغتيال إسحق رابين في الرابع من تشرين الثاني عام 1995.
هكذا إذن انخرطت الساحة السياسية الإسرائيلية في لعبة تقديم الإنتخابات العامة والإستعداد لها, وبدأت الهيئات والقوى السياسية المؤثرة في مناقشة المواعيد المناسبة لإجراء هـذه الإنتخابـات, خاصة بعد تأكيد رئيس الحكومة الصهيونية شـارون على عدم تراجعه عن مشروع الميزانية العامة, وتشديد زعيم حزب العمل بنيامين بن اليعازر على عدم تأييد هذا المشروع. وفي هذا السياق طلب وزير الزراعة شالوم سمعون, وهـو من المقربـين من بن اليعازر, بإنسحاب حـزب العمـل فـوراً مـن الحكومـة وعـدم الإنتظـار حتى منـاقشة الميزانيـة.
إلا أن حركة ميرتس التي تطمح لوراثة حزب العمل المتراجع, استاءت من بروز نجم اللواء في الإحتياط عميرام متساع, الذي يعتبر صاحب وجهة نظر سياسية تميل الى يسار حزب العمل, إذ أنه عارض في الماضي غزو لبنان, ورفض الكثير من الإجراءات القمعية الإسرائيلية في الضفة الغربية, ولذلك أعلن زعيمها يوسي ساريد أنه “كل بضعة أعوام يقوم حزب العمل باستبدال رأسه. ولكن هذا الحزب لا يغير نفسه ويبقى حزباً مريضاً, ضعيفاً وواهناً”.


والوضع داخل ليكود ليس أفضل حالاً مما هو عليه داخل العمل, فقد كتب يوسي أولمرت, وهو من قيادات الليكود, في يديعوت أحرونوت: “إن المطلوب هو إحداث تغيير دراماتيكي سياسي, وإلا فإن الليكود سوف يخرج من السلطة قريباً”.
وبعد أن عدد أمثلة وشواهد من واقع الحياة السياسية في إسرائيل, أشار الى أن “شارون ورفاقه يقتربون من اللحظة التي ستعيدهم فيها الإستطلاعات والنتائج الحقيقية الى أرض الواقع. فالأزمة الإقتصادية ­ الإجتماعية تلحق الضرر بقسم كبير من ناخبي الليكود” ثم تساءل قائلاً: “هل يفكرون في الليكود بأن الوضع الأمني المضعضع لن يؤثر على أنماط التصويت في الإنتخابات المقبلة؟” وأجاب: “الحقيقة المرة هي أنه في ظل قيادة رئيس الحكومة من الليكود تحطمت كل سدود الأمن الشخصي والجماعي, وإنّ لذلك عواقب”.
وهكذا تتضح صورة المعركة والمنافسة القادمة, حيث نجد أن شارون يعمل على استباق نتنياهو في الليكود, وبن أليعازر يريد إستباق عميرام متساع أو حاييم رامون في حزب العمل, وإيلي يشاي يريد استباق أرييه درعي في شاس وهكذا دواليك, ففكرة الإنتخابات المبكرة انطلقت ولا يستطيع أحد أن يوقفها, وهي بحد ذاتها شاهد آخر على فشل شارون الذي أدخل المجتمع الإسرائيلي والمنطقة في دوامة من العنف والضياع, بحيث أن خشبة خلاصه لم تعد تتمثل إلا في ركوب موجة جديدة من العنف الأكثر تطرفاً بهدف إغراق الواقع المر في واقع أشد مرارة, ولهذا السبب نجد شارون من أكثر المتحمسين لحض الولايات المتحدة على عدم تأخير هجومها المحتمل على العراق حيث قال في رسالة بعث بها الى صحيفة هآرتس أن الولايات المتحدة بتأخيرها الهجوم: “لن تجد في المستقبل ظروفاً أفضل لمثل هذه العملية”.


ومهما يكن من أمر فشارون واقع في مأزق كبير على الصعيدين الداخلي والإقليمي, وهو يعتقد أن التصعيد العسكري والأمني وحده هو القادر على التستير والتغطية على عوامل عجزه وفشله, وهو في هذا المجال لا ينسى تجربته مع قصف المفاعل النووي العراقي أوزيراك عام 1981 التي انقذته مع رئيسه بيغن من سقوط محقق. كما ويتذكر أن شامير سقط عام 1992 أمام رابين بسبب العمليات الإستشهادية وكذلك سقط بيريس عام 1996, وهو يتخوف من أن يلقى المصير ذاته مع إستمرار الإنتفاضة والمقاومة, ومع تأكد عجزه عن إيجاد حل عسكري لما يجري من مواجهات وصراعات على كل شبر من الأرض الفلسطينية داخل الخط الأخضر وخارجه, خاصة بعد تعطيله جميع الحلول السياسية حتى تلك التي لا تعطي للفلسطينيين سوى النزر اليسير من حقوقهم الوطنية والإنسانية والتاريخية المسلوبة بالقوة والقهر والعدوان.