لقاء العدد

في أول حديث إعلامي له بمناسبة الأول منآب

العماد حسن توركماني يتمنى للجيش اللبناني مزيداً من النجاح في تحقيق مهامه الوطنية والقومية

العلاقات بين الجيشين الشقيقين تعود الى مرحلة نضال سوريا ولبنان معاً لنيل الإستقلال الوطني

لأنّ الأوطان مقدسة, فإن “تهديدات إسرائيل لن تحملنا على التخلي عن حقوقنا أو تثنينا عن مواقفنا, بل سنمضي في الإستعداد للدفاع عن وطننا وتحرير أرضنا مهما بلغت التضحيات في سوريا ولبنان”...
ولأنّ “دائرة تهديدات العدو تشمل بلدين صديقين متحالفين أو قطرين شقيقين كما هو حال سوريا ولبنان, فإن أحد أهم عناصر تأمين متطلبات المواجهة مع العدو المشترك, هو العمل لتعميق علاقات التعاون وتنسيق الجهود بين الجيشين الشقيقين, لتصل الى أعلى مستوى”...
ولأنّ ذكرى تأسيس هذين الجيشين الشقيقين مناسبة “غالية”, ولأن الأول من آب هو “اليوم الذي يحتفل فيه الجيشان والبلدان بهذه الذكرى التي تؤكد العلاقات الأخوية بينهما”, فهو لم يبخل علينا بهذا اللقاء, على الرغم من أنه “لا يحب الظهور الإعلامي كثيراً”.
العماد حسن توركماني, رئيس أركان الجيش العربي السوري الشقيق, يطلّ عبر مجلة “الجيش” في أول حديث إعلامي له, موجّهاً الى “قيادة الجيش اللبناني والى ضباطه وصف ضباطه وأفراده جميعاً أحرّ التحيات وأجمل الأمنيات في ذكرى الأول من آب المجيدة, راجياً للجيش الشقيق مزيداً من النجاح في تحقيق مهامه الوطنية والقومية”.
العماد توركماني تطرّق في حديثه, الى الأوضاع التي تعيشها المنطقة في ظل التهديدات الإسرائيلية لها مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية, فأشار الى أن “درس جنوب لبنان المنتصر على الجيش الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة, يؤكد لنا من جديد أن النصر حليف المصممين على النصر, المستعدين لتقديم التضحيات بلا حدود, المؤمنين بقدسية الشهادة وعظمتها”, مؤكداً أن “شعب فلسطين سينتصر في معركته المشرّفة ونضاله المشروع كما انتصر شعب لبنان من قبل, وكما انتصرت جميع حركات التحرر والإستقلال الوطني في شتى بقاع العالم”.
كما نبّه رئيس أركان الجيش العربي السوري الى المخاطر والقيود التي تحملها الظروف العالمية الجديدة, “الأمر الذي يفرض على العرب مفهوماً جديداً للأمن القومي” في مواجهة هذه التحديات, و”اتخاذ المزيد من إجراءات التعاون والتنسيق بين الدول العربية الشقيقة والصديقة”, لأنّ “في ذلك مكسباً وفائدة لكل قطر عربي على حدة وللأمة العربية بكافة أقطارها”.
في ما يأتي, النص الكامل لحديث رئيس أركان الجيش العربي السوري العماد حسن توركماني.

