تحقيق عسكري

فوج المدرّعات الأول
إعداد: ندين البلعة خيرالله

فرسان الجيش دروع واقية

 

في الماضي، كان الخيّالة طليعة القوى المحاربة. يسيرون في المقدّمة مشكّلين درعًا حامية للقوى التي تسير خلفهم، لذلك كان الدرع الملكي الشعار الذي يرمز إليهم. وكما الخيّالة في الماضي، يشكّل سلاح المدرّعات اليوم رأس الحربة في المعارك.
فوج المدرّعات الأول في الجيش اللبناني، يجسّد بكفاءة عالية هذا المفهوم: سرعة تحرّكه، وقوّة الصدم التي يملكها، معطوفتان على شجاعة عسكرييه، جعلته رأس حربة في معظم معارك الجيش.
«نحن فرسان الجيش اللبناني وخيّالته»، يقول قائد فوج المدرّعات الأول العميد الركن عصام مغبغب الذي تحدّث عن هذا السلاح، ومراحل تطوّره وصولاً إلى ما هو عليه الفوج حاليًا.

 

عبر العصور
في لمحة تاريخيّة عن أصول سلاح المدرّعات، يخبرنا العميد الركن مغبغب أن هذا السلاح اشتهر عبر العصور الغابرة، بكونه نخبة من المقاتلين الفرسان الأشدّاء، ذوي الخبرة في القتال، يتقدّمون القوى المشاركة في المعارك، ويتحدّرون بمعظمهم من العائلات النبيلة التي كانت تسيطر على الحكم.
تطوّر هذا السلاح عبر العصور، فمن المقاتلين الخيّالة الذين يتسلّحون بالدروع الحديديّة، إلى العربات الخفيفة التدريع، وصولاً إلى الآليات المدرّعة (الدبابات) الحديثة والمتطوّرة، وهذه الأخيرة تتميّز بسرعة الحركة والقدرة على مفاجأة العدو بقوّة الصدم، مع الاحتفاظ بموقعها في طليعة القوى المهاجمة.

 

السلاح المدرّع اللبناني
يقول قائد الفوج أنّ جذوره تعود إلى أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، عندما شكّل الحلفاء فرقة الشرق التي ضمّت في صفوفها عناصر لبنانيين وسوريّين. وفي هذا السياق، كان من بين الوحدات التي أنشئت كتيبة مرّت بعدّة مراحل قبل أن تُسمّى في العام 1940 كتيبة الخيّالة الأولى، وكانت بقيادة النقيب خليل ضاهر. ثم شُكلت كتيبة الخيّالة الثانية وتسلّم قيادتها ملازم أول فرنسي، وكان لكل خيّال حصانه وسلاحه الخاص.
في العام 1943، دخلت أول تشكيلة للدبابات في هيكلية الجيش اللبناني وكانت مؤلفة من ثلاث كوكبات (الكوكبة مؤلفة من ثلاث دبابات R35). ومع تسلّم الدولة اللبنانية جيشها من سلطات الانتداب الفرنسيّة في العام 1945، أصبح جميع ضباط هذه السريـة وأفرادها من اللبنانيين. وقد تمركزت في ثكنة فخـر الديـن في بيـروت، وجُهّزت بثـماني سيـارات «دودج» مصفّحـة في كلٍ منها مدفع 37 ملم، ورشاش «روبيل» 7.5، ورشاشات «آرمون هارينغتون»، ثم عاد اللبنانيّون وجهّزوها بمدفع رطلين ورشاش «روبيل».
في العام 1949، جُهّز الجيش بدبابات «شرمن» من مصر، ومصفحات «ستكهوند» من إنكلترا، وأنشئ «فيلق مدرّعات» (كان مؤلفًا من كتيبتَين)، أعقب ذلك استقدام دبابات ومصفّحات من عدّة أنواع.

