تحقيق عسكري

فوج التدخل الأول
إعداد: ندين البلعة خيرالله

أسرع من البرق وأقوى من حدّ السيف فوج التدخل الأول

القبّعة الخضراء علامة الثقة والاطمئنان في أحياء أنهكتها الحروب

 

الزاهرية، باب الرمل، والأسواق القديمة... أحياء ارتبط ذكرها بذكر فوج التدخل الأول إلى حدٍّ كبير. أهلها بشكلٍ خاص وأهالي الجوار بشكلٍ عام، لم ينسوا الأيام الطويلة الصعبة التي شهدتها. لم ينسوا التجارب القاسية في ظلّ انتشار مجموعات مسلّحة حوّلت الحياة إلى جحيم.
إنّهم يذكرون تلك الأيام لكنّهم يعرفون أنها «لن تنعاد». تلك «البيريه» الخضراء التي يعتمرها جنود فوج التدخل الأول، هي علامة الثقة والاطمئنان التي أعادت حياتهم إلى إيقاعها الطبيعي، وأعادت لطرابلس دورها.
قائد الفوج العميد الركن غسان فاضل، يحدّثنا عن فوجه، وعن الجهود اليومية والتدريبات، والحِرَفية التي بلغها العسكريون...

 

تدريب متخصّص
يركّز العميد الركن فاضل في مستهلّ حديثه عن الفوج، على الناحية التدريبيّة، التي بفضلها حقّق العسكريون مستوًى عاليًا من الجهوزية والحرفية في مختلف المجالات، بالاعتماد على القدرات الخاصة به من دون أي مساعدة أجنبية. ويقول: نركّز في التدريب على ثلاث نواحٍ أساسية، هي السلاح، والقتال، والرياضة. وقد خُصِّص للتدريب مركز جديد في رأس مسقا، يتضمّن حقل حركة ونار. هناك يتدرّب العسكريون على المداهمة حيث توجد أنواع عديدة من الأبنية بالإضافة إلى: برج للهبوط، جولة هوائية، Poulie، حلقة اشتباك، ومنصّة للمشاهدة مجهّزة بزجاجٍ واقٍ من الرصاص. ويضيف: لدينا حقل ثانٍ صغير لرمايات الدقّة، فيه أهداف كهربائية متحرّكة للرمايات السريعة ودقّة الإصابة، ولرماية الرمانات اليدوية الهجومية والدفاعية. بالإضافة إلى مبنى للمنامة، والعمل جارٍ حاليًا لتجهيز هنغار كبير للمنامة والتدريب.
تتواصل عمليات التدريب في الفوج على مدار السنة، وهي وفق قائده على النحو الآتي:
 

• المخيم التدريبي: مدّته 3 أسابيع، ويتضمّن:
- أسبوع تستعاد خلاله التدريبات الأساسية (حركة ونار، رماية، رامي حذق، ردات فعل وحفظ أمن).
- أسبوع رمايات ودفاع، للتدرّب على الدفاع عن مركز حدودي وتنفيذ عملية قتال دفاعي ومناورة دفاعية بهدف التمرّس في تقنيات التراجع والتقدّم، والتدخل، وإدخال الاحتياط، وإشراك الهجوم المعاكس، ودراسة الأرض والعقيدة الإرهابية. ويتمّ ذلك كلّه باستخدام لوجستية الفوج وآلياته العضوية.
- أسبوع ثالث محوره تمرين هجوم، ويجري في منطقة ذات طبيعة جردية وصعبة، للتمرّس في القتال الجبلي. والتمرين عبارة عن مناورة هجومية تساهم من ناحية في اكتشاف قدرات الفوج لوجستيًا، ومن ناحية أخرى قدرات العسكريين.
 

• المناورات: كل مراحل التدريب التي ينفّذها الفوج تتضمّن تنفيذ مناورات تقييميّة. أبرزها: مناورة تختتم بها كل سرية مرحلتها التدريبية في المخيم، وأخرى ختاميّة لكل سرايا الفوج. إضافة إلى ذلك، تنفّذ مناورات عند تنفيذ الرمايات في حامات، وفي ختام الدورات (رام حذق، تعامل مع العبوات غير النظامية، تمرّس في القنص، وإسعافات أولية...).
 