التهديدات الإسرائيلية لسوريا ولبنان

- تشكل إسرائيل تهديداً عسكرياً وسياسياً للمنطقة العربية, وخصوصاً لسوريا ولبنان, ما هو التصور العسكري السوري لمواجهة هذا التهديـد؟
­ كانت مهمة مواجهة تهديد إسرائيل لأمتنا العربية على رأس قائمة مهام سوريا الوطنية والقومية دائماً, ولذلك فـإن سياستنـا الرئيسية تمحورت في جهودها وإهتماماتها حول هدف تأمين متطلبات هذه المواجهة في المجالات العسكرية والإقتصادية والإجتماعية.
هذا التوجه العام شكّل الأساس لبناء قواتنا المسلحة, والدافع لرفع قدراتها القتالية باستمرار, وهو ما شكل لدينا في القوات المسلحة المهمة الأساسية والمقدسة التي نسعى لتحقيقها من خلال وضع خطط التدريب والتأهيل والإستعداد والقيام بالعمل الدؤوب لتنفيذها في الوحدات والتشكيلات كافةً.
إن نجاح هذه العملية في القوات المسلحة يشكل عموماً, القاعدة الأساسية لكل تصوّر عن مواجهة العدو, وعندما يلجأ العدو لتوسيع دائرة تهديداته لتشمل بلدين صديقين متحالفين أو قطرين شقيقين كما هو حال سوريا ولبنان الآن, فإن أحد أهم عناصر تأمين متطلبات المواجهة مع العدو المشترك هو العمل لتعميق علاقات التعاون بين القطرين, وتنسيق الجهود بين الجيشين الشقيقين لتصل الى أعلى مستوى.
إنني أعتقد أن الإستمرار في سياسة تأمين متطلبات المواجهة هو ضرورة تاريخية لسوريا ولبنان معاً, تحتمها نوايا إسرائيل الرامية لتحقيق مخططاتها وأطماعها في منطقتنا العربية.
وعلى أي حال, لا ترهبنا تهديدات إسرائيل وغيرها. ولن تحملنا على التخلي عن حقوقنا أو تثنينا عن مواقفنا, بل سنمضي في الإستعداد للدفاع عن وطننا وتحرير أرضنا مهما بلغت التضحيات في سوريا ولبنان.
ونحن في سوريا ولبنان لدينا القيادة الشجاعة والحكيمة بقيادة الرئيس بشار الأسد والرئيس إميل لحود, ولدينا من عناصر القوة العسكرية ومن الإرادة والتصميم على القتال ما يمكّننا من مواجهة التهديد وصد العدوان ومنع العدو من تحقيق أهدافه وتكبيده الخسائر الفادحة.

موقف عربي موحّد

- تصاعدت الحملات السياسية والإعلامية الصهيونية ضد سوريا ولبنان, ولا سيما الإتهامات بإيواء الإرهاب, ما هي أبعاد هذه الحملات ومراميها؟ وكيف تتم مواجهتها؟
­ منذ أكثر من خمسة عشر سنة والولايات المتحدة توجه من حين لآخر تهمة دعم أو رعاية الإرهاب الى سوريا دونما وجه حق أو تقديم أي دليل على ما تدعيه, متناسية معاناة سوريا من الإرهاب ومكافحتها له, ومتجاهلة دعوة القائد الخالد حافظ الأسد لعقد مؤتمر قمة لتعريف الإرهاب والتمييز بينه وبين مقاومة الإحتلال المشروعة.
وفي ما بعد وخاصة بعد أحداث 11 أيلول, إستطاعت الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس بوش الإبن أن تجعل من الإرهاب تهمة رهيبة تلقيها على من تشاء في العالم, وأن تتخذ منها ذريعة جهنمية لتضليل الرأي العام العالمي والتغطية على أهدافها غير النزيهة والمعادية لأماني الشعوب.
وسارعت إسرائيل والدوائر الصهيونية الى إستخدام لعبة الولايات المتحدة ذاتها مستغلة أبشع إستغلال الظروف الدولية المؤاتية, فاستطاعت أن تساهم الى جانب حلفائها في واشنطن في ترويج تهمة الإرهاب ولصقها بالإنتفاضة الفلسطينية, مما ساعد حكومة شارون الإرهابية على القيام بأفظع أعمال الدمار والقتل والتشريد والإرهاب ضد الشعب العربي الفلسطيني, من دون أن يطالها حساب أو ينالها عقاب. وقد شجع موقف الولايات المتحدة الصامت عما ترتكبه حكومة شارون وإنحيازها الكامل لإسرائيل, أبواق دعاية العدو الصهيوني على التمادي في سياسة التضليل والمكر والخداع عبر شن حملات سياسية وإعلامية متصاعدة وإتهام سوريا ولبنان بدعم الإرهاب.
ولا يخفى على أحد غرض إسرائيل من ذلك, فهي تهدف الى الإساءة الى سمعة البلدين الشقيقين, وإبتزاز موقفهما الموحد والثابت إزاء القضايا المطروحة المتعلقة بالصراع العربي والصهيوني, كما أنها تستهدف الضغط على البلدين الشقيقين للتخلي عن الإلتزام بدعم المقاومة اللبنانية والإنتفاضة الفلسطينية, وكذلك الإنتقام من هزيمتها في لبنان وإثارة الفتن عساها أن تبعث رهاناتها من جديد وتحقق مخططاتها العدوانية, كما تهدف الى تحريض الولايات المتحدة على إتهام سوريا ولبنان بدعم منظمات إرهابية من وجهة نظرها وهي حزب الله وعناصر المقاومة الفلسطينية.
إن مواجهة حملات الدعاية الصهيونية تتم عبر إتخاذ المزيد من إجراءات التعاون والتنسيق بين البلدين ومع الدول العربية الشقيقة والصديقة لفضح هذه الدعايات, والتمسك بالدعوة لعقد مؤتمر دولي لتحديد مفهوم الإرهاب, ووضع قواعد دولية للتمييز بينه وبين مقاومة الإحتلال, وبذل الجهود السياسية والإعلامية في سبيل ذلك وحشد موقف عربي موحد يستطيع أن يدافع عن هذا التوجه المنطقي العادل ويقول كلمة حق قوية في الساحة الدولية, وفضح الأهداف الخبيثة لهذه الدعايات والتي تتمثل في التمهيد لضرب الدول العربية بالتتابع بدءاً بالعراق وفلسطين ومروراً بسوريا ولبنان وغيرها ممن لا يرفع راية الإستسلام.

