حكايات النار

فوج المدفعية الثاني: معركتنا رفدتنا بالكثير من الخبرات
إعداد: ليال صقر الفحل

تعود مشاركة فوج المدفعية الثاني في حرب الجيش ضد الإرهابيين في الجرود، إلى اللحظات الأولى لاندلاع المعارك (آب من العام 2014). ويخبرنا قائده العميد الركن خضر قدوح أنّ راجماته تولّت حينها دكّ مراكز المسلّحين بمئات الصواريخ، وحقّقت إصابات مؤكدة في صفوفهم. تابع الفوج على مدى ثلاث سنوات تقريبًا، تأمين الدعم الناري للقطع المتمركزة في عرسال ورأس بعلبك وجرودهما، براجمات الصواريخ والمدافع عيار 130 ملم (رمايات مباشرة وغير مباشرة). فكانت نيران أسلحته تنهمر على مراكز الإرهابيين بقوة وعنف، وتساهم مع نيران باقي القطع والوحدات في إنهاكهم وإضعافهم وضربهم في صميم معنوياتهم، تمهيدًا لخلق الظروف المؤاتية للمعركة الحاسمة.

 

حان الوقت
عندما حان الوقت، كانت معركة «فجر الجرود»، وكان الفوج وفق المهمة التي حدّدت له، قطعة أساسية وفاعلة ضمن منظومة الدعم الناري العام للقوى. وقد شارك بسرية راجمات صواريخ وسرية مدفعية (130 ملم و122 ملم) نفّذتا وعلى مدى عدة أيام قبل الإعلان رسميًا عن المعركة، رمايات مكثّفة على الإرهابيين.
مع الإعلان عن بدء المعركة، زادت وتيرة الرمايات وكانت راجمات الصواريخ تتكامل مع باقي قطع المدفعية: رمت مراكز المسلّحين وتجمّعاتهم وخطوط إمدادهم، ولاحقت تحرّكاتهم، فمنعتهم من القيام بأيّ ردة فعل. رميناهم من أكثر من مربض يقول قائد الفوج، في جديدة الفاكهة ورأس بعلبك، وصولًا إلى ضهر الجبل في جرد عرسال، في حين كانت المدافع عيار 130 ملم موجودة مع القطع التي تتقدم على الأرض، وتنتقل من مربض إلى آخر في الميدان لتقديم الدعم المباشر وفق مقتضيات المعركة.
 

• كيف تمّ التحضير للمعركة على صعيد الفوج؟
يجيب قائد الفوج قائلًا: التحضيرات في الفوج دائمًا قائمة على قدم وساق لأنّها ترتبط بالجهوزية مباشرة، ولطالما تمحورت استراتيجية العمل في الفوج حول إبقاء الجهوزية في أعلى درجاتها. لذلك نعتمد سياسة ارتقاب المهمات والتحضير والإعداد المسبق لها (مرابض – أهداف – قوى – وسائط...). من هنا، فإنّ الجهوزية في الفوج لأيّ مهمة هي ترجمة لعمل دؤوب أنجز خلال فترة طويلة من التدريب والتحضير. لكن مهمة بحجم معركة فجر الجرود (لناحية اتساع المساحة الجغرافية للميدان وحجم القوى المشاركة فيها)، استوجبت تحضيرات واستعدادات إضافية. وقد شملت هذه التحضيرات الأمور الآتية:
- رفد الوحدات المعنيّة مباشرة بالمهمة بالعسكريين من مختلف الرتب (ضباط، رتباء، أفراد)، والاهتمام بجميع النواحي التي تسهم في حسن إنجاز المهمة.
- إعداد وتنظيم طواقم العمل في مركز إدارة الرمي في الفوج، لتكون جاهزة على مدار الساعة.
- تجهيز مراكز الرمي بكل ما تستلزمه المهمة (إتصالات، خرائط، حواسيب...).
- تحضير الرمايات على الأهداف المرتقبة.
- تجهيز الذخائر (قذائف وصواريخ) استعدادًا للمعركة.
- تعزيز فرق المساعفة والصيانة لخدمة الوحدات المشاركة في المهمة.
- تأمين مختلف الاحتياجات اللوجستية والفنية التي تحتاجها المعركة.
- توجيه الطاقات والقدرات في الفوج لخدمة المهمة.
 
معالجة فورية للمشاكل

• هل واجه عسكريو قطعتكم صعوبات؟ وما هي؟
- لا شك أنّ لكل مهمة خصوصياتها وصعوباتها، لكن الاستعدادت المسبقة والتحضير الجيد يجعل تجاوز تلك الصعوبات أو التخفيف من وطأتها أمرًا ممكنًا ومتاحًا، وهذا ما حصل في معركة فجر الجرود. فالصعوبات التي واجهها الفوج لم تكن خارجة عن حدود السيطرة. الإنهاك الجسدي والبقاء في العراء لعدة أيام متتالية، والجهوزية الدائمة على مدار الساعة، والمواجهة المباشرة مع الإرهابيين (خصوصًا حضائر الرمي المباشر بالمدفع 130 ملم)، والصعوبات اللوجستية (قيادة الفوج بعيدة جغرافيًا عن بقعة العمليات)، لم تكن صعوبات خارجة عن المألوف، بل صعوبات منطقية يجب أن نكون معتادين عليها ومستعدين لها. لذلك، وعلى الرغم من حجم المعركة كانت الأمور الأساسية مؤمنة بشكل سليم. وكانت المشاكل التي تطرأ تلقى الحلول المطلوبة، نظرًا إلى التجاوب السريع من قِبل المعنيين وعلى مختلف المستويات.
 

 • ماذا أضافت هذه المعركة إلى خبرة المشاركين فيها؟ وماذا اكتسبوا منها؟
- من الطبيعي أن يكتسب الإنسان خبرة وعلمًا من أي عملٍ يقوم به، فكم بالحري إذا كان العمل المنجز هو معركة بحجم «فجر الجرود». من هنا كانت مكتسبات العسكريين من هذه المعركة كبيرة ومتنوعة وعلى أكثر من صعيد، وأبرزها الآتي:
- تعزيز الثقة بالنفس وبالقدرات.
- تقوية اللحمة بين العسكريين، وتثبيت القناعة بأهمية العمل كفريق.
- اكتساب مزيد من الجرأة والشجاعة في مواجهة المخاطر، والجدية والمسؤولية في التعاطي مع الأمور.
- استقاء دروس حول أهمية التحضير والإعداد المسبق للمهمات، والبقاء على جهوزية دائمة مع ما يستتبع هذا الأمر من تدريب متواصل وصيانة دائمة للعتاد والسلاح.
- اكتساب الضباط خبرات كبيرة في إدارة الأمور العملانية، واللوجستية، ومواجهة التحدّيات الطارئة، وإيجاد الحلول المناسبة والممكنة لها.