• التمارين التدريبيّة: تجري تمارين نهارية (حركة ونار ودهم...) وأخرى ليلية، وذلك على مدار السنة، بمعدّل مرّة لكل وحدة في الأسبوع.
 

• الأسلحة الإجمالية وأسلحة الإشارة: يتمّ التدريب على استخدام هذه الأسلحة وتعهّدها.
 

• الرمايات: ثمّة رمايات نهارية وليلية، وأخرى بالأسلحة الإجمالية (ماغ، ميني مي، 12.7 ملم، م/د، قنابل يدوية، بنهارد، -19 MK203، مضاد 14.5 و23 ملم، لانشر 106 ملم، إضافة إلى القناصات والهواوين والمدفع 105 ملم).


• القنص: يشمل التدريب في مجال القنص، التعهد، والتمرّس والقنص المضاد، والقنص في ظروف شديدة، ورماية تعهد قنص.
 

• الهندسة: يتدرّب العسكريون على التعامل مع العبوات غير النظامية، إضافة إلى التمرس في نزع الألغام، والتفتيش الأمني والتعامل مع الأجسام المشبوهة.
 

• الاستطلاع: تنفّذ تمارين في عدّة مناطق.
 

• المدفعية: يشمل التدريب في اختصاص مدفعية، المراقبة، الهاون 105 ملم، ترقيم الشهابات واستعمال الذخيرة.
 

• الإسعافات الأولية: بالإضافة إلى التدريبات التي يتلقّاها العسكريون في هذا المجال، تنفّذ مناورة مع الصليب الأحمر اللبناني حول فرضية الإخلاء الصحي في أثناء القتال في الأماكن المبنية، بالاشتراك مع الدفاع المدني والقوات الجوية.
 

يُضاف إلى ما سبق ذكره: دورة تدخل (تتضمّن تدريبات ومناورات)، دورات سوق (مناورات للسائقين على الآليات م113، بنهارد، فاب...)، دورة على الخرائط GPS ودراسة الأرض، دورة حول استخدام القناع الواقي من الغاز والمناظير الليليّة، دورة آمر حضيرة، ودورات إدارة ومعلوماتية، أمناء مخازن، مداولة بريد، تمرّس في العمل الإداري ومكاتب دراسية، ودورات تعهد.
إلى ذلك، يشارك الفوج في تدريبات خارج لبنان، وقد سبق أن شارك في تمرين الأسد المتأهب Eager Lion في الأردن، وحقّق نتائج مميّزة.

 

الرياضة أولوية
تحتلّ الرياضة أهمية فائقة في الحياة العسكرية، ويقدّم الفوج مكافآت وجوائز تحفيزيّة لعناصره في هذا المجال، وتتضمّن النشاطات الرياضيّة في الفوج:
- سباق الفصائل في الركض خلال السنة على مراحل (8، 10، 12، 14، 16 و18 كلم) وصولاً إلى النصف ماراثون وسباق العشرة.
- جولة أرضية، هوائية، حلقة اشتباك، برج هبوط، وتوجه.
- ركض للضباط.
- ألعاب إجمالية، ألعاب قوى وتوجه، وخماسي عسكري.
- رياضة ورماية سنوية للعسكريين.
- تمرين سير.
- تمرين مرصوص أسبوعي بعد رفع العلم.
وتُنفَّذ النشاطات وفق روزنامة أسبوعيّة محدّدة.

 

تطوير منظومة القيادة والسيطرة
بفضل الجهود المبذولة في مجالَي التدريب والرياضة، بات الفوج على درجة عالية من الجهوزية والاحتراف في مجال العمليات الهجومية والدفاعية على حدّ سواء، وفي مطاردة العناصر المسلّحة والمجموعات المتمرّدة، وفي مداهمة أماكن تواجدها، إضافة إلى إقامة الكمائن وتسيير الدوريات، والمشاركة في عمليات الإنقاذ والإغاثة، كما يؤكّد قائده. ويضيف العميد الركن فاضل: إنّ الهدف من تنوّع الدورات والتدريبات هو تطوير منظومة القيادة والسيطرة، وتمرّس العسكريين في استخدام الأسلحة، وتطوير قدراتهم اللوجستية والإدارية والاستفادة من العتاد الموضوع بتصرّفهم بشكلٍ صحيح وفاعل، وتمرّس الرعائل في مختلف أنواع القتال وأيًّا كانت الظروف، وبالتالي التأكّد من قدرة الوحدات على تنفيذ المهمات الأمنية والعملانية بنجاح وبأقل ما يمكــن من خسائر.