درس جنوب لبنان المنتصر على الجيش الأسرائيلي يؤكد أن النصر حليف المؤمنين بقدسية الشهادة وعظمتها

تجربة المقاومة اللبنانية

- ما هو تقويمكم لتجربة المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل وإرغامها على الإندحار من الأراضي اللبنانية المحتلة؟!
­ إن ما حققته المقاومة الوطنية اللبنانية من إنتصار مشرّف على العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان, كان ثمرة للتضحيات الكبيرة التي قدمتها هذه المقاومة ولبطولاتها التي أذهلت العدو ونالت إحترام العالم وتقدير شعوبها.
ونحن في سوريا كنا على يقين كامل بأن الشعب اللبناني الشقيق سينتصر في نهاية المطاف, لذلك لم نفاجأ كغيرنا بهذا الإنتصار الرائع الذي تحقق في جنوب لبنان, لأننا نعرف من دروس التاريخ, قديمها وحديثها, بأنه ما من شعب يصمم على النضال والكفاح في سبيل حريته والدفاع عن أرضه وكرامته لا بد إلا أن ينتصر, طال الزمن أم قصر.
كما أود أن أضيف هنا أننا في سوريا نعتبر أنفسنا شركاء مع أشقائنا اللبنانيين في السراء والضراء وفي معارك الصمود والإنتصار, حيث كما تعلمون استقبل قطرنا من أقصاه الى أقصاه الخبر بمشاعر البهجة والفرح وأحاسيس الفخر والإعتزاز, واحتفل مع اللبنانيين بالإنتصار الذي تحقق في لبنان يوم 25 أيار عام 2000 من إندحار للقوات الإسرائيلية الغازية مخلفةً وراءها أذيال الخيبة والعار.
وفي هذا المجال يمكن القول أيضاً, أن درس جنوب لبنان المنتصر على الجيش الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة يؤكد لنا من جديد أن النصر حليف المصممين على النصر, المستعدين لتقديم التضحيات بلا حدود, المؤمنين بقدسية الشهادة وعظمتها. وهذا ما نراه اليوم يتكرر في جميع أراضي فلسطين المحتلة, حيث إنتفاضة أهلنا هناك تتصاعد وتلحق بالعدو الإسرائيلي خسائر مادية وبشرية كبيرة, رغم حرب الإبادة والتجويع والحصار التي يشنها شارون وأركان حكمه المتعطشون للدماء.
وبهذه المناسبة أتوجه بتحية إكبار وإجلال لأرواح شهداء المقاومة الوطنية اللبنانية الذين رفعوا رأسنا عالياً, كما أتوجه بكل عواطف التأييد والدعم غير المحدود لنضال شعبنا العربي الفلسطيني الذي يسطّر اليوم أروع ملاحم البطولة والفداء على طريق النصر والتحرير وإلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني وحلفائه ومؤيديه, مؤكداً في الوقت نفسه أن شعب فلسطين سينتصر في معركته المشرّفة ونضاله المشروع كما انتصر شعب لبنان من قبل, وكما انتصرت جميع حركات التحرر والإستقلال الوطني في شتى بقاع العالم.

