تحقيق عسكري

فوج مغاوير البحر:رجال يجدّدون عطاءهم مع كل إشراقة شمس
إعداد: ندين البلعة خيرالله

«أحلى رجال بالدني»... كلمات قليلة عبّر من خلالها قائد الجيش العماد جان قهوجي عن تقديره وإعجابه بأداء مغاوير البحر، خلال زيارته الفوج عقب مشاركته في المعارك التي خاضها الجيش ضدّ الإرهابيين في الشمال وعكار. ففي تلك المعارك أثبت الفوج مرّة جديدة كفاءته وحرفيّته.
شهادة العماد قهوجي التي يعتزّ بها الفوج بقيادته وضباطه وعسكرييه، أضافت إلى رصيده المزيد من الثقة بالنفس والاعتزاز والاندفاع...

 

أداء يستحقّ التنويه
في ثكنة ميلاد الندّاف في عمشيت حيث يتمركز الفوج، استقبلنا قائده العقيد الركن المغوار البحري محمد المصطفى ومساعده رئيس الفرع الثاني المقدّم الركن كمال نهرا، ومنهما اطّلعنا على ما يشهده الفوج من حركة على مختلف الأصعدة، من العديد إلى العتاد والمنشآت... الكلام كان قليلًا، لكنّ الورشة القائمة في الثكنة بدءًا من الحاجز المركّز عند مدخلها وصولًا إلى مبنى القيادة وحقول التدريب، والتدريبات المستمرّة، في موازاة المهمات التي ينفّذها الفوج، كلّها كانت كفيلة برسم صورة واضحة للمستوى المتقدّم الذي بلغه في كل هذه المجالات.
بداية نسأل عن مستوى أداء العسكريين والذي كانت إحدى تجلياته النتائج التي حقّقها على الأرض خلال معارك الجيش ضدّ الإرهابيين في الشمال أواخر العام الماضي. يقول قائد الفوج: «إنّ النتائج المشرّفة التي حقّقناها في منطقة الشمال، لم تكن وليدة لحظتها بل نتيجة الاستطلاع والتحليل واستباق الأحداث والتخطيط لكل السيناريوهات الممكنة، في موازاة التدريبات المستمرّة التي ضاعفت مستوى الاحتراف لدى العسكريّين وزادت أداءهم دقّةً والتزامًا...».
ويضيف: «كانت المعارك تدور على أكثر من جبهة، وقد تصدّينا بحزم للمجموعات الإرهابية التي عملت على شلّ مدينة طرابلس والمناطق المحيطة بها في جولات القتال المتتالية. استبسل ضباط الفوج ورتباؤه وأفراده في القتال، خصوصًا لدى دخولهم إلى المربّع الأمني لمجموعة المولوي ومنصور، تحت وابل من النيران الغزيرة والمركّزة، مع ذلك أنجزوا المهمّة من دون أن يتعرّضوا للأذى أو يعرّضوا له أيًّا من المواطنين. كنّا وضعنا خططًا لعمليات مرتقبة بالتنسيق مع أركان الجيش للعمليات (مديرية العمليات)، واعتمد الفوج تكتيك ضبط النيران التي تقتضي بعدم الردّ بعشوائية، وباستطلاع مصادر النيران ومن ثمّ الرمي بدقّة».

 

عسكرنا محترف... ووَفي حتى الموت
• نعلم أنّ الفوج كان رأس الحربة ضمن القوى التي واجهت المجموعات المسلّحة في منطقة بحنين - المنية - الضنية، لكن هل اضطلع بمهمّات أخرى هناك، مثل المداهمات وسواها؟

- بالطبع، نفّذ الفوج عمليات قتالية ودوريات تفتيش عن مطلوبين فارّين في منطقتي الشمال وعكار، حيث تمّ توقيف العديد من المطلوبين الخطرين الذين شاركوا في الاعتداءات على القوى الأمنية. وقد تميّزت هذه العمليات بالدقة والنجاح على الرغم من ارتفاع نسبة الخطر.
• لكن ماذا عن أداء العسكريّين والتزامهم في ظلّ حملات التحريض التي تعرّض لها الجيش من قبل العابثين بالسلم الأهلي؟
- لقد فشلت كل محاولات التحريض وحتى التهديد، في التأثير على معنويات العسكريين وأدائهم والتزامهم، بل على العكس زادتهم تصميمًا واستشراسًا للقضاء على حالة الفوضى والخلل التي كانت تضرّ بضيعهم وأهاليهم.
عسكرنا وَفيّ حتى الموت، يقاتل باللحم الحيّ، وبالإمكانات المتواضعة... يستشرس في الدفاع عن أهله ومؤسّسته ووطنه. ويبقى شعاره «نحنا الحق وأمل الناس».

