تحقيق عسكري

فوج الحدود البرّية الأول
إعداد: ندين البلعة خيرالله

العين الثاقبة تقاوم الخطر

 

«أي حدود غير مضبوطة تشكّل خطرًا على دولتها، وبالتالي علينا العمل على ضبط حدودنا بشكلٍ كامل...». بهذا الكلام يختصر قائد فوج الحدود البرية الأول العميد الركن إيلي جعجع مهمّات الفوج الذي يتولّى حماية الحدود الشمالية وضبطها، والذي أُسنِدَت إليه مهمات إضافية بناءً على توجيهات العماد قائد الجيش، التي قضَت بتأهيله ليصبح وحدة قتال ومراقبة، تتمتّع بجهوزية تامة للقيام بردّة الفعل المناسبة على أي وضع طارئ.
في بلدة شدرا على الحدود اللبنانية الشمالية، حيث مقرّ قيادة فوج الحدود البرية الأول، كان لقاؤنا بالعميد الركن جعجع الذي أطلعنا على طبيعة المنطقة وعلى المهمّات التي ينفّذها الفوج، بالإضافة إلى خطّة العمل التي وُضِعَت لتأهيل العسكريين وصقل مهاراتهم القتالية بما يتناسب ومهمّاتهم الجديدة.

 

المهمة: قطاع وحدود
من نافذة مكتبه يشير العميد الركن جعجع إلى امتداد قطاع مسؤولية الفوج ونقاط تمركزه على الحدود. إذ يتولّى حفظ الأمن في منطقة الروَيمة- أكروم- وادي خالد ومحيطها، إضافة إلى انتشاره من منطقة العريضة غربًا وعلى طول الحدود اللبنانية الشمالية، مرورًا بوادي خالد ومنطقة أكروم حتى الروَيمة على طول 110 كلم.
يتولّى الفوج مراقبة الحدود الشمالية للحؤول دون أعمال التهريب، وضبط المخالفات، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، ومنع تهريب الأسلحة والذخائر والممنوعات على أشكالها، وتوقيف المخالفين وتسليمهم إلى الجهات المعنية. وتشمل المهمّة إقامة مراكز مراقبة ونقاط تفتيش ثابتة وظرفية وتسيير دوريات على طول الحدود، لكن هذه الإجراءات تأخذ في عين الاعتبار ضرورة توفير التسهيلات الممكنة للمواطنين اللبنانيين الذين يقطنون على جانبَي الحدود.
إضافة إلى المهمات المنوطة به أساسًا، يشارك الفوج في تنفيذ مهمات إضافية بناءً على أوامر قيادة الجيش في حينها.

 

