ثقافة وفنون

فينوس خوري شاعرة الفرح رغم المآسي

وفيق غريزي

تكتب بلغة فرنسية خاصـة بـها, وتحسـب أن فرنسيتها هذه ممتـزجة, الى حد مـا, باللغـة العربية, بروائحها وصورها. بعبارة أخرى تكتب بالفرنسية فيما تـظل عيـناهـا شاخصـتين نحـو العربية, ولا تتفق مع الذين يقولون أن الفرنـكوفونـيين يتركون لغـة كانـوا يسكنونـها الى لغة تسكنهم. فاللغة العربية ما زالـت تسكنها, ولقد أتـت الى اللـغة الفرنسية عـن طريـق شقيـقها الذي كـان شاعـراً بالفرنسـية. فـمـن هـي هـذه الشاعـرة التي لديـها ما يـناهز الثلاثـين كـتابـاً؟

 

الهوية

ولـدت فينوس خوري في بيروت عام 1937. تلقـت دروسها الثانوية في مدرسـة زهـرة الإحسان. تقـيم حالياً في باريس بعد زواجها من السيد غاتا. لها بالفرنسية في الشعر: “الوجوه غير المكتمـلة” ­ 1966, “الأراضـي الراكدة” ­ 1968, “في جنـوب الصمت” ­ 1975, “الظـلال وصراخها” ­ 1979 (حازت على جائزة أبولينير 1980), “من يتـكلم باسم الياسمين” ­ 1980. وفي النثر, لها الروايات التالية: “اللامتآلفون” ­ 1971, “حـوار حول المسيح أو حول البهلوان” ­ 1975, “ألما خياطة يد” ­ 1977.
تسهـم في تحرير بعض الصحـف والمجـلات الأدبية في فرنسا. من ممـثلي الإتجاه الجديـد, المتحـرر على صعـيـد الشكـل والمضمـون, في الشعـر اللبـنـاني باللغة الفرنسية, ومـن الأقـلام الغزيـرة فـيه.
وبالإضافة الى جائزة أبوليـنير, نالـت جائـزة مالارمه وجائزة جمعية أهل القلم. تألق إسمها شاعرة وناقدة وروائية في بيروت قبل سفرها الى باريس والإستقرار فيها.

 

الموضوعات الشعرية

تتداخل في نصوص فينوس خوري الأشياء والرموز والتصورات الخاصة, والعوالم السحرية اللامألوفة, حتى تصبح شكلاً آخر للحب, أو شكلاً خاصاً, في طريقة التعبير على الأقل. ورغم الهروب العام من التصريح به, يظل للحب عندها شكل مألوف وحضور مميز في بعض نصوصها الشعرية ولا سيما في ديوانها “الوجوه غير المكتملة”.
وإذا كانت فيوس “تنتمي الى التيارات الحديثة في الشعر, حيث تتشابك الموضوعات ويصعب فصلها, فإن الإبهام المألوف عند شعراء تلك الموجة يبتعد عن مجموعتها, حتى يصبح الوضوح صفة من الصفات الرئيسية اللصيقة بها. وعبر تصنيف الموضوعات في المجموعة المشار إليها, يأتي الحب والجنس في الطليعة. والحب عند فينوس خوري إيماءات عابرة وتساؤلات حيّة, وغياب سحري في بحار الذكريات, وتوق دائم الى عوالم الحلم والدهشة والغبطة, ووتواصل مع الحبيب”.
“فليكن ساعداك حدود عالمي
ولأصلب على مداك
خذني الى عالمك”
وعد في أن يستمر حضوره, وخوف من غيابه, وهو سماوي, حلم لا يرعب, طبق أزرق بلون غيوم الربيع, وينبوع صغير يجري في بحيرات القلب:
“بالله لا ترحل
لا تطفئ النجوم وعينيّ”
يميل اسلوب شاعرتنا الى الوضوح رغم انتمائها الى التيار الشعري الحديث النازع نحو الغرابة والإبهام, و”لعل مسحة من الغنائية لفحت شعرها, فتناغمت مع الرؤى والتصورات, وخلقت جواً شعرياً مليئاً بالإيحاء. وقد صيغت غالبية قصائدها بقـوالب متحررة, فشددت على الأصوات الداخلية من دون إعتبار النغـمية الرتيبة الصادرة عن الشكل الكلاسيكي في القصيدة”.

 

مكانتها

قـال الشاعر والناقـد الفرنسي ألين بوسكه بفينوس خوري أنها “أبصرت النور مندهشة ولا تزال. فالطبيعي في طفولتها جعلت منه مسلكاً في الحياة دونما أي جهـد. وهي تعتبر الواقع, على اختلاف وجوهـه الهادئة أو الأليمة أو المأساوية, قضـية وحي وإشراق ودهشة مستمرة. فلا شيء تقـبله من دون إبداعـه من جديد, وهو خط الشعراء قبل أن يصبحوا شعراء, وبعد تصميمهم على البقاء شعراء كلّف الأمر ما كلّف”.
فينوس خوري بنت عصرها, بنت يومها, بنت ساعتها, كما يقول رواد طربيه, تهتز لكل ما هو إنساني, تهتز للفرد كما تهتز للجماعة, تهتز لمن تحبهم, وهل هناك إنسان يستحق إنسانيته ولا تحبه شاعرتنا؟ هذا ما نجده في شعرها, الذي هو شعـر الحـب, شعر الفرح, حتـى ولو كانت المآسي تواكبه.. مآسي الإنسان, ومآسي لبنان.

 

الشاعر

“سيكون عالمك
عند شفا الصمتِ
وجريفك
ما اصفرّ من كلم على شفتيك
وخدينك العطش الذي
ينفر من ثيابه الهاذية العارية وستطعم الطيور للزفت بأسواق المدائن
وتطعم الصلصال من وجوهك المغرقة في القِدَم,
ولكي تموت
تتمدد
حتى تخوم إهابك القصوى...”.