مواسم وخيرات

فوائده عظيمة وعائداته كبيرة
إعداد: د. حسين حمود
الجامعة اللبنانية - كلية الزراعة


لماذا يتعثر إنتاج الفطر في لبنان؟
الفطر الزراعي يضاهي بقيمته الغذائية اللحوم من حيث ارتفاع نسبة البروتينات فيه، مما دفع البعض إلى تسميته باللحم النباتي أو لحم الفقراء. بعض الدول العربية وخصوصًا مصر وسوريا والجزائر والمغرب تسجّل تقدّمًا ملحوظًا في تقنيّات زراعة الفطر وتحقّق ارتفاعًا مستمرًا في حجم الإنتاج.
أما في لبنان فتواجه هذه الزراعة منذ أكثر من عشر سنوات نكسة كبرى...

 

بروتين مملكة النبات
يعرف الفطر بالمشروم أو عش الغراب أو عيش الغراب، ويعود سبب تسميته هذه إلى كونه يشبه رغيف الخبز وإلى أن الغراب كان يتغذّى عليه. وعلى الرغم من أنه ينتمي إلى المملكة النباتية، إلاّ أن الفطر ليس نباتًا فهو لا يكوّن غذاءه عن طريق مادة الكلوروفيل بل عن طريق مواد يستطيع بها تحليل مادة السليلوز من المواد العضوية التي يزرع عليها. ويعتمد الفطر أساسًا في حياته على امتصاص المواد الغذائية من النباتات الحيّة أو الآخذة في التحلّل في البيئة المحيطة.
يتكوّن جسم الفطر عادًة من ساق وقبّعة، وله ألوان مختلفة بدءًا من الأبيض حتى الشاحب والزاهي والمرقّط، مما يعطيه شكلاً جميلاً. وتتنوع أشكال الفطر مع تنوّع البيئة التي ينمو فيها، فبعض الأنواع ينمو على الأخشاب والبعض الآخر على قشّ الأرزّ أو على مواد عضوية متحلّلة. كما تتباين أشكال الفطر وفق الجو الذي تعيش فيه، فبعضها ينمو في الجو البارد والبعض الآخر في الجو الدافىء، وهناك أنواع تنمو موسميًا وأخرى تنمو على مدار العام. ونظرًا الى الأماكن المختلفة وللظروف البيئية المتنوعة التي ينمو فيها الفطر، فإن أنواعه الكثيرة تختلف اختلافًا كبيرًا، فمنها ما هو صالح للأكل ومنها ما هو سام.

 

الفطر الصالح للأكل والفطر السام
تتميّز أنواع الفطر الصالحة للأكل بنسبة عالية من البروتين، كما تحتوي على فيتامينات هامة وعلى بعض الأملاح المعدنية. ومعروف أنها سهلة الهضم وتعتبر مكمّلاً غذائيًا كاملاً للجسم. ومن هذه الأنواع الصالحة للأكل نذكر، المحاري والآجاريكس والشيتاكي والصيني والشامبينيون الفرنسي وفطر العسل والنفاث ورأس القرد والسولاريس وفطر الصنوبر واللحية البيضاء. وأكثر هذه الأنواع استخدامًا الفطر الصيني الذي يعدّ من الأنواع المحبّبة في معظم دول جنوب شرق آسيا، والشامبينيون الفرنسي الذي يشكّل إنتاجه أكثر من 35% من إنتاج الفطر في العالم. ومما لا شك فيه أنه لا يمكن أثناء زراعة أحد هذه الأنواع أن تنمو معها أنواع أخرى غير صالحة للأكل، خصوصًا إذا كانت البذور من مصدر موثوق به.
أما الأنواع السامّة من الفطر فمعظمها ينتمي إلى جنس الأمانيت (Amanita) وهي تنتشر في معظم أنحاء العالم. هذه الأنواع تحتوي على السم ألفا أمانيتين (Alfa Amanitin) الذي يصيب الكبد ويسبّب الموت، ومن أهم الأنواع السامة نذكر: Amanita rhalloides وA. virosa وA.ocreata وA. verna.
هناك الآلاف من أنواع الفطر السامة، وليس هناك من طريقة نظرية لمعرفة السام من غير السام إلاّ بالتحليل الكيميائي، والإعتماد على الشكل فقط غير كاف لمعرفته.
فالفطور البريّة تتشابه من حيث اللون والشكل، وبالتالي لا يمكن الحكم على أحدها بأنه سام أو غير سام من خلال لونه أو طول ساقه أو مكان نموّه، بل تبقى الخبرة العمليّة الوسيلة الوحيدة للتمييز بين الفطر السام وغير السام. وهناك أنواع من الفطر تكون سامة وهي طازجة، فإذا طبخت زال سمّها وبالعكس تمامًا حيث أن هناك أنواع إذا طبخت أصبحت سامّة. لذلك ينصح بعدم جمع الفطر من البراري والإكتفاء بالأصناف التي تباع والتي يقوم بانتاجها أو جمعها أناس مختصون.
يبدأ التأثير السام بحساسيّة بسيطة وتقيؤ بعد 12 ساعة من تناول الفطر، ثم يحدث الإغماء والوفاة في الحالات المتوسّطة بعد فترة تراوح بين 3 و5 أيام.

