تربية وطفولة

فضول الطفل طريق للخطر
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

مما لا شك فيه أنّ الطفولة مرحلة رائعة، حيث كل شيء هو اكتشاف وانبهار، هو انفتاح على المحيط القريب ومن ثم على العالم، إنّها مرحلة الجديد بكل ما فيه من دهشة، لذا يحمل كل يوم معه نصيبًا من المعرفة، لكنّه يحمل أيضًا مخاطر كثيرة.


إنّ محاولات الطفل لاكتشاف ما يحيط به، وجهده لفك رموز كل ما يراه ويتحسّسه بيديه، هو معايشة للخطر، وهو الخطر الذي يجب إبعاده عنه. هذا لا يعني التشدّد في المراقبة والحماية، كما لا يعني اللّين واللّامبالاة تجاه تصرفات الصغار، فهناك أولاد خَطِرون وهناك لحظات وظروف وأماكن وأدوات خطرة.
تُبيّن الدراسات أنّ ما بين 55 و60 في المئة من الحوادث المنزلية وغيرها، هي من نصيب الأطفال والأولاد الذكور، وذلك بسبب تصرفهم الحشري والخيالي والمحرّض. وأقسام الطوارئ في المستشفيات تعجّ بحالات حوادث الأطفال خلال الإجازات نتيجة تعدد الأمور التي على الأهل أن يهتموا بها. كذلك، فإنّ الانتقال من منزل إلى آخر، أو المشاكل الزوجية، أو فترات الحداد والأحزان، هي من العوامل التي تدفع بالطفل إلى حافة الخطر والعبث المؤذي. لكن مهما تعدّدت الأسباب والدوافع، فالنتيجة واحدة ومؤثرة: يبلغ عدد وفيات الأطفال بسبب الحوادث المنزلية في فرنسا على سبيل المثال 700 حالة سنويًا.
 
المنزل ومخاطره
المطبخ هو المكان الأول على لائحة الأماكن الخطرة، إذ تُمضي فيه العائلة معظم أوقاتها، وتحصل فيه نسبة واحد على أربعة من الحوادث، وهي تقع غالبًا لأطفالٍ دون السنة الرابعة من العمر.
 
مسبّبات الأذى
يحترق الأولاد لدى لمسهم حافة الفرن وجوانبه وهو ساخن، لذا يجب الاحتراس من اقترابهم منه. المكواة الساخنة الموضوعة في غير مكانها للانشغال بأمر طارئ، هي أيضًا مصدر خطر، وكذلك مقابض الطناجر وما شابه وهي ساخنة.
بعد الاحتراق، هناك الصعق بالكهرباء فقد يضع الأطفال أصابعهم الصغيرة في المفاتيح الكهربائية. وقد يجرحون أنفسهم بكل ما هو حاد وفي الطليعة السكاكين المرمية على الطاولة وليست في مكانها. نتابع التفصيل لنصل إلى أعلى درجة من حشريتهم، والقاضية بفتح الخزائن واستطلاع ما فيها، وتذوّق ما رُتّب على رفوفها من مواد وسوائل تنظيف، فيختارون أحدها على أنّه عصير طيّب المذاق وهنا الكارثة... وقد يقعون من على كراسيهم العالية بعد أن جلسوا أو أُجلسوا عليها دونما تثبيت وهم في حركة دائمة. وبسبب حركتهم النشطة، يضربون رأسهم بالأطراف الحادة للطاولة ويمكنكم تصوّر النتيجة. وحتى أنّهم «يختنقون» بأنواع المأكولات والحبوب المُعَدّة لمن هم أكبر سنًا منهم.

 

مخاطر جديدة
تشكّل مساحيق الغسيل الحديثة خطرًا على الأولاد إذ يعبثون بها ثم يلعقون ما تبقى منها على أصابعهم أو ينثرونها على أجسامهم النديّة، فتسبب «حروقًا»، لذلك يُفضَّل اختيار أنواع مُحكَمة الإغلاق.
أفران «الميكرو وايف» أتت لتسهّل حياة العديد من الأمهات، إلا أنّ كثيرات منهنّ يجهلنَ كيفية عمل هذه الآلة بصورة دقيقة، فهي تقوم بتسخين المحتوى الغذائي من دون التأثير الحراري على الوعاء. وعندما تسخّن الأم الباقي من الحليب في زجاجة الرضاعة أو بعض البطاطا المهروسة، كوجبة تقدمها لطفلها، عليها الانتباه لدرجة سخونة المأكولات من دون الاعتماد على حرارة الوعاء الخارجية، فالفرق شاسع بين حرارة الحليب الموجود داخل زجاجة الرضاعة وبين حرارة الزجاجة الخارجية.
في المرحاض قد يتعرّض الطفل لبعض أنواع الحروق وللتسمم، وبالتأكيد للغرق ولو في كمية قليلة من الماء. لذلك، قبل وضعه في المغطس، يجب التأكد من حرارة المياه. كما يجب التأكد من وجود الأدوية ومواد التنظيف والتعقيم والعطور في خزائن مغلقة.
نسبة الحوادث في المغطس أقلّ من سواها لكنّها واردة. وفضلًا عن الجروح التي تنجم عن التزحلق أو الاصطدام، فإنّ خطر الغرق قائم وثابت، إذ يكفي الطفل ثلاثون سنتيمترًا من الماء كي يغرق.
المقصّات وآلات الحلاقة ومجفّف الشعر أيضًا يجب إبعادها عن متناول الأطفال ووضعها داخل خزانة مغلقة. كما يجب إزاحة أكياس النايلون من أمام الصغار لأنّهم يعشقون حشر رؤوسهم فيها ما قد يؤدي إلى الاختناق. أخيرًا وليس آخرًا، الأبواب ذات الأقفال... تكفي مرة واحدة ليتعلم الصغير كيفية إغلاقها، وإذا فعل، سجن نفسه، فهو لا يعرف كيف يفتحها.