العلاقات بين الجيشين الشقيقين

- كيف ترون العلاقات بين الجيشين اللبناني والسوري وما هي آفاق تطويرها؟!
­ تعود العلاقات بين الجيشين الشقيقين السوري واللبناني الى مرحلة نضال سوريا ولبنان معاً لنيل الإستقلال الوطني, والى بداية تأسيسهما في الأول من آب عام 1945, وهو اليوم الذي يحتفل فيه الجيشان والبلدان بهذه الذكرى الغالية التي تؤكد العلاقات الأخوية بينهما.
إن إختلاف بعض الظروف المحيطة بالجيشين الشقيقين لم يؤثر على هذه العلاقات, لأن القواسم المشتركة الأساسية بقيت واحدة, وأخذت تتنامى عبر السنين, ولا سيما في ظروف مساهمة الجيش العربي في دفع المؤامرة عن لبنان التي بدأت في عام 1975.
وأيضاً خلال تصديه لإجتياح القوات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية عام 1982, حيث خاضت قواتنا المسلحة فوق التراب اللبناني أروع معارك البطولة والفداء دفاعاً عن عروبة لبنان وإستقلاله وأمنه.
لقد قدّمت القوات المسلحة السورية الدعم والمساعدة المتعددة الجوانب للجيش اللبناني الشقيق من أجل إعادة بنائه والتي تمت بنجاح كبير بقيادة السيد العماد إميل لحود, وأصبح جيش لبنان يحمل كل السمات الوطنية والقومية مجسداً وحدة لبنان ورافعاً راية الدفاع عن ترابه الوطني ضد العدو الإسرائيلي, وتستمر عملية بناء الجيش بقيادة العماد ميشال سليمان على نفس الطريق.
ولا تتوقف عملية الدعم والتنسيق والتعاون بين الجيشين, بل تستمر يومياً في كافة المجالات. ويشهد على ذلك اللقاءات المتتالية بين قيادات الجيشين في كل من دمشق وبيروت, إضافة لتبادل الوفود والبعثات العسكرية وتنفيذ مجموعة من النشاطات العسكرية التدريبية المشتركة.
وفي ضوء ذلك فإن مستقبل العلاقة بين الجيشين الشقيقين يبشر بالخير والتطور المطرد, وسيشهد مزيداً من إجراءات التنسيق والتعاون.
وبمناسبة الذكرى الغالية, ذكرى الأول من آب المجيدة, أتوجه الى قيادة الجيش اللبناني والى ضباطه وصف ضباطه وأفراده جميعاً بأحر التحيات وأجمل الأمنيات, راجياً للجيش الشقيق مزيداً من النجاح في تحقيق مهامه الوطنية والقومية, ونحن في سوريا سنظل نمد يد الأخوّة للجيش اللبناني ولن نبخل بأي شيء يساهم في زيادة قوته ومنعته وصموده.

إستمرار الإنتفاضة في كفاحها يضع حكومات العالم أمام مسؤولياتها في إيجاد حل لقضية الصراع العربي الإسرائيلي

تجربة الحروب الحديثة

- تفيد بعض الدراسات العسكرية الإستراتيجية بوجود تفوق إسرائيلي في بعض أنواع الأسلحة وبخاصة أسلحة الدقة العالية وهذا ­ كما هو معروف ­ يعود للدعم الأميركي غير المحدود, كيف ترون إمكانية التصدي لهذا الوضع؟
­ قد يكون لتفوق العدو في نوع معين بعض المزايا التي تؤثر على سير المعارك. لكن هذا الأمر لا يشكل خللاً خطيراً لا يمكن مواجهته. فهناك في الميدان عناصر أخرى يمكن أن تواجه هذا النوع من التهديد.
وكما تعلمون فإنه لا يوجد سلاح إلا ويقابله سلاح مضاد له, وهذه قاعدة جدلية تحكم مسألة صراع الوسائل الأبدي. فإذا كانت إسرائيل تمتلك أسلحة الدقة العالية, فإننا نعمل بجدية لإيجاد الوسائط والإجراءات المضادة لها أو القادرة على إتقاء شرها وتحييد مفعولها, وليس مستحيلاً التوصل الى الرد المناسب على هذا النوع من السلاح.
فقد أثبتت تجربة الحروب الحديثة أنه بالإمكان تحقيق ذلك عملياً, وخير مثال على ذلك نتائج الحملة الجوية الأطلسية على البلقان في كوسوفو, حيث تمكنت القوات اليوغسلافية من إضعاف وتقليل تأثير هذه الأسلحة بدرجة كبيرة.