 

مَن يجرؤ... فلينضمّ

• ما هي المواصفات التي تميّز المغوار البحري؟
- تنطبق على المغوار البحري كل الخصائص التي تميّز عسكريي الوحدات الخاصة. وهو إضافة إلى العمليات التكتية البرية والجوية، يقوم بتأمين وصول القوات الصديقة إلى البرّ، يؤمّن رأس جسر، يهاجم أهدافًا بريّةً من المياه وأهدافًا بحرية ضمن المياه، يداهم سفنًا ويخلّص رهائن، يستطلع المعلومات ويجمعها، ويشارك في عمليات البحث والإنقاذ عن أهداف في البحر.


• ماذا عن خطّة التطويع؟
- يعتمد الفوج خطّة تطويع خمسية لتحقيق العديد اللازم. المدنيون الذين يتمّ تطويعهم يتابعون دورة تحضيرية لدورة مغوار في مخيّم خاص يطلّ على الثكنة. موقع المخيّم بحدّ ذاته هو بمثابة تحدٍّ لهم وحافز لبذل أقصى الجهود لبلوغ الهدف المنشود: دخول الثكنة. فمن ينجح في دورة  المغاوير يعود إلى الثكنة ليتابع دورة مغوار بحري وعدد من الدورات المتقدّمة ليصبح جديرًا بالانضمام إلى عديد الفوج.
وهنا يشير قائد الفوج إلى التطوّر والتقدّم الملحوظين على مستوى التدريب والاحترافية لدى العسكريين، فهم يتميّزون بطاقة معنوية وعملية ونفسية... ما يجعلهم في جهوزية تامة لتلبية نداء الواجب.

 

تدريبات ودورات
على الرغم من انتشار عدد من سرايا الفوج في محافظتَي الشمال وعكار، فعمليات التدريب تنشط بشكل متواصل، بعضها يتمّ بإشراف ضباط من الفوج وبعضها بإشراف خبراء أجانب (فرق التدريب الأميركية، البريطانية، الفرنسية والبرازيلية). إنّ الحرص على بلوغ أعلى المستويات قد أعطى ثماره، فجميع الفرق المتعاقبة على التدريب في الفوج، أثنت على كفاءة المتدرّبين. وفي سياق التدريب، نفّذ الفوج تمارين مع البحريّتين الفرنسية والبرازيلية التابعتين لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، كما شارك في تمرينَي الأسد المتأهب في المملكة الأردنية الهاشمية، والصقر الجارح في دولة قطر، وقد تركت هذه المشاركة انطباعًا إيجابيًا لدى المنظّمين.
إلى ذلك، يتابع عسكريّو الفوج عدّة دورات أبرزها: دورة تحضيرية لدورة مغوار (أنهاها 108 مغوار جديد من المجنّدين المتطوعين لمصلحة الفوج بنجاح والعدد في ازدياد)، دورة مغوار بحري، دورة مدرّب مغوار بحري، دورتا استعلام، دورات غطس متعدّدة (تقنيات غطس متقدّم، غطس أساسي، غطس قتال، closed circuit)، دورة رتيب آمر فصيلة (تفتتح للمرة الأولى منذ إنشاء الفوج)، قنص وإسعاف ميداني...
كذلك، يخضع العسكريون لدورات تدريبيّة مع فرق من القوات الخاصة في الجيوش الأجنبية الصديقة تحت عناوين مختلفة منها: القتال في الأماكن المبنية، الدهم، الدوريات القتالية، تفكيك العبوات غير النظامية، القنص، الهاون من عيارات مختلفة، جهاز الرمي المنخفض للهاون، دهم سفن (VBSS)، مراقبة السفن وتفتيشها، قيادة الزوارق، تقنيات المجموعة الصغيرة...
إلى ما سبق، تُقام في الفوج دورات تكتية من بينها: الاستعلام التكتي وجمع المعلومات والتحضير الاستعلامي لأرض المعركة، الدهم، الزوارق المطاطية (RHIBS) وتعهّدها وصيانتها، كشف وتحليل الأدلّة والمواقع الحسّاسة وجمع المعلومات التكتية...
ويُطلب من الفوج أحيانًا تدريب مجموعات من مختلف القطع العسكرية على عمليات الدهم والتدريبات البحرية.

 

