محطة

فيروز: منحبك تَ تخلص الأيام
إعداد: إلهام نصر تابت

كانوا كثرًا في «بيت بيروت» مساء 21 تشرين الثاني الماضي. كانوا كبارًا يحملون سنوات من الذكريات والحنين، وصغارًا ويافعين يحملون الكثير من الحب لصوت يملأ بيوتهم منذ ولدوا.
تحت عنوان «فيروز... وحدها بتبقى»، شهد بيت بيروت احتفالية فنيّة ثقافية في مناسبة العيد الثالث والثمانين لأيقونة لبنان، والذي تزامن مع عشية العيد الخامس والسبعين للاستقلال.
إنّه اليوبيل الماسي للاستقلال ويوبيل الحب الذي ما برح ينمو عامًا بعد عام وجيلًا بعد جيل لسيدة حضر صوتها في وجدان مئات الملايين من البشر. يسمونها وطنًا، ويعتبرونها أجمل أرزاتنا. رفيقة الصباحات والأماسي والأوقات كلها، رفيقة الفرح والوجع والحنين والمحبة والأمل والسلام والحالات والمشاعر كلها.
فيروز التي اجتمع في عيدها المئات كانت في «بيت بيروت» الحامل ندوب الحرب والمشرق بجمالات من الذاكرة الثقافية للوطن. كانت هناك بصورها الممتدة عبر حقب مختلفة من مسيرة بدأت مضيئة وما زالت تتوهج جمالًا. كانت هناك بصور تدخّل فيها عشاقها بكثير من الحب ليبعثوا برسائلهم إليها وإلى العالم. كانت هناك بصوتها وصورتها عبر شاشة بثت مقاطع نادرة من أعمالها. أمام الشاشة وقف الزائرون، غنّوا مع أيقونتهم بفرح كبير، وتفحصوا آلات تصوير وتسجيل قديمة استخدمت يومًا ما في إنتاج أعمال فيروز.
وفيروز كانت هناك في مجموعة من المقتنيات الشخصية الأخرى التي جمعها محبوها خلال سنوات طويلة. كتب، مجلات وصحف قديمة، أسطوانات، أشرطة كاسيت، بروشورات أفلام وأعمال أخرى، كلها عرضت بشكل أنيق ومن دون تكلّف. الزائرون وجدوا عند المدخل دفترًا أنيقًا خطَّ كل منهم على أوراقه رسالة لفيروز. رسائل المحبة كثيرة، وكذلك رسائل الاشتياق: «إن قرأتِ هذه الرسائل سيدتي أرجوك نريد حفلة، حلم حياتي أن أراكِ على المسرح، كتبت إحداهن. شكرًا لأنكِ أعطيتني حياتي، كتب آخر طالبًا من الله أن يأخذ من عمره ويعطيها... ليس صدفة أن يكون عيد ميلادك عشية عيد الاستقلال، أنتِ وطن... شكرًا لأنك جعلتِ الأماكن والأشياء أجمل... عمري تسع سنوات وأسمعك منذ ولدت، أحبك...» يصبح الدفتر كتابًا متعدد اللغات... بالعربية الفصحى والمحكية كتبوا، وبالفرنسية والإنكليزية. بعض الرسائل أشارت إلى الأماكن التي أتى منها أصحابها، من بعلبك، من الجنوب، من عكار... وأيضًا: من مصر وسوريا وفلسطين والمغرب وتونس والجزائر وأستراليا وكندا وأميركا.
طوفان من المشاعر على كتاب يحكي للسيدة ببساطة وعفوية كم هو أساسي حضورها في حياتنا. إنّها ظاهرة كتبت حولها عشرات الدراسات الجامعية فضلًا عن الكتب، وما زالت تمتد وتتوسع وتواصل عبورها من جيل إلى جيل، وأينما حلّ طيفها حلّ معه ما يكفي من الرقي والجمال ليغمر الناس والأماكن.
حضر إلى المعرض وزيرا الثقافة والسياحة في حكومة تصريف الأعمال غطاس خوري وأواديس كيدانيان، ومحافظ بيروت زياد شبيب، وزياد الرحباني. ربما كانت من المرّات النادرة التي لا يحصل فيها تدافع لالتقاط صورة بالقرب من زياد أو سواه من الزوار الكبار. إنّه حضور فيروز الذي يفرض التزام سلوكيات محددة.
أخيرًا، من نظّم هذه الاحتفالية التي ضجت بها وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والأجنبية فضلًا عن مواقع التواصل الإجتماعي؟
إنّهم بضعة شباب نشأت بينهم صداقة على الفايسبوك (ينتمون إلى مجموعتي «فيروز: مختارات من الأرشيف»، و«فيروزيون»)، نظموا هذه الاحتفالية الراقية بجهودهم الخاصة، وخلال أيام قصيرة. كل ما أرادوه هو أن يقولوا لفيروز: «منحبك تَ تخلص الأيام»، وقد قالوها بطريقة رائعة.