الإنتفاضة الفلسطينية وتأثيراتها

- يواجه الشعب الفلسطيني الإحتلال الإسرائيلي بانتفاضة شعبية عارمة مضى عليها سنة ونصف تقريباً, ولم تتمكن حكومة شارون من إخمادها, ما هو انعكاس هذه المواجهة على الأوضاع في المنطقة العربية؟
­ لا نبالغ إذا قلنا أن انتفاضة الشعب الفلسطيني شكّلت تحولاً هاماً وخطيراً في مسألة الصراع العربي ­ الصهيوني, وكانت الحد الفاصل بين مرحلة سابقة ومرحلة لاحقة, وقد انعكس هذا التحول بوضوح على الأوضاع في المنطقة العربية, حيث نبهت العرب الى خطورة ما يجري في الأراضي العربية المحتلة, وكان بمثابة الإنذار الذي أيقظ الشارع العربي من حالة الركود, وحرّك لديهم بواعث النهوض القومي, ثم إنها ­ أي الإنتفاضة ­ جعلت الإسرائيليين يشعرون أن لا أمن لهم مع الإحتلال, أي أنها اسقطت نظرية الأمن الإسرائيلي, وهو ما أشار إليه السيد الرئيس بشّار الأسد في قمة بيروت الأخيرة, عندما قال: “الإنتفاضة.. أفهمت الإسرائيليين أو بدأت تفهمهم أن الأمن لا يأتي من نظرية أمن, وإنما الأمن يأتي من نظرية سلام, ومن تطبيقات هذه النظرية...”.
ولأول مرة يشعر العالم بضرورة البحث عن السبل الكفيلة بتحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة, نظراً لأهمية ذلك بالنسبة للأمن والسلام العالميين. وربما لأول مرة أيضاً يكتشف الغرب الأوروبي, ودول أخرى في العالم أن إسرائيل هي مصدر التهديد الفعلي للإستقرار في المنطقة, بسبب إحتلالها لأراضي الآخرين بالقوة, وبسبب إستمرار حكّامها في سياستهم القمعية والإرهابية بحق الأبرياء من أبناء شعب فلسطين.
والواقع أنه بمقدار ما تستطيع الإنتفاضة الإستمرار في كفاحها, وهذا الأمر يتوقف بالتأكيد على دعم العرب لها, فسوف تحقق المزيد من تأثيرها على المجتمع الدولي وسوف تضع حكومات العالم أمام مسؤولياتها للضغط على إسرائيل وإيجاد حل لهذه القضية.

تعزيز وحدة لبنان

- منذ دخول الجيش العربي السوري الى لبنان, لعب الدور الأساس في الحفاظ على وحدة الشعب والأرض والمؤسسات ومنع التقسيم, وقدم الشهداء, وساعد على توحيد الجيش اللبناني. ما هو الدور المستقبلي لسوريا الأسد في تعزيز وحدة لبنان, ودعم مؤسساته الشرعية, وخصوصاً الجيش اللبناني؟
- كما تعلمون, إن سوريا كانت دائماً الى جانب لبنان جيشاً وشرعية, ولم تدخر جهداً في سبيل إعادة اللحمة الوطنية بين صفوف أبنائه عندما كان العملاء يتآمرون على هذه اللحمة الوطنية, إرضاءً لرغبات حكّام إسرائيل في الإبقاء على لبنان ضعيفاً ممزقاً, لا يقوى على الإضطلاع بدوره الوطني وممارسة مهمته القومية في التصدي لمخططات الأعداء, والدفاع عن قضايا الأمة المصيرية, وفي مقدمتها قضية فلسطين.
وكما كان موقف سوريا حيال لبنان في الماضي, كذلك هو موقفها اليوم, ولا سيما أن التحديات الآن هي أكثر بكثير, وتتطلب موقفاً أكثر حزماً وصلابة, إنطلاقاً من أن أمن سوريا من أمن لبنان, وإستقرارها من إستقراره, وأي إضعاف للبنان هو إضعاف لسوريا...
وهذه الحقائق تفرض نفسها في الواقع, وأصبحت قاعدة يستند إليها كل حوار غايته خدمة العلاقة الأخوية بين القطرين الشقيقين.
ونظراً لأهمية هذه المسألة, فقد شدد الرئيس بشار الأسد أثناء لقائه مع وفد قيادة حزب الكتائب اللبناني, على “ضرورة حماية الحوار الهادف والسليم الذي يوفر مناخاً إيجابياً على كل المستويات ويقرب المسافات بين الأفراد والخيارات على تنوعها”.
في ضوء ذلك ستستمر سوريا في أداء دورها المستقبلي في لبنان وفقاً لسياستها المبدئية, من خلال العمل على تعزيز قوة الدولة اللبنانية والجيش اللبناني وتقديم كافة أنواع الدعم له.

