تحقيق عسكري

فوج النقل: «الجندي المجهول»
إعداد: ندين البلعة
المعاون الأول علي مبارك

حاضر في كل المهمات

عندما نقول فوج النقل، يرد مباشرةً إلى أذهاننا مشهد الناقلات التي تقلّ العسكريّين من مراكز عملهم وإليها. لكن لا يمكن إدراك واقع هذا الفوج ومهماته الحقيقية إلاّ من خلال زيارة إلى موقعه في ثكنة يوسف الأسطا - كفرشيما. فهو كما يصفه قائده العميد فؤاد خير، «الجندي المجهول» في الجيش اللبناني.
«الجيش» زارت الفوج وتعرفت إلى دوره المهمّ في تسهيل مهمّات القطع العسكرية كافة.


فوج بحجم لواء
فوج النقل هو قطعة إدارية فئة أولى ترتبط عضويًا باللواء اللوجستي، ينفّذ مهمّات لمصلحة المؤسسة العسكريّة بمختلف وحداتها وأفواجها ويضمّ سبع سرايا، لكل منها مهمّة محدّدة تختلف عن الأخرى. قائد الفوج العميد فؤاد خير يشير إلى أنّ سرايا الفوج تعمل بشكلٍ صامتٍ وغير ملحوظ على الرغم من ضخامة المهمات التي تنفّذها وأهميتها.
ويقول: سابقًا كان فوج النقل صغيرًا ومهمّاته محدودة، ولكنه اليوم يضمّ ما يقارب الـ 420 آلية كبيرة، وحجمه أصبح أكبر من حجم لواء، وهو يؤمّن عمليات انتقال الألوية والأفواج التي تحصل إمّا بسبب تبديل المراكز أو لتنفيذ مهمات عملانية.
ويلفت قائد الفوج إلى ضيق المساحة التي يتمركز فيها الفوج، لكنه يشير إلى أن موقعه في كفرشيما استراتيجي، فهو قريب من مركز القيادة الذي تنطلق منه المهمات لتتوزّع في كل المناطق اللبنانية، وتشمل جميع القطع.
ويركّز العميد خير على أهمية سرية النقل المشترك التي يعمل الفوج على تطويرها، وقد تمّ استحداث حوالى 34 خط سير ليصبح بذلك عدد هذه الخطوط 84 خطًا تغطّي الأراضي اللبنانية كافة. ويلفت إلى أنّ الفوج يولي مسألة تأمين انتقال العسكريين أهمية بالغة وهدفه التوصّل إلى مرحلة يستغني فيها هؤلاء عن وسائل النقل المدنية، بعد تعديل خطة السير المعتمدة.

 

الهيكليّة
تتضمّن هيكلية فوج النقل الفروع الرئيسة الموجودة في أي فوج آخر ولكل منها رئيس، ويضمّ أيضًا سبع سرايا مختلفة هي: سرية القيادة والخدمة، سرية النقل المشترك الأولى، سرية النقل الخفيف، سرية الصهاريج، سرية حاملات الدبابات، سرية الرافعات والنقل الثقيل، سرية النقل المشترك الثانية. يُضاف إلى هذه الفروع والسرايا فصيلة تموين.

 

القيادة والخدمة
في جولة ميدانية أتيح لنا التعرف عن قرب على مهمات كلّ سرية والصعوبات التي تواجهها والاقتراحات اللازمة لتحقيق خطة التطوير التي تسعى قيادة الفوج إلى بلورتها.
البداية كانت في سرية القيادة والخدمة التي أوضح آمرها أنها تضمّ مشغل الفوج، وهو أهمّ قسم لتأمين الجهوزية الدائمة من خلال إصلاح الأعطال التي تصيب الآليات وبخاصة تلك التي تقلّ العسكريّين. كما تشمل مكتب سير الآليات الخفيفة الذي يؤمّن مهمات الضباط وخبراء الحوادث، ولجان السوق، ومهمات مختلفة لمصلحة وحدات الجيش.
فصيلة الأموال تهتمّ بالأمور المالية، المخازن تضمّ المعدّات والعتاد...
وفي السرية أيضًا قاعدة تدريب مع كامل التجهيزات لدورات السوق كافة ومكتب رقم 1- اختصاص نقل - القسم النوعي، وأمانة السرّ ومحاسب محروقات الفوج.