تطوير القدرات
بناءً على توجيهات القيادة، ومنذ تسلّمه قيادة فوج الحدود البرية الأول، عمل العميد الركن جعجع على عدّة مستويات متوازية بهدف تأهيل فوجه وتطوير قدرات عسكرييه القتالية، للاستجابة إلى المهمة القتالية التي أضيفَت إلى مهمة المراقبة الأساسية، وهذه المستويات هي:
• تحصين المراكز واستحداث أخرى: إنّ تحصين المراكز وترصينها هو عمل مستمرّ. وقد عمل الفوج في موازاة ذلك، على استحداث مراكز عسكرية جديدة، للدفاع عن أي بقعة في قطاع المسؤولية، بشكل يؤمّن جهوزية العسكري وتنقّله من دون التعرّض لأي خطر مباشر في مركزه، ما يتيح له تنفيذ المهمة بسرعة ودقة.
• التدريب الاختصاصي والعسكري: تولي قيادة الفوج أهمية قصوى للتدريب، إذ يخضع الفوج منذ إنشائه لدورات تدريبية مع فرق أجنبية، وأخرى مركزية داخلية تتناسب وطبيعة مهماته، وأبرز ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد:
دورات حول أمن الوثائق وإعداد مدرّبين في هذا المجال، حلقات تدريبية بإشراف فرق بريطانية على نظام ARGUS، والمراقبة المتحركة Mobile Observation، مراقبة الحدود وضبطها عبر أبراج مراقبة Observation Course واستخدام منطاد مجهّز بكاميرا ونظام CLIO وأجهزة الإشارة Datron وBarette.
يُضاف إلى ما سبق ذكره، تنفيذ برامج تدريبية خاصة بعمليات حفظ الأمن، ودورات على مشبّه الرمي EST2000 وورش عمل بإشراف الأمم المتحدة حول حماية اللاجئين، وأخرى متخصّصة بالأجهزة الحديثة المسلّمة إلى الفوج وكيفيّة استعمالها. يرافق هذه التدريبات، بشكلٍ متوازٍ، تدريب قتالي عسكري، إذ يتابع العسكريّون حاليًا دورات تناسب المهمة القتالية التي أُسنِدَت حديثًا إليهم وتسمح بأن يصبح العسكري على مستوًى عالٍ من الكفاءة لمواجهة أي خطر، وأبرزها: دورات خاصة في مدرسة القوات الخاصة في حامات بإشراف فرق تدريب أميركية وبريطانية، دورة قنّاصة وهاون مع الفريق البريطاني، تدريبات مع فوج مغاوير البحر للتمرّس على الهبوط بالحبال وجولة المقاتل. ويتمّ حاليًا تحضير سرية لتنفيذ تدريبات مع فوج التدخل السادس في الجنوب، بينما نفّذت دورات على قيادة الآليات في فوج التدخل الأول.
• التأهيل المعنوي: يتمتّع العسكري في فوج الحدود البرية الأول أصلاً بمعنويات عالية كونه يدرك أهمية مهمّته، لكنه اعتاد على تنفيذ مهمات مراقبة، لذا وبهدف تأهيله معنويًا لمهمّته القتالية الجديدة، يخضع للتوجيه والتدريب المستمرَّين. فهو لم يعد عسكريًا يراقب ويفيد فقط، بل أصبح أيضًا يدافع ويقاتل، وهو جاهز لمواجهة أي خطر محتمل في أي وقت. وجود الضباط إلى جانب العسكريين، وتحسين البنى التحتية وتأمين الحاجات والظروف الحياتية الملائمة في المراكز، إضافة إلى تآلف العسكري مع سلاحه من خلال التمرّس والتدريب اليومي والجهوزية البدنية، كلها عوامل تعزّز المعنويات وهذا ما نعمل عليه.
• اللوجستية والعمل الإداري: في موازاة النواحي الثلاث المذكورة آنفًا، يولي الفوج أهمية للعمل اللوجستي والإداري، من خلال السعي لتأمين كل حاجات المراكز من تغذية وبنى تحتية وعتاد لتجهيزها كما يجب. أمّا العمل الإداري، فهو يتمّ من خلال ربط الوحدات بقيادة الفوج بواسطة شبكة اتصال حديثة، إضافة إلى متابعة أوضاع العسكريين وشؤونهم الإدارية.

 