مواجهة الأخطار والتحديات

- في ظل الظروف الدقيقة التي تعيشها المنطقة وبخاصة بعد رفض إسرائيل مبادرة السلام التي تبنتها قمة بيروت, ما هي أهم التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي؟ وما هو العمل العربي المشترك اللازم لمواجهة هذه التحديات؟
­ إن التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي كثيرة ومعقدة, فهناك أخطار خارجية وداخلية. يأتي على رأس هذه الأخطار والتحديات الأطماع الإسرائيلية التي لا تقف عند حد معين, بل تتجاوز كل الحدود. وقد أثبتت إسرائيل أنها دولة لا تريد السلام, بل تريد التوسع على حساب الأرض العربية, وإخضاع الأقطار العربية واحدة تلو الأخرى لإرادتها والهيمنة على مقدرات الوطن العربي, مؤكدة ذلك من خلال تهديداتها الدائمة للدول العربية وخاصةً سوريا, للضغط عليها من أجل قبول حل مسألة الصراع العربي الصهيوني وفق إرادتها.
وفي ظل الظروف العالمية الجديدة وما تحمله من مخاطر وقيود, إزداد بشكل أو بآخر حجم هذه الأعباء والتحديات, الأمر الذي يفرض على العرب مفهوماً جديداً للأمن القومي يأخذ بالحسبان كل هذه المتغيرات والتحديات الجديدة التي تحملها معها ظاهرة العولمة.
من هذه التحديات, حجب التقنية العسكرية عن الدول العربية ولا سيما الأسلحة المتطورة, في حين أن إسرائيل تحصل على أحدث ما توصلت إليه التقنية الأميركية.
وهناك أيضاً التحالفات الأمنية والعسكرية التي ترعاها الولايات المتحدة, وكذلك الدور الجديد للحلف الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط الذي أصبح يتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وغيرها بحجة مكافحة الإرهاب, ومحاولة إعادة ترتيب أوضاع المنطقة كما تفعل الولايات المتحدة حالياً مع العراق تحت غطاء أنه يمتلك أسلحة التدمير الشامل.
وهناك أيضاً تحديات تهمة الإرهاب التي أصبحت سلاحاً فتّاكاً بيد الولايات المتحدة تشهره في وجه من لا ترضى عنه, وضد البلدان التي تطمع بالسيطرة عليها.
أما الأخطار الداخلية التي تواجه الأمن القومي العربي فتتمثل بالتحديات الإقتصادية المختلفة, والخلافات العربية, وهجرة الأدمغة.
وأمام هذه التحديات, يتوجب على العرب صياغة إستراتيجية موحدة لمواجهتها, صياغة ترتكز على تضامن عربي فاعل في كل المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية والعلمية والإعلامية, وهذا يتطلب تنسيقاً للجهود العربية في المجالات كافة.
كما يتطلب بشكل خاص تعاوناً عسكرياً بين الدول العربية يضمن إقامة قوة عربية من شأنها وضع حد للتهديد الإسرائيلي, وإرغام دولة الكيان الصهيوني للإنصياع لقرارات الشرعية الدولية. إضافة الى ذلك تتطلب مواجهة تحديات الأمن القومي العربي التعاون العربي في المجالات العلمية, بهدف تكوين كفاءات عربية والتخفيف من هجرة العقول العربية وتبادل الخبرات العربية واستقطاب الخبرات المهاجرة, ومن ثم تطوير الصناعات العربية في مختلف المجالات وبخاصة الصناعة العسكرية بما يتناسب وظروف المعركة الحديثة التي تتطلب أنظمة تسليح متطورة.
وخلاصة القول أن مواجهة الأخطار والتحديات التي يواجهها الأمن القومي العربي لا يمكن أن تكون فاعلة ومثمرة من دون الإقرار بحقيقة بسيطة وواضحة, وهي أن الحل يكمن في التعاون والتنسيق والتكامل بين العرب لأنه المقدمة الضرورية لأية سياسات, وفي ذلك مكسب وفائدة لكل قطر عربي على حدة وللأمة العربية بكافة أقطارها.

العرب مدعوون الى مزيد من التعاون والتنسيق من أجل مواجهة التحديات والظروف العالمية الجديدة