 

النقل المشترك
في1/1/1994 باشرت سرية النقل المشترك عملها عن طريق تجميع شاحنات «ريو» وأوتوبيسات نوع «تاتا» مع سائقيها، وتسييرها على خطوط المواصلات الرئيسة. تطوّرت هذه السرية على مرّ السنين وحقّقت آليات إضافية جديدة فتمّ إنشاء سرية نقل مشترك ثانية.
 آمرا سريّتي النقل المشترك يوضحان أهمية الخدمات التي تؤمّنها سرايا النقل المشترك ضمن أربعة أبعاد:
- البعد المعنوي: ويتمثّل في رفع معنويات العسكريين عن طريق توفير وسائل نقل خاصة بهم تسهّل انتقالهم وتوفّر بدل الإنتقال.
- البعد الأمني: إذ يتمّ نقل العسكريّين بهامش حيطة وأمان أكبر من ذلك الذي توفّره الوسائل المدنية.
- البعد الإجتماعي: ويُعنى بتثبيت قسم كبير من عائلات العسكريين في القرى والبلدات النائية.
- البعد الوظيـفي: ويتمثّل في تمكين قسم كبــير من العسكـريين من الحضور يوميًا وتأمين خدمة الدوام في الوظائف الحسّاسة.
يتمّ تسيير خطوط النقل في المناطق وفق الأفضليّات مع الأخذ بعين الإعتبار عدّة معايير منها، تنسيق التوزيع بين المناطق وفي داخلها، الأقدميّة في توقيت خط السير وطوله وكلفة الإنتقال، عدد العسكريين الذين يتمّ نقلهم والخصائص التقنيّة المتعلّقة بالأوتوبيسات. ويشار هنا إلى أنّ الأفضلية الأولى هي لخطوط اليرزة.
في عهدة سريتي النقل المشترك حوالى المئة باص، تؤدّي عملها وفق ما تقتضيه تدابير الحيطة والحذر المفروضة في تنـفيذ مهمّات النقل من التقيّد بالسرعة والمسلك المحدّدين، التفتيشات الدائمة للركاب والتأكد من هويّاتهم، والتقيّد بتعليمات النقل العسكري البرّي وقانون السير.
 

النقل الخفيف
آمر سرية النقل الخفيف في فوج النقل، يعرّف بسريّته التي أنشئَت بتاريخ 30/7/2001 وهي تنفّذ مهمات نقل وفود أجنبيّة (تستعمل آليات خاصة بهذه الوفود)، وممثلي قائد الجيش، كما تقـوم بنقـل عسكريّــين وعتــاد ومعدات لمصلحة مختلف وحدات الجيش وقطعه، وبمهمّات أخرى بناء على تكليف اللواء اللوجستي.
ويتولّى ضبـاط السريّة التدريب في دورات تُفتَــتح في فــوج النقــل وخارجــه، وهــؤلاء يعيَنون أعضاء في لجان فاحصـة في وحدات الجيش.
يتجاوز مجموع آليات السرية المئة آلية بينها شاحنات وبيك أب وسيارات نقل وفود.
 

الصهاريج
أنشئَت سريّة الصهاريج في كانون الأول 1995، وهي تنفّذ مهمة نقل مياه الشرب والاستعمال لوحدات الجيش وقطعه المتمركزة في منطقة جبل لبنان وبيروت، إضافة إلى نقل المحروقات (مازوت أخضر وأحمر وبنزين) لتزويد جميع محطات الوقود العسكريّة المنتشرة على الأراضي اللبناني كافة. إلى ذلك تقوم هذه السرية بسحب المياه الآسنة من الحفر الصحية في مراكز الوحدات والقطع المنتشرة في منطقة جبل لبنان. يتوافر في هذه السرية مجموعة صهاريج لنقل المياه والمحروقات وللصرف الصحي وقاطرة ومقطورة.
تعترض مهمات السرية عدّة صعوبات، فالآليات المتوافرة في السريّة أصبحت قديمة وهي بحاجة إلى صيانة دائمة، الأمر الذي نسهر على تنفيذه بكل دقة حفاظاً على الجهوزية والسلامة العامة.

 

حاملات الدبابات
«ننقل كل ما له جنزير في الجيش»... باختصار هذا هو دور سرية حاملات الدبابات التي أنشئَت في 24/10/1993 وهي تؤمّن نقل الآليات التكتيّة والهندسيّة التي يصل وزنها إلى 75 طناً، والآليات المدولبة والمستوعبات، والمكعبات الإسمنتية والبيوت الجاهزة، الأعتدة والمعدات التي يتعذّر نقلها بأي واسطة أخرى، كما تقوم بإخلاء الآليات الثقيلة (صهاريج، شاحنات...) وتشارك في نشاطات فوج النقل واللواء اللوجستي وبالتعهّد اليومي والصيانة.
المهمة الأبرز لهذه السريّة، هي تبديل الألوية بأقل وقت وضرر ممكنين ضمن الإمكانات المتوافرة.