تدابير احترازية
ما هي الأعباء التي ترتّبت على الفوج مع التوتّرات الأمنية المحيطة والخطر المحدق، وكيف تتعاملون مع هذا الواقع؟
يجيب قائد الفوج: كانت مهمّتنا ترتكز على المراقبة وإقامة نقاط ومراكز لمنع التهريب والتسلّل ومسك المعابر غير الشرعية. ولكن التطورات التي حصلت في سوريا وتحديدًا على الحدود اللبنانية الشمالية، دعت إلى تكثيف التدابير وزيادة الحذر لمنع انتقال الفتنة والخطر إلى الداخل اللبناني، خصوصًا في المناطق الحدودية المترابطة اجتماعيًا واقتصاديًا مع تلك المقابلة لها من الجهة السورية. لذا نفّذت الوحدات تدابير استثنائية في العمق وعلى الحدود، للحدّ من الانعكاسات وحماية الداخل اللبناني من تأثير الأحداث الأمنية السورية. وبالتالي لجأنا إلى عدّة إجراءات، منها: إقامة حواجز ونقاط تفتيش وكمائن، إضافة إلى ضبط المعابر الشرعية (العريضة والعبودية وجسر قمار)، وغير الشرعية على حدّ سواء.
نُفِّذَت هذه الإجراءات بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، وقد أعطت ثمارها على أكثر من صعيد وأدّت إلى استقرار المنطقة وبالتالي أشعرت المواطنين بالهدوء والطمأنينة، خصوصًا وأننا نعالج أي حادث بسرعة ونتدخّل بفعالية لقمعه ولتوقيف المخالفين.
وينفّذ الفوج تدابير احترازية بشكل يؤمّن كل القطاع مع ردّة الفعل المناسبة والسريعة. فالمراكز متشابكة ومترابطة على مستوى المراقبة والقتال، وجاهزة لتأمين المساندة المتبادلة ولسدّ أي ثغرة والتدخل بسرعة. وقد وضعت قيادة الفوج خططًا لمواجهة أي طارئ.

 

أنظمة حديثة
يؤدّي الفوج مهمّاته مدعومًا بنظام قيادة وسيطرة متقدّم، يرتكز على كاميرات مراقبة متوافرة على الحواجز الثابتة والمعابر الشرعية، وموصولة بغرفة عمليات القوة المشتركة وفوج الحدود البرية الأول. ويعتمد هذا النظام برنامج تبادل المعلومات (CLIO) الذي يؤمّن تبادل البريد والمراسلات إلكترونيًا وبسرعة قصوى على المستوى الداخلي، وعلى مستويَي التواصل، مع الوحدات والقيادة.
أنشئت في الفوج أبراج مراقبة ثابتة على طـول الحدود، تحتوي على كاميرات مراقبــة ومناظيــر بعيدة المدى حديثة ومتطورة.
وقد تسلّــم الفوج حديثًا كاميرات متنقّلة مركّبة على عربات مقطورة وهي بمثابة أبراج تؤمّن المراقبة المتحرّكة، وافتتحت دورات تدريبيّة على مناطيد مجهّزة بكاميرات مهمّتها المراقبة الجوية.

 

الهبات
بدأ مشروع دعم الاتحــاد الأوروبيـ وبعـض الدول التابعة له لأفـواج الحدود البريـة منذ العام 2007، وقد تُرجِم هذا الدعــم تدريــبات وهـبات. وبذلك تمّ تحديث المعدات والمراكز العائدة للأجهزة الأمنية ضمن القوة المشتركة لضــبط الحدود، إضافة إلى تركيب شبكة اتصالات بــين الوحدات وإنشاء غرفة عمليات مشتركة، وتحسين البنى التحتية، وخصوصًا تزويد مراكز الوحدات مولدات كهربائية تؤمّن الكهرباء على مدار الساعة.
قدّمت ألمانيا آلات كشف ضوئية وأخرى لكشف المتفجرات، وألبسة للحماية الخاصة، وكاميرات وفيديو وسيارات رباعية الدفع... بدورها قدّمت الولايات المتحدة شبكة اتصالات ثابتة ومتحركة بين الوحدات، وقدّمت الدانمرك التدريب في مجال أمن الوثائق، وجهّزت قاعات للتدريب في معسكر عرمان. أمّا بريطانيا فقدّمت شبكة قيادة واتصال وسيارات رباعية الدفع إضافة إلى سبعة أبراج مجهّزة بكاميرات ومناظير بعيدة المدى. كذلك قدّم الاتحاد الأوروبي تقنيات فنية لغرفة العمليات وللتدريب. وشدّد العميد الركن جعجع على أن القيادة تحرص باستمرار على تفعيل التعاون مع العديد من الدول الصديقة لتطوير أساليب القتال والأمن وتبادل الخبرات.