 

حاليًا
أُنشئ فوج المدرّعات الأول في 1/7/2005، تمركز في ثكنة الصالحية وتألف من عناصر الكتيبتين 84 و104 وعناصر اختصاص مدرّعات. ألحق إداريًا بمقرّ عام الجنوب، ثم استقلّ في 1/1/2006 وبات اسمه فوج المدرّعات الأول الذي تمركز في ثكنـة الصالحية، ثم انتــقل إلى الزهراني ومن بعدها إلى اليرزة، إلى أن استقرّ أخيرًا في منطقة صربا- كسروان.
إلى قيادته، يضمّ الفوج حاليًا، عشر سرايا: قيادة وخدمة، دعم، مشاة مؤلّلة، وسبع سرايا مدرّعات. مهمته الأساسيّة الالتحام مع قوات العدو، تدميرها وتكبيدها الخسائر بالاعتماد على قوّة النيران والحركية العالية، وتأمين الدعم الناري للألوية والأفواج في الجيش.
يتمركز الفوج في قضاءَي كسروان وجبيل من نهر الكلب إلى المدفون ساحلاً، وفي سلسلة جبال لبنان الغربية جبلاً، وهو قطاع تبلغ مساحته الإجمالية حوالى 736 كم2 ويضمّ حوالى 183 مدينة وبلدة وقرية. يُعتبر هذا القطاع محطّ الأنظار سياحيًا وثقافيًا ورياضيًا... ويشهد على مدار السنة نشاطات ومهرجانات واحتفالات وحركة لا تهدأ، ممّا يتطلّب عملاً مستمرًّا وجهدًا كبيرًا، وجهوزية دائمة لحفظ الأمن، ومنع التعديات، وسوى ذلك من مهمّات تندرج في إطار الحفاظ على الاستقرار. لذلك، تنشط دورياته، وتنتشر نقاط المراقبة التي يقيمها وفق الحاجة، مع الاحتفاظ باحتياط جاهز للتدخل بصورة دائمة. وفي مجال مكافحة الإرهاب، ينفّذ الفوج مهمة في بلدتَي عرسال ورأس بعلبك حيث يقدّم الدعم المباشر للقوى المتمركزة هناك في مواجهة الإرهابيين.
خلال مسيرته اضطلع الفوج بالعديد من المهمات الأساسيّة والصعبة. فقد شارك في التصدّي للعدوان الإسرائيلي في العام 2006، وقدّم الدعم للألوية والأفواج خلال معركتَي نهر البارد (2007) وعبرا (2013)، وشارك في التصدّي للتنظيمات الإرهابية في عرسال وفي رأس بعلبك والقاع والفاكهة، حيث ما زالت وحدات منه متمركزة في مواقع متقدّمة في مواجهة الإرهابيين. وأيضًا في إطار مكافحة الإرهاب، عمل الفوج على تعزيز مواقع الجيش بالدبابات ومؤازرة فوج المغاوير في أثناء مداهمته خلايا إرهابية في الشمال (2014). يُضاف إلى ذلك، المهمات الأمنية الاستثنائيّة في مناسبات مختلفة.
وتبقى سرايا الفوج في جهوزية تامة للتدخّل كاحتياط للقيادة في أي مهمّة توكَل إليها وفي أي مكان، فحيث يتطلّب الوضع تدخل الدبابات، يكون الفوج حاضرًا.

 

عتاد ومؤهلات
يمتلك فوج المدرّعات الأول عتادًا متخصّصًا يتطلّب استخدامه مؤهــلات تقنـية خاصة لدى العسكـريـين.
ويشمل هذا العتاد أسلحـة ثقيلة قوامـها مدافـع الدبابات ومدافع مضادة للطائرات، إضافة إلى الأسلحة المتوسّطة والخفيفة. ويلفت قائد الفوج إلى أنّ الدبابة م48 ما زالت تعطي نتائج مذهلة بالرمايات في المعارك على الرغم من قدمها. أمّا دبابات م60 فهي حديثة ومتطورة وفعّالة، وأنظمة الرمي وإدارة الرمي فيها، توازي أحدث الأنظمة الحرارية والشاشات الإلكترونية للدبابات الأكثر تطوّرًا في العالم.
ويتابع قائد الفوج قائلاً: إنّ استخدام هذه التقنيات الحديثة، يقتضي وجود عسكريّين يمتلكون مؤهلات علمية عالية، لذلك، يحرص الفوج في اختيار عناصره على مراعاة هذا الشرط.