 

قطاع الفوج
ينتشر الفوج (اعتبارًا من كانون الثاني 2014) في قطاع طرابلس- ددّه، حيث تتوزّع الجسور، والقنصليات والمصالح الأجنبية، إضافة إلى مراكز القوى الأمنية ومؤسسات الإغاثة والمؤسّسات العامة والاستشفائية والدينية... ويتضمّن هذا القطاع مناطق الميناء، الزاهرية وباب الرمل، التلّ، أبي سمراء، القلمون، ددّه، قلحات، بترومين وفيع.
يتميّز هذا القطاع بالكثافة السكانية الأعلى في لبنان (25 ألف شخص في الكلم المربع)، وبوجود أحياء قديمة يسودها الفقر إجمالاً. هذه الأحياء كان «الزعران» والمخلّون بالأمن يتغلغلون فيها، ويعتدون على أمن المواطنين.

 

24/10/2014 نقطة تحوّل
اتّبع الفوج استراتيجيّة قضت بالذهاب إلى الأحياء التي يتمركز فيها المسلّحون والمخلّون بالأمن و «تنظيفها»، وبالتالي، إرساء الأمن في القطاع كاملاً. ونتيجة التدابير التي نفّذها استقرّ الوضع الأمني وانتهى دور العصابات المسلّحة التي كانت تستخدم نفوذها لفرض الخوّات وترهيب السكان.
في 24/10/2014 نفّذ الفوج عملية نوعية وخطرة ضدّ هذه المجموعات المسلّحة، عُرِفَت بعملية الزاهرية والأسواق القديمة، وكانت عملية ناجحة. فخلال 24 ساعة تمّ القضاء على التهديد المسلّح وأعيدَت الطمأنينة لأهالي المنطقة الذين عادوا ليمارسوا حياتهم الطبيعية وأعمالهم وكسب لقمة عيشهم.
في هذه العملية قامت حضيرة القناصين بدورٍ مهمٍّ جدًا، حيث انتشرت وتمركزت، فسيطرت على البقعة من جميع النواحي. وبذلك، استطاع الفوج التدخل بكل سهولة، فنفّذ مناورة هجومية أثبت العسكريون خلالها أنهم باتوا على مستوًى عالٍ من الاحتراف، وبرهنوا عن دقّةٍ في الرماية.
شكّلت هذه المهمّة نقطة تحوّل على صعيد منطقة الشمال، يقول العميد الركن فاضل، فبتنا نتحدّث عمّا قبلها وما بعدها. قبل هذا التاريخ كانت دوريات الفوج والكمائن مكثّفة، أمّا بعده فبتنا ننفّذ دوريات ومهمات اعتيادية، خفّفنا الضغط وارتاح السكان وباتوا يشعرون بأمان ويبلّغون عن أي تحرّك مشبوه، ويدعمون الجيش الذي أعاد إلى نفوسهم الطمأنينة، وحمى أرزاقهم ومصالحهم.

 

حازمون باحترام
• كيف تصفون علاقتكم بالسكان حاليًا؟
- على الأرض نضبط حتى ضربة الكفّ، وعلاقتنا مع المدنيين ممتازة فهم يقدّمون لنا الدعم، وقد برز ذلك خصوصًا خلال بناء مركز التدريب الجديد في رأس مسقا. ونحن بدورنا نعاونهم من خلال تنفيذ مهمات إنمائية بالإضافة إلى ما يوفّره التعاون العسكري- المدني الـCIMIC. ويضيف: لا نحرّك الملالات في القطاع حتى لا يشعر السكان بالتهديد والخوف، ولكننا لا نتهاون مع أي مخالفة قد تهدّد أمن المنطقة وهدوئها.