 

الرافعات والنقل الثقيل
السرية الأخيرة هي سرية الرافعات التي أنشئَت العام 1997، ثم عُدِّلت تسميتها العام 2007 فأصبحت سرية الرافعات والنقل الثقيل. آمر هذه السرية يعدّد مهماتها: تحميل، نقل وتنزيل عتاد ومعدات ثقيلة (آليات، مستوعبات، بيوت جاهزة، خزانات، عتاد قوامة، مولدات كهربائية...)، نقل ذخيرة على اختلاف أنواعها، نقل مواد مختلفة (مواد بناء، مكعبات ومجسمات إسمنتية، محارس...) وإخلاء الآليات المعطلة بواسطة الرافعات المتنوّعة. وتنقسم مهماتها إلى مهمات ذات طابع أمني وأخرى ذات طابع عملاني، وغيرها (إنشائي ولوجستي). وتستعمل في تنفيذ هذه المهمات عدّة آليات متخصصة تملكها السرية.
 

التأليل
يحتلّ فرع التأليل أهمية بارزة في تسهيل العمل الإداري للفوج وهو موصول بالقيادة (برنامج FTP). يتضمّن غرفة عمليات اللواء اللوجستي وهي غرفة حديثة مزوّدة كمبيوترات مخصّصة لمراقبة مسالك الأوتوبيسات وسرعتها وخطّها ومكان وجودها.

 

في الحرب
في زمن الحرب يقدّم فوج النقل الدعم بالوسائل العضوية لوحدات الجيش كافة وبالأفضلية، لنقل العتاد والمؤن والمحروقات والمياه من القواعد اللوجستية الأساسيّة إلى منطقة العمليات وإلى باقي الوحدات.
يقوم أيضًا بإخلاء العتاد المتضرّر والمدمّر والمصادر من البقع اللوجستية للألوية ونقاط التجميع والإخلاء إلى الثكنات والقواعد اللوجستية الأساسية في الخلف.
كما ينفّذ الفوج أعمال إغاثة (نقل وإخلاء المدنيين من منطقة العمليات الحربية إلى أماكن آمنة، ونقل الأعتدة والمؤن والمساعدات للصمود)، إلى تأمين مساندة نقل لوحدات الجيش عندما تقتضي الضرورة.
في ختام هذه الجولة، يلفت العميد خير إلى إمكان استحداث فوج خاص بالنقل المشترك،  لما له من آثار ايجابيّة على العسكريّين.
وهو لا ينسى الإشادة بعسكريّيه الذين يقدّمون التضحيات ويؤمنون الجهوزيّة اللازمة منذ ساعات الصباح الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل لتنفيذ كل ما يُطلب من سرايا الفوج على الأراضي اللبنانيّة كافة.

 

بالرغم من ضآلة الإمكانات...
لدى سؤالنا آمري السرايا عن مدى التناسب بين إمكانات الفوج البشرية والمادية والتقنية وبين المهمات الضخمة التي يتولى تنفيذها، يتبين لنـا أن الجواب هو نفسه تقريبًا، وإن بصيغ قد تختلف مفرداتها من ضابط إلى آخر.
والواضح أن ثمة نقصًا في عديد السائقين، والحاجة تبدو ملحّة الى تحقيق مزيد من الآليات الحديثة، والأمر نفسه يصح في ما خص المشاغل وقطع البدل. لكن الجهود المضاعفة تعوض دومًا أي نقص، وتتغلب على الصعوبات. هذا ما نستنتجه عندما نسأل: كيف تسيّرون الامور في ظل عدم التكافؤ بين المهمات والإمكانات؟ فالجواب هو: بما أمكن تسيّر الأمور.
نحن ننطلق من مقولة أن كل المهمات المطلوبة يجب أن تنفذ، والمعوقات تعالج وفق كل ظرف وكل مهمة. نطمح إلى الأفضل ونأمل أن تتمكن القيادة من تلبية احتياجاتنا كما احتياجات سائر القطع...
في أي حال ثمة مقترحات تؤمن حلاً للمعوقات التي تعترض الفوج والأمل بأن تتوافر الإمكانات لتحقيقها.