دراسات وأبحاث

فنزويلا... صراع على السلطة أم على الموارد؟
إعداد: د.أحمد علّو
عميد متقاعد

تشهد فنزويلا منذ مطلع العام أزمة رئاسية وصراعًا على السلطة. التردي الاقتصادي والفساد وهروب الاستثمارات وسواها من أسباب... غطاء للصراع والمنازلة التي يشهدها العالم بين القوى العظمى. ففنزويلا التي تختزن أكبر احتياطي نفطي في العالم، هي الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية التي لن تسمح للآخرين بإيصال نفوذهم إليها...
 

في الجغرافيا والتاريخ
تقع فنزويلا على الساحل الشمالي لأميركا الجنوبية، وهي تشاطئ البحر الكاريبي والقسم الشمالي من المحيط الأطلسي.
وتحدّها من البر ثلاث دول هي: كولومبيا من الغرب، والبرازيل من الجنوب، وغوايانا من الشرق. وتقابلها في البحر من الجهة الشمالية الشرقية دول جزر صغيرة هي: ترينيداد وتوباغو، غرينادا، آروبا وكوراساو، تتنازع معها حول بحرها الإقليمي.
رغم مقاومة الشعوب الأصلية، سقطت فنزويلا في العام 1522 تحت الاحتلال الإسباني، الذي استمر أكثر من ثلاثة قرون، وقسّمها إلى مقاطعات. ولإحكام قبضته عليها، أسس الاحتلال اقتصادًا استعماريًا يقوم على استخراج المعادن وإنتاج المحاصيل لمصلحة التاج الإسباني. وكان الذهب مع المعادن النفيسة الأخرى من أهم الدعامات التي عملت على ترسيخ دورة رأس المال التجاري في تلك المرحلة من التاريخ الفنزويلي.
قامت في البلاد عدة ثورات أنهت حقبة الاستعمار الإسباني، وكان أهمها ثورة سيمون بوليفار التي أدّت إلى تحرير كولومبيا الكبرى المكونة من فنزويلا وكولومبيا والإكوادور. أعلنت فنزويلا قيامها دولةً مستقلةً في العام 1830 على مساحة من الأرض تبلغ حوالى المليون كلم2، تقع على الساحل الشمالي لأميركا الجنوبية، حيث تلتقي القارة الأميركية بالبحر الكاريبي.
خلال القرن التاسع عشر عانت فنزويلا الاضطراب السياسي والدكتاتورية، إذ سيطرت عليها مجموعة من «الكوديللو» الإقليميين (هم زعماء عسكريون أقوياء مطلقون)، وشهدت كما معظم بلدان أميركا اللاتينية عدة انقلابات، إلى أن وصلت إلى الحكم حكومات ديمقراطية اعتبارًا من العام 1958.
أدت الصدمات الاقتصادية في فنزويلا خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين إلى أزمات سياسية تسببت بمقتل مئات الأشخاص في أعمال الشغب التي عُرفت بالـ«كاراكازو» أو ضربة كراكاس في العام 1989، وبمحاولتين للانقلاب في العام 1992، أعقب ذلك عزل الرئيس كارلوس أندريس بيريز بتهمة اختلاس الأموال العامة في العام 1993. وبنتيجة انهيار الثقة بين الأحزاب الموجودة تمّ انتخاب المسؤول الحكومي السابق هيوغو شافيز كرئيس لفنزويلا في انتخابات العام 1998. أطلق شافيز ما عرف بالثورة البوليفارية التي بدأت بتكوين جمعية تأسيسية في العام 1999 لكتابة دستور جديد لفنزويلا، فأصبح اسمها الرسمي «جمهورية فنزويلا البوليفارية» اعترافًا بفضل المحرّر بوليفار.

 

السكان
يبلغ عدد سكان فنزويلا وفق إحصاء شهر تموز 2018 (كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية) نحو 31 مليونًا و690 ألف نسمة. تعيش الغالبية العظمى منهم في مدن الشمال، وبخاصةٍ في العاصمة كراكاس، أكبر مدن البلاد.