 

الجيش والمواطنون
يؤكّد العميد الركن جعجع أنّ الإجراءات التي ينفّذها الفوج في المنطقة تراعي ضرورة تأمين راحة المواطنين، وهؤلاء بدورهم يحتضنونه. ويردف قائلاً: عكار هي شريان المؤسسة العسكرية وقلبها النابض، وأهلها يدركون أنّ مشكلتنا ليست معهم بل مع الخارجين على القانون والمتمرّدين، وقد اجتمعنا بفاعليات المنطقة واتفقنا معهم على برنامج العمل وتسهيل الأمور، فأبدوا استعدادهم للمساعدة والتعاون مع الجيش والوقوف بجانبه ودعمه في أي حدث وهم يعتبرون أنفسهم فصيلاً من المؤسسة.
هذه الروابط المتينة بين الجيش والأهالي تعالج الكثير من الصعوبات في منطقة حسّاسة حيث التداخل الاجتماعي والاقتصادي والعقاري على جانبَي الحدود. وقد تمكّن الفوج من الحدّ بنسبة كبيرة من أعمال التهريب والتسلّل عبر الحدود، وأوقف عددًا كبيرًا من المطلوبين الإرهابيين وصادر أسلحة وذخائر، وحال انتشاره وباقي الأجهزة الأمنية دون حصول تداعيات خطرة بسبب الأزمة السورية.
العدد الكبير من النازحين الموزّعين في القرى، يضيف عبئًا آخر على الفوج وعلى أهالي المنطقة، فثمّة قسم من المطلوبين في المخيمات العشوائية. مع ذلك، يؤدّي الفوج مهماته بعزم وثقة متجاوزًا صعوبات مختلفة، من العديد إلى العتاد وسواهما...

 

لمحة تاريخية
أنشِئت في العام 2007 القوة المشتركة لمراقبة وضبط الحدود الشمالية والتي تألّفت من قوى تابعة لمختلف الأجهزة الأمنية، حُدِّدَت مهمّاتها بمراقبة الحدود الشمالية وضبطها للحؤول دون دخول الأشخاص والبضائع وخروجها بطريقة غير شرعية، ومنع تهريب الممنوعات عبر هذه الحدود. ارتبطت هذه القوة عملانيًا بقيادة الجيش- أركان الجيش للعمليات وإداريًا ومسلكيًا بكل من قيادة الجيش ومقر عام منطقة الشمال، المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، المديرية العامة للأمن العام ومديرية الجمارك العامة.
ولتنظيم قوى الجيش داخل هذه القوة، استحدِث لاحقًا فوج الحدود البرية الأول، ثم أنيطَت به المهمات نفسها التي كانت موكلة إلى القوة المشتركة واستقلّ إداريًا في العام 2009.

 

 

مشروع مرتقب
يُرتقَب تأمين شبكة قيادة واتصال متكاملة للفوج، مزوّدة بأجهزة مراقبة متطوّرة جدًا موصولة بغرفة العمليات. تسمح هذه الشبكة لكل سرية برؤية مراكزها من موقع قيادة السرية نفسها، ويمكن رؤيتها أيضًا من موقع قيادة الفوج وعمليات قيادة الجيش، وذلك بفضل التعاون القائم بين الجيشين اللبناني والأميركي.

 

شعار الفوج

بيضاوي الشكل ويتضمّن: اللون الأزرق وهو يرمز إلى سماء لبنان الصافية، أرزة لبنان المتجذّرة في الأرض ويتوسّطها جندي يحمل منظارًا لمراقبة الحدود، الشريط الشائك باللون الأحمر دلالةً على حماية الحدود، واللون البنّي في الوسط يدلّ على أرض الوطن وترابه.