نحن والقانون

في القانون التسوّل جريمة في الشوارع المتسوّلون بالآلاف
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محامٍ بالإستئناف

التسوّل ظاهــرة اجتماعيــة قديمة وخطيـرة، وقد استفحلت في لبنان خلال الآونة الأخيرة في ظل التردّي المستمر للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتزايد أعداد النازحين السوريين، واندفاع قسم كبير منهم للتسوّل. وقد يكون المتسوّل (رجلًا أو امرأة أو طفلًا) إبن عائلة كريمة اضطرَّته الظروف القاسية للتسوّل، كما قد يكون التسوّل مهنة مربحة ومصدر رزق البعض لأنه الطريق الأسهل لجمع المال، وأحيانًا يتم بشكل مقنّع تحت ستار ممارسة أعمال بسيطة كمسح زجاج السيارات أو بيع سلع بخسة الثمن.
 

التسوّل بداية الطريق إلى الانحراف
يؤدّي التسوّل إلى انحراف أكثر من 70% من أطفال الشارع وقيامهم بأعمالٍ إجرامية. وقد بيّنت الإحصائيات في بداية العام 2015 أن اكثر من 1500 طفل يعيشون في الشوارع اللبنانية، علمًا أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بـ3 مرات، وأن 73 % من بين هؤلاء الأطفال سوريون وفلسطينيون.
أسباب التسوّل متعدّدة، منها: الفقر والعوز والبطالة والفراغ القاتل والظروف الإقتصادية الصعبة وعدم التعلّم أو التمرد أو سوء المعاملة في المنزل أو في المدرسة، وضعف الملاحقة القانونية. ويضاف إلى ذلك الحروب الأهلية والنزاعات وعدم ممارسة المؤسسات المختصة (الحكومية وغير الحكومية) لدورها، وانتشار مافيات الشوارع التي تستغلّ المتسوّلين.
قد تدفع ممارسة التسوّل إلى تفشّي الجريمة كونها بداية الطريق للسرقة والانحراف والفساد الأخلاقي والاعتداءات الجنسية وتعاطي المخدرات، كما أنها تؤثّر على نمو الأطفال البدني والذهني والنفسي وتحرمهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي كما تحرمهم أبسط حقوقهم... وقد تُعرّض المرأة للانحراف السلــوكـي وتعوّد الرجل على البطالة والكسل مما يؤثّر سلبًا على إنتاجية المجتمع الاقتصادية. فالتسوّل يسيىء إلى المجتمع ككل ويكشف عن تقاعس الدولة ومؤسساتها المختصّة وهيئات المجتمع المدني عن القيام بدورها.
 

التسوّل كجريمة
اعتبر المشترع اللبناني أن التسوّل جريمة وعقوبتها منصوص عنها في المادة 610 وما يليها من قانون العقوبات. فمن كانت له موارد، أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل، واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان، إما صراحة أو تحت ستار أعمال تجارية، عوقب بالحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر. ويمكن، فضلًا عن ذلك، أن يوضع في دار للتشغيل (م79 عقوبات)، ويعتمد هذا التدبير وجوبًا في حالة التكرار.
ومن أصبح بسبب كسله أو إدمانه السكر أو المقامرة مجبرًا على استجداء المعونة العامة أو الإحسان من الناس عوقب بالحبس مع التشغيل من شهر إلى ستة أشهر. وللقاضي، فضلًا عن ذلك، أن يحكم بوضع المحكوم عليه بإحدى دور التشغيل ومنعه من ارتياد الحانات التي تباع فيها المشروبات (م79 و80 و611 عقوبات). ومن غادر مؤسسة خيرية تعنى به وتعاطى التسوّل، عوقب، ولو كان عاجزًا، بالحبس للمدة المذكورة أعلاه (م612 عقوبات). وتشدّد العقوبة إذا كان المتسوّل يستجدي في أحد الظروف الآتية:
1- بالتهديد أو أعمال الشدّة.
2- بحمل شهادة فقر كاذبة.
3- بالتظاهر بجراح أو عاهات.
4- بالتنكّر على أي شكل كان.
5- باستصحاب ولد غير ولده أو أحد فروعه ممن هو دون السابعة من العمر.
6- بحمل أسلحة أو أدوات خاصة باقتراف الجنايات أو الجنح.
7- بحالة الاجتماع ما لم يكن بين الزوج وزوجته أو العاجز ومساعده. حيث تصبح العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين مع التشغيل فضلًا عن وضع المتسوّل في دار للتشغيل إذا كان غير عاجز، ويعاقب بالحبس البسيط للمدة نفسها إذا كان عاجزًا. ويمكن كذلك أن يفرض عليه تدبير الحرية المراقبة (م613 عقوبات).
 