• كيف تقيّمون أداء العسكريين؟
- حادثة صغيرة قد تُغني عن أي شرح: منذ أيام أطلق أحد المواطنين النار باتجاه حضيرة من الفوج. ردّة الفعل الطبيعية التي كان يمكن لآمر الحضيرة القيام بها هي إطلاق النار على المسلّح وإصابته لمنعه من إلحاق الأذى بالعسكريين. ولكنّ أحدهم صرخ بأنه تحت تأثير الكحول، فما كان من آمر الحضيرة إلاّ أن أمر بإطلاق النار إلى جانب المسلّح فيخاف ويختبئ، وهذا ما حصل، فتمّ تطويقه وتوقيفه.
عندي كامل الثقة بأنّ العسكريين يملكون من القدرات والاحتراف، ما يخوّلهم القيام بردّة الفعل المناسبة في أي موقف قد يتعرّضون له. وبالتالي فهم قادرون على التصرّف بحكمة وحزم واحترام في كل الظروف.

 

الروابط بين الرفاق
• الحياة العسكرية قاسية، فكيف تخفّفون من وطأتها على العسكريين؟
- للعلاقات الاجتماعية والإنسانية في الفوج مساحة جيّدة، وهذه العلاقات يتمّ تعزيزها من خلال سهرات تجمع الضباط وعائلاتهم في مناسبات مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، نركّز على تكريم شهدائنا وعائلاتهم بمبادرات عديدة، منها مثلاً: دعوة هذه العائلات إلى تنورين في أيلول من كل عام، حيث يكون لنا لقاء تحت ظلال شجرات الأرز التي تحمل كل منها اسم شهيد.

 

مهمّات على مرّ السنوات
منذ تأسيسه، نفّذ فوج التدخل الأول عدّة مهمات في القطاعات التي تولّى مسؤوليتها، من المشاركة في التصدّي للعدو الإسرائيلي، إلى مواجهة الإرهاب، مرورًا بملاحقة مطلوبين ومخلّين بالأمن وتوقيفهم، وحماية مراكز ومرافق ومؤسسات وسفارات ووزارات وغيرها، ومرافقة وحماية شخصيات سياسية ودينية، وحراسة منازل سياسيين ودينيين ومواطنين، واتخاذ تدابير أمنية في مناسبات مختلفة، وإخماد حرائق وفتح طرقات مقطوعة بالثلوج، وسوى ذلك... ففي 24/9/1998، انتقلت وحدات الفوج إلى منطقة إقليم التفاح- الجنوب حيث كانت مهمّتها حفظ الأمن والتصدّي للاعتداءات الإسرائيليّة. وفي 31/12/1999، انتقلت إلى الضنيّة حيث كان الجيش يخوض معركة ضدّ إرهابيين، فطوّقت البقعة وفتّشتها وثبّتت الأمن في القطاع.
كذلك، داهم الفوج معزّزًا بوحدات من الفوج المجوقل وسرية من فوج التدخل الرابع وطوافتين من القوات الجوية، أماكن تواجد مهرّبين في جرود عرسال وتمّ توقيف 97 شخصًا منهم (8/7/2005). وفي العام 2007، تمّ فصل عدد من عسكريي الفوج إلى القطع والوحدات التي شاركت في العمليات العسكرية في مخيم نهر البارد ضدّ تنظيم فتح الإسلام الإرهابي.
ويختتم قائد الفوج حديثه قائلاً: إنّنا أسرع من البرق وأقوى من حدّ السيف، هذا هو شعار فوجنا، فنحن جاهزون دائمًا للتدخل والمعالجة والحسم السريع. ولمن تسوّل له نفسه الإخلال بأمن المنطقة وأهلها، أو تهديد أمن عسكريّينا نقول: إحذروا، فلن نتهاون أبدًا...

 

تنظيم الفوج
يتألّف فوج التدخل الأول من قيادة الفوج (قائد الفوج ومساعده)، الفروع الأربعة وفرع التأليل، و6 سرايا قتال، هي: أربع سرايا تدخل مؤلّلة، سرية مدرعات، سرية دعم، إضافة إلى سرية القيادة والخدمة.