شعار الفوج
 شعار فوج المدرّعات الأول بيضاوي الشكل، ذو خلفية باللون الأحمر القرميدي، تتوسّطه دائرة زرقاء في داخلها شعار سلاح المدرّعات باللون الذهبي، وهو عبارة عن درع وخوذة ومدفعين متقاطعين.
- اللون القرميدي يرمز بالإضافة إلى التعلّق بالأرض، إلى امتزاج دماء الشهداء بتراب الوطن.
- اللون الأزرق هو اللون المعتمد لسلاح المدرّعات.
- الدرع والخوذة يرمزان إلى الصلابة والقوّة والحماية.
- المدفعان يرمزان إلى قوة النيران وغزارتها.

 

تدريبات
يتطلّب صقل مهارات العسكريين في الفوج دورات متخصّصة، بالإضافة إلى العلوم العسكرية الأساسية واللياقة البدنية.
يركّز الفوج على التدريب على مستوى الفرد، لكي يصبح ملمًّا بمختلف الوظائف ومتمرّسًا في مختلف أنواع المهمات، وبذلك يشكّل كل فرد طاقة بحدّ ذاته.
كذلك، يتمّ تدريب جميع العسكريين وفق اختصاصاتهم، ويُصار إلى تنظيم المكاتب الدراسية في اختصاص المدرّعات، على عدّة مستويات. كما يستقبل الفوج متدرّبين من الكلية الحربيّة ومعهد التعليم وسائر قطع الجيش.
إلى ما سبق، تخضع سرايا الفوج بالتتابع لتدريب تكتي (في مدرسة القوات الخاصة)، على القتال في الأماكن المبنيّة بإشـراف فـرق تدريب أميركية وبريطانية.
وتشارك فصائل دبابات من الفوج مع طواقمها في مناورات تدريبيّة بالذخيرة الحيّة تنفّذ على صعيد الألوية والأفواج. كما تفتتح دورات بحسب التوجيهات العامة في العلوم العسكرية الأساسية، من كيفيّة استخدام البندقية إلى تشغيل الدبابة، ويخضع الفوج باستمرار لاختبارات تقييم من قبل اللجان المعنيّة.
 

تعهّد إلزامي
يحتاج عتاد فوج المدرّعات باستمرار إلى تعهّد وصيانة، والتزام الفوج ببرنامج محدّد وثابت في هذا المجال يجعله ذا جهوزيّة عالية تشمل 93% من الآليات خصوصًا مع وجود عناصر متخصّصين يتميّزون بخبرتهم وبكفاءتهم العالية وبالسرعة في إنجاز الأعمال وتصليح الأعطال.
يتمّ إجراء تعهّد شهري (3 أيام متتالية) بإشراف الاختصاصيّين (ميكانيك، إشارة، أسلحة، أبراج...)، بالإضافة إلى التعهّد الأسبوعي واليومي من قبل طواقم الدبابات بإشراف ضابط في كل سرية.
أما بالنسبة إلى الأعطال، فتُعالج في مشغل الفوج، أو في مشاغل اللواء اللوجستي. وفي حال حصول أعطال في دبابات م60 أ3 يتعذّر تصليحها، تتمّ معالجتها في مديريّة المشاغل بالتنسيق مع أركان الجيش للتجهيز وبالتعاون مع فريق متخصّص من المملكة الأردنية الهاشمية التي تؤمّن قطع البدل غير المتوافرة محلّيًا. وثمّة فريق أردني متخصّص يقوم بالكشف على أنظمة الرماية والتسديد والمناظير الحرارية وأنظمة الضغط وغيرها، بموجب اتفاقية موقّعة بين الطرفَين.
في موازاة ذلك، تسعى قيادة الفوج إلى استحداث دورات في مجال صيانة المعدات الحديثة وتصليحها سعيًا إلى الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.

 

سعي إلى التطوّر
يسعى الفوج إلى استحداث سرية مدرّعات إضافية، كما يتمّ العمل على تحسين خبرة طواقم الدبابات لكي يتقن كل عسكري وظيفته، بالإضافة إلى إحاطته بالمعرفة الوافرة حول اختصاصه.
ويأمل الفوج أن يتمّ إنشاء مدرسة مدرّعات على صعيد الجيش، تتولّى تدريب عناصر في الاختصاص من مختلف الرتب، وأن تتمكّن القيادة من تحقيق دبابات حديثة الصنع أسوةً بالجيوش المتطوّرة، وانتداب عسكريين لمتابعة دورات خارج البلاد لتطوير قدراتهم التقنية والفنية والقتالية في الاختصاص.