عقوبات تطال الأهل
تشمل العقوبات أيضًا أهل القاصر فيعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة من 20 ألفًا إلى مئة ألف ليرة، والدا القاصر الذي لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو أهله المكلفون إعالته وتربيته إذا لم يوفّروا له حاجاته الأساسية على الرغم من اقتدارهم وتركوه متشرّدًا (م617 عقوبات). كذلك يعاقب القانون من دفع القاصر للتسوّل بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة تراوح بين الحد الأدنى للأجور وضعفه (م618 عقوبات). أما الأجانب فيحكم عليهم بالمواد المذكورة ويمكن أن يقضي الحكم بطردهم من لبنان (م 621 عقوبات).
كذلك ينظر القانون اللبناني إلى التسوّل على أنّه من جرائم الإتجار بالأشخاص وهو يضعه في إطار استغلال حالة ضعف لدى هؤلاء، ويشدد العقوبات الخاصة به. وتراوح هذه العقوبة بين الحبس لمدة حدها الأدنى خمس سنوات وقد تصل إلى 15 سنة في حدها الأقصى. أما الغرامة فتراوح بين 100 و600 ضعف الحد الأدنى للأجور، وذلك وفق ظروف ارتكاب الجريمة وما ينتج عنها من أذى، ووفق صفة الشخص المرتكب ودرجة قرابته من المتضرر.
 

الإعفاء من العقاب أو تخفيفه
يعفى من العقوبات كل من بادر إلى إبلاغ السلطة الإدارية أو القضائية عن الجرائم المذكورة وزوّدها معلومات أتاحت إما كشف الجريمة قبل وقوعها وإما القبض على مرتكبيها أو شركاء أو متدخّلين فيها أو محرّضين عليها، وذلك في حال لم يكن الشخص الذي يقوم بالتبليغ مسؤولًا بصفته مرتكب الجريمة (المادة 586 مكرر 5 عقوبات).
ويستفيد من العذر المخفّف من زوّد السلطات المختصة، بعد اقتراف الجرائم المذكورة بمعلومات أتاحت منع تماديها (المادة 586 مكرر 6 عقوبات).
كما يعفى من العقاب المجنى عليه الذي يثبت أنه أُرغم على ارتكاب أفعال معاقب عليها في القانون أو خالف شروط الإقامة أو العمل. ويجوز لقاضي التحقيق أو القاضي الناظر في ملف الدعوى، بموجب قرار يصدره، أن يجيز للمجنى عليه الإقامة في لبنان خلال المدة التي تقتضيها إجراءات التحقيق (المادة 586 مكرر 7 عقوبات).
إلى ذلك تصادر المبالـغ المتأتية عن الجرائم المذكورة، وتودع في حسـاب خاص في وزارة الشؤون الاجتمــاعيـــة لمساعدة ضحايا هذه الجرائم. وتحدَّد بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الشؤون الاجتماعية، الأنظمة العائدة للحساب (المادة 586 مكرر 9 عقوبات).
ولوزير العدل أن يعقد اتفاقات مع مؤسسات أو جمعيات متخصِّصة لتقديم المساعدة والحماية لضحايا هذه الجرائم. وتحدَّد الشروط الواجب توافرها في هذه المؤسسات والجمعيات وأصول تقديم المساعدة والحماية بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل (المادة 586 مكرر 8 عقوبات).
 

محاولات مكافحة جريمة التسوّل
وضع وزير العمل في العام 1999 «خطة اطفال الشوارع»، لمكافحة هذه الآفة, إلا أنها لم تؤد إلى نتائج ملموسة. ثم تبنت وزارة الداخلية مشروع منظمة العمل الدولية لمكافحة عمالة الاطفال ورعايتهم وتأهيلهم تربويًا ومهنيًا وضمان عدم عودتهم إلى الشوارع (I.P.E.C. International Program for the Elimination of Child Labour)، والذي يشمل حماية الأطفال الذين يعملون في أماكن خطرة على صحتهم، أو أولئك الذين يتسوّلون في الشوارع، وتأهيلهم عبر برامج خاصة تضمن لهم مستقبلًا جيدًا، آمنًا وبعيدًا عن كل الاخطار. إلا أنه وعلى الرغم من كل ذلك، ظلت أعداد هائلة من المتسوّلين في شوارع كل لبنان...
لذلك، يجب تفعيل التعاون بين الأجهزة الرسمية وهيئات المجتمع المدني، محليًا ودوليًا، لمكافحة هذه الظاهرة الخطرة ومعالجتها جذريًا، من خلال خلق فرص عمل، والتشجيع على القيام بمشاريع إنتاجية صغيرة ومتوسطة، ودعم هذه المشاريع من الدولة والهيئات المعنية الرسمية وغير الرسمية، وإيجاد مأوى للعجزة والمحتاجين، ووضع برنامج متطوّر للتوعية ولعدم التعاون أو التعاطف مع أي متسوّل، على أن يترافق ذلك مع تطبيق مشدد للقانون ومعاقبة كل متسوّل أو مستغل للأطفال أو النساء أو العجزة أو المعوَّقين...
 

المراجع:
http://www.annahar.com/article/214562- المصدر: «أ ف ب»  16/2/2015 دراسة بعنوان: «اللاجئون السوريون يشكّلون أكبر أعداد أطفال الشوارع في لبنان».
http://atfalcharee.blogspot.com