 

الموارد الطبيعية
فنزويلا عضو فاعل في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، وهي تمتلك أكبر احتياطي من النفط في العالم يُقدّر بنحو 302.3 مليار برميل (تقديرات كتاب حقائق العالم للعام 2018). تنتج فنزويلا نحو 2 مليون برميل يوميًا (تقديرات المصدر نفسه للعام 2017), علمًا أنّه ثمة إحصاءات تفيد بأنّ هذا الإنتاج كان يفوق الـ3 ملايين برميل يوميًا في أواخر القرن الماضي (1996-2000).
وتفيد تقارير بأنّ فنزويلا واحدة من الدول الست القادرة على تزويد العالم نصف احتياجاته من البترول بحلول العام 2020. كذلك، تحتل فنزويلا المركز السابع عالميًا باحتياطها المؤكد من الغاز الطبيعي والمقدر بنحو 5.739 تريليون متر مكعب وفق تقديرات مطلع العام 2018. ولعل مواردها من البترول والغاز أحد أسباب أزمتها السياسية والاقتصادية.
أما مواردها الزراعية فهي: الذرة، قصب السكر، الأرز، الموز، القهوة، الخضار، الأبقار، الخنازير، الحليب، البيض والسمك.
وقد نجحت في تنويع مصادر الدخل بحيث لم تعد تمثل عائدات البترول سوى 43% بين 1998 و2000 مقابل 75% في السعودية.

 

الاقتصاد والأزمة
يعتمد الاقتصاد الفنزويلي على صادرات النفط بشكلٍ أساسي وتُعَدّ الولايات المتحدة الأميركية وجهة التصدير الأولى (نحو 41%)، تليها الصين (25%) والهند (12%) وفق تقديرات 2017.
استطاع الرئيس هيوغو شافيز من خلال عائدات النفط تنفيذ مخططه الهادف إلى رفع المستوى المعيشي للشعب الفنزويلي، وتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية، وتحسين الحياة بشكل عام، وبخاصةٍ للطبقات الفقيرة وساعده في ذلك ارتفاع أسعار النفط مطلع القرن الحالي.
لكن الأوضاع تغيرت مع حلول الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط بانتهاء العام 2014. وبعد وفاة شافيز في العام 2013 انتُخِب نائبه نيقولاس مادورو خلفًا له. لم يستطع الرئيس مادورو معالجة الأزمة الاقتصادية بالشكل المناسب، وازدادت الأمور تعقيدًا بسبب الضغوطات السياسية والاقتصادية الغربية على السلطة الحاكمة وعدم الاعتراف بشرعيتها، وانخفاض عائدات الصادرات النفطية (انخفضت الصادرات النفطية إلى نحو مليون ونصف مليون برميل فقط في اليوم)، وارتفاع منسوب الفساد، وانخفاض الدخل الفردي وفقدان فرص العمل. تفاقُم الوضع الاقتصادي وارتفاع المديونية الخارجية، وهروب الاستثمارات الخارجية، حرم عددًا كبيرًا من السكان من مداخيلهم ووظائفهم، كما فُقدت مواد غذائية كثيرة كانت تُستورد من الخارج ويعتمد عليها أكثر السكان في حياتهم اليومية. دفعت هذه الأوضاع بقسم كبير من السكان إلى مغادرة البلاد، وفي شباط 2019 قُدّر عدد الذين غادروها نتيجة الحالة الاقتصادية والسياسية والأمنية المتدهورة بنحو 3.4 مليون شخص. لجأ منهم نحو 2.7 مليون إلى دول أميركا الجنوبية اللاتينية ودول البحر الكاريبي، والباقي إما إلى الولايات المتحدة وكندا أو إلى بعض الدول الأوروبية التي يتحدّرون منها. كذلك، ارتفعت معدلات الجريمة وهربت رؤوس أموال الطبقتين المتوسطة والغنية. وأدى كل ذلك إلى تضخم حاد وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وضعف القدرة الشرائية.
 