 

الإنتاج العالمي للفطر
تعتبر أميركا الشمالية وهولندا وفرنسا والصين وبريطانيا وتشيلي والمكسيك والهند وأندونيسيا وماليزيا أكبر عشرة دول منتجة للفطر في العالم. وتعتبر ألمانيا أكثر الدول استخدامًا له. ونظرًا إلى أن الفطر يساهم كثيرًا في حل مشاكل نقص البروتيين، فهو يزرع في دول الشرق الأوسط وأولها مصر ضمن المشروعات الإنتاجية الصغيرة للشباب، والمزارع الصغيرة والأسر المنتجة.
وتعتبر مصر أكثر الدول العربية تقدّمًا في الزراعة الحديثة للفطر والتي تنتشر في دول عربية أخرى تأتي المغرب في طليعتها، حيث فيها بعض المزارع الحديثة التي تنتج كميات كبيرة منه (1200 طن) وسوريا (450 طن) والسعودية والجزائر والأردن (500 طن). وتهتم هذه الدول حاليًا بإجراء البحوث العلمية والتطبيقية على الفطر. أمّا بالنسبة الى لبنان فما من إحصائيات رسمية حول إنتاج هذا القطاع الزراعي، بل هناك تساؤلات تطرح اليوم وخصوصًا من قبل عدد من المموّلين والمستثمرين حول أسباب عدم استمرارية بعض مشاريع إنتاج الفطر في لبنان.

 

الأهمية الغذائية للفطر وفوائده الصحيّة
يحتوي الفطر على 47% مواد جافة و53% ماء، والمادة الجافة تحتوي على 35% بروتين و47% دهون و8% ألياف و10% مواد معدنية (مثل الكلسيوم والصوديوم والمنغنيز والمغنيزيوم والفوسفور والبوتاسيوم والحديد والزنك والنحاس واليود وغيرها). والفطر سهل الهضم وهو من أفضل المقوّيات غير الضارّة، كما أنه يخفّض كمية الكولستيرول في الدم وهو مصدر هام لمجموعة فيتامين ب. وقد ازداد الطلب عليه بسبب قيمته الغذائية العالية.
 يقوّي الفطر جهاز المناعة عند الإنسان، ويعتبر العلماء أن تناوله بشكل منتظم يحافظ على صحة الجسم ويحميها من الأمراض كما بيّنت الدراسات أنه منشّط للجسم ويوصف في حالات فقر الدم والإرهاق ونقص المعادن. إلى جانب ذلك فالفطر طارد للسموم من الجسم ومنظم لوظائف أعضائه بشكل صحيح كما أنه يقلّل التصاق الصفائح الدموية ما يعني التقليل من فرص تكوّن الجلطات، كذلك يمنع الفطر تآكل خلايا الأنسجة وتلفها ويقي من أمراض الشيخوخة.

 

إنتاج الفطر في سوريا
انتشرت زراعة الفطر بشكل واسع في سوريا خلال السنوات الخمس الأخيرة، كزراعة منزلية وتجارية مهمة. ويعتبر المهندس رفعت عطاالله الخبير بزراعة الفطر أن هذه الزراعة تعطي عائدًا ماديًا جيدًا ويمكن إقامتها في المنازل، وأنها لا تعوّق أي عمل آخر يقوم به العامل أو الموظف، وهي عملية إنتاج بخبرات محلية 100%. ويوضّح محمد صالح المشرف على تجهيز الخلطات لزراعة الفطر أن كل 150 مترًا مربّعًا مزروعة بالفطر تعطي حوالى 40 طنًا من الفطر الطازج سنويًا.
الوضع الراهن
 

لإنتاج الفطر في لبنان
واجه قطاع زراعة الفطر في لبنان في السنوات الأخيرة نكسًة كبرى نتيجة توقّف عدد كبير من مشاريع الإنتاج في مناطق مختلفة من لبنان. فقد اضطر عدد كبير من مزارع الفطر الفردية الصغيرة إلى التوقف عن العمل، ويعود ذلك إلى أسباب أبرزها، عدم الإلمام التقني والفني الكافي بمستلزمات هذه الزراعة خلال مراحل الإنتاج، وعدم توافر آليات مناسبة للتسويق والتصدير والتصنيع، بالإضافة إلى عدم المعرفة بمصادر المعدّات والتجهيزات وكيفية عملها، والكلفة العالية لبذور الكومبوست المستوردة.
لكن هذا الوضع يمكن معالجته، وفي هذا الإطار يقدم مختصون المقترحات الآتية:
1- إقامة معمل لإنتاج الكومبوست علمًا أن مواده الأولية هي من قش القمح المحلي.
2- إقامة مختبر لإنتاج البذور (المواد الأولية هي حبوب القمح).
3- إقامة مؤسسة لشراء الإنتاج من المنتجين الصغار وتجميعه وتسويقه.
هذه العناصر، في حال توافرها يمكن أن تعمّم زراعة الفطر على معظم سكان القرى مهما كانت الإمكانات المادية متواضعة، وبالتالي فهي تتيح خلق فرص عمل لأعداد كبيرة من المواطنين.