 

صعود من دون نزول
منذ شهره الخامس يضع الطفل كل ما يصل إلى يده في فمه، والنتيجة «الاختناق». النباتات الخضراء الموزعة في المنزل هي المسؤولة المباشرة عن بعض أنواع الحساسية وعن بعض الاضطرابات الهضمية، وتلك التي تحصل في الأوعية الدموية القلبية وأيضًا العصبية. إنّ مضغ الصغير قليلًا من أوراق هذه النباتات، يؤدي إلى نتائج سيئة كما لو أنّه تناول قليلًا من أي مركّب حمضي.
«الدبدبة» في الشهر العاشر والقدرة على الوقوف الطفل، يسمحان باكتشاف مفاتيح الكهرباء، والخزائن على أنواعها وأخطرها تلك التي تقع بسهولة. عندما يتعلم الطفل المشي والقفز، يجب أن نتحضّر لعدد كبير من الصدمات والزلات. العديد منها يمّر عابرًا والبعض الآخر يؤدي بالطفل إلى المستشفى بسبب ارتجاج في الدماغ أو كسور. ويجب الانتباه إلى أنّ الطفل قابل للوقوع من على الكنبة والكرسي أو طاولة منخفضة وسلّم داخلي، فهو في عمر السنة والنصف شَغوف بالصعود، لكنّه لا يعرف أصول النزول والعودة سالمًا إلى الأرض الصلبة.

 

لا يُترك وحيدًا
لا يجدر بنا إطلاقًا ترك ولد لم يتجاوز الثامنة وأحيانًا العاشرة (حسب نضوج الولد) لوحده في المنزل، كما يجب ألّا يغيب عن أنظارنا ولا سيما في غرفة فيها نافذة مفتوحة. علينا تفادي وضع أثاث ما تحت النافذة، فقد يستغله الطفل كدرجة يصعد عليها، وتؤدي به أحيانًا إلى الجانب الآخر من المبنى في «رحلة سقوط».الخطوات الوقائية من مخاطر النوافذ تتلخص في وضع شبك عليها، أو اتباع طرق حماية  تمنع الطفل من فتحها بقوته الذاتية.
إنّ حوادث وقوع الطفل (من عمر 15 شهرًا حتى 7 سنوات) من النوافذ ومن على الشرفات تكثر نسبتها تحديدًا في حالات الطقس الجيد والحار، إذ تُفتح الشبابيك على مصراعيها، وتجذب بإشراقها طفلًا، بعيدًا عن عيني أهله. نتيجة هذه الحوادث فائقة الخطورة: 25 في المئة من الحالات تؤدي إلى موت مباشر.
التسمّم بالرصاص خطر كان قد زال نهائيًا، إلا أنّه عاد وبنسب عالية جدًا، تحديدًا في المدن الكبرى وضمن عائلات تعاني أوضاعًا اقتصادية-اجتماعية متردية. هذا التسمم يحصل غالبًا عند الأطفال ضمن عائلات كبيرة تعيش في أماكن مغلقة من دون مساحات للعب والمرح، فهم يتسلّون بنزع الدهان عن الجدران وعن الشرفات. إنّ ابتلاع قشور الدهان عدة مرات، وهي تحتوي على 38 في المئة من أملاح الرصاص، يُحدث تسممًا قد لا يبدو جليًا في البداية، لصعوبة تشخيص الحالة بسبب العوارض الغامضة والبطيئة لهذا النوع من التسمم.
مبدئيًا، غرفة الطفل هي المكان الأنسب لحمايته من الخطر، ومع هذا فإنّها تتضمن مخاطر يجب تفاديها، كوقوع الرضيع من على الطاولة المخصصة لتغيير ثيابه، إذ يجب أن لا يغيب عن نظر الأم ولو لثوانٍ معدودة. الأسرّة المركّبة، هي فرح للأطفال، لكنّ احتمال السقوط عنها كبير، ويؤدي في حال حدوثه إلى ارتجاج في الدماغ أو بعض الكسور.
ويجب الانتباه إلى أنواع الدمى المعلّقة بواسطة خيوط على جوانب سرير الطفل، فإن لم يكن تثبيتها صحيحًا قد تؤدي إلى خنقه، كما يجب التنبُّه أيضًا إلى الأغطية والشراشف التي تضيّق على الصغير حركته وتمنعه من الإفلات منها بسهولة.
هذه الجولة على أرجاء المنزل قد تجعلنا نشعر بالغمّ وبأنّ خطرًا كبيرًا يهدّد طفلنا أينما اتجه، فتزداد مخاوفنا ونشعر بالتعب لما يجب فعله وما يجب تفاديه. لكن ما تمّت الإشارة إليه، هو تذكير وتنبيه لأمور نستطيع تجنبها بسهولة، ولحوادث نستطيع تفاديها، بالمراقبة العادية للأولاد من خلال عين ساهرة مُحِبة يقظة، وهذا ما يُبعد عنهم مخاطر الحوادث.