القوات المسلّحة
تُقدّر القوات المسلّحة البوليفارية الوطنية الفنزويلية بحوالى 320 ألف جندي، يتوزعون على 5 فروع هي: البرية، والبحرية، والجوية، والحرس الوطني، والميليشيا الوطنية. وبعد العام 2008 أُضيف إليها فرع جديد يتألف من 600 ألف جندي من الاحتياط المسلح، ورئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

 

محاولة انقلاب 2019 والصراع على الرئاسة
تشهد فنزويلا منذ 10 كانون الثاني 2019 أزمة رئاسية وصراعًا على السلطة. فقد أُعلن الرئيس الحالي نيكولاس مادورو رئيسًا في انتخابات العام 2018، غير أنّ نتائج تلك الانتخابات كانت محل خلاف على نطاق واسع. بلغ الخلاف ذروته في مطلع العام الحالي عندما صرّحت الجمعية الوطنية لفنزويلا أنّ نتائج الانتخابات غير صالحة واستشهدت بالعديد من الأحكام الواردة في الدستور الفنزويلي للعام 1999. ثم قامت المعارضة بتنظيم احتجاجات وطنية ضد انتخاب مادورو والائتلاف الحاكم.
في 23 كانون الثاني 2019، أعلن خوان غوايدو، رئيس البرلمان الفنزويلي الذي تسيطر عليه المعارضة، نفسه رئيسًا بالوكالة للبلاد، أمام عشرات آلاف المؤيدين الذين تجمعوا في كراكاس احتجاجًا على الرئيس نيكولاس مادورو. وبعد وقت قصير، اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بغوايدو «رئيسًا بالوكالة» لفنزويلا. أيّدت غوايدو دول في أميركا الجنوبية، وأخرى أوروبية، بينما رفضت روسيا والصين وإيران ودول آسيوية الاعتراف به، وأكدت شرعية الرئيس الفنزويلي المنتخب مادورو.
في 24 كانون الثاني 2019 أعلن وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو، أنّ الجيش يرفض إعلان رئيس البرلمان خوان غوايدو نفسه رئيسًا بالوكالة لفنزويلا، وشهدت البلاد تظاهر عشرات الآلاف من معارضي مادورو ومؤيديه.
وهكذا، تعيش فنزويلا على وقع مدّ المعارضة الداخلية المدعومة من الخارج تحت شعارات سياسية وإنسانية وقانونية واقتصادية متعددة، مع التهديد بالتدخل العسكري الأجنبي، وجَزر سلطة الرئيس مادورو ودعوته لحل القضية بالطرق الحوارية القانونية المحلية مدعومةً ببعض الوساطات الدولية، وبخاصةٍ من روسيا والصين وكوبا. وفي مقابل تصعيد الرئيس ترامب في وجه مادورو، يعلن الأخير عن استعداده مع مؤيديه للدفاع عن فنزويلا ضد أي تدخل خارجي وتحت أي شعار كان.
إنّ ثروة فنزويلا الكبيرة في موارد الطاقة من النفط والغاز، وموقعها الجيوستراتيجي، ودورها الجيواقتصادي، وثورتها السياسية الاقتصادية والعقائدية، التي لا تتوافق مع توجهات دول الجوار، جعلتها تحت مجهره وفي دائرة مطامعه وحصاره. فتموضعها المغاير لمعظم دول هذا الجوار أفسح المجال للتدخل في شؤونها الداخلية، من قبل القوى الكبرى التي تعيش في ما بينها صراعًا مفتوحًا على احتمالات وسيناريوهات شتى، قد يكون العنف الدامي أحد وجوهها...

 مراجع:


- https://en.wikipedia.org/wiki/Venezuela
- https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/ve.
- https://www.theguardian.com/world/venezuela
- https://www.bbc.com/news/world-latin-america
- https://www.foreignaffairs.com
- https://www.aljazeera.com/topics/country/venezuela.