المنشآت: ورشة عمل مستمرّة
استطاع فوج مغاوير البحر، في السنوات القليلة الماضية، أن يحقّق تقدّمًا ملحوظًا في مختلف الأصعدة. فكما أن التدريب يحتلّ أولويّةً في مخطّطه العام، كذلك يشكّل تحديث المنشآت واستحداث بعضها لتلبية حاجات الفوج من هذا التدريب، جزءًا من أولوياته.
قائد الفوج ومساعده اصطحبانا في جولةٍ في أرجاء الثكنة التي باتت تمتدّ على مساحة كبيرة من الأرض وتضمّ منشآت متطوّرة تتماشى والخطّة التدريبيّة المتّبعة. المحطّة الأولى كانت في غرفة العمليات التي تعتبر الأولى من نوعها على صعيد الوحدات في الجيش اللبناني وتضمّ ثلاثة أقسام: القسم الأول هو غرفة العمليات بحدّ ذاتها (JOG ROOM) حيث يجري التخطيط والعمل على أوامر العمليات ومراجعة العمليات المنفّذة وتقويمها (After Reaction Review- ARR). ويمكن أن يُعقَد في هذه الغرفة أي مؤتمر عسكري رفيع المستوى، إذ تضاهي بتقنياتها أرقى غرف العمليات الغربية وأكثرها تطوّرًا. يتبع هذه الغرفة قسم ثانٍ هو غرفة التحليل (Analysis Room) حيث يتمّ تحليل المعلومات الاستخباراتية والاستعلامية الواردة من مجموعات المراقبة والاستطلاع والاستعلام، من قبل فريق التحليل.
أمّا القسم الثالث فهو غرفة الترجمة والتحكّم الصوتي، حيث يمكن للمترجم أن يشاهد ما يُعرَض في غرفة العمليات فيترجمه مباشرةً عبر نظام صوتي يصل إلى المتلقّي بواسطة سماعة.
على الشاطئ المقابل للثكنة أنشئ سنسول بحري (أصبح التنفيذ في المرحلة النهائية) بهدف حماية المزاحف الباطونية التي تستعمل لإنزال الزوارق المطاطية وإخراجها. وهو يستعمل أيضًا لركن الزوارق السريعة ما يتيح لها الانطلاق السريع حتى في أسوأ حالات البحر. فقد كان الفوج مضطرًا إلى التحرّك برًّا إلى قاعدتي جونية أو بيروت البحريّتين لإنزال الزوارق، ما كان يكبّده وقتًا ومصروفًا وخطرًا إضافيًّا.
من منشآت الفوج أيضًا، منصّة خاصة للاحتفالات وللوفود الزائرة، ونقطة مراقبة على أوتوستراد البترون- بيروت لرصد أي تحرّك مشبوه، وجدار عالٍ يحمي حقل الرماية الذي تمّ توسيعه.
وفيما يترقّب الفوج إنشاء حقل رماية مغلق، يتمّ إنشاء مبنى خاص بفرق التدريب الأميركية التي تدرّب لديه وقد بات في المراحل النهائية، إلى شقّ طريق بحرية يستخدمها العسكريون للحدّ من تنقّلهم على الطريق العام. كما يعمل الفوج على إنشاء خزان مياه كبير يلبّي حاجة العسكريّين مع تزايد عددهم.
في ما يخصّ الرياضة، تمّ إنشاء ملعب كرة قدم (mini football) تتوافر فيه معايير السلامة، وتمّ تطوير النادي الصحّي في الثكنة وتجهيزه بأحدث معدّات التدريب الرياضي. ويشدّد قائـد الفـوج في هـــذا المجــال، على أن الريـاضـة يومــيــة وإلزاميــة للحفـاظ على الليـاقة البدنية، وعلى الجهوزيـة.

 

التكنولوجيا في خدمتنا والعتاد قيد التطوير
إلى ما سبق، يسعى الفوج إلى استثمار التكنولوجيا وتطويرها بشكل يتناسب وطبيعة المهمات والضرورات العسكرية، وقد أدخل إلى هيكليته في هذا الإطار برنامجًا حديثًا يتضمّن بنك المعلومات التي تتعلّق بعسكرييه، وذلـك من ضمن خطّة التبليغ التي يتـبعهـا لتأمين الجهـوزية الكاملة في أقلّ من أربع ساعات، عندما يستدعي الوضع ذلك.
الفوج مجهّز أيضًا بغرفة ضغط لا مثيل لها في لبنان سوى واحدة في أحد المستشفيات. وقد عولجت في غرفة الفوج حالتَا شلل نصفي أصابتا مواطنَين بسبب حادث غرق خلال الغطس.وكان ذلك عملًا إنسانيًا من دون أي مقابل قدّمه الفوج بناءً على أوامر العماد قائد الجيش.
كذلك يعمل الفوج على تطوير عتاده، وفي هذا الإطار تمّ تطوير الآليات القتالية وتدريعها، وتطوير نظام الاتصالات (تأمين نظام اتصالات تحت الماء). كما حقّق الفوج عتاد غطس متطوّرًا ونسبة جيّدة من حاجاته مقارنةً بالإمكانات، وهو بانتظار تحقيق جزء جديد من ضمن خطة التسليح الخمسية.
غادرنا ثكنة فوج مغاوير البحر، وفي نفوسنا الطمأنينة، فالوطن في عهدة أيدٍ أمينة، ورجال يجدّدون عطاءهم مع كل إشراقة شمس.

 

الدمار للفاشلين
عند مدخل المخيّم الخاص بالمتطوّعين الجدد، مجسّم على شكل أرزة، مصنوعة من حجارة باطون يحمل كل منها اسم متطوّع، ومن يفشل في دورة المغوار، يدمّر الحجر المخصّص لاسمه...